ما أن انتهت زيارة نائب وزير الخارجية الروسية ميخائيل بوغدانوف إلى لبنان، حتى بدأت  التكهنات حول فحوى الزيارة وما دار في الصالونات المغلقة، وذلك في ظل موجة من الشائعات تراوحت بين حدي القول باعادة رئيس جبهة "النضال الوطني" النائب وليد جنبلاط إلى الحضن الروسي، وتحذيرات لحزب الله من مغبة مشاركته في الأحداث السورية، وتالياً دعوته لسحب مقاتليه من الجبهات المحتدمة.

غير أن دبلوماسي شرقي مطلع على ملف الدور الروسي، اعتبر أن الزيارة التي التقى خلالها بوغدانوف أكثر من عشرين شخصية رسمية وحزبية أبعد بكثير من كل ما قيل عنها، خصوصاً أنها تأتي استكمالاً لحركة روسية باتجاه المنطقة بالتزامن الكامل مع حراك صينية على مستوى الأزمة الكورية، ومثله نشاط على المحور الايراني الاوروبي، فالمرحلة بحسب الدبلوماسي أخطر بكثير من نقل رسالة من هنا أو نصيحة من هناك، وهي وصلت إلى حدود تسويق تسوية على صعيد المنطقة والعالم وليس فقط للأزمة السورية، خصوصاً أن الصراع السوري بحد ذاته هو نسخة طبق الأصل عما يدور في العالمين العربي والاسلامي، كما في القارة العجوز والسبب واحد وهو الاستئثار بالطاقة.

وكشف الدبلوماسي أن روسيا وصلت إلى مراحل متقدمة من تحقيق أهداف استراتيجية، وهي أهداف بمجملها تتعلق بالغاز الروسي وتسويقه، خصوصاً أنه يشكل العصب الأساسي لاقتصادها، بحيث يشكل أكثر من سبعين بالمئة من مجمل دخلها القومي، وبالتالي فإن هدفها الاستراتيجي هو المحافظة على الدول التي تمر أنابيب الغاز عبر أراضيها، وهذا يعني أنها لن تعود إلى الوراء مهما كلف الأمر، وبالتالي فان الزيارة الروسية يمكن ادراجها في خانة شرح ما توصلت اليه الاتصالات مع واشنطن، وإن كان ما تحقق حتى الآن لا يبدو كافياً، الا أن التطورات توحي بأن هناك موجة ضغوط جديدة وسريعة لتحسين المواقع وتجميع الأوراق.

وأبرز ما شرحه بوغدانوف، بحسب الدبلوماسي، هو مخاطر السماح باسقاط النظام السوري من جهة والدعوة إلى تدخل عسكري أجنبي من جهة ثانية، فسقوط سوريا يعني فتح الباب أمام تدفق الغاز القطري عبر الاراضي السورية، وبالتالي حرمان لبنان وسوريا على حد سواء من امتيازات اقتصادية، فموسكو لم تبرم اتفاقات مع تل ابيب لاستخراج الغاز الا لكونها تسعى إلى التحكم بمصادر هذه المادة الحيوية وحماية اقتصادها من المنافسات، وبالتالي فإن اعادة احياء بعض الاتفاقات التجارية والاقتصادية مع تركيا يندرج في هذا الاطار .

وبحسب ما اشار فإن بوغدانوف خفف من أهمية الاتهامات الأميركية باستخدام الاسلحة الكيماوية، وشرح لمن التقاهم بأن خطوة من نوع التدخل العسكري بحجة الاستخدام المنتظم للاسلحة الكيماوية، تحتاج إلى قرار من الامم المتحدة ومن مجلس الأمن، وهذا ما لن تسمح به موسكو مهما كانت الضغوط، وبالتالي فإن مسار الأحداث في سوريا سيبقى على حاله لجهة تقدم الجيش السوري، وبالتالي فإن التسريبات الصادرة عن بعض المرجعيات حول الطلب الى "حزب الله" بسحب مقاتليه من سوريا لا يقع في مكانه الصحيح، الا لجهة الانسحاب بعد الانتهاء من اداء المهمات الاستشارية والتدريبات القتالية، وفق المصدر الذي ختم بضرورة متابعة المسار الروسي باعتباره مؤشراً إلى مستقبل التسوية اذا ما جاز التعبير.  

  • فريق ماسة
  • 2013-04-28
  • 10369
  • من الأرشيف

زيارة بوغدانوف في ميزان الدبلوماسية الشرقية...

ما أن انتهت زيارة نائب وزير الخارجية الروسية ميخائيل بوغدانوف إلى لبنان، حتى بدأت  التكهنات حول فحوى الزيارة وما دار في الصالونات المغلقة، وذلك في ظل موجة من الشائعات تراوحت بين حدي القول باعادة رئيس جبهة "النضال الوطني" النائب وليد جنبلاط إلى الحضن الروسي، وتحذيرات لحزب الله من مغبة مشاركته في الأحداث السورية، وتالياً دعوته لسحب مقاتليه من الجبهات المحتدمة. غير أن دبلوماسي شرقي مطلع على ملف الدور الروسي، اعتبر أن الزيارة التي التقى خلالها بوغدانوف أكثر من عشرين شخصية رسمية وحزبية أبعد بكثير من كل ما قيل عنها، خصوصاً أنها تأتي استكمالاً لحركة روسية باتجاه المنطقة بالتزامن الكامل مع حراك صينية على مستوى الأزمة الكورية، ومثله نشاط على المحور الايراني الاوروبي، فالمرحلة بحسب الدبلوماسي أخطر بكثير من نقل رسالة من هنا أو نصيحة من هناك، وهي وصلت إلى حدود تسويق تسوية على صعيد المنطقة والعالم وليس فقط للأزمة السورية، خصوصاً أن الصراع السوري بحد ذاته هو نسخة طبق الأصل عما يدور في العالمين العربي والاسلامي، كما في القارة العجوز والسبب واحد وهو الاستئثار بالطاقة. وكشف الدبلوماسي أن روسيا وصلت إلى مراحل متقدمة من تحقيق أهداف استراتيجية، وهي أهداف بمجملها تتعلق بالغاز الروسي وتسويقه، خصوصاً أنه يشكل العصب الأساسي لاقتصادها، بحيث يشكل أكثر من سبعين بالمئة من مجمل دخلها القومي، وبالتالي فإن هدفها الاستراتيجي هو المحافظة على الدول التي تمر أنابيب الغاز عبر أراضيها، وهذا يعني أنها لن تعود إلى الوراء مهما كلف الأمر، وبالتالي فان الزيارة الروسية يمكن ادراجها في خانة شرح ما توصلت اليه الاتصالات مع واشنطن، وإن كان ما تحقق حتى الآن لا يبدو كافياً، الا أن التطورات توحي بأن هناك موجة ضغوط جديدة وسريعة لتحسين المواقع وتجميع الأوراق. وأبرز ما شرحه بوغدانوف، بحسب الدبلوماسي، هو مخاطر السماح باسقاط النظام السوري من جهة والدعوة إلى تدخل عسكري أجنبي من جهة ثانية، فسقوط سوريا يعني فتح الباب أمام تدفق الغاز القطري عبر الاراضي السورية، وبالتالي حرمان لبنان وسوريا على حد سواء من امتيازات اقتصادية، فموسكو لم تبرم اتفاقات مع تل ابيب لاستخراج الغاز الا لكونها تسعى إلى التحكم بمصادر هذه المادة الحيوية وحماية اقتصادها من المنافسات، وبالتالي فإن اعادة احياء بعض الاتفاقات التجارية والاقتصادية مع تركيا يندرج في هذا الاطار . وبحسب ما اشار فإن بوغدانوف خفف من أهمية الاتهامات الأميركية باستخدام الاسلحة الكيماوية، وشرح لمن التقاهم بأن خطوة من نوع التدخل العسكري بحجة الاستخدام المنتظم للاسلحة الكيماوية، تحتاج إلى قرار من الامم المتحدة ومن مجلس الأمن، وهذا ما لن تسمح به موسكو مهما كانت الضغوط، وبالتالي فإن مسار الأحداث في سوريا سيبقى على حاله لجهة تقدم الجيش السوري، وبالتالي فإن التسريبات الصادرة عن بعض المرجعيات حول الطلب الى "حزب الله" بسحب مقاتليه من سوريا لا يقع في مكانه الصحيح، الا لجهة الانسحاب بعد الانتهاء من اداء المهمات الاستشارية والتدريبات القتالية، وفق المصدر الذي ختم بضرورة متابعة المسار الروسي باعتباره مؤشراً إلى مستقبل التسوية اذا ما جاز التعبير.  

المصدر : أنطوان الحايك - مقالات النشرة


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة