تخوض إسرائيل معركة صد سياسية واسعة بعد إخفاقها في فهم أبعاد الخطوة الأوروبية بالإصرار على عدم الإقرار بسياسة الأمر الواقع ورفض قبول المستوطنات في الضفة الغربية جزءا من إسرائيل. وشرع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو باتصالات مكثفة مع قادة أوروبيين، ولكن بشكل أساسي مع الإدارة الأميركية، لتأجيل سريان القرار الأوروبي، تمهيداً لعرقلته. ومع ذلك، ثمة أوساط إسرائيلية تخشى من أن تكون الخطوة الأوروبية منسقة أصلاً مع الإدارة الأميركية، التي لا تبدي ارتياحها للعرقلة الإسرائيلية الواضحة لمساعي وزير الخارجية جون كيري لتحريك عملية التسوية مع الفلسطينيين.

وتشير أوساط إسرائيلية إلى أن المعنى الحقيقي للخطوة الأوروبية هو بدء فرض مقاطعة على إسرائيل بالتدريج. وتضيف: ان القرار الأوروبي يعني إسرائيل عموماً وليس فقط المستوطنات، وانه كان نتاج أخطاء استراتيجية تتحمل حكومات إسرائيل المتعاقبة جزءا من المسؤولية عن اقترافها. فقد تجاهلت هذه الحكومات، وخصوصاً الحالية، على مر السنين، ضجر أوروبا من مماطلة إسرائيل في حل المشكلة الفلسطينية وتساهل الإدارة الأميركية.

وكان القرار الأوروبي قد أثار خلافات داخل الحكومة الإسرائيلية بين من يعتبرونه عنواناً للعداء الأوروبي لليهود وبين من يرونه تجسيداً لتلكؤ إسرائيل في فهم المقاصد الدولية الحقيقية. وأشار خبراء في القانون الدولي إلى أن الاتحاد الأوروبي مارس سياسة دؤوبة معادية للمستوطنات، ولم يُخْفِ موقفه عن إسرائيل. وهذا يناقض الرؤية التي حاولت الخارجية الإسرائيلية تسويقها والقائلة بأن الاتحاد الأوروبي أخفى عن إسرائيل نواياه بهذا الشأن. ويشدد الخبراء على أن إسرائيل تجاهلت بشكل أساسي الرسائل الأوروبية الواضحة خصوصاً في العام الماضي.

وشرحت المحامية كارين دوزوريتش من دائرة القانون الدولي في الخارجية الإسرائيلية القرار الأوروبي، وأوضحت أمثلة عن القيود التي فرضها الاتحاد على التعامل مع الحضور الإسرائيلي خارج حدود 1967. وأشارت دوزوريتش إلى أن الاتحاد رفض المصادقة على مشاركة مدارس في الجولان في مشروع «يوروميد» للشباب، كما رفضت سريان مشروع «تمبوس» لتحديث التعليم العالي في أي مؤسسات إسرائيلية خارج الخط الأخضر. كذلك، رفض الاتحاد، ضمن مشروع «Twining»، إشراك أي مؤسسات تعمل في المناطق المحتلة أو حتى أشخاص يقيمون في المستوطنات. وفضلاً عن ذلك، منعت أوروبا أي تسهيلات ضريبية لشركة «أهفا» للتجميل التي تعمل على البحر الميت، مثلما رفضت ألمانيا إشراك المركز الجامعي في مستوطنة «أرييل» في أي أبحاث ضمن التعاون بين الدولتين.

ولاحظت المحامية أنه بموجب القرار الأوروبي قد تتعرض المؤسسات التعليمية الإسرائيلية داخل الخط الأخضر لعقوبات بسبب تعاملها مع مستوطنات أو مستوطنين.

ومن المنتظر أن يرتبك الموقف الإسرائيلي عند التوقيع للمرة الثامنة على المشاركة في مشروع «هورايزن» للبحث العلمي بسبب «البند الإقليمي». فإذا رفضت إسرائيل التوقيع على الاتفاق، فإن أيا من مراكز البحث الكثيرة، التي تحظى بتمويل أوروبي كبير، لن تناله بعد الآن. وقد حذرت دراسة لوزارة العلوم من أنه في هذه الحالة ستخسر إسرائيل مئات الملايين من اليورو. فالأمر من الآن فصاعداً ليس مقاطعة جزئية أو موضعية، وإنما مقاطعة من جانب 28 دولة أوروبية ملتزمة بالقرار، الذي يحظر تقديم هبات أو قروض أو جوائز أو التعاون مع أي مؤسسة إسرائيلية أو فرد خارج الخط الأخضر.

وبرغم المعركة السياسية الدائرة، بدأت معركة تبادل الاتهامات داخل إسرائيل، خصوصاً بين الوزراء ووزارة الخارجية. ومعروف أن نتنياهو هو وزير الخارجية الفعلي بعدما ترك الحقيبة لنفسه إثر تقديم زعيم «إسرائيل بيتنا» أفيغدور ليبرمان للمحاكمة بتهم تتعلق بالفساد. ولكن المستوى المهني في الخارجية رد الاتهامات عن نفسه، موضحاً أنه «منذ أشهر ونحن نحذر من تسونامي سياسي يقترب منا ولم يُصْغِ أحدٌ لتحذيراتنا».

وتؤمن الحكومة الإسرائيلية بأن مساعيها لصد القرار الأوروبي سوف تُؤْتِ أُكُلَها قريباً، وأن تأجيلاً ما سيحدث لسريان القرار. وأشاعت أوساط حكومية ان الأوروبيين أوضحوا لها أن القرار يتعلق بالمؤسسات في المستوطنات، وليس بالمستوطنين كأفراد، وأن أوروبا لا تنوي مطالبة كل الشركات الإسرائيلية بالتعهد بعدم تنفيذ أعمال في المستوطنات، وإنما التعهد بعدم استخدام الأموال الأوروبية لأغراض خارج الخط الأخضر.

وأفادت صحف إسرائيلية ان حكومة نتنياهو لا تنوي فقط استخدام أسلوب الرجاء لتلطيف القرار الأوروبي، وإنما أيضاً استخدام أسلوب التهديد. وفي هذا الإطار تدّعي إسرائيل أن مكانتها العلمية تسمح لها بتهديد أوروبا بعدم التعاون معها في مشروع «هورايزن» البيئي، الذي يعتبر واحدا من أكبر المشاريع العلمية في العالم.

وتبلغ ميزانية مشروع «هورايزن» حوالي 800 مليار يورو تنال منها إسرائيل على مدى سبع سنوات أكثر من 600 مليون يورو. وتعتبر الحكومة الإسرائيلية أن الضرر المالي من ترك هذا المشروع بالإمكان تحمله مقارنة بالضرر الذي يلحق بأوروبا التي ستخسر الموارد العلمية في إسرائيل.

ومن جهة ثانية، كشفت صحيفة «هآرتس» النقاب عن أن بريطانيا وفرنسا كانتا بين الأشد حماساً للقرار الأوروبي في المداولات السرية التي سبقت اتخاذه، فيما كان الألمان والإيطاليون والهولنديون أقل حماساً. ومع ذلك اتخذ القرار بتأييد الأعضاء جميعاً. المهم أن بريطانيا طالبت بتوسيع القرار وتضمينه إعلاناً من كل من يرغب في المشاركة في مشروع أوروبي، بالإعلان عن عدم وجود أي صلة له بالمستوطنات في الضفة الغربية والقدس والجولان.
  • فريق ماسة
  • 2013-07-18
  • 10326
  • من الأرشيف

إسرائيل في مواجهة أوروبا: تبادل اتهامات ومعارك داخلية

تخوض إسرائيل معركة صد سياسية واسعة بعد إخفاقها في فهم أبعاد الخطوة الأوروبية بالإصرار على عدم الإقرار بسياسة الأمر الواقع ورفض قبول المستوطنات في الضفة الغربية جزءا من إسرائيل. وشرع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو باتصالات مكثفة مع قادة أوروبيين، ولكن بشكل أساسي مع الإدارة الأميركية، لتأجيل سريان القرار الأوروبي، تمهيداً لعرقلته. ومع ذلك، ثمة أوساط إسرائيلية تخشى من أن تكون الخطوة الأوروبية منسقة أصلاً مع الإدارة الأميركية، التي لا تبدي ارتياحها للعرقلة الإسرائيلية الواضحة لمساعي وزير الخارجية جون كيري لتحريك عملية التسوية مع الفلسطينيين. وتشير أوساط إسرائيلية إلى أن المعنى الحقيقي للخطوة الأوروبية هو بدء فرض مقاطعة على إسرائيل بالتدريج. وتضيف: ان القرار الأوروبي يعني إسرائيل عموماً وليس فقط المستوطنات، وانه كان نتاج أخطاء استراتيجية تتحمل حكومات إسرائيل المتعاقبة جزءا من المسؤولية عن اقترافها. فقد تجاهلت هذه الحكومات، وخصوصاً الحالية، على مر السنين، ضجر أوروبا من مماطلة إسرائيل في حل المشكلة الفلسطينية وتساهل الإدارة الأميركية. وكان القرار الأوروبي قد أثار خلافات داخل الحكومة الإسرائيلية بين من يعتبرونه عنواناً للعداء الأوروبي لليهود وبين من يرونه تجسيداً لتلكؤ إسرائيل في فهم المقاصد الدولية الحقيقية. وأشار خبراء في القانون الدولي إلى أن الاتحاد الأوروبي مارس سياسة دؤوبة معادية للمستوطنات، ولم يُخْفِ موقفه عن إسرائيل. وهذا يناقض الرؤية التي حاولت الخارجية الإسرائيلية تسويقها والقائلة بأن الاتحاد الأوروبي أخفى عن إسرائيل نواياه بهذا الشأن. ويشدد الخبراء على أن إسرائيل تجاهلت بشكل أساسي الرسائل الأوروبية الواضحة خصوصاً في العام الماضي. وشرحت المحامية كارين دوزوريتش من دائرة القانون الدولي في الخارجية الإسرائيلية القرار الأوروبي، وأوضحت أمثلة عن القيود التي فرضها الاتحاد على التعامل مع الحضور الإسرائيلي خارج حدود 1967. وأشارت دوزوريتش إلى أن الاتحاد رفض المصادقة على مشاركة مدارس في الجولان في مشروع «يوروميد» للشباب، كما رفضت سريان مشروع «تمبوس» لتحديث التعليم العالي في أي مؤسسات إسرائيلية خارج الخط الأخضر. كذلك، رفض الاتحاد، ضمن مشروع «Twining»، إشراك أي مؤسسات تعمل في المناطق المحتلة أو حتى أشخاص يقيمون في المستوطنات. وفضلاً عن ذلك، منعت أوروبا أي تسهيلات ضريبية لشركة «أهفا» للتجميل التي تعمل على البحر الميت، مثلما رفضت ألمانيا إشراك المركز الجامعي في مستوطنة «أرييل» في أي أبحاث ضمن التعاون بين الدولتين. ولاحظت المحامية أنه بموجب القرار الأوروبي قد تتعرض المؤسسات التعليمية الإسرائيلية داخل الخط الأخضر لعقوبات بسبب تعاملها مع مستوطنات أو مستوطنين. ومن المنتظر أن يرتبك الموقف الإسرائيلي عند التوقيع للمرة الثامنة على المشاركة في مشروع «هورايزن» للبحث العلمي بسبب «البند الإقليمي». فإذا رفضت إسرائيل التوقيع على الاتفاق، فإن أيا من مراكز البحث الكثيرة، التي تحظى بتمويل أوروبي كبير، لن تناله بعد الآن. وقد حذرت دراسة لوزارة العلوم من أنه في هذه الحالة ستخسر إسرائيل مئات الملايين من اليورو. فالأمر من الآن فصاعداً ليس مقاطعة جزئية أو موضعية، وإنما مقاطعة من جانب 28 دولة أوروبية ملتزمة بالقرار، الذي يحظر تقديم هبات أو قروض أو جوائز أو التعاون مع أي مؤسسة إسرائيلية أو فرد خارج الخط الأخضر. وبرغم المعركة السياسية الدائرة، بدأت معركة تبادل الاتهامات داخل إسرائيل، خصوصاً بين الوزراء ووزارة الخارجية. ومعروف أن نتنياهو هو وزير الخارجية الفعلي بعدما ترك الحقيبة لنفسه إثر تقديم زعيم «إسرائيل بيتنا» أفيغدور ليبرمان للمحاكمة بتهم تتعلق بالفساد. ولكن المستوى المهني في الخارجية رد الاتهامات عن نفسه، موضحاً أنه «منذ أشهر ونحن نحذر من تسونامي سياسي يقترب منا ولم يُصْغِ أحدٌ لتحذيراتنا». وتؤمن الحكومة الإسرائيلية بأن مساعيها لصد القرار الأوروبي سوف تُؤْتِ أُكُلَها قريباً، وأن تأجيلاً ما سيحدث لسريان القرار. وأشاعت أوساط حكومية ان الأوروبيين أوضحوا لها أن القرار يتعلق بالمؤسسات في المستوطنات، وليس بالمستوطنين كأفراد، وأن أوروبا لا تنوي مطالبة كل الشركات الإسرائيلية بالتعهد بعدم تنفيذ أعمال في المستوطنات، وإنما التعهد بعدم استخدام الأموال الأوروبية لأغراض خارج الخط الأخضر. وأفادت صحف إسرائيلية ان حكومة نتنياهو لا تنوي فقط استخدام أسلوب الرجاء لتلطيف القرار الأوروبي، وإنما أيضاً استخدام أسلوب التهديد. وفي هذا الإطار تدّعي إسرائيل أن مكانتها العلمية تسمح لها بتهديد أوروبا بعدم التعاون معها في مشروع «هورايزن» البيئي، الذي يعتبر واحدا من أكبر المشاريع العلمية في العالم. وتبلغ ميزانية مشروع «هورايزن» حوالي 800 مليار يورو تنال منها إسرائيل على مدى سبع سنوات أكثر من 600 مليون يورو. وتعتبر الحكومة الإسرائيلية أن الضرر المالي من ترك هذا المشروع بالإمكان تحمله مقارنة بالضرر الذي يلحق بأوروبا التي ستخسر الموارد العلمية في إسرائيل. ومن جهة ثانية، كشفت صحيفة «هآرتس» النقاب عن أن بريطانيا وفرنسا كانتا بين الأشد حماساً للقرار الأوروبي في المداولات السرية التي سبقت اتخاذه، فيما كان الألمان والإيطاليون والهولنديون أقل حماساً. ومع ذلك اتخذ القرار بتأييد الأعضاء جميعاً. المهم أن بريطانيا طالبت بتوسيع القرار وتضمينه إعلاناً من كل من يرغب في المشاركة في مشروع أوروبي، بالإعلان عن عدم وجود أي صلة له بالمستوطنات في الضفة الغربية والقدس والجولان.

المصدر : السفير/ حلمي موسى


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة