دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
هي القصة نفسها منذ بدء الأزمة السورية: حرب اقتصادية ترافق الحرب العسكرية على دمشق، لكنها تطفو اليوم على السطح بسبب همود الحراك على المستويين الميداني والدبلومسي. وكالعادة، رأس الحربة خليجي، سعودي هذه المرة، وطبعاً لبنان في «كل عرس له قرص»
خلال رمضان العام الماضي، كان بإمكان سكان العاصمة السورية سماع قعقعة سلاح المعارضة المتاهبة انطلاقاً من مناطق ريفها اللصيق بها لبدء «غزوة دمشق». لكن صورة العاصمة الآن، ضمن مشهد الحرب السورية في رمضان عام ٢٠١٣، باتت مختلفة تماماً. فدمشق أصبحت مؤمّنة داخل نطاق حزام فرضه الجيش حولها بقطر يقارب عشرة كيلومترات. وحده مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين لا يزال يشكل داخل منطقة ريفها اللصيق بها، لساناً جغرافياً للمسلحين يزعج الخاصرة الجنوبية الرخوة لدمشق. والقرار بإعادة الأمن فيه مؤجل، بحسب مصدر سوري أمني، وتنفيذه متروك لجيش التحرير الفلسطيني، لكن بالوقت المناسب؛ فالجيش السوري لن يدخل المخيم. يتردّد في كواليس النظام أنّ صائب عريقات الذي رافق محمود عباس أخيراً إلى لبنان، تسلّل سراً إلى دمشق ثاني أيام زيارته، والتقى مسؤولين كباراً فيها. ثمة تكتّم في سورية على معلومة الزيارة، ولكن ما يشي بأنها حصلت فعلاً، هو إسهاب المسؤولين السوريين بالمديح بموقف الرئيس محمود عباس من الأزمة السورية. وغالباً ما يستدرجهم الحديث عنه إلى عقد مقارنة بينه وبين خالد مشعل. الأخير لم يقرأ على ما يبدو قصيدة محمود درويش في شكر تونس: «لن أقول وداعاً». هكذا تعلق المرارة السورية على جحود مشعل. ويؤكد المسؤولون السوريون أنّ كل مكاتب حماس في سورية وضعت بتصرف فتح - محمود عباس. انتهى زمن الانحياز السوري إلى حماس، وكلّ مشاعر الامتنان معقودة لأبي مازن. وثمة همس سوري رسمي عن أحمد جبريل: حفظ رمزيته كقامة فلسطينية لن تمسّ، لكن مكانته في سورية لن تنسحب على ولديه. ويشار إلى أحدهما بإصبع الخشية، نظراً إلى وجود ازدواجية في ميوله للجيشين العربي السوري والحر (!).
اكتشف السوريون، خلال العامين الماضيين، «عقدة» دمشق الفلسطينية. يقول بعض مسؤوليها إنّ الفلسطينيين شيء وفلسطين شيء آخر، تماماً كما أنّ الإسلاميين شيء والإسلام شيء آخر. ومعادلة التفريق المرير بين الضوء وظله تطاول العرب أيضاً: يسمونهم العربان.
الحرب الاقتصادية
يقول مصدر سوري متصل بخلية الأزمة وبملفاتها المختلفة، إنّ الحرب الكونية على سورية دخلت الآن مرحلة الحرب الاقتصادية ضدها. وتؤدي السعودية دور رأس الحربة فيها، مع ملاحظة تواطؤ لبناني «لوجستي _ مالي» في إطارها.
ويكشف عن تفاصيل واقعة عملية واحدة، على اعتبار أنها نموذج عن عشرات الوقائع المشابهة لها الجارية يومياً. وكلها تستهدف بتطبيق أساليب لسحب الليرة السورية من البلد. ويقول: «أخيراً اكتُشف أحد العملاء السوريين المنخرطين بتنفيذ أهداف الحرب الاقتصادية، وبعد التحقيق معه تبين أنه سحب من السوق السوري على دفعات مبلغ ٨ مليارات ليرة سورية، في خلال فترة قصيرة. ويوازي هذا المبلغ بسعر صرف الليرة السابق، نحو مليار ونصف مليار دولار». ويعلق: «هذه حالة واحدة من مئات الحالات التي يقوم بتنفيذها جيش صغير من العملاء الماليين المكلفين تطبيق جهد الحرب الاقتصادية على سورية، عبر أساليب مختلفة أبرزها جذب الليرة السورية إلى خارج البلد».
وبحسب المصدر عينه، «تشير المعلومات إلى أنّ الليرة السورية يجري جذبها أساساً إلى لبنان، ومنه تشحن إلى السعودية. ولدينا معطيات تشير إلى أنّ مصرف لبنان المركزي متورط في هذه العمليات». ويلفت «إلى وجود معطيات عدة تدلّ على تقصّد جذب العملة السورية إلى لبنان، منها حقيقة أنّ سعر صرف الدولار داخل لبنان قريباً من الحدود مع سورية، أرخص بأربع ليرات من سعر صرفه هنا». قصارى القول - يختم المصدر - أنّ هناك عملية ضرب لاقتصاد البلد وتعريض عملته الوطنية للانهيار.
ثمة إجراءات يتخذها المستوى الاقتصادي الرسمي، لمطاردة المضاربين بالعملة، رغم أن هذا النوع من الحروب يحتاج إلى تفريغ لواء من الاستخبارات المالية للتفرغ لهذه الجبهة المعقدة.
تغيير حكومي
لا يستبعد المصدر عينه حدوث شكل من التغيير الحكومي في سوريا، أغلب الظن سيكون تعديلاً فيها. والسبب الرئيسي الذي يحدو إلى ذلك، هو مراعاة تقليد متبع في الحياة السياسية السورية، قوامه أن يحدث بعد كل مؤتمر قطري لحزب البعث، تغيير حكومي. ولكن هذه المرة قد يُكسَر هذا التقليد، لأن الحزب وفق التعديل الدستوري الأخير، لم تعد له صفة الحزب الحاكم.
«جنيف ٢»
لا شيء جديد على مستوى التقدم على خط عقد مؤتمر «جنيف ٢». هكذا ترى دمشق محصلة نتائج المساعي الدولية لعقده: السياسة الأميركية تستمر في حيرتها تجاه الأزمة السورية، وهذا ما أدى إلى اتجاهها، تارةً إلى تسليح المعارضة وطوراً باتجاه معاكس. وفقط منذ أسبوع قرأنا استقراراً في موقف أوباما لجهة اعتماده الحل السياسي كقرار نهائي له. ومعلوماتنا أنّ البيت الأبيض على وشك أن يستدعي المبعوث الأممي الأخضر الإبراهيمي إلى واشنطن للتباحث معه في الأزمة السورية ووضع تصور تحرك ما. ولكن لا يعني ذلك أنّ جنيف على الأبواب. يقول الرئيس باراك أوباما إنّ موعده تأجل إلى الخريف المقبل. ونحن نعرف أنّ الخريف هو فصل من ثلاثة أشهر. الموعد مطّاط ويعبّر بدقة عن انعدام وضوح الرؤية بصدده. والعرب من نادي أصدقاء سوريا يقولون إنّه ليس من الحكمة عقد مؤتمر «جنيف ٢» في ظل اختلال التوازن العسكري لمصلحة النظام. دمشق تصف هذه المعادلة بأنها سطحية؛ فالمعارضة الآن تسيطر على منطقة بنّش في شمال سوريا، ولكن كيف يمكنها أن تسيّل ذلك سياسياً داخل قاعة المفاوضات، سنقول لهم: صحيح أنكم تسيطرون على بنّش، ولكن في اللحظة التي يريد فيها الجيش استرجاعها فإنّه سيفعل ذلك بغضون أيام. هذه الورقة ساقطة على مستوى توظيفها سياسياً.
قلق على الأمن في لبنان
ترى دمشق أنّ لبنان يقع في هذه المرحلة على خط الزلزال المتحفز للانفجار. وبحسب معلومات المصدر عينه، فإنّ ثلاثة مستجدات حصلت أخيراً من شأنها أن تؤدي إلى انفجار الوضع الأمني في بلد الأرز، أولها هروب قسم كبير من مسلحي القصير إلى لبنان، وهؤلاء قنبلة موقوتة. الثاني وجود خطة لدى المعارضة لتفجير الوضع الأمني في المنطقة اللبنانية المحاذية لمناطق الزبداني ـ القلمون التي يتحفز الجيش السوري لبدء معركة شاملة من أجل إعادتها لحصن الدولة. الثالث وجود قرار لدى جبهة النصرة بالتعاون مع قوى سلفية موجودة في لبنان بشنّ حرب أمنية على حزب الله.
المصدر :
الأخبار/ ناصر شرارة
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة