ثلاثة مشاهد خلف الكواليس بدّلت أماكن رجال الملك على طاولة الشطرنج، وأعادت اللعبة السياسية الى المربع «الصفر»، بعدما تجاهل الرئيس المعزول محمد مرسي بنود اتفاقه مع القائد العام للقوات المسلحة وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي.

المشهد الأول كان أثناء إلقاء مرسي خطابه للمصريين من على منصة قاعة المؤتمرات في مدينة نصر يوم الأربعاء 26 حزيران قبل اندلاع طوفان التظاهرات في شوارع العاصمة والمحافظات، والتي تزامنت مع إظهار السيسي لبعض ملامح الاستغراب لما يقوله الرئيس للمعارضين ولتسمية البعض والتلويح بملاحقتهم. وتقول مصادر «الأخبار» في هذا الإطار إن اتفاق السيسي ومرسي، قبل توجه الأول لحضور المؤتمر كباقي الوزراء، كان شرطه الوحيد التهدئة على كافة المستويات، ولكل الأطياف السياسية، بغض النظر عن تقارب وجهات نظرهم مع أجندة الرئيس وسياساته من عدمها. ولكن بعدما فجّر الرئيس القنبلة في وجه المواطنين، أصدرت القيادة العامة للقوات المسلحة بيانها العسكري الذي أمهل الرئاسة أسبوعاً واحداً لاستعادة الحوار الوطني ومنع سقوط الدماء المصرية في الشوارع.

وبعدها، اجتمع السيسي مع أعضاء المجلس العسكري، قائلاً لهم: «على القوات المسلحة أن تنتظر مهلة الأسبوع، ثم تتدخل قبل تفاقم الأوضاع لتمنع الحرب الأهلية بين المواطنين، وتكون بداية التحرك بدءاً من 30 يونيو»، وذلك بعدما تم التشديد على تأمين سيناء والعريش ومنع تسلل أي عناصر جهادية إلى قلب العاصمة أو المحافظات. تروي المصادر نفسها أن «وزير الدفاع رفع حالة الطوارئ في الثكنات العسكرية، وأن رئيس الأركان الفريق صدقي صبحي أشرف بنفسه على خطة الانتشار والردع».

المشهد الثاني جسّده طاقم مستشاري الرئيس المعزول مرسي القابعين في ديوان عام الرئاسة، والذين قاموا بعدّة محاولات لإخضاع قادة الجيش، من أجل تنفيذ سياساتهم، منها التنصّت على كبار قادة القوات المسلّحة وضمنهم قائد الحرس الجمهوري نفسه. لكن الإجراءات الاحترازية التي قام بها قائد الحرس الجمهوري بتسليم ضباطه هواتف لا يمكن التنصّت عليها أجهضت هذا المخطط الذي حاول مساعدو الرئيس المعزول تنفيذه للسيطرة على الأمور من خلال معرفة التسجيلات الخاصة بهم.

وتكشف المصادر العسكرية أن «جهاز المخابرات العامة رصد اتصالات بين الرئاسة وجماعة الإخوان المسلمين يحمل مضمونها رسائل لإقالة وزير الدفاع المصري وكبار القادة في الجيش المصري، ورصدت مكالمة بين مكتب الإرشاد وأسعد الشيخة، الرجل الثاني في القصر الرئاسي، توضح نيتهم إطاحة قادة المؤسسة العسكرية بدعوى أنهم يشكّلون خطراً على أجندة الإخوان بسبب تصديهم لها».

المشهد الثالث تمثل في محاولة رئيس الجمهورية المعزول خلق حالة من الانشقاق داخل المؤسسة العسكرية، وذلك عبر إجراء اتصالات مع قادة عسكريين من دون علم الفريق السيسي، وتكليف مساعديه بالبحث عن قيادة عسكرية يتم الاتفاق عليها تقوم بخلافة منصب القائد العام للقوات المسلحة، ولكن أحد القادة أبلغ الفريق السيسي بما حدث، والفريق طالب مرة أخرى بالتكتّم. وعندما رفضت القادة العسكريون المفاوضات لإطاحة قائدهم العام للقوات المسلحة، لجأ الرئيس المصري المعزول الى المشير محمد حسين طنطاوي، رئيس المجلس العسكري خلال الفترة الانتقالية، ولكنه رفض مساعدته هو الآخر.

الخوف وحده دفع مرسي الى إصدار أوامر إلى قائد الحرس الجمهوري اللواء محمد زكي لاعتقال قائمة من أبرز الشخصيات الاعلامية والسياسية والثوار وعدد من الصحافيين الذين تولّوا مهمة كشف حالة التوتر بين المؤسستين العسكرية والرئاسية. غير أن قائد الحرس الرئاسي فاجأ الرئيس المعزول بقوله: «آسف مش حقدر»، بحسب المصادر نفسها. بعدها أبلغ زكي وزير الدفاع القائمة كاملة وما يخطط له الرئيس، حيث كان مرسي ينوي تنفيذ ذلك أثناء إلقاء خطابه في قاعة المؤتمرات في حضور كل الوزراء وعدد من المؤيدين له.

هذه المشاهد الثلاثة المتزامنة مع دعوات شعبية جارفة إلى عزل مرسي وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة بدّلت من خطط التعامل مع الرئيس. هذا طبعاً إضافة الى رفض الرئيس المعزول الدخول في حوار بنّاء مع الأطياف السياسية، مستنداً إلى القوة المسلحة التي تؤازره، والتابعة للتيارات الاسلامية المختلفة، والتلويح مراراً بإمكانية الصدام مع المواطنين العزل لتمكين دعائم الخلافة الاسلامية.

خلال الأسبوع الأخير، أعدّ الفريق السيسي خطة الانتشار، واجتمع بقادة الأفرع الرئيسية وطاف على كل الوحدات العسكرية، وزار بعض الأسلحة، منها الصاعقة والوحدات الخاصة وسلاح البحرية في الإسكندرية للوقوف على مهاراتهم عند التعامل مع المسلحين وسط تجمعات سكانية لمواطنين عزل لا يحملون سلاحاً.

ورغم انتظاره لبيان رئاسي يُرضي المواطنين والقوى السياسية والثورية، فوجئ بتصعيد لهجة التهديد من قبل الرئيس مرسي والبدء باتصالات مع المسؤولين الأميركيين تطالبهم بالضغط على السيسي كي يتنحّى جانباً، ويكتفي ورجال القوات المسلحة بحماية حدود البلاد.

هذه المكالمات بين الجانبين المصري والأميركي حملت تهديدات مباشرة للجيش المصري، منها قطع المساعدات العسكرية عنه، وإطاحة الصفوف الأولى من قادته، وإقصاؤهم نهائياً عن حماية البلاد. وبناءً عليه، كلّف الفريق أول السيسي مساعده لشؤون التسليح اللواء محمد العصار بضرورة إجراء اتصالات لتوضيح الأمور، ثم انضم اليه في ما بعد الفريق صدقي صبحي، ليصبح الرجلان هما المسؤولين عن ملف التعامل الخارجي مع الولايات المتحدة.

في الـ48 ساعة الأخيرة من حكم مرسي، أرسل السيسي مظروفاً إلى كافة قادة القوات المسلحة يوضح خطة التحرك وتحديد مهمات كل شخص، بعدما أكّدت القوات المسلحة انحيازها إلى الإرادة الشعبية الجارفة المطالبة برحيل النظام. وبالفعل وصل هذا المظروف إلى مدير المخابرات الحربية وكافة القادة وقائدي الجيش الميداني الثاني والثالث بواسطة عناصر تابعة لأجهزة سيادية. كذلك تم التأكيد على وصول المظروف إلى كل قيادة وأن يسلم يداً بيد، بالتزامن مع إحكام السيطرة على سيناء والعريش، والأهم عدم خروج العناصر الجهادية والمسلحة والتسلل الى مدن أخرى.

وتقول المصادر المطلعة لـ«الأخبار»، إن السيسي كتب خطابه الأخير بنفسه، وطلب أن يُترجَم هذا الخطاب الى كل لغات العالم للتأكيد على أن مصر لم تقم بانقلاب عسكري، بل تلبّي نداء شعبها ورغبته في حياة ديموقراطية أفضل تحت مظلة الحكم المدني. وشدد السيسي على أن تكون ترجمة الخطاب تحمل معنى واحداً فقط كي لا يستغل الغرب أي كلمة غير صحيحة ضدّ مصر. كذلك تعمّد وزير الدفاع التأخر في إذاعة خطاب «يونيو 30» الى حين السيطرة على العاصمة ونزول القوات وتحركها ومعرفة دور كل شخص سيقوم به حتى اطمأن السيسي وأمر بإذاعة الخطاب، عقب مكالمة من قيادة المنطقة المركزية تؤكد أن كل شيء يسير على ما يرام.

 

  • فريق ماسة
  • 2013-07-07
  • 12933
  • من الأرشيف

رواية عسكرية لقصة إطاحة مرسي

 ثلاثة مشاهد خلف الكواليس بدّلت أماكن رجال الملك على طاولة الشطرنج، وأعادت اللعبة السياسية الى المربع «الصفر»، بعدما تجاهل الرئيس المعزول محمد مرسي بنود اتفاقه مع القائد العام للقوات المسلحة وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي. المشهد الأول كان أثناء إلقاء مرسي خطابه للمصريين من على منصة قاعة المؤتمرات في مدينة نصر يوم الأربعاء 26 حزيران قبل اندلاع طوفان التظاهرات في شوارع العاصمة والمحافظات، والتي تزامنت مع إظهار السيسي لبعض ملامح الاستغراب لما يقوله الرئيس للمعارضين ولتسمية البعض والتلويح بملاحقتهم. وتقول مصادر «الأخبار» في هذا الإطار إن اتفاق السيسي ومرسي، قبل توجه الأول لحضور المؤتمر كباقي الوزراء، كان شرطه الوحيد التهدئة على كافة المستويات، ولكل الأطياف السياسية، بغض النظر عن تقارب وجهات نظرهم مع أجندة الرئيس وسياساته من عدمها. ولكن بعدما فجّر الرئيس القنبلة في وجه المواطنين، أصدرت القيادة العامة للقوات المسلحة بيانها العسكري الذي أمهل الرئاسة أسبوعاً واحداً لاستعادة الحوار الوطني ومنع سقوط الدماء المصرية في الشوارع. وبعدها، اجتمع السيسي مع أعضاء المجلس العسكري، قائلاً لهم: «على القوات المسلحة أن تنتظر مهلة الأسبوع، ثم تتدخل قبل تفاقم الأوضاع لتمنع الحرب الأهلية بين المواطنين، وتكون بداية التحرك بدءاً من 30 يونيو»، وذلك بعدما تم التشديد على تأمين سيناء والعريش ومنع تسلل أي عناصر جهادية إلى قلب العاصمة أو المحافظات. تروي المصادر نفسها أن «وزير الدفاع رفع حالة الطوارئ في الثكنات العسكرية، وأن رئيس الأركان الفريق صدقي صبحي أشرف بنفسه على خطة الانتشار والردع». المشهد الثاني جسّده طاقم مستشاري الرئيس المعزول مرسي القابعين في ديوان عام الرئاسة، والذين قاموا بعدّة محاولات لإخضاع قادة الجيش، من أجل تنفيذ سياساتهم، منها التنصّت على كبار قادة القوات المسلّحة وضمنهم قائد الحرس الجمهوري نفسه. لكن الإجراءات الاحترازية التي قام بها قائد الحرس الجمهوري بتسليم ضباطه هواتف لا يمكن التنصّت عليها أجهضت هذا المخطط الذي حاول مساعدو الرئيس المعزول تنفيذه للسيطرة على الأمور من خلال معرفة التسجيلات الخاصة بهم. وتكشف المصادر العسكرية أن «جهاز المخابرات العامة رصد اتصالات بين الرئاسة وجماعة الإخوان المسلمين يحمل مضمونها رسائل لإقالة وزير الدفاع المصري وكبار القادة في الجيش المصري، ورصدت مكالمة بين مكتب الإرشاد وأسعد الشيخة، الرجل الثاني في القصر الرئاسي، توضح نيتهم إطاحة قادة المؤسسة العسكرية بدعوى أنهم يشكّلون خطراً على أجندة الإخوان بسبب تصديهم لها». المشهد الثالث تمثل في محاولة رئيس الجمهورية المعزول خلق حالة من الانشقاق داخل المؤسسة العسكرية، وذلك عبر إجراء اتصالات مع قادة عسكريين من دون علم الفريق السيسي، وتكليف مساعديه بالبحث عن قيادة عسكرية يتم الاتفاق عليها تقوم بخلافة منصب القائد العام للقوات المسلحة، ولكن أحد القادة أبلغ الفريق السيسي بما حدث، والفريق طالب مرة أخرى بالتكتّم. وعندما رفضت القادة العسكريون المفاوضات لإطاحة قائدهم العام للقوات المسلحة، لجأ الرئيس المصري المعزول الى المشير محمد حسين طنطاوي، رئيس المجلس العسكري خلال الفترة الانتقالية، ولكنه رفض مساعدته هو الآخر. الخوف وحده دفع مرسي الى إصدار أوامر إلى قائد الحرس الجمهوري اللواء محمد زكي لاعتقال قائمة من أبرز الشخصيات الاعلامية والسياسية والثوار وعدد من الصحافيين الذين تولّوا مهمة كشف حالة التوتر بين المؤسستين العسكرية والرئاسية. غير أن قائد الحرس الرئاسي فاجأ الرئيس المعزول بقوله: «آسف مش حقدر»، بحسب المصادر نفسها. بعدها أبلغ زكي وزير الدفاع القائمة كاملة وما يخطط له الرئيس، حيث كان مرسي ينوي تنفيذ ذلك أثناء إلقاء خطابه في قاعة المؤتمرات في حضور كل الوزراء وعدد من المؤيدين له. هذه المشاهد الثلاثة المتزامنة مع دعوات شعبية جارفة إلى عزل مرسي وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة بدّلت من خطط التعامل مع الرئيس. هذا طبعاً إضافة الى رفض الرئيس المعزول الدخول في حوار بنّاء مع الأطياف السياسية، مستنداً إلى القوة المسلحة التي تؤازره، والتابعة للتيارات الاسلامية المختلفة، والتلويح مراراً بإمكانية الصدام مع المواطنين العزل لتمكين دعائم الخلافة الاسلامية. خلال الأسبوع الأخير، أعدّ الفريق السيسي خطة الانتشار، واجتمع بقادة الأفرع الرئيسية وطاف على كل الوحدات العسكرية، وزار بعض الأسلحة، منها الصاعقة والوحدات الخاصة وسلاح البحرية في الإسكندرية للوقوف على مهاراتهم عند التعامل مع المسلحين وسط تجمعات سكانية لمواطنين عزل لا يحملون سلاحاً. ورغم انتظاره لبيان رئاسي يُرضي المواطنين والقوى السياسية والثورية، فوجئ بتصعيد لهجة التهديد من قبل الرئيس مرسي والبدء باتصالات مع المسؤولين الأميركيين تطالبهم بالضغط على السيسي كي يتنحّى جانباً، ويكتفي ورجال القوات المسلحة بحماية حدود البلاد. هذه المكالمات بين الجانبين المصري والأميركي حملت تهديدات مباشرة للجيش المصري، منها قطع المساعدات العسكرية عنه، وإطاحة الصفوف الأولى من قادته، وإقصاؤهم نهائياً عن حماية البلاد. وبناءً عليه، كلّف الفريق أول السيسي مساعده لشؤون التسليح اللواء محمد العصار بضرورة إجراء اتصالات لتوضيح الأمور، ثم انضم اليه في ما بعد الفريق صدقي صبحي، ليصبح الرجلان هما المسؤولين عن ملف التعامل الخارجي مع الولايات المتحدة. في الـ48 ساعة الأخيرة من حكم مرسي، أرسل السيسي مظروفاً إلى كافة قادة القوات المسلحة يوضح خطة التحرك وتحديد مهمات كل شخص، بعدما أكّدت القوات المسلحة انحيازها إلى الإرادة الشعبية الجارفة المطالبة برحيل النظام. وبالفعل وصل هذا المظروف إلى مدير المخابرات الحربية وكافة القادة وقائدي الجيش الميداني الثاني والثالث بواسطة عناصر تابعة لأجهزة سيادية. كذلك تم التأكيد على وصول المظروف إلى كل قيادة وأن يسلم يداً بيد، بالتزامن مع إحكام السيطرة على سيناء والعريش، والأهم عدم خروج العناصر الجهادية والمسلحة والتسلل الى مدن أخرى. وتقول المصادر المطلعة لـ«الأخبار»، إن السيسي كتب خطابه الأخير بنفسه، وطلب أن يُترجَم هذا الخطاب الى كل لغات العالم للتأكيد على أن مصر لم تقم بانقلاب عسكري، بل تلبّي نداء شعبها ورغبته في حياة ديموقراطية أفضل تحت مظلة الحكم المدني. وشدد السيسي على أن تكون ترجمة الخطاب تحمل معنى واحداً فقط كي لا يستغل الغرب أي كلمة غير صحيحة ضدّ مصر. كذلك تعمّد وزير الدفاع التأخر في إذاعة خطاب «يونيو 30» الى حين السيطرة على العاصمة ونزول القوات وتحركها ومعرفة دور كل شخص سيقوم به حتى اطمأن السيسي وأمر بإذاعة الخطاب، عقب مكالمة من قيادة المنطقة المركزية تؤكد أن كل شيء يسير على ما يرام.  

المصدر : إيمان إبراهيم/الاخبار


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة