الروسي في دور المهاجم. الأميركي في دور المستمع والحكم أحيانا، والفرنسي في دور المدافع عن المعارضة. هكذا بدت صورة اجتماع وزراء خارجية روسيا سيرغي لافروف وأميركا جون كيري وفرنسا لوران فابيوس أمس الأول.

وتمحورت النقاشات الثلاثية حول النقاط التمهيدية لمؤتمر «جنيف 2»، من مشاركة إيران إلى تكوين الوفود المعارضة إلى جدول الأعمال، وحتى المواعيد المقترحة. وبدا أن المقاومة التي تواجه الروس في إمساكهم بجنيف تأتي من الفرنسيين، وليس من الأميركيين.

ويبدو التفاهم الأميركي ـ الروسي محاولة أميركية لإخلاء المكان للروس لاختبار قدرتهم على تقديم حلول للأزمة السورية، والمراهنة على استعادة المبادرة عند استنفاد المحاولات الروسية أو فشلها. وشكل إشراك إيران احدى نقاط التصادم في العشاء الفرنسي مع الوزيرين الروسي والأميركي.

وقال مصدر إن الأميركيين لم يبدوا اعتراضا على الاقتراح الروسي إدخال طهران في «مجموعة العمل الدولية حول سوريا» ومنحها مقعدا في جنيف، بينما عارض الفرنسيون الامر بشدة، واعتبروا أن الإيرانيين جزء من المشكلة ولا يمكن أن يكونوا جزءا من الحل. كما أن منحهم مقعدا في جنيف سيعقد من العمل معهم على المسار النووي.

وأثار الفرنسيون نقاشا حول تشكيل وفد المعارضة التي يريدون أن يكون «الائتلاف» المعارض مرجعية أساسية في تشكيلها، على أن يعهد إليه أيضا أمر تحديد ممثلي أطياف المعارضة السورية من خارجه وهو ما رفضه الروس. وتبنى الأميركيون موقفا قريبا من الروس يدعو إلى اعتبار التمثيل مفتوحا ومحسوما على قاعدة تقاسمه بين «الائتلاف» وبيئته المباشرة والحليفة، كميشال كيلو واحمد معاذ الخطيب، بينما تمثل «هيئة التنسيق» ومعها «تيار بناء الدولة» وفد معارضة الداخل. ورفض الأميركيون مرة أخرى اقتراحا روسيا بفرض معارضين كقدري جميل وعلي حيدر في صفوف وفد المعارضة.

وقال مصدر ديبلوماسي فرنسي إن باريس أيدت تمثيل «الجيش الحر» في جنيف لأن العسكر يتمتعون بـ«شرعية» واضحة لا جدال فيها لتمثيل المعارضة السورية. ودفع الفرنسيون بقوة نحو ضم مايسمى «رئيس أركان الجيش الحر» سليم إدريس إلى وفد معارض محتمل إلى جنيف.

ونشب خلاف على عملية نقل الصلاحيات إلى هيئة تنفيذية. وعبر الروس عن عدم اقتناعهم بأن على عملية نقل الصلاحيات أن تشمل كامل الصلاحيات بما فيها الأمن والجيش. ويعتبرون أن الأمن والجيش يدخلان في نطاق صلاحيات الرئيس، وينبغي ترحيل الملف لطرحه برمته عند الوصول إلى القضايا الخلافية الكبرى، كتحديد مصير الرئيس وهو قائد الأمن والقوات المسلحة أيضا، بانتظار أن يحسم ذلك دستور سوري جديد أو إعلان دستوري خلال المرحلة الانتقالية، وليس خلال عملية بناء الحكومة الانتقالية. ويتمسك الفرنسيون والأميركيون بنقل كامل للصلاحيات بما فيها، كما قال المصدر الديبلوماسي، خصوصا ما اتصل منها بالأمن والجيش، باعتبارها احد تدابير بناء الثقة، لتسهيل تطبيع الأوضاع، وسحب الجيش إلى ثكناته.

وسعى الروس إلى تحديد جدول أعمال مؤتمر «جنيف 2» يذهب ابعد من تحديد الحكومة الانتقالية ليشمل مستقبل سوريا السياسي وموقعها والتزاماتها الدولية، وهو ما يشكل غطاء دستوريا سوريا، لتقاسم النفوذ بين الكبيرين وتحديد مستقبل الموقع السوري بينهما. كما يطالب الروس بأن ينظر المؤتمر أيضا في قضايا إعادة الإعمار ومشاريعه والتزاماته.

وقال مصدر ديبلوماسي فرنسي ان قضية وقف إطلاق النار قد طرحت، لمعرفة ما إذا كان من الممكن فرضه قبل بدء المفاوضات، وان فرنسا لا تؤيد إجراء المفاوضات بينما يستمر القتال. واعتبر انه من المستحيل التوصل إلى مفاوضات رصينة وهادئة بينما تخوض سوريا معارك شبيهة بما تعيشه في القصير.

ولم يجر تحديد موعد نهائي للمؤتمر، لكن مصادر ديبلوماسية، فرنسية وغربية في جنيف وباريس، تتقاطع لتقول إن ضغوطا أميركية وروسية كثيفة تمارس على جميع الأطراف لعقد الجلسات الأولى قبل وصول الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأميركي باراك أوباما إلى قمة مجموعة «الثماني» الكبار في 17 حزيران المقبل في ايرلندا.

وقالت مصادر ديبلوماسية، في جنيف، إن المؤتمر قد يعقد في 15 و16 حزيران المقبل، لكنهم أضافوا أنه لم يتم الاتفاق بعد على تفاصيل تنظيم المؤتمر، ولا يوجد اتفاق مؤكد على الموعد.

ويقول المصدر الديبلوماسي الفرنسي انه من المهم أن ينعقد المؤتمر قبيل ذلك التاريخ، ليسمح بتحديد العقبات والمشاكل التي ستواجه المفاوضات مبكرا، لحلها خلال لقاء الرئيسين الأميركي والروسي، أو تشجيع السوريين على التقدم بسرعة بمجرد انعقاد طاولة المفاوضات.

وكانت الساعات التي تلت اجتماع باريس قد شهدت تصعيدا تقليديا، يسبق اقتراب مواعيد المفاوضات. إذ تزامن الاجتماع الباريسي مع قرار الاتحاد الأوروبي رفع حظر الأسلحة على المعارضة السورية، مع تأجيل النظر بتسليحها حتى مطلع آب المقبل، وهو ما اعتبرته موسكو محاولة لتقويض جهود عقد مؤتمر جنيف.

وعلى جبهة مجلس حقوق الإنسان المنعقد في جنيف طالب الأتراك والقطريون والأميركيون بجلسة خاصة لبحث قرار يدين التدخل في القصير، من دون الإشارة إلى «حزب الله» بالاسم، وهو ما وضعه الروس في خانة عمليات تقويض جنيف، ووصفه لافروف بأنه «غير نزيه». والمجلس لا علاقة له بالأحداث الجارية على الجبهات العسكرية السورية، لكنه يدخل في إطار الهجوم المضاد على جنيف كما فهمه الروس.

وعبر الروس عن غضبهم من ازدواجية المواقف الأميركية والأوروبية التي تعمل في مسارين متناقضين، احدهما يدفع نحو «جنيف 2» بينما يقوم الآخر بإطلاق النار عليها. وقال لافروف إن «على الغرب ـ بما في ذلك فرنسا والولايات المتحدة ـ أن يحسم هل نريد عقد مؤتمر جنيف؟ وإذا كان الأمر كذلك فعلينا الامتناع عن أعمال ترمي في الواقع إلى إفشال الفكرة، أما إذا واصلنا اتخاذ خطوات من هذا القبيل، فيجب ألا نتحدث عن المؤتمر».

وقال لافروف «نحن بحاجة إلى وضوح. لقد أعلنت الحكومة السورية أنها ستشارك في المؤتمر. والآن على معارضي النظام تحديد موقفهم بنفس الدقة».

واتهم مصدر ديبلوماسي في باريس الغربيين بعدم احترام حظر الأسلحة المفروض على المعارضة السورية. وقال المصدر إن الليبيين اشتروا في الأشهر الأخيرة أسلحة من ثلاث دول أوروبية، هي ايطاليا واسبانيا وفرنسا، وقاموا بتسليمها إلى المعارضة السورية عبر تركيا.

 

  • فريق ماسة
  • 2013-05-28
  • 12291
  • من الأرشيف

كواليس العشاء الباريسي بين لافروف وكيري وفابيوس؟

الروسي في دور المهاجم. الأميركي في دور المستمع والحكم أحيانا، والفرنسي في دور المدافع عن المعارضة. هكذا بدت صورة اجتماع وزراء خارجية روسيا سيرغي لافروف وأميركا جون كيري وفرنسا لوران فابيوس أمس الأول. وتمحورت النقاشات الثلاثية حول النقاط التمهيدية لمؤتمر «جنيف 2»، من مشاركة إيران إلى تكوين الوفود المعارضة إلى جدول الأعمال، وحتى المواعيد المقترحة. وبدا أن المقاومة التي تواجه الروس في إمساكهم بجنيف تأتي من الفرنسيين، وليس من الأميركيين. ويبدو التفاهم الأميركي ـ الروسي محاولة أميركية لإخلاء المكان للروس لاختبار قدرتهم على تقديم حلول للأزمة السورية، والمراهنة على استعادة المبادرة عند استنفاد المحاولات الروسية أو فشلها. وشكل إشراك إيران احدى نقاط التصادم في العشاء الفرنسي مع الوزيرين الروسي والأميركي. وقال مصدر إن الأميركيين لم يبدوا اعتراضا على الاقتراح الروسي إدخال طهران في «مجموعة العمل الدولية حول سوريا» ومنحها مقعدا في جنيف، بينما عارض الفرنسيون الامر بشدة، واعتبروا أن الإيرانيين جزء من المشكلة ولا يمكن أن يكونوا جزءا من الحل. كما أن منحهم مقعدا في جنيف سيعقد من العمل معهم على المسار النووي. وأثار الفرنسيون نقاشا حول تشكيل وفد المعارضة التي يريدون أن يكون «الائتلاف» المعارض مرجعية أساسية في تشكيلها، على أن يعهد إليه أيضا أمر تحديد ممثلي أطياف المعارضة السورية من خارجه وهو ما رفضه الروس. وتبنى الأميركيون موقفا قريبا من الروس يدعو إلى اعتبار التمثيل مفتوحا ومحسوما على قاعدة تقاسمه بين «الائتلاف» وبيئته المباشرة والحليفة، كميشال كيلو واحمد معاذ الخطيب، بينما تمثل «هيئة التنسيق» ومعها «تيار بناء الدولة» وفد معارضة الداخل. ورفض الأميركيون مرة أخرى اقتراحا روسيا بفرض معارضين كقدري جميل وعلي حيدر في صفوف وفد المعارضة. وقال مصدر ديبلوماسي فرنسي إن باريس أيدت تمثيل «الجيش الحر» في جنيف لأن العسكر يتمتعون بـ«شرعية» واضحة لا جدال فيها لتمثيل المعارضة السورية. ودفع الفرنسيون بقوة نحو ضم مايسمى «رئيس أركان الجيش الحر» سليم إدريس إلى وفد معارض محتمل إلى جنيف. ونشب خلاف على عملية نقل الصلاحيات إلى هيئة تنفيذية. وعبر الروس عن عدم اقتناعهم بأن على عملية نقل الصلاحيات أن تشمل كامل الصلاحيات بما فيها الأمن والجيش. ويعتبرون أن الأمن والجيش يدخلان في نطاق صلاحيات الرئيس، وينبغي ترحيل الملف لطرحه برمته عند الوصول إلى القضايا الخلافية الكبرى، كتحديد مصير الرئيس وهو قائد الأمن والقوات المسلحة أيضا، بانتظار أن يحسم ذلك دستور سوري جديد أو إعلان دستوري خلال المرحلة الانتقالية، وليس خلال عملية بناء الحكومة الانتقالية. ويتمسك الفرنسيون والأميركيون بنقل كامل للصلاحيات بما فيها، كما قال المصدر الديبلوماسي، خصوصا ما اتصل منها بالأمن والجيش، باعتبارها احد تدابير بناء الثقة، لتسهيل تطبيع الأوضاع، وسحب الجيش إلى ثكناته. وسعى الروس إلى تحديد جدول أعمال مؤتمر «جنيف 2» يذهب ابعد من تحديد الحكومة الانتقالية ليشمل مستقبل سوريا السياسي وموقعها والتزاماتها الدولية، وهو ما يشكل غطاء دستوريا سوريا، لتقاسم النفوذ بين الكبيرين وتحديد مستقبل الموقع السوري بينهما. كما يطالب الروس بأن ينظر المؤتمر أيضا في قضايا إعادة الإعمار ومشاريعه والتزاماته. وقال مصدر ديبلوماسي فرنسي ان قضية وقف إطلاق النار قد طرحت، لمعرفة ما إذا كان من الممكن فرضه قبل بدء المفاوضات، وان فرنسا لا تؤيد إجراء المفاوضات بينما يستمر القتال. واعتبر انه من المستحيل التوصل إلى مفاوضات رصينة وهادئة بينما تخوض سوريا معارك شبيهة بما تعيشه في القصير. ولم يجر تحديد موعد نهائي للمؤتمر، لكن مصادر ديبلوماسية، فرنسية وغربية في جنيف وباريس، تتقاطع لتقول إن ضغوطا أميركية وروسية كثيفة تمارس على جميع الأطراف لعقد الجلسات الأولى قبل وصول الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأميركي باراك أوباما إلى قمة مجموعة «الثماني» الكبار في 17 حزيران المقبل في ايرلندا. وقالت مصادر ديبلوماسية، في جنيف، إن المؤتمر قد يعقد في 15 و16 حزيران المقبل، لكنهم أضافوا أنه لم يتم الاتفاق بعد على تفاصيل تنظيم المؤتمر، ولا يوجد اتفاق مؤكد على الموعد. ويقول المصدر الديبلوماسي الفرنسي انه من المهم أن ينعقد المؤتمر قبيل ذلك التاريخ، ليسمح بتحديد العقبات والمشاكل التي ستواجه المفاوضات مبكرا، لحلها خلال لقاء الرئيسين الأميركي والروسي، أو تشجيع السوريين على التقدم بسرعة بمجرد انعقاد طاولة المفاوضات. وكانت الساعات التي تلت اجتماع باريس قد شهدت تصعيدا تقليديا، يسبق اقتراب مواعيد المفاوضات. إذ تزامن الاجتماع الباريسي مع قرار الاتحاد الأوروبي رفع حظر الأسلحة على المعارضة السورية، مع تأجيل النظر بتسليحها حتى مطلع آب المقبل، وهو ما اعتبرته موسكو محاولة لتقويض جهود عقد مؤتمر جنيف. وعلى جبهة مجلس حقوق الإنسان المنعقد في جنيف طالب الأتراك والقطريون والأميركيون بجلسة خاصة لبحث قرار يدين التدخل في القصير، من دون الإشارة إلى «حزب الله» بالاسم، وهو ما وضعه الروس في خانة عمليات تقويض جنيف، ووصفه لافروف بأنه «غير نزيه». والمجلس لا علاقة له بالأحداث الجارية على الجبهات العسكرية السورية، لكنه يدخل في إطار الهجوم المضاد على جنيف كما فهمه الروس. وعبر الروس عن غضبهم من ازدواجية المواقف الأميركية والأوروبية التي تعمل في مسارين متناقضين، احدهما يدفع نحو «جنيف 2» بينما يقوم الآخر بإطلاق النار عليها. وقال لافروف إن «على الغرب ـ بما في ذلك فرنسا والولايات المتحدة ـ أن يحسم هل نريد عقد مؤتمر جنيف؟ وإذا كان الأمر كذلك فعلينا الامتناع عن أعمال ترمي في الواقع إلى إفشال الفكرة، أما إذا واصلنا اتخاذ خطوات من هذا القبيل، فيجب ألا نتحدث عن المؤتمر». وقال لافروف «نحن بحاجة إلى وضوح. لقد أعلنت الحكومة السورية أنها ستشارك في المؤتمر. والآن على معارضي النظام تحديد موقفهم بنفس الدقة». واتهم مصدر ديبلوماسي في باريس الغربيين بعدم احترام حظر الأسلحة المفروض على المعارضة السورية. وقال المصدر إن الليبيين اشتروا في الأشهر الأخيرة أسلحة من ثلاث دول أوروبية، هي ايطاليا واسبانيا وفرنسا، وقاموا بتسليمها إلى المعارضة السورية عبر تركيا.  

المصدر : السفير/محمد بلوط


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة