عندما أخفقت أميركا في اجتماع الثمانية في ايرلندا، في الحصول على أي شيء يجعلها تدعي تحقيق انجاز ما في عدوانها على سورية، قررت إعادة النظر في الخطط والممارسة والأداء، ووضعت كما يبدو خطة الانقاذ لـ«تحقيق التوازن» بين الدولة السورية وسلطتها الشرعية من جهة، وجماعات مسلحة ارهابية تقاطرت من أربع رياح الأرض من جهة ثانية، (التخلي ظاهرياً عن مطلب إسقاط النظام) وفي الخطة الجديدة يبدو أنه عهد الى المملكة العربية السعودية مسؤولية القيادة الميدانية للمرحلة الجديدة مع تحجيم الدور القطري، وتقزيم الموقع التركي في العملية. وبات العدوان على سورية وكأنه دخل مرحلة يصح تسميتها بـ "المرحلة السعودية" التي تتسم بخصائص وعناصر كالتالي:‏

أ. من حيث المسؤولية: اتجهت أميركا اقليميا الى حصر المسؤولية الميدانية في العدوان على سورية بالمملكة العربية السعودية وحدها مع تراجع دور الآخرين من أتراك وقطريين دونما الغاء لهم، بل تحويلهم الى موقع المساندة والدعم، بعد أن فشلوا في السنتين الماضتين في تحقيق شيء من تعهداتهم باسقاط النظام وتحقيق النصر في مواعيد تكرر تحديدها حتى زادت على الثمانية مواعيد بدءا بآب 2011. ولم يكن الاتصال الهاتفي الذي اعلن عنه في الاسبوع الفائت بين الرئيس الاميركي اوباما والملك السعودي عبدالله إلا بمنزلة اشهار لهذا التكليف الذي ينقلب على ما سبق من تكاليف لكل من قطر وتركيا، اتصال شاء الاميركي منه أن يعلن ان الملف السوري من الوجهة الاميركية بات في اليد السعودية وعلى من يرغب المساعدة فيه يجب ان يلج من هذا الباب.‏

ب‌. أما من حيث المهل فيبدو أنها مرحلة مضغوطة بعض الشيء قياساً على المراحل السابقة، لأن أميركا التي عطلت أو انقلبت على كل التفاهمات مع روسيا بدءاً من جنيف واحد لم تكن مستعجلة في السابق على أي حل سلمي للأزمة - الحرب الجارية على الأرض السورية بل كانت تنتشي من مشهد التدمير والقتل والمجازر التي ترتكبها العصابات المسلحة التي وفدت الى سورية، لأن هذه الافعال تحقق غرضاً رئيسياً لأميركا يتمثل في تدمير سورية قبل إعادة صياغتها دولة ضعيفة فاشلة تهتم بلقمة الخبز دون اي اهتمام آخر، لكن اميركا لم تعد قادرة على الاستمرار في الموقع هذا من عدم الاكتراث أو تعطيل الحل السلمي بعد أن بدأت تتلمس بشكل اكيد حجم الانجازات السورية الميدانية التي يسطرها الجيش العربي السوري والقوات الرديفة على الارض والتي إذا استمرت على هذه الوتيرة التصاعدية والثابتة فإنها ستصل بالدولة السورية وبأشهر قليلة الى استعادة السيطرة والامن على كافة المناطق التي أفسد المسلحون أمنها واستقرارها، وعندها لن يكون لاميركا شيء في الميدان تفاوض عليه لذلك يبدو أن المرحلة الجديدة كما تراها أميركا من اجل ما تسميه «اعادة التوازن» يجب ان تنتهي الى تحقيق انجازات ميدانية ملموسة قابلة للاستثمار قبل نهاية ايلول من العام الحالي الموعد المحدد لاجتماع الدول الثماني ولقاء القمة بين بوتين واوباما في موسكو، أي إن مدة المرحلة لن تتعدى وفقاً للتخطيط الاميركي الثلاثة أشهر بدءاً من شهر تموز الجاري.‏

ج‌. أما في التنفيذ والاداء فقد بات واضحاً أن الخطة الاميركية الجديدة والتي تنفذها السعودية تقوم على ما يلي:‏

1) توحيد ما أمكن من العصابات المسلحة العاملة في سورية وربطها بما يسمى "الائتلاف الوطني السوري" المعارض - بعد ان بات في القبضة السعودية – وتوفير الدعم وخاصة بالسلاح النوعي الموعود لهذه الجبهة الموحدة من اجل إظهار الانجاز الذي يتحقق على يدها في حال حصوله، انه قابل للاستثمار من قبل جهة واحدة قادرة على صرفه على طاولات التفاوض..‏

2) الاستعانة بعناصر عالية التدريب ومحترفة لحرب العصابات وعمل القوات الخاصة وزجها في الميدان لكبح تقدم القوات السورية ومنعها من متابعة انجازاتها النوعية التي سجلت في الاشهر الثلاثة الماضية، وقد لا تتورع أميركا عن الاستعانة بوحدات خاصة من الجيوش النظامية لبعض الدول المنخرطة في العدوان على سورية وادخالهم الى الميدان تحت عنوان «المجاهدين». (سرب ان هناك 1500 مقاتل دخلوا الى الشمال السوري عبر تركيا ومعهم اسلحة نوعية).‏

3) تزويد الجماعات المسلحة بسلاح متطور ونوعي يمكن تلك الجماعات من التأثير في الميدان لتقييد حركة الطيران، وتعطيل قوة الصدم التي يشكلها السلاح المدرع، ويركز الاهتمام هنا على الاسلحة المضادة للدروع العالية التقنية والدقة في الاصابة، اضافة الى الاسلحة المضادة للطائرات وخاصة تلك التي تستعمل بشكل فردي وعن الكتف.‏

4) الانكفاء عن المنطقة السورية الوسطى بعد أن بات العمل العسكري للعصايات الارهابية وتحقيق انجاز ميداني فيها أمراً ميئوساً منه (مع الاستمرار بعمليات إزعاجية فيها)، والتركيز بصورة خاصة على مناطق الشمال والشرق والجنوب الى حد ما، وان التوزان الذي تريده اميركا يقوم هنا على جعل الجماعات المسلحة تمسك بمناطق خاصة بها من اجل تمكينها من المقابلة مع المناطق التي تستمر الدولة في السيطرة المحكمة عليها.‏

5) الضغط الاقتصادي عبر الضغط على الليرة السورية المترافق مع نوع من الحصار الاقتصادي المؤلم من اجل إثارة الشعب وضرب معنوياته الى الحد الاقصى الممكن وخاصة أن الفترة فيها شهر رمضان مع ما يتطلب الامر من إنفاق خاص.‏

6) اشغال حزب الله في لبنان عبر تفجير فتنة تقود الى حرب اهلية ذات عنوان طائفي (سني –شيعي)، تضطر المقاومة معها الى الانكفاء الى الداخل للدفاع عن نفسها وجمهورها، وفي هذا السياق يفهم ما قام به الارهابي الفار من وجه العدالة أحمد الأسير باعتدائه على الجيش، كما تفسر المتفجرة التي استهدفت المدنيين في بئر العبد والتي سبقتها متفجرات في البقاع، مع استمرار التأجيج الطائفي الذي يقوم به «حزب مستقبل الحريري»، ورفضه بشكل استفزازي – رغم انه لا يملك حق الرفض هذا - تشكيل حكومة يشارك حزب الله فيها لبنان.‏

7) تفعيل الدور الاسرائيلي مجددا في العمليات العدوانية على سورية والعودة الى مقولة اختبار الارادة السورية في الرد او استدراج سورية للرد بما يتيح لاسرائيل رداً أوسع وأشمل ومن طبيعة يتمكن معها الارهابيون من الاستثمار واعتباره بمنزلة إسناد ناري نوعي يمكنهم من النجاح في عمليات هجوم او انقضاض يختارون أهدافها بعناية من أجل أن تخدم المقاصد الرئيسية للخطة.‏

وبعبارة موجزة نستطيع أن نقول بأن المرحلة السعودية من العدوان على سورية ستكون مرحلة النار العميقة والواسعة والنوعية الهادفة الى وقف تقدم الجيش العربي السوري ميدانياً من أجل الحصول على مكاسب سياسية، وهنا سيكون على المدافع ان يستمر وبشدة اكبر في المواجهة، وخاصة أن فرص إحداث خرق أو تغيير في المشهد ورغم أنها ضئيلة جداً الا انه لا يمكن الاستهانة بمخاطر ما يحاك، نقول هذا مع قناعتنا الكلية بأن ما تملكه سورية وحلفاؤها من قدرات وامكانات، وما تحقق من انجازات لهم وتراكم من خبرات ومناعة حتى الآن، كفيل بالقول بأن الفشل سيكون حليف العمل العدواني بوجهه وادارته السعودية كما كان الاخفاق حليف خطة اوباما الاخيرة التي تكسرت على ابواب دمشق ودفنت في خنادق القصير قبل شهر من الزمن.‏

  • فريق ماسة
  • 2013-07-15
  • 11806
  • من الأرشيف

هذه هي خطة العدوان في «مرحلته السعودية»..والفشل في الانتظار

عندما أخفقت أميركا في اجتماع الثمانية في ايرلندا، في الحصول على أي شيء يجعلها تدعي تحقيق انجاز ما في عدوانها على سورية، قررت إعادة النظر في الخطط والممارسة والأداء، ووضعت كما يبدو خطة الانقاذ لـ«تحقيق التوازن» بين الدولة السورية وسلطتها الشرعية من جهة، وجماعات مسلحة ارهابية تقاطرت من أربع رياح الأرض من جهة ثانية، (التخلي ظاهرياً عن مطلب إسقاط النظام) وفي الخطة الجديدة يبدو أنه عهد الى المملكة العربية السعودية مسؤولية القيادة الميدانية للمرحلة الجديدة مع تحجيم الدور القطري، وتقزيم الموقع التركي في العملية. وبات العدوان على سورية وكأنه دخل مرحلة يصح تسميتها بـ "المرحلة السعودية" التي تتسم بخصائص وعناصر كالتالي:‏ أ. من حيث المسؤولية: اتجهت أميركا اقليميا الى حصر المسؤولية الميدانية في العدوان على سورية بالمملكة العربية السعودية وحدها مع تراجع دور الآخرين من أتراك وقطريين دونما الغاء لهم، بل تحويلهم الى موقع المساندة والدعم، بعد أن فشلوا في السنتين الماضتين في تحقيق شيء من تعهداتهم باسقاط النظام وتحقيق النصر في مواعيد تكرر تحديدها حتى زادت على الثمانية مواعيد بدءا بآب 2011. ولم يكن الاتصال الهاتفي الذي اعلن عنه في الاسبوع الفائت بين الرئيس الاميركي اوباما والملك السعودي عبدالله إلا بمنزلة اشهار لهذا التكليف الذي ينقلب على ما سبق من تكاليف لكل من قطر وتركيا، اتصال شاء الاميركي منه أن يعلن ان الملف السوري من الوجهة الاميركية بات في اليد السعودية وعلى من يرغب المساعدة فيه يجب ان يلج من هذا الباب.‏ ب‌. أما من حيث المهل فيبدو أنها مرحلة مضغوطة بعض الشيء قياساً على المراحل السابقة، لأن أميركا التي عطلت أو انقلبت على كل التفاهمات مع روسيا بدءاً من جنيف واحد لم تكن مستعجلة في السابق على أي حل سلمي للأزمة - الحرب الجارية على الأرض السورية بل كانت تنتشي من مشهد التدمير والقتل والمجازر التي ترتكبها العصابات المسلحة التي وفدت الى سورية، لأن هذه الافعال تحقق غرضاً رئيسياً لأميركا يتمثل في تدمير سورية قبل إعادة صياغتها دولة ضعيفة فاشلة تهتم بلقمة الخبز دون اي اهتمام آخر، لكن اميركا لم تعد قادرة على الاستمرار في الموقع هذا من عدم الاكتراث أو تعطيل الحل السلمي بعد أن بدأت تتلمس بشكل اكيد حجم الانجازات السورية الميدانية التي يسطرها الجيش العربي السوري والقوات الرديفة على الارض والتي إذا استمرت على هذه الوتيرة التصاعدية والثابتة فإنها ستصل بالدولة السورية وبأشهر قليلة الى استعادة السيطرة والامن على كافة المناطق التي أفسد المسلحون أمنها واستقرارها، وعندها لن يكون لاميركا شيء في الميدان تفاوض عليه لذلك يبدو أن المرحلة الجديدة كما تراها أميركا من اجل ما تسميه «اعادة التوازن» يجب ان تنتهي الى تحقيق انجازات ميدانية ملموسة قابلة للاستثمار قبل نهاية ايلول من العام الحالي الموعد المحدد لاجتماع الدول الثماني ولقاء القمة بين بوتين واوباما في موسكو، أي إن مدة المرحلة لن تتعدى وفقاً للتخطيط الاميركي الثلاثة أشهر بدءاً من شهر تموز الجاري.‏ ج‌. أما في التنفيذ والاداء فقد بات واضحاً أن الخطة الاميركية الجديدة والتي تنفذها السعودية تقوم على ما يلي:‏ 1) توحيد ما أمكن من العصابات المسلحة العاملة في سورية وربطها بما يسمى "الائتلاف الوطني السوري" المعارض - بعد ان بات في القبضة السعودية – وتوفير الدعم وخاصة بالسلاح النوعي الموعود لهذه الجبهة الموحدة من اجل إظهار الانجاز الذي يتحقق على يدها في حال حصوله، انه قابل للاستثمار من قبل جهة واحدة قادرة على صرفه على طاولات التفاوض..‏ 2) الاستعانة بعناصر عالية التدريب ومحترفة لحرب العصابات وعمل القوات الخاصة وزجها في الميدان لكبح تقدم القوات السورية ومنعها من متابعة انجازاتها النوعية التي سجلت في الاشهر الثلاثة الماضية، وقد لا تتورع أميركا عن الاستعانة بوحدات خاصة من الجيوش النظامية لبعض الدول المنخرطة في العدوان على سورية وادخالهم الى الميدان تحت عنوان «المجاهدين». (سرب ان هناك 1500 مقاتل دخلوا الى الشمال السوري عبر تركيا ومعهم اسلحة نوعية).‏ 3) تزويد الجماعات المسلحة بسلاح متطور ونوعي يمكن تلك الجماعات من التأثير في الميدان لتقييد حركة الطيران، وتعطيل قوة الصدم التي يشكلها السلاح المدرع، ويركز الاهتمام هنا على الاسلحة المضادة للدروع العالية التقنية والدقة في الاصابة، اضافة الى الاسلحة المضادة للطائرات وخاصة تلك التي تستعمل بشكل فردي وعن الكتف.‏ 4) الانكفاء عن المنطقة السورية الوسطى بعد أن بات العمل العسكري للعصايات الارهابية وتحقيق انجاز ميداني فيها أمراً ميئوساً منه (مع الاستمرار بعمليات إزعاجية فيها)، والتركيز بصورة خاصة على مناطق الشمال والشرق والجنوب الى حد ما، وان التوزان الذي تريده اميركا يقوم هنا على جعل الجماعات المسلحة تمسك بمناطق خاصة بها من اجل تمكينها من المقابلة مع المناطق التي تستمر الدولة في السيطرة المحكمة عليها.‏ 5) الضغط الاقتصادي عبر الضغط على الليرة السورية المترافق مع نوع من الحصار الاقتصادي المؤلم من اجل إثارة الشعب وضرب معنوياته الى الحد الاقصى الممكن وخاصة أن الفترة فيها شهر رمضان مع ما يتطلب الامر من إنفاق خاص.‏ 6) اشغال حزب الله في لبنان عبر تفجير فتنة تقود الى حرب اهلية ذات عنوان طائفي (سني –شيعي)، تضطر المقاومة معها الى الانكفاء الى الداخل للدفاع عن نفسها وجمهورها، وفي هذا السياق يفهم ما قام به الارهابي الفار من وجه العدالة أحمد الأسير باعتدائه على الجيش، كما تفسر المتفجرة التي استهدفت المدنيين في بئر العبد والتي سبقتها متفجرات في البقاع، مع استمرار التأجيج الطائفي الذي يقوم به «حزب مستقبل الحريري»، ورفضه بشكل استفزازي – رغم انه لا يملك حق الرفض هذا - تشكيل حكومة يشارك حزب الله فيها لبنان.‏ 7) تفعيل الدور الاسرائيلي مجددا في العمليات العدوانية على سورية والعودة الى مقولة اختبار الارادة السورية في الرد او استدراج سورية للرد بما يتيح لاسرائيل رداً أوسع وأشمل ومن طبيعة يتمكن معها الارهابيون من الاستثمار واعتباره بمنزلة إسناد ناري نوعي يمكنهم من النجاح في عمليات هجوم او انقضاض يختارون أهدافها بعناية من أجل أن تخدم المقاصد الرئيسية للخطة.‏ وبعبارة موجزة نستطيع أن نقول بأن المرحلة السعودية من العدوان على سورية ستكون مرحلة النار العميقة والواسعة والنوعية الهادفة الى وقف تقدم الجيش العربي السوري ميدانياً من أجل الحصول على مكاسب سياسية، وهنا سيكون على المدافع ان يستمر وبشدة اكبر في المواجهة، وخاصة أن فرص إحداث خرق أو تغيير في المشهد ورغم أنها ضئيلة جداً الا انه لا يمكن الاستهانة بمخاطر ما يحاك، نقول هذا مع قناعتنا الكلية بأن ما تملكه سورية وحلفاؤها من قدرات وامكانات، وما تحقق من انجازات لهم وتراكم من خبرات ومناعة حتى الآن، كفيل بالقول بأن الفشل سيكون حليف العمل العدواني بوجهه وادارته السعودية كما كان الاخفاق حليف خطة اوباما الاخيرة التي تكسرت على ابواب دمشق ودفنت في خنادق القصير قبل شهر من الزمن.‏

المصدر : الثورة /د. أمين محمد حطيط


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة