دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
تعيش حركة «حماس» هذه الفترة أياماً عصيبة. تعاني عوارض انفصام في الشخصية. صراع مصالح وهوية وانتماء. تتلاطمها أمواج «الإخوان» السياسية وضغوط قطر المالية وطموحات شخصية صغيرة وفوقها كلها تعب السنين. يتناتشها حنين إلى ماض عزيز وتثقلها عقيدة مقاومة تعوق حراكها خارج المسار. صراع ينعكس تنظيمياً حدة في المواجهة بين تيار مستسلم لنزعات التيار الأخواني في المنطقة ومآربه السياسية، وآخر عصبه غزّاوي رموزه من الصقور الذين يخوضون معركة تثبيت خيار المقاومة باعتباره السبيل الوحيد لتحرير فلسطين، كل فلسطين. مواجهة بلغت بعض الأحيان حد التجريح الشخصي، وتساؤلات من نوع: ماذا جنت يداك يا خالد مشعل؟
النيران تستعر تحت رماد التوافق الظاهر داخل «حماس». في العلن، تبدو الحركة حريصة على ألا يصدر عنها أي مؤشر إلى خلافات ربما تكون الأعمق بين أجنحتها منذ تأسيسها. أما في الغرف المغلقة، فالسائد ليس أقل من عواصف سياسية، لا تزال حتى اليوم تحت السيطرة، وإن كان المستقبل يحفل بالمجهول.
الجلسة الشهيرة للتجديد لخالد مشعل على رأس المكتب السياسي في الرابع من نيسان الحالي في القاهرة، ربما تكون خير مصداق لما سلف. الإعلان الرسمي الذي صدر عن الحركة تحدث عن «إجماع» على أبو الوليد، الذي «انسحب كل من اسماعيل هنية وموسى أبو مرزوق لصالحه».
التحليلات التي بنيت على ذلك، تحدثت عن أن مشعل اشترط منذ البداية أنه لن يخوض تجربة كهذه انتخابياً، وأنه يرفض الولاية الجديدة ما لم تأت مكللة بالتوافق. بل ذهب البعض إلى حد التأصيل لهذا الحدث بدءاً من «الربيع العربي» وهيمنة «الإخوان» فيه واعتمادهم مبدأ «التمكين» لترسيخ حكمهم، ولو كان الثمن فلسطين. بعض آخر استنتج أن ما عزز فرص عودة مشعل بصفته «الرجل القوي» في حماس أنه مرن مع محمود عباس، ما يفتح الباب أمام المصالحة الفلسطينية، كما أنه يعطي أبو مازن الضوء الأخضر لمفاوضة الاحتلال، أو على الأقل لا يعارضه. وصوّر المشهد وكأن «حماس» تقف صفاً واحداً في هذا التوجه.
مصادر قيادية في «حماس» شاركت في جلسات انتخاب أعضاء المكتب السياسي الجديد، تكشف عن مشهد مغاير. تؤكد أن الجلسة كانت عاصفة، بلغ مستوى التوتر فيها ذروته، ووصل تبادل الاتهامات حد كيل الشتائم. تنفي المصادر نفياً قاطعاً حصول أي توافق على مشعل. تقول «صحيح أن مشعل أعاد طلبه عدم حصول انتخاب. لكن فريقاً وازناً رفض الإذعان لرغباته، بحجة أن النظام الداخلي للحركة ينص على وجوب الاقتراع في حال وجود أكثر من مرشح». وتضيف أنه «في الجولة الأولى، حصل الاقتراع على مشعل واسماعيل هنية وموسى ابو مرزوق، ففاز الأولان بالعدد الأكبر من أصوات مجلس الشورى المؤلف من 60 عضواً. عندها حُصرت المنافسة بين هنية ومشعل الذي فاز بفارق سبعة أصوات».
وتؤكد المصادر أن «جلسة الانتخاب هذه كان ستتفجر لولا تدخل (زعيم حركة النهضة التونسية راشد) الغنوشي و(المرشد العام للأخوان محمد) بديع و(الداعية الإسلامي يوسف) القرضاوي». وتضيف أن هذا التدخل لم يحل دون شن تيار الصقور في غزة هجوماً عنيفاً على مشعل، انطلاقاً من محورين: الأول عبر التأكيد له أن ما كان يقولوه حول أن إقامته في دمشق تحرجه، فـالآن «عليك أن تفهم أن إقامتك في الدوحة تحرجنا، وعليك أن تتدبر أمر انتقالك إلى مكان آخر في أسرع وقت ممكن». أما الثاني فاحتجاج شديد اللهجة على توريط مشعل للحركة في مسار المصالحة عبر القناة القطرية التي تُرجمت في القمة العربية الأخيرة في الدوحة دعوة إلى قمة عربية مصغرة في مصر لتحريك هذا الملف. ويرى أنصار هذا الطرح أن قطر «ليست سوى أداة إقليمية تمتلك ما يكفي من المال والماكيافيللية لتكون أداة تنفيذ المشروع الأميركي الذي يرمي إلى تقويض المقاومة». وكان لافتاً أن هذا التيار أبى إلا أن يُسجل في محضر الجلسة هذين الاحتجاجين، مع النص على «مهلة» لم تحدد زمنياً لأبو الوليد لمغادرة الدوحة. وتكشف هذه المصادر عن أن تيار الصقور المتمسك بالمقاومة وبالبقاء جزءاً أساسياً من محور المقاومة، نجح في تحقيق أمرين: الأول، إيصال أربعة من فريقه الأكثر تصلباً، هم عماد العَلمي وخليل الحيّة ويحيى السنوار وروحي مشتهى، إلى المكتب السياسي، ومعهم العضو الجديد أيضاً عن غزة نزار عوض الله. أما الثاني، فالنجاح في إقصاء مجموعة من فريق مشعل عنه، في مقدمهم عزت الرشق وأسامة حمدان.
وكان لافتاً الموقف الذي اتخذه محمود الزهار في اجتماع انتخاب أعضاء المكتب السياسي. فبعدما فشل في أن يكون أحد الأعضاء الثلاثة الذين ينتخبهم مجلس إقليم غزة منفرداً، أعلن رفضه أن يكون من الثلاثة الباقين الذين يتم اختيارهم بالتوافق مع رئيس المكتب السياسي لأنه «لا يريد أن يكون لمشعل أي دور في وصوله إلى المكتب السياسي»، على ما تفيد المصادر نفسها.
وفي حديثها عن موسى ابو مرزوق، الذي كان من أوائل من غادر دمشق إلى القاهرة للإقامة، ترى المصادر أنه «يمكن تصنيفه في منطقة وسط بين مشعل وبين هنية». وتضيف «لا شك في أنه مصري الهوى، لكنه لم يبتعد بنفس قدر مشعل». وأشارت إلى أن أبو مرزوق، على سبيل المثال، قام بزيارة معلنة إلى طهران في الخامس من الشهر الماضي، التقى خلالها الرئيس محمود أحمدي نجاد وأمين المجلس الأعلى للأمن القومي سعيد جليلي ووزير الخارجية علي أكبر صالحي ورئيس البرلمان علي لاريجاني. وكان لافتاً أن زيارة أبو مرزوق تزامنت مع زيارة وزير الخارجية السوري وليد المعلم إلى طهران، لكن المعنيين في إيران يؤكدون أنهما لم يلتقيا، وإن كشفوا أن «القيادي الفلسطيني طلب من السلطات الإيرانية أداء دور في خفض التوتر الذي يشوب علاقته بالنظام السوري». كما كان لافتاً تشديد أبو مرزوق، من طهران، على أن «الانتصار الذي حققته المقاومة الإسلامية الأخير في غزة على الكيان الصهيوني أكد لجميع الفلسطينيين أن المقاومة هي السبيل الوحيد للنصر على الصهاينة وتحرير الأراضي المحتلة، وأن حرب الـ8 أيام وضعت الشعب الفلسطيني على مسار الانتصارات»، مضيفاً «نشعر بأن الوقت قد حان لقطف ثمار مسيرة الجهاد التي بذلتها المقاومة وعلينا أن نضاعف جهودنا في سبيل إيجاد الوحدة بين المسلمين».
يشار في هذا الصدد إلى أن زيارة طهران كانت أخيراً محور خلاف بين قادة «حماس». ففي وقت وافق فيه هنية على دعوة إيران إلى حضور قمة عدم الانحياز، طالبه مشعل وقتها برفضها. لكن هذه الزيارة لم تتم بسبب ضغوط مورست على طهران، هدد فيها الرئيس محمود عباس بمقاطعة القمة في حال حضرها هنية الذي سبق أن زار الجمهورية الإسلامية في ذكرى الثورة في شباط 2012.
المكتب السياسي يوزع الحقائب
عقد المكتب السياسي لحركة «حماس» نهاية الاسبوع الماضي أول اجتماعاته في الدوحة حيث جرى توزيع المسؤوليات بين أعضائه. وسُربت معلومات أنه على الرغم من أن محمود الزهار وعزت الرشق لم يفوزا بعضوية المجلس، إلا أنه جرى خلال تلك الاجتماعات التي بدأ الخميس وانتهت مساء السبت، إعادتهما إلى موقعهما في محاولة على ما يبدو لخفض حدة الخلافات داخل الحركة. ويتألف المكتب السياسي لحركة حماس من 18 عضواً، ستة عن كل من مجالس شورى الأقاليم الثلاثة، غزة والضفة والخارج. وبحسب النظام الداخلي للحركة، فإن مجلس شورى كل أقليم ينتخب ثلاثة أعضاء للمكتب السياسي. بعدها يلتئم مجلس شورى الحركة، الذي يتألف من مجلس الأقاليم الثلاثة بما يشكل مجموعه 60 عضواً، ويُنتخب رئيس ونائب رئيس للمكتب السياسي، من بين مجموعة مرشحين، يتقدمون بناءً على طلبهم أو بناء على ترشيح أعضاء آخرين من مجلس الشورى.
وفي المرحلة الثالثة، يتم انتخاب الأعضاء الثلاثة الآخرين عن كل إقليم بالتوافق مع رئيس المكتب السياسي الجديد، بمعنى أن يسميهم مجلس الإقليم ويوافق عليهم رئيس المكتب السياسي أو العكس. أما ولاية المكتب السياسي فتمتد على أربع سنوات.
المصدر :
إيلي شلهوب\ الأخبار
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة