دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
مصباح الأحدب يحلم برحلة على متن قطار يقلّه من بيروت إلى تل أبيب، ثمّ إلى القاهرة. وسامي الجميّل يحلم بالتكلّم مباشرة مع الإسرائيليين. صحافي أميركي نشر أخيراً بعضاً من مكنونات سياسيي وناشطي 14 آذار، على موقع أميركي ـ إسرائيلي.
يرتاح بعض سياسيي وناشطي 14 آذار بالحديث إلى الصحافيين الأجانب. يفضفضون لهم عن هموم كبيرة لا يستطيعون مصارحة الشعب اللبناني بها ولا حتى بَخّها على «فايسبوك» أو «تويتر». أفكار متطرّفة وحساسة يتحاشون التطرّق إليها على المنابر، فيجودون بها إما في السفارات أو أمام الصحافيين الأجانب، قبل تسويقها إلى الرأي العام اللبناني.
وفي ظل الحملة المتصاعدة على حزب الله، يلجأ الصحافيون الأجانب، ولا سيما الأميركيون، إلى سياسيي 14 آذار للوقوف على رأي الجبهة المضادة له. لكن أولئك المتحدّثين من «الحركة الاستقلالية» يدهشون دائماً الصحافيين الأميركيين بمزايدتهم على الغرب في عدائهم لحزب الله. وبعض المراسلين الذين لا يمتلكون ثقافة عامة عن التركيبة اللبنانية وبيئاتها، يكتفون بأفكار جاهزة جاؤوا بها من بلادهم يثبّتها لهم سياسيو 14 آذار ويمعنون بتصديرها إلى الرأي العام.
آخر جلسات الفضفضة من هذا النوع، كانت للصحافي الأميركي مايكل جاي توتن مع كل من مصباح الأحدب وسامي الجميّل ولقمان سليم وحنين غدّار وإيلي خوري. توتن، الصحافي الذي يجاهر في مقالاته بدعمه لإسرائيل ويلتقي مع المحافظين الجدد في أكثر أفكارهم تطرّفاً، كتب خلاصة جلساته مع المذكورين في مقال عنوانه: «الحلم بلبنان في سلام مع جيرانه». المقال نشر على موقع مؤسسة «ذي تاور» التي تعرّف عن نفسها بأنها «جزء من مشروع إسرائيل The Israel Project، وهي منظمة ثقافية تعنى بتوفير الحقائق عن إسرائيل والشرق الأوسط للإعلام والجماهير وصنّاع القرار، ومركزها واشنطن». علماً أن توتن يكتب أيضاً في مطبوعات صحافية أميركية وإسرائيلية عدّة، وتنقّل مراراً بين فلسطين المحتلة ولبنان في السنوات العشر الماضية.
في مقدمة المقال، يضعنا توتن في جوّ محدد. يقول إن «لبنان هو دولة بوليسية، حيث يخشى الجميع التكلم على السلام مع إسرائيل، وإلا يُسجنوا أو يُقتلوا». ولذلك، يردف: «البعض يتحدّثون إليّ (عن الموضوع) لأنني أجنبي. أحياناً يكون الكلام غير مخصص للنشر، لكن أحياناً أخرى هم يعلمون جيداً أنني سأكتب ما يقولونه». توتن الذي واكب أحداث لبنان منذ نحو 8 سنوات يقول إن «الخطّ الأحمر الموضوع على إسرائيل في لبنان لم يعد فاقعاً كما كان قبل انطلاق الثورة السورية عام 2011». ويضيف: «ما خلا بيانات بعض تجار حروب حزب الله، أشعر بأن هناك اعتدالاً أكبر في البلد وعقلانية أكثر من ذي قبل، وأن إمكانية السلام بين لبنان وإسرائيل بات من الممكن تخيّلها، وخصوصاً لأن نهاية بشار الأسد ستكون بداية نهاية حزب الله». الكاتب يقول إن هذه الفكرة وضحت تماماً في ذهنه، «بعد جلسة غداء مع مصباح الأحدب».
ماذا فضفض الأحدب إذاً للصحافي الأشقر في جلسة النبيذ تلك؟ يقول النائب الطرابلسي السابق إن «حزب الله بعد سقوط الأسد سيصبح حجمه أكثر واقعية». ويضيف: «هم سيحتفظون بسلاحهم، لكن لن يعود بإمكانهم استفزاز عشرات الملايين (؟) من الناس الذين عنّفوهم على مرّ السنين». «عندها ستكون هناك إمكانية حقيقية للتطور»، يقول النائب السابق. كيف؟ «قد يصبح لدينا خطّ قطارات يصل إلى قلب القاهرة. وهذا أمر عظيم»، يبتسم الأحدب حالماً. خطّ القطارات الذي يحلم به النائب الطرابلسي، يشرح الكاتب، «لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال مروره في إسرائيل، وهذا يتطلب فتح الحدود بين لبنان وإسرائيل وتطبيع العلاقات معها». وهنا، يعبّر توتن عن دهشته لسماع ذلك على لسان «نائب مسلم سنّي» في لبنان. لكن ابتسامة الأحدب الساحرة عند حديثه عن حلم قطار بيروت ـ تل أبيب ـ القاهرة بدّدها عبوس وغصّة. السبب؟ «لا يُسمح لنا بأن نتكلّم في أي أمر مع الإسرائيليين»! اشتكى النائب للصحافي. لا يستطيع الأحدب أن يناقش مشروع خطوط سكك الحديد ولا أي مشروع آخر مع الإسرائيليين بسبب منع القانون اللبناني التواصل مع العدو، يوضح توتن ويردف «والأحدب غير راضٍ أبداً عن ذلك». «هذا قانون مختلّ» قال الصحافي، «بكل تأكيد» أجاب النائب اللبناني. ولمَ لم يحاول الأحدب خلال فترة نيابته أن يغيّر القانون؟ يستنتج الكاتب أنه لو أراد، لقتله حزب الله أو أي حليف آخر لسورية بكل تأكيد.
بعد الاطمئنان إلى حلم الأحدب، كان لا بدّ للكاتب أن يسأل عن الحلم القديم المتجدد مع النائب سامي الجميّل. توتن زار سامي في مكتبه، واستمع الى مكنوناته أيضاً. الجميّل اشتكى لتوتن مما سمّاه «عارض اللبنانيين»، وهو أنه «على مدى عشرين سنة، كل مَن فتح فمه في لبنان وقال إنه يجب أن نفكّر بتوقيع معاهدة سلام مع إسرائيل إما قُتل أو وضع في السجن». النائب اللبناني يتابع تشخيصه العيادي ربما: «اللبنانيون خائفون، لم يتخطّوا ذلك العارض بعد، وخصوصاً بوجود حزب الله لتذكيرهم به». وهنا، يتدخل الكاتب فيسأل: «ماذا لو أتى أشخاص من واشنطن وقالوا، Hey، يجب أن تتكلّموا مع جيرانكم. هل ستتغير الأمور؟» يجيب الجميّل: «نعم، يمكن أن تتغير». «لماذا يحقّ لحزب الله أن يجري محادثات غير مباشرة مع الإسرائيليين عبر الألمان من أجل الإفراج عن سجنائه، ولا يحق للدولة اللبنانية أن تقوم بمحادثات مع إسرائيل؟» كرر النائب الشاب أيضاً على مسامع توتن.
سلّة أحلام توتن لن تكتمل من دون «أحلام الشيعة». ومَن أفضل من الناشط لقمان سليم لكي يحدّثه عنها؟ سليم الفخور بفتح قناة اتصال مع مستشار بنيامين نتانياهو تكلّم في الاقتصاد هذه المرة، فأكّد لتوتن أن الاقتصاد اللبناني سينتعش إن وقّع لبنان اتفاقيات تجارية مع إسرائيل بعد توقيع السلام. «لا تستمعوا فقط إلى كلام (السيد حسن) نصر الله، تكلّموا إلى الناس في الشوارع. أهل الجنوب يريدون السلام»، كرر سليم أمام الصحافي.
أما الصحافية حنين غدّار (مسؤولة في موقع ناو ليبانون)، فشرحت لتوتن كيف كان «الجميع سعيداً عندما اجتاح الإسرائيليون لبنان عام 1982، وكيف كانوا مرحّباً جداً بهم في البداية. لم يكن لدينا أي مشاكل مع الإسرائيليين».
لكن إيلي خوري، صاحب شركة «ساتشي أند ساتشي» الإعلانية، وجد الحلّ لتحقيق أحلام الجميع. «العودة إلى معاهدة الهدنة عام 1949. الكل يريد الحياد مع إسرائيل الآن، كل الأحزاب والأديان»، يشرح خوري. ويتابع كلامه بالأرقام قائلاً: «استطلاع أخير للرأي بيّن أنه على عيّنة من 4000 شخصاً، 95% من السنّة غير مهتمّين بالسلفية ولا بالصراع العربي ــ الإسرائيلي».
توتن خرج متفائلاً بعد لقائه بخوري، وكتب مقاله عن «حلم السلام مع إسرائيل». توتن هو نفسه الصحافي الأميركي الذي كتب عن فريق 14 آذار عام 2008، قائلاً إنهم «مركبة العبور للذين يريدون مخرجاً من الحرب اللامتناهية ضد «الكيان الصهيوني». وهم أيضاً عبّارة للقوميين العرب السنّة المتشددين الذين يعارضون حزب الله والنظام السوري فقط لأنهم يكرهون الشيعة والعلويين بقدر ما يكرهون اليهود».
توتن: شئتم أو أبيتم القدس عاصمة إسرائيل!
الصحافي الذي جلس مع المذكورين من سياسيي وناشطي 14 آذار يشتهر بمواقفه الداعمة لإسرائيل. أي بحث سريع على الإنترنت يعطي معلومات كافية عن مايكل جاي توتن ومدوّنته وسيرته وكتابه ومقالاته. توتن كتب مثلاً في تموز 2012 مقالاً بعنوان «شئتم أو أبيتم القدس عاصمة إسرائيل»، وهو زار فلسطين المحتلة مراراً على حساب «اللجنة الأميركية اليهودية» التي تعنى بـ«دعم اليهود ودولة إسرائيل». أما منظمة «ذي تاور»، حيث نشر المقال، فهي تعرّف عن نفسها، على موقعها الإلكتروني، بأنها «مشروع إسرائيلي ــ أميركي». موقع «ويكيبيديا» يذكر أن توتن «تلقّى تمويلاً لرحلاته إلى لبنان من تحالف 14 آذار الموالي للغرب».
المصدر :
الأخبار/ صباح أيوب
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة