قد تكون السعودية هي الجهة الأبرز التي لم تستنكر تفجير بئر العبد الإرهابي الأسبوع الماضي. صمت السعوديون لأكثر من سبب، أوّلها إعلام حزب الله بأن الحرب المفتوحة قد بدأت في لبنان، ولأن السعوديين لا يقتلون القتيل ويمشون في جنازته

ألم يكن دويّ انفجار بئر العبد كافياً؟ كم تبعد بئر العبد عن قريطم، عن مقرّ السفارة السعودية الجاثمة على قلب بيروت؟ خمسة كلم؟ عشرة؟ عشرين؟ ربما لم يتسنّ للسفير السعودي في لبنان علي عواض العسيري أن يشعر باهتزاز التفجير أو يسمع صدى صوته. لم يتيسّر للسفير الذي هدّد حزب الله قبل أيام من التفجير، كاسراً عُرف الدبلوماسية السعودية المعهودة، أن يلمس جراح الضحايا النازفة عن قرب، والبيوت التي أصابها تلوث الحريق والدمار. لم يحمل هذه المرّة دفتر شيكات دولته ليدوّن عليها أرقاماً بأصفارٍ كثيرة لأجل إعادة الإعمار ومساعدة المنكوبين. أصاب الصمت السفير، أو أصاب السفير الصمت.

السعودية مملكة التسويات. هكذا جرت العادة، أو هكذا حدّدت الولايات المتحدة تاريخياً الدور السعودي في المنطقة. حتى في خضمّ الهجوم العربي والغربي على سوريا مع بداية الأحداث واشتدادها، لم يقل المسؤولون السوريون كلمة بحقّ السعودية إلّا في المرحلة الأخيرة. راهن السوريون على «الحكمة السعودية»، وعلى أن السعودية ستعود إلى رشدها وإلى «التضامن العربي ».

لم تعد السعودية مملكة التسويات. ربما هي الآن مملكة الحرب. لم تبق دولة أوروبية إلّا استنكرت التفجير الذي ضرب بئر العبد. كذلك الجامعة العربية ببيانٍ خاص، وعلى لسان أمينها العام نبيل العربي. الاتحاد الأوروبي فعل ذلك أيضاً. ومن قلعتها المحصّنة في عوكر، أصدرت السفيرة الأميركية في بيروت مورا كونيللي بياناً استنكرت فيه التفجير، من دون أي إشارة تَشَفٍّ من حزب الله، أو تحميله أي مسؤولية. هذه أميركا بكلّ عداوتها وحقدها على حزب الله الذي يحاربها ويقتل مشاة بحريّتها على شواطئ بيروت. حتى إسرائيل، عدوّ حزب الله المباشر، أعلنت أن لا علاقة لها بالتفجير. ليس حبّاً بحزب الله طبعاً، بل خوفاً من ردّ فعل الحزب. لكن كان بإمكان إسرائيل أن تصمت. كان بإمكان إسرائيل أن تحذو حذو السعودية.

في السعودية، لا «حسّ» ولا خبر. منذ أن قال وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل إن «إيران على الرغم من الخلافات معها لكنها ليست عدوّاً، أما حزب الله فهو عدو»، وردّد العسيري الصدى «حزب الله يسيء إلى أهل السنّة في لبنان»، صمت السعوديون. حتى عندما استمع الملك السعودي عبدالله بن عبد العزيز أول من أمس إلى الرئيس الأميركي باراك أوباما يطمئنه على الهاتف إلى أنه سيسلّح المعارضة السورية بأسلحة جديدة، صمت عبدالله، وربّما قال في قلبه «الحمد لله، لن يخذلنا كما خذل قطر».

لم يفاجئ الصمت السعودي قوى 8 آذار في لبنان. وإن امتنع حزب الله عن الإشارة إلى السعودية في التفجير، فإن كثيرين من على يمين الحزب يقولون بما هو أعلى من الهمس إن السعودية هي المشتبه فيه الأول، بغضّ النظر عن أدوات التنفيذ. هكذا، بوضوح، «قرار التفجير سعودي». حتى تهديد الفيصل والعسيري لا يوازيان شيئاً في حساب هؤلاء أمام صمت ما بعد التفجير، «التهديد حكي، أمّا عدم استنكار التفجير فهو إعلان عن أن السعودية تعتبر الحزب وجمهوره في لبنان شريكان في مقلب أعداء السعودية في الحرب التي تخوضها على الأرض السورية».

لا شكّ في أن معركة القصير كانت نقطة التحوّل «الدراماتيكية» بالنسبة إلى المعارضة السورية المسلحة، وداعميها الخارجيين، على رأسهم قطر وتركيا. يقول العارفون في قوى 8 آذار إن «هزيمة القصير قصمت ظهر مشروع تقسيم سوريا، وأنهت ما دأب أعداء سوريا على فعله لعامين متواصلين». تقرأ 8 آذار في المشهد أن انهيار الإخوان المسلمين دفع بأميركا إلى تلزيم المعارضة السورية والحرب على حزب الله وسوريا إلى السعودية. «في الوقت الذي كانت تستعد فيه السعودية لقيادة مركب إسقاط محور المقاومة، تدخّل حزب الله إلى جانب الجيش السوري، وأسقطا القصير، وكلّ يومٍ يمرّ من حينها يحقق الجيش تقدماً حقيقياً في الميدان، والسعودية تعرف ذلك».

بحسب قوى 8 آذار، ترى المملكة أن تدخل حزب الله أفشل مخططها بإسقاط النظام السوري ومن ثمّ إيران، وأن الإنجازات الميدانية اليومية للجيش ستنعكس تقدماً سياسياً لمحور المقاومة، وبالتالي إضعافاً تلقائياً للدور السعودي وتآكلاً في حجم التسلط الإقليمي السعودي، «في ظلّ تواصل دول خليجية من تحت الطاولة مع النظام السوري، وهي لا تعلن ذلك خجلاً من السعودية». وما هي أفضل أساليب الدفاع؟ الهجوم طبعاً. قرّر السعوديون إذاً «إعلان الحرب على محور المقاومة في سوريا كما في لبنان، والضغط على بيئة حزب الله وإرباكه في الداخل للحدّ من تدخّله في مسار الأزمة السورية، وتفجير بئر العبد أولى الخطوات، والهجوم على حزب الله يسير بالتوازي مع خطّة تسليح المعارضة السورية بأسلحة حديثة ومتطوّرة لتحقيق إنجازات ميدانية تحدّ من تراجع معنويات المسلحين وقوّتهم على الأرض». إلى جانب الضغط على حزب الله لإرباكه وتحقيق إنجازات ميدانية، يقول الآذاريون إن السعودية تعمل أيضاً على تحسين شروطها في أي تسوية مقبلة، و«التسوية ستأتي عاجلاً أو آجلاً».

سببٌ آخر بالنسبة إلى قوى 8 آذار قد يدفع بالسعودية إلى كلّ هذا التطرّف، له علاقة بالحسابات السعودية الداخليّة. تقول مصادر قوى 8 آذار إن الأمير بندر بن سلطان هو الأمير الوحيد المتبقي من أبناء سلطان في الحكم السعودي، «وعلى بندر أن يحقّق إنجازاً ما، فلم يجد غير الحرب على سوريا وحزب الله لتحقيق أي إنجاز».

مرّ انفجار بئر العبد 2013 بخسائر بشريّة أقل بكثير من خسائر بئر العبد 1985. ربما لم يتغيّر شيء، غير قول العارفين: إن اشتباك حزب الله ـــ السعودية في 1985 كان اشتباكاً بالوكالة عن إيران ـــ أميركا. أما اليوم، فالاشتباك مباشر، «من دون قفازات».

  • فريق ماسة
  • 2013-07-14
  • 11905
  • من الأرشيف

صمت السعودية بعد بئر العبد: إعلان الحرب

قد تكون السعودية هي الجهة الأبرز التي لم تستنكر تفجير بئر العبد الإرهابي الأسبوع الماضي. صمت السعوديون لأكثر من سبب، أوّلها إعلام حزب الله بأن الحرب المفتوحة قد بدأت في لبنان، ولأن السعوديين لا يقتلون القتيل ويمشون في جنازته ألم يكن دويّ انفجار بئر العبد كافياً؟ كم تبعد بئر العبد عن قريطم، عن مقرّ السفارة السعودية الجاثمة على قلب بيروت؟ خمسة كلم؟ عشرة؟ عشرين؟ ربما لم يتسنّ للسفير السعودي في لبنان علي عواض العسيري أن يشعر باهتزاز التفجير أو يسمع صدى صوته. لم يتيسّر للسفير الذي هدّد حزب الله قبل أيام من التفجير، كاسراً عُرف الدبلوماسية السعودية المعهودة، أن يلمس جراح الضحايا النازفة عن قرب، والبيوت التي أصابها تلوث الحريق والدمار. لم يحمل هذه المرّة دفتر شيكات دولته ليدوّن عليها أرقاماً بأصفارٍ كثيرة لأجل إعادة الإعمار ومساعدة المنكوبين. أصاب الصمت السفير، أو أصاب السفير الصمت. السعودية مملكة التسويات. هكذا جرت العادة، أو هكذا حدّدت الولايات المتحدة تاريخياً الدور السعودي في المنطقة. حتى في خضمّ الهجوم العربي والغربي على سوريا مع بداية الأحداث واشتدادها، لم يقل المسؤولون السوريون كلمة بحقّ السعودية إلّا في المرحلة الأخيرة. راهن السوريون على «الحكمة السعودية»، وعلى أن السعودية ستعود إلى رشدها وإلى «التضامن العربي ». لم تعد السعودية مملكة التسويات. ربما هي الآن مملكة الحرب. لم تبق دولة أوروبية إلّا استنكرت التفجير الذي ضرب بئر العبد. كذلك الجامعة العربية ببيانٍ خاص، وعلى لسان أمينها العام نبيل العربي. الاتحاد الأوروبي فعل ذلك أيضاً. ومن قلعتها المحصّنة في عوكر، أصدرت السفيرة الأميركية في بيروت مورا كونيللي بياناً استنكرت فيه التفجير، من دون أي إشارة تَشَفٍّ من حزب الله، أو تحميله أي مسؤولية. هذه أميركا بكلّ عداوتها وحقدها على حزب الله الذي يحاربها ويقتل مشاة بحريّتها على شواطئ بيروت. حتى إسرائيل، عدوّ حزب الله المباشر، أعلنت أن لا علاقة لها بالتفجير. ليس حبّاً بحزب الله طبعاً، بل خوفاً من ردّ فعل الحزب. لكن كان بإمكان إسرائيل أن تصمت. كان بإمكان إسرائيل أن تحذو حذو السعودية. في السعودية، لا «حسّ» ولا خبر. منذ أن قال وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل إن «إيران على الرغم من الخلافات معها لكنها ليست عدوّاً، أما حزب الله فهو عدو»، وردّد العسيري الصدى «حزب الله يسيء إلى أهل السنّة في لبنان»، صمت السعوديون. حتى عندما استمع الملك السعودي عبدالله بن عبد العزيز أول من أمس إلى الرئيس الأميركي باراك أوباما يطمئنه على الهاتف إلى أنه سيسلّح المعارضة السورية بأسلحة جديدة، صمت عبدالله، وربّما قال في قلبه «الحمد لله، لن يخذلنا كما خذل قطر». لم يفاجئ الصمت السعودي قوى 8 آذار في لبنان. وإن امتنع حزب الله عن الإشارة إلى السعودية في التفجير، فإن كثيرين من على يمين الحزب يقولون بما هو أعلى من الهمس إن السعودية هي المشتبه فيه الأول، بغضّ النظر عن أدوات التنفيذ. هكذا، بوضوح، «قرار التفجير سعودي». حتى تهديد الفيصل والعسيري لا يوازيان شيئاً في حساب هؤلاء أمام صمت ما بعد التفجير، «التهديد حكي، أمّا عدم استنكار التفجير فهو إعلان عن أن السعودية تعتبر الحزب وجمهوره في لبنان شريكان في مقلب أعداء السعودية في الحرب التي تخوضها على الأرض السورية». لا شكّ في أن معركة القصير كانت نقطة التحوّل «الدراماتيكية» بالنسبة إلى المعارضة السورية المسلحة، وداعميها الخارجيين، على رأسهم قطر وتركيا. يقول العارفون في قوى 8 آذار إن «هزيمة القصير قصمت ظهر مشروع تقسيم سوريا، وأنهت ما دأب أعداء سوريا على فعله لعامين متواصلين». تقرأ 8 آذار في المشهد أن انهيار الإخوان المسلمين دفع بأميركا إلى تلزيم المعارضة السورية والحرب على حزب الله وسوريا إلى السعودية. «في الوقت الذي كانت تستعد فيه السعودية لقيادة مركب إسقاط محور المقاومة، تدخّل حزب الله إلى جانب الجيش السوري، وأسقطا القصير، وكلّ يومٍ يمرّ من حينها يحقق الجيش تقدماً حقيقياً في الميدان، والسعودية تعرف ذلك». بحسب قوى 8 آذار، ترى المملكة أن تدخل حزب الله أفشل مخططها بإسقاط النظام السوري ومن ثمّ إيران، وأن الإنجازات الميدانية اليومية للجيش ستنعكس تقدماً سياسياً لمحور المقاومة، وبالتالي إضعافاً تلقائياً للدور السعودي وتآكلاً في حجم التسلط الإقليمي السعودي، «في ظلّ تواصل دول خليجية من تحت الطاولة مع النظام السوري، وهي لا تعلن ذلك خجلاً من السعودية». وما هي أفضل أساليب الدفاع؟ الهجوم طبعاً. قرّر السعوديون إذاً «إعلان الحرب على محور المقاومة في سوريا كما في لبنان، والضغط على بيئة حزب الله وإرباكه في الداخل للحدّ من تدخّله في مسار الأزمة السورية، وتفجير بئر العبد أولى الخطوات، والهجوم على حزب الله يسير بالتوازي مع خطّة تسليح المعارضة السورية بأسلحة حديثة ومتطوّرة لتحقيق إنجازات ميدانية تحدّ من تراجع معنويات المسلحين وقوّتهم على الأرض». إلى جانب الضغط على حزب الله لإرباكه وتحقيق إنجازات ميدانية، يقول الآذاريون إن السعودية تعمل أيضاً على تحسين شروطها في أي تسوية مقبلة، و«التسوية ستأتي عاجلاً أو آجلاً». سببٌ آخر بالنسبة إلى قوى 8 آذار قد يدفع بالسعودية إلى كلّ هذا التطرّف، له علاقة بالحسابات السعودية الداخليّة. تقول مصادر قوى 8 آذار إن الأمير بندر بن سلطان هو الأمير الوحيد المتبقي من أبناء سلطان في الحكم السعودي، «وعلى بندر أن يحقّق إنجازاً ما، فلم يجد غير الحرب على سوريا وحزب الله لتحقيق أي إنجاز». مرّ انفجار بئر العبد 2013 بخسائر بشريّة أقل بكثير من خسائر بئر العبد 1985. ربما لم يتغيّر شيء، غير قول العارفين: إن اشتباك حزب الله ـــ السعودية في 1985 كان اشتباكاً بالوكالة عن إيران ـــ أميركا. أما اليوم، فالاشتباك مباشر، «من دون قفازات».

المصدر : الأخبار/ فراس الشوفي


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة