قد يكون هجوما اخوانيا مسلحا على دار الحرس الجمهوري كما يقول الجيش ، او اعتصاما كما يقول الاخوان، ولكن جوهر ما حدث هو اطلاق الصدام بين الاسلاميين والقوات المسلحة.

 والمبادرة جاءت هنا من الاخوان – كما حدث في سورية – فلا توجد قوة وطنية تعتصم امام مقر عسكري ولا قوة ديموقراطية تخزّن السلاح في مقرها كما هو الحال في مقر الاخوان في القاهرة.

كل المناقشات حول الوضع المصري، تظل، بعد يوم مصر العظيم في 30 حزيران، في خانة التفاصيل؛ فالحدث التاريخي المصري وقع، بالفعل، حين تكوّنت كتلة سياسية جماهيرية حرجة قادرة على منع الإخوان المسلمين وحلفائهم من ممارسة سلطة الحكم، لكن من دون القدرة على إقامة سلطة حكم مضادة. (وهذا هو معنى استنجاد جماهير المعارضة بالقوات المسلحة لإنشاء تلك السلطة).

ملايين 30 حزيران تكفي وتزيد لتحقيق هدف إسقاط نظام نخبوي معزول كنظام حسني مبارك، كما حدث في 25 يناير 2011، لكنها تصطدم، اليوم، بنظام يستند، هو الآخر، الى كتلة سياسية جماهيرية من الإخوان وحلفائهم الاسلاميين، وفي قلبها تنظيمات عصبوية ميليشيوية كان لبعضها تراث إرهابي. والارهاب سوف يشغّل الآن آلياته، تحديدا، نحو الجيش المصري لفرض نموذج الحرب الاهلية.

الاحتمال الأقوى أن الجيش المصري سيظل متماسكاً إزاء العنف، وازاء دعوات الانقسام والضغوط الاميركية، ولكن سيكون علينا أن ننتظر رداً إخوانياً سلفياً متعدد الأشكال، ومنها، وأخطرها، التكفير الصريح و«الجماهيري» للشخصيات والناشطين المعارضين للنظام الإخواني السلفي.

التكفير سلاح بدأ استخدامه مبكراً، لكن، بعد الهزيمة، سيغدو التكفير هو الآلية الأساسية للممارسة السياسية للإسلاميين. وهو ما سيؤسّس لموجة إرهابية من قبل مجموعات مصمّمة وأفراد يائسين معادين للدولة والمجتمع. فهل سيكون حجم الظاهرة الإرهابية في الحدود التي عرفتها مصر في التسعينيات، أم أن اجتماع الارهاب والفوضى وتردّي الاقتصاد والخدمات، سينتهي الى حالة من الانهيار الأمني الشامل.لا مخرج لمصر في الأفق. وعلى رغم عظمة الثورة المصرية الثانية، فهي لا تزال تعمل في سياق البرنامج السياسي الليبرالي، ولم تستطع أن تحقق القفزة الضرورية نحو البرنامج الوطني الاجتماعي، البرنامج الوحيد القادر على تمكين مصر من تجاوز الانحلال.

القضية المركزية في مصر هي قضية الاستقلال والتنمية. وقد جمعتهما لأنهما قضية واحدة؛ فالاستقلال شرط لازم للخيار التنموي الوطني (السيطرة على الموارد والسوق المحلية والمؤسسات المالية وفرض الضريبة التصاعدية واستعادة مشروع التصنيع الثقيل وإحياء الإنتاج الريفي واستيعاب القوى العاملة في العملية الإنتاجية في إطار الديموقراطية الاجتماعية).

ترتفع في ميدان التحرير اليوم صور الزعيم الراحل جمال عبد الناصر أكثر بكثير مما شوهد في ثورة 25 يناير، لكن الناصرية لا تزال غائبة عن برنامج الثورة المصرية.

هزيمة الإسلام السياسي، الفكرية والمعنوية والسياسية، ستفتح الباب، بالطبع، أمام عودة صيغة محدثة من صيغ الناصرية الى مصر، لكنها عودة لا تزال في رحم التاريخ، وربما تظل غائبة الى أمد بعيد بسبب ضرورة الإجماع اللازم لمواجهة الظاهرة الإرهابية التي بدأت تعرب عن تهديداتها بالفعل. لكن استئصال التكفير والارهاب ليس ممكناً، في النهاية، خارج المشروع الوطني التنموي، القادر، وحده، على استيعاب المفقرين والمهمشين وإدماجهم في اقتصاد عادل.

  • فريق ماسة
  • 2013-07-08
  • 8708
  • من الأرشيف

مصر على خطى سورية ؟

قد يكون هجوما اخوانيا مسلحا على دار الحرس الجمهوري كما يقول الجيش ، او اعتصاما كما يقول الاخوان، ولكن جوهر ما حدث هو اطلاق الصدام بين الاسلاميين والقوات المسلحة.  والمبادرة جاءت هنا من الاخوان – كما حدث في سورية – فلا توجد قوة وطنية تعتصم امام مقر عسكري ولا قوة ديموقراطية تخزّن السلاح في مقرها كما هو الحال في مقر الاخوان في القاهرة. كل المناقشات حول الوضع المصري، تظل، بعد يوم مصر العظيم في 30 حزيران، في خانة التفاصيل؛ فالحدث التاريخي المصري وقع، بالفعل، حين تكوّنت كتلة سياسية جماهيرية حرجة قادرة على منع الإخوان المسلمين وحلفائهم من ممارسة سلطة الحكم، لكن من دون القدرة على إقامة سلطة حكم مضادة. (وهذا هو معنى استنجاد جماهير المعارضة بالقوات المسلحة لإنشاء تلك السلطة). ملايين 30 حزيران تكفي وتزيد لتحقيق هدف إسقاط نظام نخبوي معزول كنظام حسني مبارك، كما حدث في 25 يناير 2011، لكنها تصطدم، اليوم، بنظام يستند، هو الآخر، الى كتلة سياسية جماهيرية من الإخوان وحلفائهم الاسلاميين، وفي قلبها تنظيمات عصبوية ميليشيوية كان لبعضها تراث إرهابي. والارهاب سوف يشغّل الآن آلياته، تحديدا، نحو الجيش المصري لفرض نموذج الحرب الاهلية. الاحتمال الأقوى أن الجيش المصري سيظل متماسكاً إزاء العنف، وازاء دعوات الانقسام والضغوط الاميركية، ولكن سيكون علينا أن ننتظر رداً إخوانياً سلفياً متعدد الأشكال، ومنها، وأخطرها، التكفير الصريح و«الجماهيري» للشخصيات والناشطين المعارضين للنظام الإخواني السلفي. التكفير سلاح بدأ استخدامه مبكراً، لكن، بعد الهزيمة، سيغدو التكفير هو الآلية الأساسية للممارسة السياسية للإسلاميين. وهو ما سيؤسّس لموجة إرهابية من قبل مجموعات مصمّمة وأفراد يائسين معادين للدولة والمجتمع. فهل سيكون حجم الظاهرة الإرهابية في الحدود التي عرفتها مصر في التسعينيات، أم أن اجتماع الارهاب والفوضى وتردّي الاقتصاد والخدمات، سينتهي الى حالة من الانهيار الأمني الشامل.لا مخرج لمصر في الأفق. وعلى رغم عظمة الثورة المصرية الثانية، فهي لا تزال تعمل في سياق البرنامج السياسي الليبرالي، ولم تستطع أن تحقق القفزة الضرورية نحو البرنامج الوطني الاجتماعي، البرنامج الوحيد القادر على تمكين مصر من تجاوز الانحلال. القضية المركزية في مصر هي قضية الاستقلال والتنمية. وقد جمعتهما لأنهما قضية واحدة؛ فالاستقلال شرط لازم للخيار التنموي الوطني (السيطرة على الموارد والسوق المحلية والمؤسسات المالية وفرض الضريبة التصاعدية واستعادة مشروع التصنيع الثقيل وإحياء الإنتاج الريفي واستيعاب القوى العاملة في العملية الإنتاجية في إطار الديموقراطية الاجتماعية). ترتفع في ميدان التحرير اليوم صور الزعيم الراحل جمال عبد الناصر أكثر بكثير مما شوهد في ثورة 25 يناير، لكن الناصرية لا تزال غائبة عن برنامج الثورة المصرية. هزيمة الإسلام السياسي، الفكرية والمعنوية والسياسية، ستفتح الباب، بالطبع، أمام عودة صيغة محدثة من صيغ الناصرية الى مصر، لكنها عودة لا تزال في رحم التاريخ، وربما تظل غائبة الى أمد بعيد بسبب ضرورة الإجماع اللازم لمواجهة الظاهرة الإرهابية التي بدأت تعرب عن تهديداتها بالفعل. لكن استئصال التكفير والارهاب ليس ممكناً، في النهاية، خارج المشروع الوطني التنموي، القادر، وحده، على استيعاب المفقرين والمهمشين وإدماجهم في اقتصاد عادل.

المصدر : العرب اليوم/ناهض حتر


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة