دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
أمضى الممثل الشخصي للرئيس الروسي ميخائيل بوغدانوف في بيروت أربعة أيام، لم يترك خلالها زاوية إلا وقصدها مقتدياً بقاعدة "لكل مقام مقال".
مع لبنان الرسمي، سامعاً أكثر مما هو سائل. عموميات الدول: السيادة. الاستقرار. التوافق. الحوار. 1701. مع الشخصيات والهيئات الارثوذكسية، لغة أرثوذكسية مطمئنة. الحماية. الأقليات. عواصف الشرق. المسيحيون لن يكونوا وقودا لنار المنطقة أو منخرطين في إشعالها. مع "14 آذار"، مستمع لشكوى فريق لبناني يأخذ على بلاده انحيازها لما يسمونه "النظام الذي يقتل شعبه في سوريا"، دعوة روسيا الى إعادة النظر بموقفها ودعوة روسية مضادة الى تجنب ما من شأنه أن يجعل النار السورية تمتد الى لبنان. مع "8 آذار"، كان أكثر عمقا وانسجاما، وخلافا لكل المراهنين على القمة المرتقبة بين باراك أوباما وفلاديمير بوتين، لم يبشر بتسوية قريبة في سوريا.
مع وليد جنبلاط الذي تعرفه روسيا ويعرفها جيدا، تواصل ودي. قراءتان مختلفتان للأزمة السورية. تشدق مشترك بالعلاقة التاريخية، والحصيلة طغيان التاريخ على الحاضر في قصر المختارة.
مع أصدقاء السبعينيات، أيام كان بوغدانوف عاملا في السفارة الروسية في بيروت إبان "حرب السنتين"، برز حنينه لـ"الحركة الوطنية". كمال جنبلاط. استذكار أكثر من عاطفي للصديق والرفيق الشهيد جورج حاوي ("ابو انيس"). اطمئنان الى صحة "ابو خالد" (محسن ابراهيم) وأسماء لبنانية أخرى.
مع "حزب الله" لقاءان مطولان، أبرزهما اللقاء الأخير الذي امتد حتى فجر الأحد مع السيد حسن نصرالله. إنصات شديد ودقيق لمقاربة "حزب الله" للأزمة في سوريا، واتفاق على أن الرؤية متطابقة في كثير من عناوينها إزاء هذا الملف الإقليمي والدولي.
ومع مغادرة بوغدانوف، يمكن تسجيل الانطباعات الآتية:
اولا، وضع بوغدانوف الحجر الأساس لحضور روسي متجدد وفاعل في لبنان والمنطقة، يلغي مقولة أن الروس هم مجرد ضيف عابر في لبنان، فلبنان في نظر الروس، وعلى الرغم من صغره، يشكل أحد عناصر التوازن في المنطقة.
ثانيا، لمن تيقن ولمن ما زال يشكك بموقف روسيا، انتهى زمن الأحادية العالمية، ونحن دخلنا في عالم متعدد الأقطاب، وعلى الجميع أن يعيدوا النظر في قراءتهم للدور الروسي في المنطقة والشرق الأوسط ولبنان.
ثالثا، لقد طغى الطابع الرمزي على الطابع المادي، فروسيا لن تنزل أساطيلها على شواطئ لبنان، لكنها تعتبر أن هذا البلد يدخل ضمن دوائر الأمن القومي الروسي.
رابعا، ان روسيا تدرك حساسية وضع لبنان وطبيعة تركيبته الطائفية والمذهبية والاجتماعية ومدى ترابط لبنان وسوريا جغرافياً وسياسياً وطائفياً واجتماعياً، ولذلك تجد أن هناك مصلحة في استمرار اعتماد سياسة النأي بالنفس.
خامسا، في الملف السوري، أولا، تلتزم موسكو الحل السياسي وترفض العنف، ثانيا، ترفض أي تدخل خارجي بما في ذلك توفير الدعم العسكري الخارجي للمجموعات المسلحة، ثالثا تشجع على توفير مناخ دولي من أجل أن يقرر الشعب السوري في مناخ من الحوار الداخلي بين الحكم والمعارضة. تلك النقاط الثلاث، حكمت ولا تزال الأداء الروسي منذ بداية الأزمة السورية وفرضت استخدام حق النقض "الفيتو" لمنع التدخل الخارجي في الشأن السوري الداخلي.
سادسا، ثمة مرارة روسية غير خافية على أحد من محاولات الخروج عن مضمون وثيقة جنيف، "فالأميركيون وافقونا الرأي أولا، أنها لا تنص على رحيل الرئيس الأسد، بل ثمة مرحلة انتقالية، يحدد في نهايتها الشعب السوري خياراته، وقد بذلت روسيا جهوداً مضنية من أجل إيجاد آليات تنفيذية لإخراج الوثيقة الى حيز التنفيذ، إلا أن العقبات المفتعلة من قبل الغرب، ولا سيما الولايات المتحدة، أدت الى عرقلة الجهود الروسية لتطبيق وثيقة جنيف.
سابعا، عندما نراجع الأميركيين وغيرهم لرعايتهم مؤتمرات للمعارضة السورية ترفض الحوار مع النظام، يطلقون الذرائع بأنهم يحاولون تجميع المعارضة السورية وتوحيدها، ثم نراهم بعد فترة يقررون تسليح المجموعات التي تقاتل النظام ويستقدمون مقاتلين من دول عربية مختلفة وحتى من الشيشان وأفغانستان.
ثامنا، وبرغم كل التعقيدات، فإن "دخول عامل الإرهاب على خط الازمة يشكل حافزا أساسيا للروس للمضي في مواجهتهم للتدخل الدولي، وعدم السماح بتكريس سابقة اعتماد وسيلة الإرهاب سبيلا لتبديل أنظمة بمعزل عن الرأي الحقيقي للشعب الذي لا يمكن أن يعرف إلا من خلال انتخابات نزيهة وعادلة وبإشراف دولي".
تاسعا، ان التفاهم مع الأميركيين لم يتبلور بعد، وبالتالي يجب عدم رفع منسوب التوقعات من القمة المرتقبة بين الرئيس الاميركي باراك أوباما ونظيره الروسي فلاديمير بوتين "ما دام الاميركيون مبتعدين عن الحل السياسي، وبالتالي، فإن موازين القوى في الميدان هي التي ستحدد بوصلة الأمور".
عاشرا، لن تسمح روسيا بتدخل عسكري في سوريا، والحديث الاميركي والغربي عن استخدام الجيش السوري النظامي السلاح الكيميائي كلام لا قيمة له، ويعيد تذكيرنا بكذبة أسلحة الدمار الشامل في العراق.
حادي عشر، لقد ارتقت العلاقة الروسية الايرانية الى أعلى مستوياتها في الآونة الأخيرة، ونحن نحرص على مستوى عال من التنسيق، خاصة حول الوضع في سوريا. فإيران باتت تشكل عنصر توازن إقليمياً حقيقياً، صحيح أنه يقال ان اسرائيل هي الدولة القوية في المنطقة، ولكن في المقابل هناك دولة قوية ولها وزنها وقدراتها اسمها إيران.
المصدر :
السفير\ نبيل هيثم
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة