حركة دبلوماسية دولية مكثفة حول سوريا، دشنها اللقاء الروسي–الأميركي في موسكو. ورصدت الإجتماع معظم العواصم الغربية، قبل أن تتدرج بالإشادة به رئيس حكومة بريطانيا ديفيد كاميرون توجه إلى موسكو قبل واشنطن، وباريس أجرت إتصالات بالجملة بكل اتجاه.

في الشرق الأوسط ثمة حراك سري وعلني. فجأة حط وزير خارجية عُمان يوسف بن علوي في طهران، وطلب رئيس الحكومة القطري الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني موعداً مع الإيرانيين تقرر الإثنين، وتوجه وزير خارجية تركيا أحمد داوود أوغلو إلى الأردن.

راقبت المعارضة السورية حركة لم تتبلغ بجوهر تفاصيلها، رغم لقاء السفير الأميركي روبرت فورد معارضين في تركيا، لكن ما زاد توجس المعارضة ترحيب دمشق "بالتقارب الروسي-الأميركي المستند إلى ثوابت موسكو".

وقد أدركت شخصيات في "الإئتلاف المعارض" أن ملامح تسوية تحبكها واشنطن وموسكو بمعزل عن حسابات الدول العربية والأوروبية الداعمة للمعارضة السورية، خصوصاً أن الأخبار الميدانية توالت في الأسابيع القليلة الماضية عن تقدم الجيش السوري وتراجع المجموعات المسلّحة من ريف دمشق إلى ريف القصير وحلب وريف اللاذقية. ورصد المعارضون إشارة بالغة الدلالة بعد خسائر المسلحين في خربة غزالة في درعا. فالمعارضة لم تكن تتوقع تخلياً عن "جبهة الجنوب السوري"، بعد وعود عربية قُدّمت بإقامة منطقة عازلة في درعا وصولاً الى الجولان، وتزاحمت الأسئلة: ماذا جرى؟ ولماذا منع الأردن وصول السلاح إلى المجموعات في درعا؟ هل تلاشت الوعود بإقامة المناطق العازلة؟

ومن هنا جاء تحرك تركيا باتجاه عمّان، فيما سربت المصادر الأردنية كلاماً أن ما حصل يأتي ترجمة لنتائج زيارة وزير خارجية إيران علي أكبر صالحي إلى المملكة الهاشمية.

الى ذلك، ازدادت أزمة الميدان أيضاً عند المعارضة بعد حديث الصحافة الغربية عن تفكك متدرج "للجيش الحر" وإلتحاق العناصر "بجبهة النصرة" والتي هي جزء من تنظيم القاعدة ومصنفة على لائحة الإرهاب أميركياً، وتسعى فرنسا لتصنيفها أيضاً في خانة الإرهاب أممياً.

وفي هذا الإطار، ثمة معلومات تتحدث عن توجه دولي لوضع معادلة سورية بعد التسوية: الجيش يحارب "جبهة النصرة الإرهابية".

تلك الحقائق حضرت في حسابات المعنيين بالأزمة السورية، لكن مطلعين يتحدثون عن عقبات قد تؤخر إعلان نتائج التقارب بين موسكو وواشنطن حول سوريا.

ويشير هؤلاء إلى معادلة صمود الجيش السوري بعد أكثر من سنتين، وإنتصار دمشق على "حملة إسقاط النظام"، وهم يستندون أساساً إلى وقائع الميدان والتطورات الإقليمية والدولية، ويتحدثون عن الترابط الحاصل مع ملفات النووي الإيراني وكوريا الشمالية والدرع الصاروخي والتسوية المطلوبة اميركياً بين اسرائيل والفلسطينيين.

تقاطعت المعلومات عن رغبة روسية-صينية-اميركية لإنجاح مفاوضات كازاخستان حول الملف الايراني، وحل معضلة الدرع الصاروخي بين واشنطن وموسكو، والإتفاق على توزيع الحصص والنفوذ في شأن الثروات الطبيعية في الشرق وإفريقيا، غير أن الأميركيين يشترطون توسيع التسوية لتشمل حل النزاع حول القضية الفلسطينية، من خلال قيام دولتين والإعتراف بيهودية الدولة الإسرائيلية.

عملياً لا يعترض الروس والصينيون على مسألة توسيع التسوية، لكن العقبات موجودة عند "محور المقاومة"، ولا يمكن إقناعه بهذا الطرح.

من هنا رصدت تل أبيب توجهاً للذهاب إلى التسوية خطوة خلف خطوة، وفق الرؤية الروسية-الإيرانية من دون أولوية قضيتها، فسارعت الى توجيه ضربة مدروسة ضد دمشق، للقول أساساً انها جزء من اللعبة ولا يمكن تحييدها.

بالمقابل، كان رد "محور المقاومة" من طهران إلى دمشق إلى كلام الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله بفتح جبهة الجولان، لخلق توازن إستراتيجي جديد.

يُدرج المطلعون إقدام دول عربية على تقديم حل الدولتين وتبادل الأراضي بين الإسرائيليين والفلسطينيين ضمن مسارعة "عواصم الإعتدال العربي" لتقديم الضمانات العملية لإسرائيل والأميركيين بأن الحل في ثورات الربيع العربي "وليس عند محور المقاومة".

يقول المطّلعون إن المقاييس تبدلت عند الأميركيين واقتنعوا بالطرح الروسي الداعي إلى حل سوري متدرج يبدأ بمؤتمر دولي بمشاركة النظام والمعارضة وصولاً إلى تشكيل حكومة تصنف في خانة "الإنتقالية" وتُعطى صلاحيات سياسية اقتصادية وليست عسكرية أو أمنية، وصولاً إلى عام 2014 لترجمة مقولة "السوريون يقررون مصير الرئيس بشار الأسد". يجزم هؤلاء المطلعون أن الأسد سيشارك بالإنتخابات الرئاسية في ظل مراقبة دولية واسعة لا تعترض عليها دمشق ولا حلفاؤها في موسكو وطهران.

أدركت الدولُ الإقليمية التي حاربت النظام السوري أن لا قدرة على تغيير المعادلة، فكانت مصر أول من يُعطي عملياً إشارة الموافقة، وسربت أنباء متتالية عن إلقاء القبض في مطار القاهرة على سوريين يحملان لوائح حول دعم "الجيش  الحر"، وتكررت المواقف الرئاسية المصرية حول ضرورة وقف النزاع السوري.

ويدرج المطّلعون ايضاً الزيارة القطرية إلى طهران في خانة الإستعداد لمواكبة التغييرات.

وفي تركيا تجدد حراك في لواء الإسكندرون تحت راية تحريره ما يشكل إرباكاً لأنقرة وسيكون له تداعيات مستقبلية كما يقول هؤلاء.

هذه التطورات لن توقف الحملة على سوريا قبل الوصول إلى نتائج ملموسة متدرجة، ومن هنا تتواصل الحرب الدبلوماسية-السياسية على دمشق، في ظل تحضير قطري-فرنسي-بريطاني لمشروع قرار أممي لتسليم المقعد السوري إلى "الائتلاف المعارض".

واقعة الأمم المتحدة عملياً تخدم واشنطن في استمرار محاكاة المعارضة السورية مرحلياً، وتؤكد من جهة ثانية أن الأوروبيين يريدون المشاركة في صناعة التسوية الدولية حول سوريا، ويعترضون على إبعادهم عن صياغة التفاصيل، علماً أن دولاً أوروبية شذّت باكراً عن الحملة الغربية على دمشق، كألمانيا التي تتواصل مع سوريا سراً وعلناً عبر استخباراتها للعب دور الوسيط كما كانت برلين تفعل على خط التفاوض حول الأسرى بين "حزب الله" وتل أبيب.

يجزم المطّلعون أنفسهم أن عنوان المرحلة المقبلة عند الأطراف هو الجواب على أسئلة بحجم: ما هو موقعنا؟ وعلى ماذا حصلنا؟ وما هو سيناريو المخرج؟

  • فريق ماسة
  • 2013-05-11
  • 9350
  • من الأرشيف

قصة التسوية الدولية حول سورية

حركة دبلوماسية دولية مكثفة حول سوريا، دشنها اللقاء الروسي–الأميركي في موسكو. ورصدت الإجتماع معظم العواصم الغربية، قبل أن تتدرج بالإشادة به رئيس حكومة بريطانيا ديفيد كاميرون توجه إلى موسكو قبل واشنطن، وباريس أجرت إتصالات بالجملة بكل اتجاه. في الشرق الأوسط ثمة حراك سري وعلني. فجأة حط وزير خارجية عُمان يوسف بن علوي في طهران، وطلب رئيس الحكومة القطري الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني موعداً مع الإيرانيين تقرر الإثنين، وتوجه وزير خارجية تركيا أحمد داوود أوغلو إلى الأردن. راقبت المعارضة السورية حركة لم تتبلغ بجوهر تفاصيلها، رغم لقاء السفير الأميركي روبرت فورد معارضين في تركيا، لكن ما زاد توجس المعارضة ترحيب دمشق "بالتقارب الروسي-الأميركي المستند إلى ثوابت موسكو". وقد أدركت شخصيات في "الإئتلاف المعارض" أن ملامح تسوية تحبكها واشنطن وموسكو بمعزل عن حسابات الدول العربية والأوروبية الداعمة للمعارضة السورية، خصوصاً أن الأخبار الميدانية توالت في الأسابيع القليلة الماضية عن تقدم الجيش السوري وتراجع المجموعات المسلّحة من ريف دمشق إلى ريف القصير وحلب وريف اللاذقية. ورصد المعارضون إشارة بالغة الدلالة بعد خسائر المسلحين في خربة غزالة في درعا. فالمعارضة لم تكن تتوقع تخلياً عن "جبهة الجنوب السوري"، بعد وعود عربية قُدّمت بإقامة منطقة عازلة في درعا وصولاً الى الجولان، وتزاحمت الأسئلة: ماذا جرى؟ ولماذا منع الأردن وصول السلاح إلى المجموعات في درعا؟ هل تلاشت الوعود بإقامة المناطق العازلة؟ ومن هنا جاء تحرك تركيا باتجاه عمّان، فيما سربت المصادر الأردنية كلاماً أن ما حصل يأتي ترجمة لنتائج زيارة وزير خارجية إيران علي أكبر صالحي إلى المملكة الهاشمية. الى ذلك، ازدادت أزمة الميدان أيضاً عند المعارضة بعد حديث الصحافة الغربية عن تفكك متدرج "للجيش الحر" وإلتحاق العناصر "بجبهة النصرة" والتي هي جزء من تنظيم القاعدة ومصنفة على لائحة الإرهاب أميركياً، وتسعى فرنسا لتصنيفها أيضاً في خانة الإرهاب أممياً. وفي هذا الإطار، ثمة معلومات تتحدث عن توجه دولي لوضع معادلة سورية بعد التسوية: الجيش يحارب "جبهة النصرة الإرهابية". تلك الحقائق حضرت في حسابات المعنيين بالأزمة السورية، لكن مطلعين يتحدثون عن عقبات قد تؤخر إعلان نتائج التقارب بين موسكو وواشنطن حول سوريا. ويشير هؤلاء إلى معادلة صمود الجيش السوري بعد أكثر من سنتين، وإنتصار دمشق على "حملة إسقاط النظام"، وهم يستندون أساساً إلى وقائع الميدان والتطورات الإقليمية والدولية، ويتحدثون عن الترابط الحاصل مع ملفات النووي الإيراني وكوريا الشمالية والدرع الصاروخي والتسوية المطلوبة اميركياً بين اسرائيل والفلسطينيين. تقاطعت المعلومات عن رغبة روسية-صينية-اميركية لإنجاح مفاوضات كازاخستان حول الملف الايراني، وحل معضلة الدرع الصاروخي بين واشنطن وموسكو، والإتفاق على توزيع الحصص والنفوذ في شأن الثروات الطبيعية في الشرق وإفريقيا، غير أن الأميركيين يشترطون توسيع التسوية لتشمل حل النزاع حول القضية الفلسطينية، من خلال قيام دولتين والإعتراف بيهودية الدولة الإسرائيلية. عملياً لا يعترض الروس والصينيون على مسألة توسيع التسوية، لكن العقبات موجودة عند "محور المقاومة"، ولا يمكن إقناعه بهذا الطرح. من هنا رصدت تل أبيب توجهاً للذهاب إلى التسوية خطوة خلف خطوة، وفق الرؤية الروسية-الإيرانية من دون أولوية قضيتها، فسارعت الى توجيه ضربة مدروسة ضد دمشق، للقول أساساً انها جزء من اللعبة ولا يمكن تحييدها. بالمقابل، كان رد "محور المقاومة" من طهران إلى دمشق إلى كلام الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله بفتح جبهة الجولان، لخلق توازن إستراتيجي جديد. يُدرج المطلعون إقدام دول عربية على تقديم حل الدولتين وتبادل الأراضي بين الإسرائيليين والفلسطينيين ضمن مسارعة "عواصم الإعتدال العربي" لتقديم الضمانات العملية لإسرائيل والأميركيين بأن الحل في ثورات الربيع العربي "وليس عند محور المقاومة". يقول المطّلعون إن المقاييس تبدلت عند الأميركيين واقتنعوا بالطرح الروسي الداعي إلى حل سوري متدرج يبدأ بمؤتمر دولي بمشاركة النظام والمعارضة وصولاً إلى تشكيل حكومة تصنف في خانة "الإنتقالية" وتُعطى صلاحيات سياسية اقتصادية وليست عسكرية أو أمنية، وصولاً إلى عام 2014 لترجمة مقولة "السوريون يقررون مصير الرئيس بشار الأسد". يجزم هؤلاء المطلعون أن الأسد سيشارك بالإنتخابات الرئاسية في ظل مراقبة دولية واسعة لا تعترض عليها دمشق ولا حلفاؤها في موسكو وطهران. أدركت الدولُ الإقليمية التي حاربت النظام السوري أن لا قدرة على تغيير المعادلة، فكانت مصر أول من يُعطي عملياً إشارة الموافقة، وسربت أنباء متتالية عن إلقاء القبض في مطار القاهرة على سوريين يحملان لوائح حول دعم "الجيش  الحر"، وتكررت المواقف الرئاسية المصرية حول ضرورة وقف النزاع السوري. ويدرج المطّلعون ايضاً الزيارة القطرية إلى طهران في خانة الإستعداد لمواكبة التغييرات. وفي تركيا تجدد حراك في لواء الإسكندرون تحت راية تحريره ما يشكل إرباكاً لأنقرة وسيكون له تداعيات مستقبلية كما يقول هؤلاء. هذه التطورات لن توقف الحملة على سوريا قبل الوصول إلى نتائج ملموسة متدرجة، ومن هنا تتواصل الحرب الدبلوماسية-السياسية على دمشق، في ظل تحضير قطري-فرنسي-بريطاني لمشروع قرار أممي لتسليم المقعد السوري إلى "الائتلاف المعارض". واقعة الأمم المتحدة عملياً تخدم واشنطن في استمرار محاكاة المعارضة السورية مرحلياً، وتؤكد من جهة ثانية أن الأوروبيين يريدون المشاركة في صناعة التسوية الدولية حول سوريا، ويعترضون على إبعادهم عن صياغة التفاصيل، علماً أن دولاً أوروبية شذّت باكراً عن الحملة الغربية على دمشق، كألمانيا التي تتواصل مع سوريا سراً وعلناً عبر استخباراتها للعب دور الوسيط كما كانت برلين تفعل على خط التفاوض حول الأسرى بين "حزب الله" وتل أبيب. يجزم المطّلعون أنفسهم أن عنوان المرحلة المقبلة عند الأطراف هو الجواب على أسئلة بحجم: ما هو موقعنا؟ وعلى ماذا حصلنا؟ وما هو سيناريو المخرج؟

المصدر : عباس ضاهر


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة