تلقت تركيا الضربة الأكبر منذ اندلاع الأزمة في سوريا قبل سنتين وشهرين، عندما انفجرت سيارتان أمام بلدية بلدة الريحانية (ريحانلي) في مقاطعة هاتاي (الاسكندرون)، ما أسفر عن سقوط ما لا يقل عن 46 قتيلا، بينهم 3 سوريين، وجرح حوالى المئة، بعضهم في حال الخطر.

وكانت بوابة الحدود التي تقع في طرف البلدة قد شهدت في 11 شباط الماضي انفجار سيارة أسفرت عن وقوع 14 قتيلا.

لكن وقوع الانفجار عند بلدة قريبة من الحدود السورية لا يعني بالضرورة ارتباط الانفجار بالأزمة في سوريا، بل ربما بعملية الحل للمسألة الكردية، وهو ما لمّح إليه رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان.

نائب رئيس الحكومة بولنت ارينتش كان الأكثر مباشرة عندما قال إن سوريا مشتبه به طبيعي في مثل هذه الحوادث، معتبرا انه إذا ثبت تورط دمشق في الانفجارين فسوف تتخذ تركيا الإجراءات اللازمة. وقال النائب الآخر لرئيس الحكومة التركية بشير اتالاي إن السلطات ألقت القبض على تسعة اشخاص، جميعهم أتراك، منهم المدبر المزعوم للتفجيرين في بلدة ريحانلي أمس الاول، فيما اعلن وزير الداخلية التركي معمر غولر ان «مجموعة معروفة للسلطات التركية ذات صلات مباشرة بالاستخبارات السورية هي التي ارتكبت الهجوم».

وتفاوتت ردود الفعل التركية الرسمية، كما المعارِضة، حول التفجيرين، فوزير الخارجية احمد داود اوغلو لفت إلى توقيت عملية الانفجار مع بدء المساعي لعقد مؤتمر دولي، كما لو أن الوزير يريد القول إن مرتكبي الانفجارين يريدون تخريب جهود التوصل إلى حل سلمي للأزمة السورية، علما أن ردة فعل الحكومة التركية على فكرة عقد مؤتمر دولي لم تكن مشجعة، حينما وضعت شرط عدم مشاركة الرئيس السوري بشار الأسد، كما من تلطخت أيديهم بالدماء في «الحكومة الانتقالية». كما أن أنقرة كانت قد رفضت دعوة الرئيس السابق لـ«الائتلاف الوطني السوري» المعارض احمد معاذ الخطيب للحوار مع النظام السوري.

ودعا داود اوغلو إلى عدم اختبار قدرة تركيا على الردع. ورأى أن هناك من يريد تحريض الشعب التركي على اللاجئين السوريين في الريحانية وغيرها، موضحا أن تركيا ستواصل فتح أبوابها للاجئين، وذلك بعد اندلاع احتجاجات في الريحانية بعد التفجيرين، واتهم البعض السكان السوريين بالتسبب في العنف، في حين أن آخرين انتقدوا السياسة الخارجية التركية. وهشم البعض زجاج نوافذ سيارات عليها لوحات معدنية سورية.

وقال داود اوغلو، في برلين، ان «الهجوم الأخير يظهر كيف تتحول شرارة إلى حريق عندما يظل المجتمع الدولي صامتا ويفشل مجلس الامن الدولي في التحرك». واضاف: «من غير المقبول ان يدفع الشعبان السوري والتركي ثمن ذلك».

ووصف التفجيرين بانهما انتهاك لـ«الخط الاحمر» الذي وضعته تركيا، وقال: «حان الوقت لان يتخذ المجتمع الدولي موقفا مشتركا ضد النظام (السوري) فورا ومن دون اي تأخير». ودعا الى اطلاق «مبادرة عاجلة وديبلوماسية تهدف الى تحقيق النتائج» للعثور على حل للازمة السورية، مضيفا ان «تركيا لديها الحق في القيام باي اجراء» ردا على تفجيرات الريحانية.

وأعرب داود أوغلو، في مقابلة مع قناة «تي ار تي» التركية امس، عن اعتقاده أن الجناة هم من نفذوا هجوما على بلدة البيضا قرب بانياس الأسبوع الماضي، والذي أسفر عن سقوط 62 قتيلا. وقال: «يتعين أن نكون حذرين حيال الاستفزازات العرقية في تركيا ولبنان بعد مجزرة بانياس».

الرئيس التركي عبدالله غول وجّه خطابا إلى الأمة دعا فيه إلى الصبر والهدوء وعدم الانجرار إلى التحريض. أما اردوغان فقد اعتبر أن النظام السوري يحاول جر تركيا إلى «سيناريو كارثي» عبر هجمات منها ما شهدته بلدة الريحانية. وقال: «إنهم يريدون جرنا إلى سيناريو كارثي»، داعيا الشعب إلى «التنبه وضبط النفس في مواجهة اي استفزاز يهدف الى جر تركيا الى المستنقع السوري»، وذلك بعد يوم من اعلانه ان من لا يريدون تقدم عملية حل المشكلة الكردية يمكن أن يكونوا وراء هذا العمل.

واعتبر النائب عن «حزب العدالة والتنمية» شامل طيار ان الهدف من التفجيرين هو تحريض الشعب التركي على اللاجئين السوريين في كامل المناطق الحدودية التي لجأوا اليها، وإحداث صدام بين الشعب واللاجئين.

زعيم «حزب الحركة القومية» دولت باهتشلي قال إن تركيا باتت مكشوفة وحدودها تحت التهديد الجدي، فيما دعا زعيم «حزب الشعب الجمهوري» كمال كيليتشدار اوغلو الى اكتشاف الفاعلين، لكنه قال إنه يجب اتخاذ كل الإجراءات التي تتطلب إعادة النظر بالسياسات الداخلية والخارجية لتركيا.

وأجمعت الصحف المؤيدة لـ«حزب العدالة والتنمية» على الإشارة في عناوينها الرئيسية إلى مسؤولية النظام السوري عن الانفجار.

وتفاوتت تعليقات الخبراء والمحللين الأتراك حول أسباب وتداعيات التفجيرين. رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان ادريس بال قال إنه «يعتقد ان النظام في سوريا يسعى لنشر النار الى الجوار»، معتبرا ان «المؤشرات تدل على ذلك». واضاف ان «الانفجارين يأتيان أيضا في توقيت لافت، وهو عشية زيارة اردوغان الى واشنطن» الخميس المقبل.

المسؤول السابق في الاستخبارات التركية بولنت أوراك اوغلو قال إن «مثل هذه الانفجارات تحصل في كل مكان وزمان، وعلى تركيا أن تتعود على العيش مع الإرهاب، حتى لو انتهى إرهاب حزب العمال الكردستاني، فإن إرهابا آخر سيظهر».

وقال رئيس مركز «غيسام» آتيللا صندقلي إنه «اعتداء على الأمن القومي التركي ويجب عدم التبسيط في تحليله، وعلى تركيا ألا تتدخل بمفردها في سوريا مهما كانت الظروف».

الخبير الاستراتيجي محمد اريجان قال إن «التوقيت يتقاطع أولا مع دعوة اردوغان لإقامة منطقة حظر جوي في شمال سوريا، والثاني إنه يوجد في الريحانية مكتب للاستخبارات الأميركية على صلة بالمعارضة السورية»، مضيفا ان «التفجيرين يأتيان ايضا بعد سلسلة من التوترات بين المواطنين الأتراك واللاجئين السوريين ويراد ان يصب النار على زيت هذه التوترات». واشار الى ان «المنطقة الحدودية تعاني ضعفا امنيا وضعفا استخباراتيا».

يذكر ان بلدة الريحانية شهدت قبل ايام اعتداءات من مواطنين اتراك على اللاجئين السوريين في المخيمات وفي المنازل التي يسكنون فيها، ما استدعى تدخل الشرطة.

رئيس معهد أنقرة الاستراتيجي محمد اوزجان قال إن على «تركيا ألا تقع في هذه اللعبة، ويجب ألا ينظر إلى اللاجئين السوريين على أنهم هم السبب في مثل هذه الأحداث».

واعتبر الكاتب في صحيفة «راديكال» مراد يتكين انه «ورغم انه من المبكر اتهام الاستخبارات السورية أو تنظيم تحت تأثيرها بالقيام بهذه الحادثة، غير انه ليس من شك في أنها مرتبطة بالحرب في سوريا»، معتبرا ان «دمشق ردت في تركيا على الغارة الإسرائيلية على سوريا».

وذكّر مليح عاشق في صحيفة «ميللييت» بكلام سابق للرئيس الروسي فلاديمير بوتين حول أن الوضع في سوريا يشبه مسرحية تظهر فيها بندقية معلقة على الحائط، والتي لا بد ان تنطلق رصاصاتها قبل نهاية المسرحية.

ويقول عاشق انه «عندما تلعب تركيا بالنار فلا بد أن تحرقها في مكان ما، وعندما تدخل رأسك في القفير فلا بد للنحل أن يلسعك. واذا كانت تركيا تريد حربا باسم الولايات المتحدة، فلا يمكن لها ان تتوقع اين ومن اين ستتلقى الضربة». واضاف ان «رئيس حكومة تركيا كان من أكبر المهووسين للسير الى سوريا. والانفجاران في الريحانية يخدمان من يريد السير إلى سوريا. والحرب المقبلة لن تقتصر على سوريا بل ستكون إيران من ضمنها، وسيكون كل الشرق الأوسط ساحة لها، ولا يمكن لتركيا ان تكون خارج هذه المعركة التي تتقدم إليها والتي لا تفيد انقرة بشيء».

وفي صحيفة «زمان» كتب عبدالحميد بالجي ان «التفجير في الريحانية هو حلقة من حلقات إسقاط الطائرة التركية وقذيفة اقجاكالي وانفجار المعبر قبل ثلاثة أشهر، وهي كلها النتيجة المتوقعة لسياسة الحكومة التركية تجاه سوريا». واضاف: «ليس مبالغة القول إن تركيا وسوريا في حرب غير معلنة. ان ما تتعرض له تركيا من أحداث أضعفت هيبتها لم تجد أجوبة لها من جانب الحكومة، خصوصا على الحدود المستباحة لكل غريب». واضاف: «على الحكومة ألا تكون طرفا في المشكلات الداخلية للدول المجاورة، او ألا تخلط عبثا الحليب باللحم. كما عليها تقوية استخباراتها، وإلا فإن تركيا سيحترق قلبها أكثر وستشهد المزيد من الحوادث المشابهة للريحانية».

وفي الصحيفة ذاتها، كتب مصطفى أونال قائلا ان «التهديد باستبدال الصراع التركي - الكردي بصراع علوي - سني بدأ يترجم على الأرض. فإقليم هاتاي (الاسكندرون) منطقة متنوعة دينيا ومذهبيا واتنيا وبالتالي حساسة». واضاف ان «الوضع خطير والمنظر مخيف، وهي حادثة تقع في اطار الكلام عن أن الحريق في سوريا سيمتد الى تركيا»، معتبرا ان «تركيا دولة كبيرة ويجب ان ترد، لكن بعد التدقيق في الأدلة، ولو امتدت الى... دمشق».

وقال وزير الخارجية الأميركي جون كيري، امس الاول، ان «هذا الخبر المروع أثر بنا جميعا، نظرا الى اننا نعمل بشراكة وثيقة مع تركيا، ونظرا الى ان تركيا كانت مرارا محاورا حيويا في عملي كوزير للخارجية خلال الأشهر الثلاثة الماضية».

واستنكرت الحكومة العراقية التفجيرات «الإجرامية» في بلدة الريحانية، داعية دول المنطقة إلى التعاون في ما بينها لمواجهة «الإرهاب والتطرف». واعتبرت ايران، على لسان نائب وزير الخارجية الإيراني عباس عرقجي، على ان «من واجب كل البلدان مكافحة الارهاب».

ودان الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون والأردن والجزائر التفجيرات، بينما اعرب الأمين العام لحلف شمال الاطلسي اندرس فوغ راسموسن ووزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس ووزير الخارجية البريطاني وليام هيغ عن «تضامنهم الكامل» مع تركيا.

ودان «حزب الله» التفجيرات، معتبرا، في بيان، أنها «تأتي ضمن سلسلة من الجرائم المماثلة التي تطال الآمنين في أكثر من دولة عربية وإسلامية، والتي لا يمكن إلا أن تكون من صنع أيد إجرامية، كما تحمل بصمات أجهزة مخابرات دولية، تهدف إلى زعزعة الاستقرار وخلق الفتن والقلاقل في هذه الدول». ودعا إلى «تضافر الجهود الهادفة إلى محاربة الإرهاب الذي يذهب ضحيته المدنيون الأبرياء».

  • فريق ماسة
  • 2013-05-11
  • 10004
  • من الأرشيف

انفجار الريحانية يُدخل تركيا في الجحيم الإقليمي

تلقت تركيا الضربة الأكبر منذ اندلاع الأزمة في سوريا قبل سنتين وشهرين، عندما انفجرت سيارتان أمام بلدية بلدة الريحانية (ريحانلي) في مقاطعة هاتاي (الاسكندرون)، ما أسفر عن سقوط ما لا يقل عن 46 قتيلا، بينهم 3 سوريين، وجرح حوالى المئة، بعضهم في حال الخطر. وكانت بوابة الحدود التي تقع في طرف البلدة قد شهدت في 11 شباط الماضي انفجار سيارة أسفرت عن وقوع 14 قتيلا. لكن وقوع الانفجار عند بلدة قريبة من الحدود السورية لا يعني بالضرورة ارتباط الانفجار بالأزمة في سوريا، بل ربما بعملية الحل للمسألة الكردية، وهو ما لمّح إليه رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان. نائب رئيس الحكومة بولنت ارينتش كان الأكثر مباشرة عندما قال إن سوريا مشتبه به طبيعي في مثل هذه الحوادث، معتبرا انه إذا ثبت تورط دمشق في الانفجارين فسوف تتخذ تركيا الإجراءات اللازمة. وقال النائب الآخر لرئيس الحكومة التركية بشير اتالاي إن السلطات ألقت القبض على تسعة اشخاص، جميعهم أتراك، منهم المدبر المزعوم للتفجيرين في بلدة ريحانلي أمس الاول، فيما اعلن وزير الداخلية التركي معمر غولر ان «مجموعة معروفة للسلطات التركية ذات صلات مباشرة بالاستخبارات السورية هي التي ارتكبت الهجوم». وتفاوتت ردود الفعل التركية الرسمية، كما المعارِضة، حول التفجيرين، فوزير الخارجية احمد داود اوغلو لفت إلى توقيت عملية الانفجار مع بدء المساعي لعقد مؤتمر دولي، كما لو أن الوزير يريد القول إن مرتكبي الانفجارين يريدون تخريب جهود التوصل إلى حل سلمي للأزمة السورية، علما أن ردة فعل الحكومة التركية على فكرة عقد مؤتمر دولي لم تكن مشجعة، حينما وضعت شرط عدم مشاركة الرئيس السوري بشار الأسد، كما من تلطخت أيديهم بالدماء في «الحكومة الانتقالية». كما أن أنقرة كانت قد رفضت دعوة الرئيس السابق لـ«الائتلاف الوطني السوري» المعارض احمد معاذ الخطيب للحوار مع النظام السوري. ودعا داود اوغلو إلى عدم اختبار قدرة تركيا على الردع. ورأى أن هناك من يريد تحريض الشعب التركي على اللاجئين السوريين في الريحانية وغيرها، موضحا أن تركيا ستواصل فتح أبوابها للاجئين، وذلك بعد اندلاع احتجاجات في الريحانية بعد التفجيرين، واتهم البعض السكان السوريين بالتسبب في العنف، في حين أن آخرين انتقدوا السياسة الخارجية التركية. وهشم البعض زجاج نوافذ سيارات عليها لوحات معدنية سورية. وقال داود اوغلو، في برلين، ان «الهجوم الأخير يظهر كيف تتحول شرارة إلى حريق عندما يظل المجتمع الدولي صامتا ويفشل مجلس الامن الدولي في التحرك». واضاف: «من غير المقبول ان يدفع الشعبان السوري والتركي ثمن ذلك». ووصف التفجيرين بانهما انتهاك لـ«الخط الاحمر» الذي وضعته تركيا، وقال: «حان الوقت لان يتخذ المجتمع الدولي موقفا مشتركا ضد النظام (السوري) فورا ومن دون اي تأخير». ودعا الى اطلاق «مبادرة عاجلة وديبلوماسية تهدف الى تحقيق النتائج» للعثور على حل للازمة السورية، مضيفا ان «تركيا لديها الحق في القيام باي اجراء» ردا على تفجيرات الريحانية. وأعرب داود أوغلو، في مقابلة مع قناة «تي ار تي» التركية امس، عن اعتقاده أن الجناة هم من نفذوا هجوما على بلدة البيضا قرب بانياس الأسبوع الماضي، والذي أسفر عن سقوط 62 قتيلا. وقال: «يتعين أن نكون حذرين حيال الاستفزازات العرقية في تركيا ولبنان بعد مجزرة بانياس». الرئيس التركي عبدالله غول وجّه خطابا إلى الأمة دعا فيه إلى الصبر والهدوء وعدم الانجرار إلى التحريض. أما اردوغان فقد اعتبر أن النظام السوري يحاول جر تركيا إلى «سيناريو كارثي» عبر هجمات منها ما شهدته بلدة الريحانية. وقال: «إنهم يريدون جرنا إلى سيناريو كارثي»، داعيا الشعب إلى «التنبه وضبط النفس في مواجهة اي استفزاز يهدف الى جر تركيا الى المستنقع السوري»، وذلك بعد يوم من اعلانه ان من لا يريدون تقدم عملية حل المشكلة الكردية يمكن أن يكونوا وراء هذا العمل. واعتبر النائب عن «حزب العدالة والتنمية» شامل طيار ان الهدف من التفجيرين هو تحريض الشعب التركي على اللاجئين السوريين في كامل المناطق الحدودية التي لجأوا اليها، وإحداث صدام بين الشعب واللاجئين. زعيم «حزب الحركة القومية» دولت باهتشلي قال إن تركيا باتت مكشوفة وحدودها تحت التهديد الجدي، فيما دعا زعيم «حزب الشعب الجمهوري» كمال كيليتشدار اوغلو الى اكتشاف الفاعلين، لكنه قال إنه يجب اتخاذ كل الإجراءات التي تتطلب إعادة النظر بالسياسات الداخلية والخارجية لتركيا. وأجمعت الصحف المؤيدة لـ«حزب العدالة والتنمية» على الإشارة في عناوينها الرئيسية إلى مسؤولية النظام السوري عن الانفجار. وتفاوتت تعليقات الخبراء والمحللين الأتراك حول أسباب وتداعيات التفجيرين. رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان ادريس بال قال إنه «يعتقد ان النظام في سوريا يسعى لنشر النار الى الجوار»، معتبرا ان «المؤشرات تدل على ذلك». واضاف ان «الانفجارين يأتيان أيضا في توقيت لافت، وهو عشية زيارة اردوغان الى واشنطن» الخميس المقبل. المسؤول السابق في الاستخبارات التركية بولنت أوراك اوغلو قال إن «مثل هذه الانفجارات تحصل في كل مكان وزمان، وعلى تركيا أن تتعود على العيش مع الإرهاب، حتى لو انتهى إرهاب حزب العمال الكردستاني، فإن إرهابا آخر سيظهر». وقال رئيس مركز «غيسام» آتيللا صندقلي إنه «اعتداء على الأمن القومي التركي ويجب عدم التبسيط في تحليله، وعلى تركيا ألا تتدخل بمفردها في سوريا مهما كانت الظروف». الخبير الاستراتيجي محمد اريجان قال إن «التوقيت يتقاطع أولا مع دعوة اردوغان لإقامة منطقة حظر جوي في شمال سوريا، والثاني إنه يوجد في الريحانية مكتب للاستخبارات الأميركية على صلة بالمعارضة السورية»، مضيفا ان «التفجيرين يأتيان ايضا بعد سلسلة من التوترات بين المواطنين الأتراك واللاجئين السوريين ويراد ان يصب النار على زيت هذه التوترات». واشار الى ان «المنطقة الحدودية تعاني ضعفا امنيا وضعفا استخباراتيا». يذكر ان بلدة الريحانية شهدت قبل ايام اعتداءات من مواطنين اتراك على اللاجئين السوريين في المخيمات وفي المنازل التي يسكنون فيها، ما استدعى تدخل الشرطة. رئيس معهد أنقرة الاستراتيجي محمد اوزجان قال إن على «تركيا ألا تقع في هذه اللعبة، ويجب ألا ينظر إلى اللاجئين السوريين على أنهم هم السبب في مثل هذه الأحداث». واعتبر الكاتب في صحيفة «راديكال» مراد يتكين انه «ورغم انه من المبكر اتهام الاستخبارات السورية أو تنظيم تحت تأثيرها بالقيام بهذه الحادثة، غير انه ليس من شك في أنها مرتبطة بالحرب في سوريا»، معتبرا ان «دمشق ردت في تركيا على الغارة الإسرائيلية على سوريا». وذكّر مليح عاشق في صحيفة «ميللييت» بكلام سابق للرئيس الروسي فلاديمير بوتين حول أن الوضع في سوريا يشبه مسرحية تظهر فيها بندقية معلقة على الحائط، والتي لا بد ان تنطلق رصاصاتها قبل نهاية المسرحية. ويقول عاشق انه «عندما تلعب تركيا بالنار فلا بد أن تحرقها في مكان ما، وعندما تدخل رأسك في القفير فلا بد للنحل أن يلسعك. واذا كانت تركيا تريد حربا باسم الولايات المتحدة، فلا يمكن لها ان تتوقع اين ومن اين ستتلقى الضربة». واضاف ان «رئيس حكومة تركيا كان من أكبر المهووسين للسير الى سوريا. والانفجاران في الريحانية يخدمان من يريد السير إلى سوريا. والحرب المقبلة لن تقتصر على سوريا بل ستكون إيران من ضمنها، وسيكون كل الشرق الأوسط ساحة لها، ولا يمكن لتركيا ان تكون خارج هذه المعركة التي تتقدم إليها والتي لا تفيد انقرة بشيء». وفي صحيفة «زمان» كتب عبدالحميد بالجي ان «التفجير في الريحانية هو حلقة من حلقات إسقاط الطائرة التركية وقذيفة اقجاكالي وانفجار المعبر قبل ثلاثة أشهر، وهي كلها النتيجة المتوقعة لسياسة الحكومة التركية تجاه سوريا». واضاف: «ليس مبالغة القول إن تركيا وسوريا في حرب غير معلنة. ان ما تتعرض له تركيا من أحداث أضعفت هيبتها لم تجد أجوبة لها من جانب الحكومة، خصوصا على الحدود المستباحة لكل غريب». واضاف: «على الحكومة ألا تكون طرفا في المشكلات الداخلية للدول المجاورة، او ألا تخلط عبثا الحليب باللحم. كما عليها تقوية استخباراتها، وإلا فإن تركيا سيحترق قلبها أكثر وستشهد المزيد من الحوادث المشابهة للريحانية». وفي الصحيفة ذاتها، كتب مصطفى أونال قائلا ان «التهديد باستبدال الصراع التركي - الكردي بصراع علوي - سني بدأ يترجم على الأرض. فإقليم هاتاي (الاسكندرون) منطقة متنوعة دينيا ومذهبيا واتنيا وبالتالي حساسة». واضاف ان «الوضع خطير والمنظر مخيف، وهي حادثة تقع في اطار الكلام عن أن الحريق في سوريا سيمتد الى تركيا»، معتبرا ان «تركيا دولة كبيرة ويجب ان ترد، لكن بعد التدقيق في الأدلة، ولو امتدت الى... دمشق». وقال وزير الخارجية الأميركي جون كيري، امس الاول، ان «هذا الخبر المروع أثر بنا جميعا، نظرا الى اننا نعمل بشراكة وثيقة مع تركيا، ونظرا الى ان تركيا كانت مرارا محاورا حيويا في عملي كوزير للخارجية خلال الأشهر الثلاثة الماضية». واستنكرت الحكومة العراقية التفجيرات «الإجرامية» في بلدة الريحانية، داعية دول المنطقة إلى التعاون في ما بينها لمواجهة «الإرهاب والتطرف». واعتبرت ايران، على لسان نائب وزير الخارجية الإيراني عباس عرقجي، على ان «من واجب كل البلدان مكافحة الارهاب». ودان الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون والأردن والجزائر التفجيرات، بينما اعرب الأمين العام لحلف شمال الاطلسي اندرس فوغ راسموسن ووزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس ووزير الخارجية البريطاني وليام هيغ عن «تضامنهم الكامل» مع تركيا. ودان «حزب الله» التفجيرات، معتبرا، في بيان، أنها «تأتي ضمن سلسلة من الجرائم المماثلة التي تطال الآمنين في أكثر من دولة عربية وإسلامية، والتي لا يمكن إلا أن تكون من صنع أيد إجرامية، كما تحمل بصمات أجهزة مخابرات دولية، تهدف إلى زعزعة الاستقرار وخلق الفتن والقلاقل في هذه الدول». ودعا إلى «تضافر الجهود الهادفة إلى محاربة الإرهاب الذي يذهب ضحيته المدنيون الأبرياء».

المصدر : السفير \محمد نور الدين


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة