كانت تركيا الدولة الأكثر غضباً على «الانقلاب العسكري» في القاهرة. المسؤولون الأتراك، ويتقدمهم الرئيس عبد الله غول ورئيس الوزراء رجب طيب أردوغان، لم يحجبوا رد فعلهم العنيف على إسقاط النظام الإخواني واعتبروه ضربة ضد الديموقراطية والشرعية الدستورية كما سماها محمد مرسي. جاءت الصدمة الأكبر بالنسبة لأنقرة عندما أبدى المسؤولون الأميركيون والأوروبيون قبولهم غير المباشر بالانقلاب العسكري. أسقط الحليف الأهم استراتيجياً بالنسبة لحزب العدالة والتنمية التركي ذي الجذور والأصول الإسلامية. موقف السعودية والإمارات والبعض من دول الخليج التي أيدت منذ اللحظات الأولى الانقلاب العسكري كان بمثابة الضربة القاضية على أحلام أردوغان الذي يعرف جيداً أنه من دون إخوان مصر وحكمهم السياسي لا ولن يستطيع أن يفعل أي شيء في المنطقة، خاصة بعد التناقض الواضح بين الحليف الاستراتيجي الإخواني قطر وبين الدولة الأكثر تأثيرا في المنطقة وهي السعودية. وانعكس ذلك على انتخاب أحمد الجربا أمينا عاما للائتلاف الوطني السوري المعارض والمحسوب على السعودية بدلا من مصطفى الصباغ المحسوب على تركيا وقطر.

تطورات دفعت أنقرة إلى إعادة النظر في مجمل حساباتها الخاصة بمصر أولا والمنطقة ثانيا. معروف أن لتركيا حسابات واسعة ومعقدة مع مصر في عهد محمد مرسي، لا شك في أن القيادة المصرية الجديدة ستعمل على إعادة النظر فيها وتصفيتها. كان ذلك واضحا في دعوة السفير التركي في القاهرة إلى الخارجية المصرية وإبلاغه استنكار الحكومة المصرية للتدخل التركي السافر في الشؤون المصرية الداخلية. الجميع يعرف التداخل السياسي والاقتصادي والعقائدي الواسع بين «العدالة والتنمية» التركي وبين «الإخوان» المسلمين، والجميع يتوقع أن يستنفر أردوغان كل إمكاناته العلنية والسرية لإعادتهم إلى السلطة مهما كلفه ذلك مستقبلا. فعلى سبيل المثال، افتتحت وكالة الأناضول الحكومية التركية العام الماضي مكتبا إقليميا كبيرا جدا في القاهرة يهدف إلى الترويج إعلاميا للإخوان المسلمين والعدالة والتنمية التركي. ودخل رجال الأعمال الأتراك المقربون من أردوغان في علاقات اقتصادية وتجارية متشابكة ذات طابع عقائدي مع رجال الأعمال المصريين والشركات المصرية الحكومية بتعليمات من الرئيس المخلوع محمد مرسي. ويقال إن الاستثمارات التركية في مصر بلغت نحو 2.5 مليار دولار. ويعرف الجميع أن القيادة المصرية الجديدة ستيعد النظر فيها الآن أو بعد الانتخابات المقبلة، خاصة إذا لم يحالف الحظ الإخوان في العودة إلى الحكم. ويستبعد كثيرون مثل هذا الاحتمال في ظل المعطيات الإقليمية والدولية الحالية التي يمكن تلخيصها في أن الغرب جرب الإخوان المسلمين واقتنع بأنهم فاشلون ويهددون مصالحه فتخلى عنهم بسهولة وربما إلى الأبد، فضلاً عما كشفته تطورات الأسابيع الماضية من رفض شعبي مصري عارم لهم.

ومن دون أن يعرف أردوغان أن توصيته للمصريين أن يلتزموا بالعلمانية خلال زيارته المشهورة إلى القاهرة في 17 تشرين الثاني الماضي قد تم تطبيقها بهذه السرعة المذهلة، وبعدما اقتنعت غالبية الشعب المصري بأن تجربة الإخوان المسلمين في تركيا، أي العدالة والتنمية، وخاصة بعد أحداث تقسيم، باتت تشكل خطرا عليهم.. واقتنع هؤلاء بأن محمد مرسي يستنسخ هذه التجربة من دون أن ينتبه للفوارق الرئيسية السياسية منها والاجتماعية والدينية والنفسية بين تركيا وبين مصر دولة وشعبا. واستعجل مرسي الذي أراد على ما يبدو أن يطبق تجربة العدالة والتنمية بالكامل خلال سنة واحدة، من دون أن يتذكر أن أردوغان حقق ما حققه من انتصارات على الجيش والعلمانيين وباقي فئات المجتمع التركي خلال 10 سنوات من حكمه وبدعم أميركي مطلق لم يحظ به مرسي لأسباب كثيرة، أهمها أن من الصعب المقارنة بين الأهمية الاستراتيجية لتركيا وتجربتها الناجحة لأسباب عديدة وبين أهمية مصر في ظل حكم الإخوان الذين أثبتوا فشلهم وافتقارهم لأي برنامج سياسي واجتماعي واقتصادي بل عقائدي. وهو ما دفع العواصم الغربية إلى التشكيك بإمكانية استمرار هؤلاء في السلطة ما دام الحليف الأهم السعودية وباقي دول الخليج باستثناء قطر غير راضية عنهم لأسباب مذهبية وسياسية يعرفها الجميع.

ويبقى أردوغان الخاسر الأكبر والأهم من مجمل معطيات وتطورات المنطقة بعد سقوط حكم الإخوان، مع ما يعنيه ذلك من انعكاسات محتملة لهذه التطورات على الوضع الميداني في سوريا في ظل التناقضات القطرية ــ السعودية التي انعكست على الصراعات الدموية بين الجيش الحر والنصرة وباقي الجماعات المسلحة. كما أنها انعكست على الانتصارات التي حققها، ولا يزال، الجيش السوري في العديد من المناطق الاستراتيجية وأمام نظر أردوغان وحليفه القطري المتقاعد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني.

ويبقى السؤال الأهم هو هل سيتقبل أردوغان هذه الهزيمة الكبرى وكيف سيفعل ذلك؟ أم أنه سيخطط لانتقام وهجوم معاكس لمواجهة خسارات أكبر بعدما بات واضحا أن سقوط النظام الإخواني سيعني معادلات عربية جديدة لا ولن يفهمها الأتراك بسهولة. وهو ما أثبتته تطورات المرحلة الماضية التي اعتقد وآمن أردوغان خلالها أنه سيكون بسهولة زعيما للمنطقة التي يعرف الجميع في التاريخ العربي أنها لا ولن تتقبل مثل هذا الزعيم لأسباب كثيرة.. وما على أردوغان ومستشاريه أن يدرسوه جيدا بشكل مباشر وليس عبر ما قيل لهم من على لسان إخوان المنطقة الذين أثبتوا فشلهم دائما إسلاميا وعربيا والآن مصريا وسورياً.

  • فريق ماسة
  • 2013-07-10
  • 11957
  • من الأرشيف

ماذا سيفعل أردوغان؟

كانت تركيا الدولة الأكثر غضباً على «الانقلاب العسكري» في القاهرة. المسؤولون الأتراك، ويتقدمهم الرئيس عبد الله غول ورئيس الوزراء رجب طيب أردوغان، لم يحجبوا رد فعلهم العنيف على إسقاط النظام الإخواني واعتبروه ضربة ضد الديموقراطية والشرعية الدستورية كما سماها محمد مرسي. جاءت الصدمة الأكبر بالنسبة لأنقرة عندما أبدى المسؤولون الأميركيون والأوروبيون قبولهم غير المباشر بالانقلاب العسكري. أسقط الحليف الأهم استراتيجياً بالنسبة لحزب العدالة والتنمية التركي ذي الجذور والأصول الإسلامية. موقف السعودية والإمارات والبعض من دول الخليج التي أيدت منذ اللحظات الأولى الانقلاب العسكري كان بمثابة الضربة القاضية على أحلام أردوغان الذي يعرف جيداً أنه من دون إخوان مصر وحكمهم السياسي لا ولن يستطيع أن يفعل أي شيء في المنطقة، خاصة بعد التناقض الواضح بين الحليف الاستراتيجي الإخواني قطر وبين الدولة الأكثر تأثيرا في المنطقة وهي السعودية. وانعكس ذلك على انتخاب أحمد الجربا أمينا عاما للائتلاف الوطني السوري المعارض والمحسوب على السعودية بدلا من مصطفى الصباغ المحسوب على تركيا وقطر. تطورات دفعت أنقرة إلى إعادة النظر في مجمل حساباتها الخاصة بمصر أولا والمنطقة ثانيا. معروف أن لتركيا حسابات واسعة ومعقدة مع مصر في عهد محمد مرسي، لا شك في أن القيادة المصرية الجديدة ستعمل على إعادة النظر فيها وتصفيتها. كان ذلك واضحا في دعوة السفير التركي في القاهرة إلى الخارجية المصرية وإبلاغه استنكار الحكومة المصرية للتدخل التركي السافر في الشؤون المصرية الداخلية. الجميع يعرف التداخل السياسي والاقتصادي والعقائدي الواسع بين «العدالة والتنمية» التركي وبين «الإخوان» المسلمين، والجميع يتوقع أن يستنفر أردوغان كل إمكاناته العلنية والسرية لإعادتهم إلى السلطة مهما كلفه ذلك مستقبلا. فعلى سبيل المثال، افتتحت وكالة الأناضول الحكومية التركية العام الماضي مكتبا إقليميا كبيرا جدا في القاهرة يهدف إلى الترويج إعلاميا للإخوان المسلمين والعدالة والتنمية التركي. ودخل رجال الأعمال الأتراك المقربون من أردوغان في علاقات اقتصادية وتجارية متشابكة ذات طابع عقائدي مع رجال الأعمال المصريين والشركات المصرية الحكومية بتعليمات من الرئيس المخلوع محمد مرسي. ويقال إن الاستثمارات التركية في مصر بلغت نحو 2.5 مليار دولار. ويعرف الجميع أن القيادة المصرية الجديدة ستيعد النظر فيها الآن أو بعد الانتخابات المقبلة، خاصة إذا لم يحالف الحظ الإخوان في العودة إلى الحكم. ويستبعد كثيرون مثل هذا الاحتمال في ظل المعطيات الإقليمية والدولية الحالية التي يمكن تلخيصها في أن الغرب جرب الإخوان المسلمين واقتنع بأنهم فاشلون ويهددون مصالحه فتخلى عنهم بسهولة وربما إلى الأبد، فضلاً عما كشفته تطورات الأسابيع الماضية من رفض شعبي مصري عارم لهم. ومن دون أن يعرف أردوغان أن توصيته للمصريين أن يلتزموا بالعلمانية خلال زيارته المشهورة إلى القاهرة في 17 تشرين الثاني الماضي قد تم تطبيقها بهذه السرعة المذهلة، وبعدما اقتنعت غالبية الشعب المصري بأن تجربة الإخوان المسلمين في تركيا، أي العدالة والتنمية، وخاصة بعد أحداث تقسيم، باتت تشكل خطرا عليهم.. واقتنع هؤلاء بأن محمد مرسي يستنسخ هذه التجربة من دون أن ينتبه للفوارق الرئيسية السياسية منها والاجتماعية والدينية والنفسية بين تركيا وبين مصر دولة وشعبا. واستعجل مرسي الذي أراد على ما يبدو أن يطبق تجربة العدالة والتنمية بالكامل خلال سنة واحدة، من دون أن يتذكر أن أردوغان حقق ما حققه من انتصارات على الجيش والعلمانيين وباقي فئات المجتمع التركي خلال 10 سنوات من حكمه وبدعم أميركي مطلق لم يحظ به مرسي لأسباب كثيرة، أهمها أن من الصعب المقارنة بين الأهمية الاستراتيجية لتركيا وتجربتها الناجحة لأسباب عديدة وبين أهمية مصر في ظل حكم الإخوان الذين أثبتوا فشلهم وافتقارهم لأي برنامج سياسي واجتماعي واقتصادي بل عقائدي. وهو ما دفع العواصم الغربية إلى التشكيك بإمكانية استمرار هؤلاء في السلطة ما دام الحليف الأهم السعودية وباقي دول الخليج باستثناء قطر غير راضية عنهم لأسباب مذهبية وسياسية يعرفها الجميع. ويبقى أردوغان الخاسر الأكبر والأهم من مجمل معطيات وتطورات المنطقة بعد سقوط حكم الإخوان، مع ما يعنيه ذلك من انعكاسات محتملة لهذه التطورات على الوضع الميداني في سوريا في ظل التناقضات القطرية ــ السعودية التي انعكست على الصراعات الدموية بين الجيش الحر والنصرة وباقي الجماعات المسلحة. كما أنها انعكست على الانتصارات التي حققها، ولا يزال، الجيش السوري في العديد من المناطق الاستراتيجية وأمام نظر أردوغان وحليفه القطري المتقاعد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني. ويبقى السؤال الأهم هو هل سيتقبل أردوغان هذه الهزيمة الكبرى وكيف سيفعل ذلك؟ أم أنه سيخطط لانتقام وهجوم معاكس لمواجهة خسارات أكبر بعدما بات واضحا أن سقوط النظام الإخواني سيعني معادلات عربية جديدة لا ولن يفهمها الأتراك بسهولة. وهو ما أثبتته تطورات المرحلة الماضية التي اعتقد وآمن أردوغان خلالها أنه سيكون بسهولة زعيما للمنطقة التي يعرف الجميع في التاريخ العربي أنها لا ولن تتقبل مثل هذا الزعيم لأسباب كثيرة.. وما على أردوغان ومستشاريه أن يدرسوه جيدا بشكل مباشر وليس عبر ما قيل لهم من على لسان إخوان المنطقة الذين أثبتوا فشلهم دائما إسلاميا وعربيا والآن مصريا وسورياً.

المصدر : الأخبار/ حسني محلي


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة