دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
في ظاهرة غير مسبوقة في التاريخ خرج 33 مليون مصري (أي 40 % من مجموع الشعب و60% من اصحاب الحق بالاقتراع) خرجوا إلى الساحات والشوارع يعلنون بشكل لا لبس فيه ولا شبهة رفضهم لنظام الإخوان المسلمين الذين وصلوا إلى الحكم عبر مناورة سياسية محكمة الحبك، قامت على استغلالهم للحراك الشعبي ضد حسني مبارك الذي أشاع الفساد وارتهن بتبعية قاتلة لأميركا، وعلى استنادهم إلى دعم غربي بقيادة أميركا توفر لهم بعد أن عقدوا الصفقة الشهيرة القائمة على التسليم لأميركا بالهيمنة على المنطقة وتثبيت إسرائيل فيها بشكل آمن مكتمل الاستقرار مقابل توفير الحماية للإخوان في انظمة الحكم التي يقيمونها في هلال يحيط بإسرائيل.
لكن الإخوان وتحديداً في مصر المنطقة والدولة الاهم في كل الهلال، فشلوا في ادارة الدولة وعجزوا عن تثبيت حكمهم فسقطوا بشكل مدو، إثر الرفض الشعبي العارم لهم ولحكمهم، رفض يستجيب لمفاهيم الثورة الشعبية إلى حد بعيد، لكن ورغم أن الامر كان من الوضوح ما يجعل أي تأويل أو تفسير يخرج الحال عن حقيقته ويضعه في غير محله فإن البعض لم ير فيما حصل سوى انقلاب عسكري يعيد إلى الاذهان مشهد انقلابات القرن الماضي، لكن هذا التوصيف ورغم ما يثيره من التباسات، لن يحول دون التأثير العميق على الحركة والعلاقات الدولية من باب موقع الإخوان المسلمين وتنظيمهم العالمي الذي أصبح عمره نيفٍ وثمانية عقود.
وقبل أن ندخل في بحث التداعيات التي ستترتب على هذا السقوط نتوقف عند توصيف ما جرى لوضعه في موقعه الطبيعي من المفاهيم المعتمدة، فمع وجود من يرى بأن ما حصل هوانقلاب عسكري لا علاقة له بثورة شعب ضد حاكم، كما يرى الاطراف القائمين به، فإننا نعود إلى القواعد الاساس التي تضبط الموضوع ونرى أن ما حصل يتنافى مع طبيعة الانقلابات العسكرية ومفاهيمها، حيث إنه من المسلم به ان الانقلاب هوعمل بمقتضاه تبادر جهة عسكرية منضوية في الجيش الشرعي للبلاد، تبادر بصورة مفاجئة ودونما سابق إنذار إلى اقتلاع السلطة الشرعية القائمة ووضع اليد على الدولة وتولي السلطة فيها بالاستناد إلى القوة العسكرية التي تملكها ودونما الأخذ بعين الاعتبار لأي شأن آخر. فالانقلاب العسكري يتمثل باقامة حكم عسكري مباشر، أو مقنع بحكم مدني، يستمد شرعيته من القوة العسكرية وحدها، التي تفرض أمراً واقعاً، يتحول إلى الشرعية الواقعية المتباينة مع الشرعية الدستورية والشرعية الشعبية، حيث لا يكون لأي من قواعد الدستور النافذ أو الارادة الشعبية هنا دور ولا يملك الشعب سوى الاستسلام لهذا الامر. فإذا اسقطنا ذلك على ما حصل في مصر نجد تبايناً كبيراً بين الواقع وتوصيف الانقلاب العسكري : حيث إن الذي بادر للتحرك ضد الحاكم هوالشعب نفسه الذي اعترض سلميا على الرئيس ثم جمع توقيع اكثر من 22 مليون مصري من اصحاب الحق بالاقتراع أي بما يفوق العدد الذي حصل عليه محمد مرسي في الانتخابات الرئاسية، ثم خرج 33 مليون مصري للتأكيد على هذا الرفض، هنا ومن اجل المصلحة الوطنية العليا تدخل الجيش بعد أن حذر وأنذر وبعد أن تأكد من ان الشعب أسقط شرعية الرئيس واستعاد تفويضه بالسلطة عبر ما يمكن تسميته بالديمقراطية المباشرة، تدخل الجيش ضد رئيس فاقد الشرعية الشعبية التي تعتبر أهم من الشرعية الدستورية، تدخل ليترجم الارادة الشعبية المباشرة وليوفر البيئة التنفيذية لها، تدخل كان بالموافقة التامة من معظم الجهات التمثيلية للشعب (باستثناء جماعة الرئيس وهي لا تصل من 12%) التي وضعت خطة الانقاذ لاعادة تكوين السلطات في الدولة بالعودة إلى الشعب عبر انتخابات حرة تجري في مهل معقولة. وبالتالي يمكن وصف ما حصل في مصر بأنه ثورة حماها الجيش، وشعب مارس حقه في انتاج السلطة، وكان دور الجيش دوراً إعلانياً ولم يكن إنشائياً للسلطة، فأعلن قيام سلطة أرادها الشعب دون أن يتولاها الجيش، بينما في الانقلابات العسكرية يكون دور الجيش دورا انشائيا للسلطة التي يتولاها،وان مصر شهدت ثورة شعبية اختصر الجيش طريقها ليسرع وصولها إلى المبتغى ولم تشهد انقلابا عسكريا يوصل الجيش إلى السلطة.
وبعد هذا التوضيح نعود إلى الاساس في المسألة متوقفين عند تداعيات ما حصل على امور اساسية تتعلق بمنظومة الإخوان المسلمين وبمشروعهم الدولي، وانعكاس الامر على ما يتعلق بهذا المشروع ونسجل ما يلي :
أ. على صعيد المشروع الإخواني العام : يمكن اعتبار خروج الإخوان من حكم مصر بمنزلة الاسقاط الفعلي لمشروع اقامة هلال حكم الإخوان المسلمين الممتد من تونس غرباً إلى سورية وتركيا شرقاً وشمالا. فبسقوط مصر وهي القاعدة الأساس في المشروع لن يستطيع من بقي من مكونات الهلال الإخواني الصمود في مواجهة الريح الشعبية العاتية التي تعصف به وبالتالي سيكون التخطيط الغربي الذي قام على فرضية صدام الهلالين (هلال المقاومة وهلال الإخوان) وانهيار المنطقة تطبيقا لاستراتيجية القوة الناعمة عبر صراع سني شيعي، أو عربي فارسي، سيكون هذا المشروع محل إعادة نظر الآن لاستحالة تطبيقه بعد تشكل استحالة إقامة الهلال الإخواني بسقوط الإخوان في مصر وستكون إسرائيل المتأثر الأول من هذا السقوط لأنها ستفقد الهلال الحامي لها والمشاغل لهلال المقاومة والمتسبب بتآكل قدرات وطاقات الامة العربية والاسلامية.
ب. على صعيد مصر ذاتها. لا نتصور بأن الإخوان والجهات الاجنبية الداعمة والحاضنة لهم سيستسلمون بسهولة ويقبلون بالهزيمة، ولهذا فاننا نتصور أن تكون مصر في المرحلة المقبلة عرضة لتجاذبات ومخاطر وضغوط متعددة أقله كما يلي :
1) بالنسبة للتدخل الخارجي سنرى مسارعة وهابية سعودية للحلول محل الإخوان في مصر عبر دعم السلطة الجديدة لا استتباعها، ما يضمن للسعودية ولأميركا قائدتها، ابعاد مصر عن هلال المقاومة وبقائها مرتبطة أو تابعة بشكل وثيق مع المنظومة العربية التابعة للغرب، وسيكون في هذا الأمر إن حصل اغتصاب جديد للارادة الشعبية واحتواء للثورة وانتقال سوط الجلاد من يده اليمنى إلى يده اليسرى ويبقى الشعب هوالضحية، لهذا السبب سيكون على الشعب المصري ان يرتقي إلى أعلى درجات الحذر والحرص على ثورته خوفا من ان تصادر مرة أخرى واننا على ثقة اليوم من قدرة الشعب المصري على ذلك .
2) أما بالنسبة للضغوط الداخلية فانها تتمثل بشكل خاص بتحركات الإخوان المسلمين المدنية والعسكرية والتي ستجعل الامن والاستقرار في البلاد محل اهتزاز وزعزعة طويلة، ولكن لا نتصور أن تؤدي هذه التحركات إلى إعادة الإخوان إلى الحكم، فخروجهم صنعه الشعب وحماه الجيش، ولا يعتقد عاقل ان يتمكن الإخوان من حشد القدرات التي تمكنهم من الانتصار على هذا الثنائي.
3) وتبقى الضغوط الخارجية التي سيشكلها الطرف الآخر في صفقة الإخوان، أي الغرب بقيادة أميركا، ضغوطاً تعلم الجهات المنفذه له أنه لن يعيد الإخوان إلى الحكم لكنه سيمارس من اجل ابتزاز نظام الحكم القادم إلى مصر من اجل الحصول على ضمانات من قبله في أمور أساسية أولها إسرائيل وأمنها واتفاق كامب دافيد، ثانيها موقع مصر الجيوسياسي ووظيفتها الاستراتيجية.
ج. على صعيد دول الحكم الإخواني الأخرى وهنا نعني بصورة خاصة تركيا وتونس.
1) ستكون تركيا الخاسر الاكبر على أكثر من صعيد، فسقوط الإخوان في مصر مع ما استتبعه من سقوط هلالهم في الشرق - هلال كان من المخطط له أن يكون بقيادة تركية - أفقد تركيا فرصة استعادة السيطرة على المنطقة وانتاج صورة منقحة للعثمانية الغابرة. إن سقوط الإخوان في مصر اسقط هذا الحلم كليا، واذا عطفنا الامر على الواقع السياسي للجوار التركي من ايران إلى العراق وسورية، وتوقفنا عند الحساسية المفرطة بين السلفية والإخوانية (السعودية وتركيا) لوجدنا أن تركيا خسرت فضاءها الاستراتيجي المشرقي كليا مع استمرار ايصاد الباب الأوروبي بوجهها غرباً.. ولهذا سيكون محتوما الرفض التركي لما يحصل في مصر، واقدام حزب العدالة والتنمية على التصرف بهستيريا عبر ثنائيه أردوغان – اوغلوالذي عليه أن يقر بأن النهاية اقتربت وأن تركيا التي حلموا بها دولة قائدة وحيدة للمنطقة ستنقلب إلى دولة منكفئة على ذاتها مغلقة على هزيمتها وخسائرها وهذا سيكون سبباً كافياً لخروج الإخوان لاحقاً من حكم تركيا.
2) أما تونس فإنها ستتلقى ارتدادات الحدث المصري وستكون امام خيارين، إما أن يتعقل حزب النهضة ويسارع إلى إعادة تحريك العملية السياسية بما يحقق المشاركة الشعبية الواسعة ويسقط سياسة الاقصاء والالغاء التي اشتهر بها الإخوان وهنا ستكون الفرصة امام تونس لاقامة نظام شعبي متوازن وبشكل سلمي يكون الإخوان فيه شركاء، أو أن يستمر الإخوان في المكابرة وهنا ستكون تونس على موعد يعيد إلى المسرح المشهد المصري.
د. على صعيد الازمة في سورية ومحور المقاومة. نعلم انه ومن ضمن تنفيذ الصفقة الإخوانية الغربية الاميركية، فإن التخطيط قام على تنصيب الإخوان حكاماً في سورية رغم رفض الأكثرية الشعبية لهم، وذلك بالاعتماد على العنف والارهاب. ولأجل هذا انشئ ما سمي «الائتلاف الوطني» ذو الأساس الإخواني وكرسته أميركا ممثلاً وحيداً للشعب السوري لتمكنه من الاستيلاء على السلطة باسم الإخوان، هذا إذا تمكنوا من إسقاط النظام. والآن وبعد أن سقط أصل الحلم والمشروع بإقامة الهلال الإخواني، سقوط معطوف على انهيار وانحدار الجماعات المسلحة والإرهابية في الميدان السوري في مواجهة الجيش العربي السوري والقوات الرديفة، نرى أن الأمور ستتسارع أكثر لصالح الدولة السورية ومحور المقاومة للوصول إلى نهاية قريبة للحرب الكونية الجارية على أرضها، وهنا نقول أن سورية مع محورها حققت في مواجهة الإخوان وصفقتهم التدميرية انجازين : حيث إنها حالت دون إقامة هلال الإخوان واكتماله ثم تجذره في المنطقة وانتاج صيغة الاستعمار الجديد، ثم انها كانت حافزاً رئيسياً للاجهاز على مشروع الهلال الإخواني واسقاطه في مصر فخلصت مصر كما خلصت المنطقة من شرورهم.
المصدر :
الثورة /د. أمين محمد حطيط
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة