دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
الذين يلتقون محمد حسنين هيكل في هذه الايام يقولون انه لم يكن في اي وقت متوجساً، او حتى متشائماً الى هذا الحد حيال مصر. وهو اذ ينتقد بشدة ازدواجية القوى الكبرى، ويستغرب موقف ايران، ويقول «ان الملاّ عمر يدق بابنا»، دون ان يستبعد الدور الاسرائيلي في شبه جزيرة سيناء، يخشى ان يصبح في مصر رئيسان، وحكومتان، وليس الى الحد الذي يخشى معه ظهور دولتين لان كل المحاولات الخاصة باحداث انشقاقات في المؤسسة العسكرية باءت بالفشل، ودون ان تتوقف هذه المحاولات بطبيعة الحال.
ساخط جداً على « الاخوان المسلمين» الذي يعتبر ان تجربتهم في السلطة كانت مدمرة.وبحسب ما ينقل عنه قطب في التيار الناصري التقاه اخيرا، فإن الرجل لا يثق بهم ابداً، لا بل انه يشير الى لقاءات حصلت مع الاسرائيليين وكانت هناك مباحثات حول قطاع غزة، وكان واضحا من هذه اللقاءات ان «الاخوان» ليسوا مستعدين لبيع فلسطين فحسب، بل ولبيع الاسلام، وكذلك بيع حسن البنا، للبقاء في السلطة…
يدرك ان مصر تعيش حالة من الاختناق الاقتصادي الذي يضغط عليها على نحو عاصف ومروع، وهو اذ يبدي قلقه من ان تكون الاموال التي تدفقت اخيراً، وعلى ذلك النحو العجيب، انما ترمي الى ابدال وصاية بوصاية اخرى، يلفت الى ان انور السادات حوّل مصر، وفي سياق متصل بالمفاعيل الاستراتيجية للمعاهدة المصرية- الاسرائيلية التي وضعت نصوصها بدقة في واشنطن، الى «محمية اميركية» وكانت الثورة، بالدرجة الاولى، ضد هذا الواقع الذي وضع مصر داخل القمقم. الآن تخطىء اي دولة عربية او اي دولة اقليمية اذا تصورت ان باستطاعتها استيعاب مصر او ادارتها سياسياً واستراتيجياً..
والقطب ينقل عن هيكل ان مصر لا يمكن ان تكون سورية التي تتاخمها دول إما انها محكومة بالهاجس الامبراطوري، وتحديداً تركيا، او دول تعاني من الفوضى الابدية مثل العراق ولبنان، او دول لا تعدو كونها اداة في يد الآخرين، اي الاردن. مصر شيء آخر ولا مجال للعب فيها كثيراً، حتى ولو قيل ان الطبقة العسكرية العليا، وعلى رأسها القائد العام الفريق عبد الفتاح السيسي صناعة اميركا، فهذه هي المرة الاولى التي يكون فيها القادة العسكريون جميعاً من خريجي الكليات العسكرية الاميركية…
في نظر هيكل ان الجيش لا يمكن الا ان يكون مصرياً، وبعدما فشلت محاولات «اخونته»، ودون ان يكون محمد مرسي رجب طيب اردوغان الذي، بالرغم من كل شيء، لا يمكن القول انه لا يزال على صورته السابقة.
الصحافي الكبير يؤكد ان التدخلات في مصر الآن في ذروتها. ثمة خوف حقيقي لدى القوى الغربية من ان» تعود مصر». بالطبع لا مجال للمقارنة بين حمدين صباحي وجمال عبد الناصر، او بين محمد البرادعي وطلعت حرب، كما ان من الصعب جداً توقع ان تنتج جماهير الثورة اوتوماتيكياً قائداً تاريخياً ويقود هذه المرحلة، ولذلك فإن ارض الكنانة ستواجه صعوبات لا حصر لها، لكن المهم ان يبقى الجيش موحداً ومتماسكاً لان هذا هو الرهان، والا كانت الكارثة الكبرى…
يسخر هيكل من التوصيف الكلاسيكي للديمقراطية وحيث «الصندوق»، اي صندوق الاقتراع،هو المعيار لان عناصر كثيرة تتحكم بهذا المفهوم. الشارع هو الصندوق والشارع هو المشترع، اذ ان « الاخوان» وبانتهازية منقطعة النظير، حاولوا تسويق ثقافة القطيع، ان من خلال المال، وجلّه خارجي، او من خلال التعبئة الايديولوجية، او من خلال امكاناتهم التنظيمية الهائلة.
الآن، استطاع الناس بايديهم العارية، وبأصواتهم العارية، ان يستعيدوا الثورة، بالاحرى ان يستعيدوا مصر، ودون ان يعني هذا نهاية الرحلة، الرحلة الثورية، فثمة ديناميكية يجب ان تتشكل، وان كان لا بد من التوقف عند تلك الفقرة في الاعلان الدستوري والتي تتوخى، على ما يبدو، اجتذاب الجماعات السلفية وبما يشبه التواطؤ معها.
قالت الفقرة «جمهورية مصر العربية دولة نظامها ديمقراطي يقوم على اساس المواطنة، والاسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادىء الشريعة الاسلامية التي تشمل ادلتها الكلية وقواعدها الاصلية والفقهية ومصادرها المعتبرة في مذاهب اهل السنة والجماعة المصدر الرئيسي للتشريع».
اين الديمقراطية، واين المواطنة اذاً. البابا تواضروس الثاني اعترض، وثمة قوى علمانية وليبرالية رأت ان مماشاة السلفيين، في مثل هذه المسألة الحساسة ، تعني وضع الثورة، تدريجاً، تحت عباءتهم ،وثمة كتاب حذروا من هذه « الخطيئة القاتلة» لان السلفيين يمكن ان يستثمروا تلك الكلمات في الدستور للقول بدولة دينية في مصر تكون اسوأ بكثير من دولة «الاخوان المسلمين».
وبحسب ما ينقل القطب الناصري عن هيكل، فإن الرجل يرى ان على كاهل الشباب الذين قادوا «ثورة 30 يونيو» مهمة تاريخية، فالنموذج المصري هو من يقود المنطقة العربية في المرحلة المقبلة، وهو ما يقتضي تنظيف النموذج من كل ما يعتريه من شوائب..
ولكن بقدر ما يخاف الصحافي الكبير على مصر يخاف على العالم العربي. واذ لاحظ « ظواهر اسلامية غريبة» في بلاده، فهو يشير الى ذلك المال الاسطوري الذي ينفق من اجل تسويق الصراع المذهبي. والنتيجة تسليم مفاتيح دول المنطقة لحركة «طالبان» التي لم تعد تعمل تحت السطح لا في سورية ولا في العراق ولا في لبنان ولا حتى في مصر…
لنتابع ما يحدث في ارض الكنانة. من هناك تبدأ القصة وهناك تنتهي. ماذا يقول صاحبنا ابو الهول؟ انه الآن يتكلم..
المصدر :
الديار/ نبيه البرجي
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة