الشكوك حول انعقاد مؤتمر جنيف 2 بدأت تظلل الجهود الدولية والإقليمية الرامية إلى ضمان حصوله، ولو متأخراً عن موعده المزمع، بما يتجاوز القمة الأميركية ـــ الروسية المرتقبة وانتخابات الرئاسة الإيرانية المقررة منتصف الشهر المقبل. الحراك التركي ـــ القطري يشي بتوجه كهذا، على ما تفيد المعلومات الواردة من أنقرة، ومعه سقوف فصائل المعارضة التي لم تصل بعد إلى توافق الحد الأدنى. مبادرة أحمد معاذ الخطيب تصب في هذا السياق، مستهدفة، على ما كشفته إطلالاته على مدى الأيام الماضية، فرض خط بياني على المعارضة. صحيح أن المبادرة التي طرحها الخطيب أمس لم ولن تجد صدى لها في دمشق، المتمسكة بترشح الرئيس بشار الأسد في 2014، إلا أنها تفرض ثابتين لا يمكن تجاوزهما: النظام الحالي شريك في أي تسوية مقبلة بغض النظر عمن يمثله، والأسد باق في المرحلة الانتقالية بغض النظر عن مستوى صلاحياته.

بعد عامين من استضافة تركيا للمؤتمر الأول للمعارضة السورية في 31 أيار 2011 في مدينة أنطاليا السياحية، حيث تم الاعلان عن تشكيل مايسمى  «المجلس الوطني السوري» في 23 آب 2011، وصل رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان إلى نهاية النفق المظلم في سياساته الخاصة بسورية باعتراف الكثير من السياسيين والمحللين والمراقبين خاصة بعد زيارته الأخيرة الفاشلة الى واشنطن.

وعاد وهو يعلن موافقته على المؤتمر الدولي الذي كان ضده منذ اليوم الأول للأزمة السورية، بينما جاء اللقاء الأخير لمجموعة «أصدقاء سوريا» في عمان أول أمس وقبل ذلك اجتماع موسع للمعارضة السورية الداخلية والخارجية في مدريد واجتماع الائتلاف الوطني أمس في اسطنبول، لتثبت جميعها فشل كل المشاريع والمخططات التركية ومعها القطرية الخاصة بسورية.

يعرف الجميع أن أردوغان أراد من خلال هذا الدعم أن يسيطر على الشارع السوري المعارض سياسياً وعسكرياً، كما أراد أن يستغل هؤلاء في مساعيه للسيطرة على الشارع الكردي السوري وهو تحت تأثير حزب العمال الكردستاني التركي.

هذا ما دفع أردوغان للمصالحة مع هذا الحزب وزعيمه عبد الله أوجلان ليساعده ذلك أيضاً على إقناع أكراد سورية بضرورة التمرد على النظام في دمشق.

وحظيت هذه المصالحة التركية ــ الكردية بمباركة أميركية، بينما لم يحظ أي من مشاريعه الأخرى في سورية بأي ضوء أخضر أميركي بدءاً من إقامة منطقة حظر جوي أو شريط أمني شمال سورية وانتهاءً بغزو واحتلال هذا البلد واسقاط النظام. وانعكس هذا الفشل بشكل أو بآخر سلباً على الدور التركي في الملف السوري عبر المعارضة السياسية ومنها والعسكرية التي بات واضحاً في لقاء اسطنبول وقبلها في مدريد أنها لا ولن تستطع اتخاذ أي موقف موحد في موضوع المؤتمر الدولي واحتمالات المصالحة الوطنية إلا عبر العصا الأميركية.

ويبدو أنها وضعت أردوغان أمام تناقضات صعبة ومعقدة ما دام سيجد نفسه في مأزق صعب وخطير أولاً أمام الرأي العام التركي، وثانياً في علاقاته مع المعارضة السورية السياسية منها والعسكرية التي ستقول له من دون شك: لماذا ورطتنا بهذا الشكل.

هذا في حال انعقاد المؤتمر الدولي واتفاق الأطراف هناك على خطة سياسية لمعالجة الوضع عبر وقف كل أنواع العمل العسكري. ويفسر ذلك تصريحات أردوغان الأخيرة في مهاجمة إيران وحزب الله في دعم النظام السوري عسكرياً في القصير وعموم سورية، حيث تحدثت المعلومات الصحافية عن مساعي أردوغان لإقناع أوباما خلال زيارته الأخيرة بأن جبهة النصرة ليست بجماعة ارهابية، وأنها جاءت كرد فعل على إرهاب النظام السوري، وأن الجميع بحاجة لمثل هذه الجماعات في المنطقة. ربما في إشارة منه الى خطر إيران والشيعة.

ويعتقد بعض المطلعين على الشؤون السورية أن الجماعات المتطرفة من أمثال «النصرة» وغيرها لا ولن تقبل بأي شكل كان باستبعادها من اللعبة السياسية وعبر اضطرار أنقرة الى إغلاق حدودها مع سورية تحت الضغوط الأميركية التي ستجبر السعودية وقطر وقبلها تركيا لتعليق دعمها لهذه الجماعات. بل وحتى أطراف المعارضة السورية المختلفة التي لن تحظى بدعم أميركي وأوروبي.

ويبدو أن السعودية وقطر وأطرافاً عربية أخرى ستبقى على اتصال سري مع أطراف المعارضة المختلفة إذا ذهبت إلى جنيف أو لم تذهب حتى يستمر تأثيرها.

وسيفعل ذلك أردوغان أيضاً على الرغم من عدم ارتياح العديد من أطراف المعارضة السورية لتدخل «العنصر التركي غير العربي» في الملف السوري بهذا الكم والكيف. اذ إن غالبية المعارضة السورية، باستثناء الإخوان المسلمين، غير راضين عليه بعدما تبين للجميع خلفيات الحسابات التركية الخاصة بسوريا وعبرها المنطقة العربية.

ويبقى الرهان على موقف واشنطن الحازم والحاسم في علاقتها مع أنقرة، التي إذا اقتنعت أن أوباما جاد في موضوع سورية فحينها لا ولن يتردد في التحرك عبر المسار الأميركي الجديد ما دام أوباما يملك الكثير من الأوراق السياسية والاقتصادية والنفسية في مساوماته مع تركيا.

وقد يكون المثل التركي «حافظة البشر معلولة بالنسيان» خير معبّر عن هذا الوضع، فبعد عام، لا ولن يتذكر أحد ماذا فعله أو قاله أردوغان ووزير خارجيته أحمد داوود أوغلو، والأسد شخصياً.

  • فريق ماسة
  • 2013-05-23
  • 9630
  • من الأرشيف

بعد فشل كل المخططات التركية و القطرية ،هل وصل أردوغان الى نهاية النفق المُظلم؟

الشكوك حول انعقاد مؤتمر جنيف 2 بدأت تظلل الجهود الدولية والإقليمية الرامية إلى ضمان حصوله، ولو متأخراً عن موعده المزمع، بما يتجاوز القمة الأميركية ـــ الروسية المرتقبة وانتخابات الرئاسة الإيرانية المقررة منتصف الشهر المقبل. الحراك التركي ـــ القطري يشي بتوجه كهذا، على ما تفيد المعلومات الواردة من أنقرة، ومعه سقوف فصائل المعارضة التي لم تصل بعد إلى توافق الحد الأدنى. مبادرة أحمد معاذ الخطيب تصب في هذا السياق، مستهدفة، على ما كشفته إطلالاته على مدى الأيام الماضية، فرض خط بياني على المعارضة. صحيح أن المبادرة التي طرحها الخطيب أمس لم ولن تجد صدى لها في دمشق، المتمسكة بترشح الرئيس بشار الأسد في 2014، إلا أنها تفرض ثابتين لا يمكن تجاوزهما: النظام الحالي شريك في أي تسوية مقبلة بغض النظر عمن يمثله، والأسد باق في المرحلة الانتقالية بغض النظر عن مستوى صلاحياته. بعد عامين من استضافة تركيا للمؤتمر الأول للمعارضة السورية في 31 أيار 2011 في مدينة أنطاليا السياحية، حيث تم الاعلان عن تشكيل مايسمى  «المجلس الوطني السوري» في 23 آب 2011، وصل رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان إلى نهاية النفق المظلم في سياساته الخاصة بسورية باعتراف الكثير من السياسيين والمحللين والمراقبين خاصة بعد زيارته الأخيرة الفاشلة الى واشنطن. وعاد وهو يعلن موافقته على المؤتمر الدولي الذي كان ضده منذ اليوم الأول للأزمة السورية، بينما جاء اللقاء الأخير لمجموعة «أصدقاء سوريا» في عمان أول أمس وقبل ذلك اجتماع موسع للمعارضة السورية الداخلية والخارجية في مدريد واجتماع الائتلاف الوطني أمس في اسطنبول، لتثبت جميعها فشل كل المشاريع والمخططات التركية ومعها القطرية الخاصة بسورية. يعرف الجميع أن أردوغان أراد من خلال هذا الدعم أن يسيطر على الشارع السوري المعارض سياسياً وعسكرياً، كما أراد أن يستغل هؤلاء في مساعيه للسيطرة على الشارع الكردي السوري وهو تحت تأثير حزب العمال الكردستاني التركي. هذا ما دفع أردوغان للمصالحة مع هذا الحزب وزعيمه عبد الله أوجلان ليساعده ذلك أيضاً على إقناع أكراد سورية بضرورة التمرد على النظام في دمشق. وحظيت هذه المصالحة التركية ــ الكردية بمباركة أميركية، بينما لم يحظ أي من مشاريعه الأخرى في سورية بأي ضوء أخضر أميركي بدءاً من إقامة منطقة حظر جوي أو شريط أمني شمال سورية وانتهاءً بغزو واحتلال هذا البلد واسقاط النظام. وانعكس هذا الفشل بشكل أو بآخر سلباً على الدور التركي في الملف السوري عبر المعارضة السياسية ومنها والعسكرية التي بات واضحاً في لقاء اسطنبول وقبلها في مدريد أنها لا ولن تستطع اتخاذ أي موقف موحد في موضوع المؤتمر الدولي واحتمالات المصالحة الوطنية إلا عبر العصا الأميركية. ويبدو أنها وضعت أردوغان أمام تناقضات صعبة ومعقدة ما دام سيجد نفسه في مأزق صعب وخطير أولاً أمام الرأي العام التركي، وثانياً في علاقاته مع المعارضة السورية السياسية منها والعسكرية التي ستقول له من دون شك: لماذا ورطتنا بهذا الشكل. هذا في حال انعقاد المؤتمر الدولي واتفاق الأطراف هناك على خطة سياسية لمعالجة الوضع عبر وقف كل أنواع العمل العسكري. ويفسر ذلك تصريحات أردوغان الأخيرة في مهاجمة إيران وحزب الله في دعم النظام السوري عسكرياً في القصير وعموم سورية، حيث تحدثت المعلومات الصحافية عن مساعي أردوغان لإقناع أوباما خلال زيارته الأخيرة بأن جبهة النصرة ليست بجماعة ارهابية، وأنها جاءت كرد فعل على إرهاب النظام السوري، وأن الجميع بحاجة لمثل هذه الجماعات في المنطقة. ربما في إشارة منه الى خطر إيران والشيعة. ويعتقد بعض المطلعين على الشؤون السورية أن الجماعات المتطرفة من أمثال «النصرة» وغيرها لا ولن تقبل بأي شكل كان باستبعادها من اللعبة السياسية وعبر اضطرار أنقرة الى إغلاق حدودها مع سورية تحت الضغوط الأميركية التي ستجبر السعودية وقطر وقبلها تركيا لتعليق دعمها لهذه الجماعات. بل وحتى أطراف المعارضة السورية المختلفة التي لن تحظى بدعم أميركي وأوروبي. ويبدو أن السعودية وقطر وأطرافاً عربية أخرى ستبقى على اتصال سري مع أطراف المعارضة المختلفة إذا ذهبت إلى جنيف أو لم تذهب حتى يستمر تأثيرها. وسيفعل ذلك أردوغان أيضاً على الرغم من عدم ارتياح العديد من أطراف المعارضة السورية لتدخل «العنصر التركي غير العربي» في الملف السوري بهذا الكم والكيف. اذ إن غالبية المعارضة السورية، باستثناء الإخوان المسلمين، غير راضين عليه بعدما تبين للجميع خلفيات الحسابات التركية الخاصة بسوريا وعبرها المنطقة العربية. ويبقى الرهان على موقف واشنطن الحازم والحاسم في علاقتها مع أنقرة، التي إذا اقتنعت أن أوباما جاد في موضوع سورية فحينها لا ولن يتردد في التحرك عبر المسار الأميركي الجديد ما دام أوباما يملك الكثير من الأوراق السياسية والاقتصادية والنفسية في مساوماته مع تركيا. وقد يكون المثل التركي «حافظة البشر معلولة بالنسيان» خير معبّر عن هذا الوضع، فبعد عام، لا ولن يتذكر أحد ماذا فعله أو قاله أردوغان ووزير خارجيته أحمد داوود أوغلو، والأسد شخصياً.

المصدر : الأخبار/ حسني محلي


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة