دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
إسرائيل تخشى انقلاب الوضع «رأساً على عقب» في الجولان المحتل، لكنها في الوقت نفسه معنية بعدم الدخول في حرب شاملة مع سورية، رغم قناعتها بأن لا مناص من استمرار التدخل لمنع نقل أسلحة إلى حزب الله.
بالتأكيد، لم يكن توالي وتزامن رسائل التهديد التي وجهها القادة العسكريون الاسرائيليون، للرئيس السوري بشار الاسد، عرضياً، كما أن صدور هذه التهديدات عن الجهات المهنية، يؤكد انها تعكس ارتفاع منسوب قلقهم من أن عدم رد الجيش السوري على الاعتداءات السابقة، المباشر والفوري والتناسبي، قد لا ينسحب بالضرورة على ما ينتظرها في الاعتداءات المقبلة، وخصوصاً بعد توالي المؤشرات حول جدية الطرف السوري في تغيير قواعد الاشتباك في الجولان.
بموازاة ذلك، ان يوجه مجموعة من كبار قادة الجيش الاسرائيلي سلسلة رسائل تهديد ضد نظام الرئيس بشار الاسد، في حال تغيير الواقع القائم في الجولان او الاستمرار في دعم حزب الله بالاسلحة الاستراتيجية، يعني ان اسرائيل قطعت أشواطاً في الطريق الى التدخل العسكري المباشر في الصراع الذي تشهده الساحة السورية، وإن اتخذ عناوين واشكالاً مختلفة. وهو ما يؤكد مرة اخرى حالة التوتر الشديد في الجبهة السورية، التي عبر عنها وزير الدفاع موشيه يعلون بالقول إن «الواقع قد ينقلب رأساً على عقب دفعة واحدة ويجب ان نكون جاهزين». اما بخصوص نوايا اسرائيل العدوانية، فأوضح يعلون ايضاً «عند تعرض مصالحنا للخطر، مثل عمليات نقل وسائل قتالية نوعية الى جهات معادية كحزب الله أو نقل سلاح كيميائي، من ناحيتنا يعد هذا تجاوزاً للخط الأحمر». ايضاً اضاف وزير الدفاع ان «اعداء اسرائيل يحاولون ادخال وسائل قتالية تمس بتفوقنا الجوي والبحري، واسلحة دقيقة يمكن أن تصيب اهدافاً في اسرائيل»، مشدداً على تصميم اسرائيل على منع وصول ذلك «بشكل مسؤول وموزون».
وأضاف يعلون ان هناك قاعدة اخرى حدَّدتها اسرائيل، تندرج ضمن الخطوط الحمراء، وهي «بالطبع المحافظة على الهدوء في هضبة الجولان وعلى سيادتنا هناك، وكل ذلك بمسؤولية وتفكير موزون». اما كلمة السر المفضوحة التي تحرص على ايصالها دائماً بمختلف اساليب التعبير، فهي التهديد بـ«الثمن الباهظ الذي سيدفعه الاسد، اذا ما فتح جبهة مقابلنا»، في اشارة الى تدخلها العسكري المباشر لصالح المعارضة المسلحة وتدمير قدرات الجيش السوري واسقاط النظام.
وفي موقف يعكس نقطة الارتكاز في التقدير الاسرائيلي للسياسة الامنية الجديدة في سوريا، اكد يعلون أن الجيش السوري الذي حاول أن يحقق توازناً استراتيجياً مع إسرائيل «منشغل الآن في الحرب على بقاء نظامه، على الرغم من عشرات آلاف الصواريخ التي تهدد امن اسرائيل»، مشيراً الى أن الاسد «يفقد سيطرته على سوريا تدريجيا، حتى لو ظهر مؤخرا انه مسيطر على زمام الامور في بلاده»، معتبرا ان «لا محال لذلك في الواقع».
في الوقت نفسه، رأى يعلون أن المنطقة تمر في حالة عدم استقرار مزمن من المتوقع أن يستمر لفترة طويلة، واصفاً الوضع الأمني على عدة جبهات مختلفة بالصعب والعميق الذي سيمتد لأكثر من جيل في الواقع الشرق اوسطي.
وكان قد سبق يعلون الى توجيه مثل هذه التهديدات، رئيس اركان الجيش بني غانتس بالقول «اذا دفع الاسد الاوضاع نحو التدهور في هضبة الجولان فسيدفع الثمن وسيتعين عليه ان يتحمل النتائج».
في السياق نفسه، اكدت تقارير اعلامية اسرائيلية أن الهجمة الاعلامية لكبار قادة الجيش تهدف الى منع نشوب حرب، وخصوصاً أن هناك انطباعا لدى القيادة الاسرائيلية بأن الاسد «لا يقرأ الوضع بشكل صحيح ويخطئ في تقدير نوايا اسرائيل». وهو تعبير آخر عن حقيقة انهم في تل ابيب باتوا على قناعة بأن كل الضربات التي نفذتها اسرائيل لم تحقق مفعولها الردعي المؤمل، وأن المخاوف التي تحدث عنها العديد من الخبراء والمعلقين في الساحة الاسرائيلية من تداعيات أي ضربة مقبلة، تغلغلت في وعي كبار قادة الجيش والمستوى السياسي. من هنا تتحدث تقارير اعلامية عن ان الرئيس الاسد «لديه ثقة بنفسه وهو مستعد لمد الحبل مع اسرائيل أكثر من الماضي».
نتيجة ذلك، يحاول القادة العسكريون الايحاء بأن اسرائيل ماضية في سياستها الامنية التي حددت معالمها ونفذتها في الاسابيع الماضية، حتى لو كانت تعلم بأن هناك رداً سورياً مقبلاً. وانها بالرغم من ادراكها المسبق للاضرار الكبيرة التي قد تنتج من مواجهة مباشرة مع سوريا، لم ترتدع عن استخدام قوتها بحجم كبير، لأنها لا تريد الانجرار الى حرب استنزاف طويلة المدى.
ومن أجل التأكيد على الرسالة وضمان وصولها الى الهدف، تناول بعض المعلقين الاسرائيليين تهديدات قادة الجيش، منهم المعلق العسكري في صحيفة «يديعوت احرونوت»، اليكس فيشمان، الذي رأى أن قائد سلاح الجو امير ايشل بدد الغموض حول الخطط الاسرائيلية بشأن سوريا، وان الجيش الاسرائيلي جاهز لحرب مفاجئة مع سوريا، أي أن هناك خططاً عملياتية، يتدرب عليها الجيش، وبالتالي فهو تحدث بين السطور عن حرب قصيرة تبدأ بضربة نارية كبيرة. وبالتالي لا يدور الحديث عن عملية جوية موضعية، بل عن هجوم على عشرات الاهداف في طول وعرض سوريا. كما تناول فيشمان ايضا رسائل التهديد التي صدرت عن شخصيات مجهولة ومعلومة سبقت ايشل.
اما الخبير بالشؤون السورية، ايال زيسر، فاعتبر في مقالة له في صحيفة «اسرائيل اليوم»، أن «طوفان تصريحات المسؤولين الاسرائيليين، يُظهر أن اسرائيل كمن تريد أكل الكعكة وتبقيها كاملة»، مفسراً ذلك بأن اسرائيل مصممة على منع نقل اسلحة الى حزب الله لكنها تريد في نفس الوقت قدر المستطاع تخفيف لهيب النار التي قد تشتعل إثر عملية اسرائيلية كهذه. وانها تريد إضعاف الاسد ومنع وصول سلاح روسي متطور اليه، لكنها في الوقت نفسه معنية بمنع نشوب حرب شاملة قد تؤدي الى تدخل اسرائيلي عميق في الساحة السورية.
وحذر زيسر من أن ضعف نظام الاسد الذي فتح فرصة لاسرائيل لمهاجمته قد يشكل تهديداً لنا، كونه بات أكثر تحرراً وهامش حركته اضحى اوسع، انطلاقا من أنه لم يعد لديه ما يخسره. ولفت زيسر إلى ان مشكلة مشكلات اسرائيل تكمن في انها بخلاف الحزم الذي تظهره تصريحات المسؤولين الكبار، فإن السياسة الاسرائيلية المتعلقة بسوريا اقل حزما ووضوحا.
أما صحيفة «هآرتس»، فلفتت في افتتاحيتها، الى غياب الهجمات في عمق الاراضي السورية عن الخطاب العدواني (للقادة الاسرائيليين)، محذرة من أنه لا يمكن لاسرائيل ان تهاجم اراضي دولة سيادية اخرى. ومن جهة اخرى تتهم الدولة التي تعرضت للهجوم بالتسبب بتدهور الوضع حين ترد. ونصحت الصحيفة القيادة السياسية بأن لا مصلحة لاسرائيل بالتورط في الحرب الدائرة في سوريا، وربما ايضا مع ايران وحزب الله.
المصدر :
الماسة السورية/ علي حيدر
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة