في الوقت الذي دخلت انتفاضة تقسيم اسبوعها الثالث من دون ظهور اي بوادر على تراجع اي من الفريقين عن مواقفهما، دخلت اسرائيل بقوة على خط الأزمة التركية مع وصول المسؤول البارز في الموساد الاسرائيلي تامير باردو الى انقرة، بصورة سرية، مساء الاثنين الماضي.

والتقى باردو خلال هذه الزيارة رئيس الاستخبارات التركي حاقان فيدان. وبحسب صحيفة «حرييت» فإن من بين المواضيع التي تم تناولها خلال هذا اللقاء، الوضع في سوريا وحجم المشاركة الايرانية هناك، والتطورات في ميدان تقسيم.

وذكرت «حرييت» أن المسؤولين الاستخباريين التركي والإسرائيلي تقاسما المعلومات المتوافرة لديهما، مشيرة الى انهما تبادلا وجهات النظر في ما اذا كان هناك دور لأجهزة استخبارات إقليمية في احداث ميدان تقسيم وحديقة غيزي ام لا. واضافت ان عامير باردو طلب موعدا للقاء رئيس الحكومة التركي رجب طيب اردوغان.

ومع تواصل الانتقادات لأسلوب اردوغان في مواجهة المحتجين، والتي استدعت تدخل الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، ودعوته إلى الهدوء، بات تواصل الانتفاضة يحرج اردوغان كثيراً، خصوصاً بعد الانتقادات التي وجهت إليه بانتهاج سياسة مزدوجة المعايير، والتي تبدّت في دعوته قيادات الانتفاضة الى الحوار وإيعازه الى قوات الشرطة - بأمر مباشر منه كما اجمعت المعلومات التركية - باقتحام ساحة تقسيم ومواصلة النهج العنفي في مواجهة حركة الاحتجاج.

ولاحظ معظم المحللين تراجع الدور المعتدل لرئيس الجمهورية عبد الله غول ونائب رئيس الحكومة بولنت ارينتش منذ عودة اردوغان من رحلته المغاربية، حيث تصدر اردوغان المشهد السياسي، في ما فسّر على ان مواقف غول وأرينتش لم تكن سوى توزيع للأدوار ومحاولة لتسكين المحتجين في انتظار حسم كيفية مواجهة الوضع الجديد.

ومع ان ترشيح اردوغان لرئاسة الجمهورية لا يزال قويا، غير ان أحداث اسطنبول قد تعيد الاعتبار إلى عبد الله غول، الذي قد يقرر ترشيح نفسه مجددا للرئاسة، اذا ما تبين ان ترشيح اردوغان سيثير المزيد من التوترات في البلاد.

وفي هذا السياق تساءل سميح ايديز في صحيفة «طرف» عما اذا كان اردوغان سيكون رئيسا للجمهورية، فقال انه «بعد احداث حديقة جيزي تلقت صورة اردوغان في المحافل الدولية ضربة لا يجرؤ مستشاروه على ان يقولوها له».

واضاف ايديز «يبدو أن اردوغان لم يتعلم الدرس حتى من التونسيين والمصريين الذين نزلوا الى الشوارع، فهو يواصل التصرف كما لو انه جزء من التنظيم العالمي للإخوان المسلمين، معتقدا انه بذلك يحصد المكاسب. لكن اتهام اردوغان للأوساط المالية والمخربين بأنها وراء الأحداث انما يثير سخرية الغرب. وأكثر من ذلك، فإن لهجة التحدي، بل الحقد، التي واجه بها اردوغان المحتجين وابتعاده عن لغة التصالح انما يجعلان من وصوله الى رئاسة الجمهورية سبباً اضافياً للانقسامات والتوترات في تركيا.

وختم ايديز بأنّ «بلداً متنوعاً الى هذا الحد دينياً ومذهبيا واثنياً واجتماعيا لا يمكن ان يدار على طريقة (الزعيم الأوحد)».

ولوحظت محاولة اردوغان المتواصلة لحرف الأنظار عن المطالب القوية للمتظاهرين من خلال الاستمرار في اتهام الخارج بحياكة مؤامرة على نظام «حزب العدالة والتنمية» والاقتصاد التركي. وفي هذا الاطار كان توقيت اردوغان الاعلان ان العقل المدبر لتفجيرات الريحانية قد اعتقل وهو يحاول الهرب الى سوريا، وأن دمشق هي التي تقف وراء هذه التفجيرات.

ولفت أيضا اتهام اردوغان الهيئات الاقتصادية وأصحاب الريع الفوائضي بتأجيج الاحتقان من أجل تحقيق الارباح، وإضعاف موقف «حزب العدالة والتنمية» مع تراجع سعر الليرة وارتفاع الفوائد بصورة كبيرة.

وخارج التفاصيل السياسية المباشرة، كان لأردوغان جولة جديدة من ترهيب المعارضين، ولا سيما المثقفين والفنانين، عندما شبّههم بـ«الانكشارية» (طائفة عسكرية من المشاة العثمانيين شكلوا تنظيماً خاصاً لهم ثكناتهم العسكرية وشاراتهم ورتبهم وامتيازاتهم، وكانوا أقوى فرق الجيش العثماني وأكثرها نفوذاً)، متوعدا اياهم بأنه «بعد الآن لن تسير الأمور على هذا النحو، لأنّ من لا يحترم السلطة التي جاءت بها الأمة سيدفع ثمن ذلك».

وفي التحليلات كتبت صحيفة «ميللييت» ان احتجاجات حديقة جيزي «قدمت مساهمات مهمة جداً لتعزيز الديموقراطية في تركيا، وتقوية ثقافة العيش المشترك والأمن المجتمعي».

وتحت عنوان «الغيوم التي بددتها جيزي»، كتب ديريا سازاق في صحيفة «ميللييت» انه كان لا بد من تحركات مثل «مقاومة حديقة غيزي» لكي «تتبدد الغيوم التي ظللت ديموقراطيتنا». واضاف «لقد بدأت تتلاشى مناخات الرقابة على الاعلام الذي بدأ يرى الحقائق ويفهم جيل التسعينيات. وحده إعلام السلطة لا يزال متخلفا. المسألة ليست بضعة أشجار تقتلع من مكانها او حفنة من المتطرفين، بل جيل بكامله يريد المزيد من الديموقراطية والحرية».

ورأت صحيفة «جمهورييت» انه «بعد مرحلة تجاهل للمقاومة في (ميدان) تقسيم، اختارت السلطة اسلوب القمع الوحشي بالغاز ضد المحتجين وقد قوبل ذلك بنقد لأردوغان من جانب النائب عن حزبه ابراهيم يغيت، الذي توجه إليه بسؤال: هل تريد جر البلاد الى حرب أهلية؟ ويقتل الناس بعضهم البعض؟».

وتحت عنوان «ميدان الديموقراطية وشارع رئيس الحكومة»، كتب جنكيز تشاندار في صحيفة «راديكال»: «لم اعد احتسب عدد المرات التي تكلم فيها اردوغان خلال عشرة أيام. ربما تجاوز ذلك 17 مرة. المضمون واحد ومعيار الغضب والحدة هو السائد. لقد تحول رئيس الحكومة الى شخص يقصر كلامه على الصراخ. وأدى سلوكه في الآونة الأخيرة الى فتح الطريق واسعا ليخسر دعم حتى الذين كانوا أكثر الداعمين له في الخارج».

  • فريق ماسة
  • 2013-06-12
  • 9131
  • من الأرشيف

تنسيق تركي ـ إسرائيلي بشأن «انتفاضة تقسيم»

في الوقت الذي دخلت انتفاضة تقسيم اسبوعها الثالث من دون ظهور اي بوادر على تراجع اي من الفريقين عن مواقفهما، دخلت اسرائيل بقوة على خط الأزمة التركية مع وصول المسؤول البارز في الموساد الاسرائيلي تامير باردو الى انقرة، بصورة سرية، مساء الاثنين الماضي. والتقى باردو خلال هذه الزيارة رئيس الاستخبارات التركي حاقان فيدان. وبحسب صحيفة «حرييت» فإن من بين المواضيع التي تم تناولها خلال هذا اللقاء، الوضع في سوريا وحجم المشاركة الايرانية هناك، والتطورات في ميدان تقسيم. وذكرت «حرييت» أن المسؤولين الاستخباريين التركي والإسرائيلي تقاسما المعلومات المتوافرة لديهما، مشيرة الى انهما تبادلا وجهات النظر في ما اذا كان هناك دور لأجهزة استخبارات إقليمية في احداث ميدان تقسيم وحديقة غيزي ام لا. واضافت ان عامير باردو طلب موعدا للقاء رئيس الحكومة التركي رجب طيب اردوغان. ومع تواصل الانتقادات لأسلوب اردوغان في مواجهة المحتجين، والتي استدعت تدخل الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، ودعوته إلى الهدوء، بات تواصل الانتفاضة يحرج اردوغان كثيراً، خصوصاً بعد الانتقادات التي وجهت إليه بانتهاج سياسة مزدوجة المعايير، والتي تبدّت في دعوته قيادات الانتفاضة الى الحوار وإيعازه الى قوات الشرطة - بأمر مباشر منه كما اجمعت المعلومات التركية - باقتحام ساحة تقسيم ومواصلة النهج العنفي في مواجهة حركة الاحتجاج. ولاحظ معظم المحللين تراجع الدور المعتدل لرئيس الجمهورية عبد الله غول ونائب رئيس الحكومة بولنت ارينتش منذ عودة اردوغان من رحلته المغاربية، حيث تصدر اردوغان المشهد السياسي، في ما فسّر على ان مواقف غول وأرينتش لم تكن سوى توزيع للأدوار ومحاولة لتسكين المحتجين في انتظار حسم كيفية مواجهة الوضع الجديد. ومع ان ترشيح اردوغان لرئاسة الجمهورية لا يزال قويا، غير ان أحداث اسطنبول قد تعيد الاعتبار إلى عبد الله غول، الذي قد يقرر ترشيح نفسه مجددا للرئاسة، اذا ما تبين ان ترشيح اردوغان سيثير المزيد من التوترات في البلاد. وفي هذا السياق تساءل سميح ايديز في صحيفة «طرف» عما اذا كان اردوغان سيكون رئيسا للجمهورية، فقال انه «بعد احداث حديقة جيزي تلقت صورة اردوغان في المحافل الدولية ضربة لا يجرؤ مستشاروه على ان يقولوها له». واضاف ايديز «يبدو أن اردوغان لم يتعلم الدرس حتى من التونسيين والمصريين الذين نزلوا الى الشوارع، فهو يواصل التصرف كما لو انه جزء من التنظيم العالمي للإخوان المسلمين، معتقدا انه بذلك يحصد المكاسب. لكن اتهام اردوغان للأوساط المالية والمخربين بأنها وراء الأحداث انما يثير سخرية الغرب. وأكثر من ذلك، فإن لهجة التحدي، بل الحقد، التي واجه بها اردوغان المحتجين وابتعاده عن لغة التصالح انما يجعلان من وصوله الى رئاسة الجمهورية سبباً اضافياً للانقسامات والتوترات في تركيا. وختم ايديز بأنّ «بلداً متنوعاً الى هذا الحد دينياً ومذهبيا واثنياً واجتماعيا لا يمكن ان يدار على طريقة (الزعيم الأوحد)». ولوحظت محاولة اردوغان المتواصلة لحرف الأنظار عن المطالب القوية للمتظاهرين من خلال الاستمرار في اتهام الخارج بحياكة مؤامرة على نظام «حزب العدالة والتنمية» والاقتصاد التركي. وفي هذا الاطار كان توقيت اردوغان الاعلان ان العقل المدبر لتفجيرات الريحانية قد اعتقل وهو يحاول الهرب الى سوريا، وأن دمشق هي التي تقف وراء هذه التفجيرات. ولفت أيضا اتهام اردوغان الهيئات الاقتصادية وأصحاب الريع الفوائضي بتأجيج الاحتقان من أجل تحقيق الارباح، وإضعاف موقف «حزب العدالة والتنمية» مع تراجع سعر الليرة وارتفاع الفوائد بصورة كبيرة. وخارج التفاصيل السياسية المباشرة، كان لأردوغان جولة جديدة من ترهيب المعارضين، ولا سيما المثقفين والفنانين، عندما شبّههم بـ«الانكشارية» (طائفة عسكرية من المشاة العثمانيين شكلوا تنظيماً خاصاً لهم ثكناتهم العسكرية وشاراتهم ورتبهم وامتيازاتهم، وكانوا أقوى فرق الجيش العثماني وأكثرها نفوذاً)، متوعدا اياهم بأنه «بعد الآن لن تسير الأمور على هذا النحو، لأنّ من لا يحترم السلطة التي جاءت بها الأمة سيدفع ثمن ذلك». وفي التحليلات كتبت صحيفة «ميللييت» ان احتجاجات حديقة جيزي «قدمت مساهمات مهمة جداً لتعزيز الديموقراطية في تركيا، وتقوية ثقافة العيش المشترك والأمن المجتمعي». وتحت عنوان «الغيوم التي بددتها جيزي»، كتب ديريا سازاق في صحيفة «ميللييت» انه كان لا بد من تحركات مثل «مقاومة حديقة غيزي» لكي «تتبدد الغيوم التي ظللت ديموقراطيتنا». واضاف «لقد بدأت تتلاشى مناخات الرقابة على الاعلام الذي بدأ يرى الحقائق ويفهم جيل التسعينيات. وحده إعلام السلطة لا يزال متخلفا. المسألة ليست بضعة أشجار تقتلع من مكانها او حفنة من المتطرفين، بل جيل بكامله يريد المزيد من الديموقراطية والحرية». ورأت صحيفة «جمهورييت» انه «بعد مرحلة تجاهل للمقاومة في (ميدان) تقسيم، اختارت السلطة اسلوب القمع الوحشي بالغاز ضد المحتجين وقد قوبل ذلك بنقد لأردوغان من جانب النائب عن حزبه ابراهيم يغيت، الذي توجه إليه بسؤال: هل تريد جر البلاد الى حرب أهلية؟ ويقتل الناس بعضهم البعض؟». وتحت عنوان «ميدان الديموقراطية وشارع رئيس الحكومة»، كتب جنكيز تشاندار في صحيفة «راديكال»: «لم اعد احتسب عدد المرات التي تكلم فيها اردوغان خلال عشرة أيام. ربما تجاوز ذلك 17 مرة. المضمون واحد ومعيار الغضب والحدة هو السائد. لقد تحول رئيس الحكومة الى شخص يقصر كلامه على الصراخ. وأدى سلوكه في الآونة الأخيرة الى فتح الطريق واسعا ليخسر دعم حتى الذين كانوا أكثر الداعمين له في الخارج».

المصدر : السفير/ محمد نور الدين


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة