اختار الرئيس سعد الحريري مجسّم القرش ليعلو قالب حلوى عيد ميلاده الثالث والأربعين في 18 نيسان الماضي. السبب أن صاحب المواهب الرياضية المتعددة، عاشق لعالم البحار ويحب ممارسة هواية الغطس بين أسماك القرش كما يروي أصدقاؤه، ولهذا كان القرش الأزرق رفيقه في تلك السهرة السعودية الضيقة.

يومها جمع الحريري بعضاً من أفراد عائلته وأصدقائه لإطفاء شمعته الـ43. زوجته لارا العضم والنائب نهاد المشنوق والنائب السابق غطاس خوري ظهروا في الصورة اليتيمة التي نشرها المشنوق على صفحته على «الفايسبوك». وهناك أيضاً من لم يظهروا، وهم النائبة بهية الحريري ونجلها نادر والملياردير المكسيكي اللبناني الأصل كارلوس سليم الذي صودف وجوده في الرياض، فحل ضيفاً استثنائياً على عيد ميلاد «الشيخ سعد».

يمضي الحريري أيامه في السعودية محاولا استجماع المعطيات. ينتظر إشارة ما تعيده إلى العاصمة اللبنانية. يفترض أن تُحدد ساعة الصفر وفق روزنامة الانتخابات النيابية المقبلة، أقله هذا ما يعتقده «المستقبليون».

يجزم هؤلاء أنّ عودة الحريري كانت مقررة في يوم تشييع اللواء وسام الحسن، وقد انتظرته طائرته الخاصة أكثر من ست ساعات ليصعد سلالمها... لكنه عاد أدراجه بفعل تحذيرات سعودية أمنية حالت في الدقائق الأخيرة، دون مغادرته مطار الرياض باتجاه بيروت.

تأجّلت اللحظة المنتظرة مرة أخرى. إلى متى؟ إلى الانتخابات النيابية التي ستحصل وفق تأكيدات «المستقبليين» في مواعيدها، ولو أنّه لا مفر من تأجيل تقني. بتقدير هؤلاء، من غير المسموح أن يتحّول لبنان إلى «دولة مارقة» ملوّثة بفيروس الفراغ الدستوري، لا سيما أنّ القرار الدولي بإجراء الانتخابات متخذ ولا عودة عنه.

وعلى الرغم من أشواط الخلافات التي تبعد بينهم، يقرّ «الزرق» أنّهم و«التيار الوطني الحر» الأكثر حرصاً على إجراء الانتخابات في موعدها. كلاهما يرفض التمديد السياسي إلى أجل غير محدد، ولكل منهما اعتباراته. فـ«تيار المستقبل» يريد انتصاراً يعيده الى السلطة من الباب العريض.

صار موعد الخامس عشر من أيار المقبل، كما يرى «المستقبليون»، مصيرياً: ثلاثة اقتراحات ستوضع أمام مقصلة التصويت في الهيئة العامة لمجلس النواب. اقتراح الحكومة القائم على أساس 13 دائرة وفق نظام التمثيل النسبي، اقتراح «اللقاء الأرثوذكسي»... وإمّا القانون الحالي أي «قانون الستين» بعد إخضاعه لبعض التعديلات التجميلية.

هذا المشهد صار جلياً بالنسبة لـ«تيار المستقبل» لا سيما أنّ عمل لجنة التواصل النيابية بلغ الحائط المسدود. لهذا، فإن المخرج الوحيد بنظرهم صار بيد الهيئة العامة، صاحبة القرار، لتنهي «مهزلة» النقاش الانتخابي العقيم.

ولهذا أيضا، لا يعاني «الزرق» من وجع ضمير في حال رسا خيار الأغلبية النيابية على إعادة إحياء «قانون الدوحة» الذي تبيّن أنّه بـ«سبعة أرواح»، لا سيما أنّهم يفاخرون بأنّهم قدّموا الكثير من التنازلات في سبيل التوافق، لكنها لم تنفع أبداً، لأنّ المطلوب بنظرهم تفكيك «كتلة المستقبل» بالقانون أولاً، وبنسج تفاهمات مضادة ثانياً، وبفكّ تحالف «قوى 14 آّذار» ثالثاً.

آخر تلك التنازلات وفق «الحريريين»، كان التصديق على قانون تعليق المهل، لا سيما أنّ الكتلة دخلت قاعة الهيئة العامة وفي نيّتها تأجيل المهل وليس تعليقها. ولكن رغبة منها بعدم شراء مشكلة إضافية، مشت بخيار الآخرين، واضطرت إلى مناكفة وليد جنبلاط، مع العلم أنّ الرئيس نبيه بري هو الذي طبخ طبخة الاقتراح واتصل بالرئيس فؤاد السنيورة لإقناعه به... ومع ذلك حمّل بيك المختارة المسؤولية لـ«الزرق».

إذاً هي الضمانة الدولية الضاغطة باتجاه احترام المواعيد الدستورية، التي تحمّس «تيار المستقبل» على الاحتكام للهيئة العامة، حتى لو كانت نيّة العماد ميشال عون «ذلّ» خصومه أمام الرأي العام باصراره على التصويت على اقتراح «اللقاء الأرثوذكسي».

الضمانة الدولية نفسها قد تسهّل ولادة حكومة تمام سلام، كما يرى «المستقبليون»، والسبب هو الخوف على استقرار لبنان من اهتزازات غير محسوبة.

بهذا المعنى أيضا، يمكن تفسير موقف وليد جنبلاط وحمله العصا من الوسط: تطيير حكومة نجيب ميقاتي من جهة، والتمسّك بخيار حكومة سلامية موسعة تجمع الأضداد في كنفها، من جهة ثانية. وطالما أنّ الساحة السورية مطوّقة بجدار من الضبابية، فإنّ موقف «أبو تيمور»، كما يؤكد «الزرق» سيظل ضبابياً، يترك مسافة شبه متساوية بين القوى المتخاصمة، في انتظار أن تحمله الرياح السورية إلى الموانئ التي سترسو عليها سفن حربها.

يعترف «الحريريون» بوجود موانع تحول حتى الآن دون حسم الصراع على المسرح الدمشقي لمصلحة المعارضة طبعاً، بسبب تلكؤ الإدارة الأميركية أولاً، والتنافس القطري - السعودي على الأرض الدمشقية ثانياً. لكن إذا تمّ تصحيح هذين الوضعين فإنّ الوضع السوري «سينقلب رأسا على عقب»!

يؤكد هؤلاء أن الرأي العام الدولي، «سيضغط باتجاه تدخّل دولي حاسم لوقف حمام الدم في سوريا، لا سيما أنّ عدوى التوتر قد تنتقل بأي لحظة إلى تركيا أو الأردن أو لبنان، وهذا ما سيدفع واشنطن إلى تفعيل تدخلها».

إذ يعتبر «المستقبليون» أنّ الإدارة الأميركية أمام خيار وحيد هو التدخّل الجدي وإلا فإنّها ستفقد مصداقيتها أمام حلفائها، وهذا ما عبّرت عنه مشاركة وزير الخارجية الأميركي جون كيري في مؤتمر أصدقاء سوريا، بهدف الإيحاء بمساهمة أميركية أكبر، إلّا أنّ الدول العربية جديّة في تسليح المعارضة السورية، الممر الإلزامي لنقل بارودة السلطة من كتفٍ لآخر.

وهنا، يشير «المستقبليون» إلى أنّ واحداً من أسباب استقالة معاذ الخطيب من رئاسة الائتلاف السوري المعارض هو التلكؤ في تسليح المعارضة، مع العلم أنّ الأخضر الإبراهيمي هو الذي حرّضه على القيام بمبادرة شجاعة، كان يفترض أن يكون البديل عن فشلها، دعم المعارضة عسكرياً لاستكمال ثورتها، الأمر الذي لم يحصل حتى الآن.

وبالتالي لا حلّ للأزمة السورية إلّا بقرار واضح يصدر عن الإدراة الأميركية ويقضي بوضع حد لاستخدام النظام سلاح الطيران والأسلحة الصاروخية، كي تتمكن المعارضة من تغيير قواعد اللعبة العسكرية، «مع العلم أنّ هناك أكثر من مسؤول أميركي يشجّع على هذا الخيار، ويفترض أن ينتهي النقاش داخل البيت الأبيض لمصلحة التصعيد العسكري».

ولهذا لا يجوز الرهان وفق «المستقبليين» على تغيّر الموقف الروسي الذي سيستمر في استراتيجيته، لاعتبارات انتخابية داخلية تتصل بصورة فلاديمير بوتين «القيصرية»، كما يرى «الزرق». ولهذا فإنّ تبدل المشهد السوري رهن تبدّل الاستراتيجية الأميركية أولا.

أمّا الكلام عن تناغم أميركي ـ إيراني من تحت الطاولة، فلا وجود له في القاموس الأزرق، ويقول أصحابه: «إنّ إدارة باراك أوباما تنتظر نتائج الانتخابات الإيرانية قبل أن تدلي بدلوها، إلّا أنّ تطورات الثلاثي اللبناني - السوري - العراقي هي الدليل الفاقع على المحاولة الأميركية لمحاصرة النفوذ الفارسي المتمادي في المنطقة».

  • فريق ماسة
  • 2013-04-23
  • 11896
  • من الأرشيف

سعد يعود مع الانتخابات.. و«الأحلام» السورية لا تفارقه

اختار الرئيس سعد الحريري مجسّم القرش ليعلو قالب حلوى عيد ميلاده الثالث والأربعين في 18 نيسان الماضي. السبب أن صاحب المواهب الرياضية المتعددة، عاشق لعالم البحار ويحب ممارسة هواية الغطس بين أسماك القرش كما يروي أصدقاؤه، ولهذا كان القرش الأزرق رفيقه في تلك السهرة السعودية الضيقة. يومها جمع الحريري بعضاً من أفراد عائلته وأصدقائه لإطفاء شمعته الـ43. زوجته لارا العضم والنائب نهاد المشنوق والنائب السابق غطاس خوري ظهروا في الصورة اليتيمة التي نشرها المشنوق على صفحته على «الفايسبوك». وهناك أيضاً من لم يظهروا، وهم النائبة بهية الحريري ونجلها نادر والملياردير المكسيكي اللبناني الأصل كارلوس سليم الذي صودف وجوده في الرياض، فحل ضيفاً استثنائياً على عيد ميلاد «الشيخ سعد». يمضي الحريري أيامه في السعودية محاولا استجماع المعطيات. ينتظر إشارة ما تعيده إلى العاصمة اللبنانية. يفترض أن تُحدد ساعة الصفر وفق روزنامة الانتخابات النيابية المقبلة، أقله هذا ما يعتقده «المستقبليون». يجزم هؤلاء أنّ عودة الحريري كانت مقررة في يوم تشييع اللواء وسام الحسن، وقد انتظرته طائرته الخاصة أكثر من ست ساعات ليصعد سلالمها... لكنه عاد أدراجه بفعل تحذيرات سعودية أمنية حالت في الدقائق الأخيرة، دون مغادرته مطار الرياض باتجاه بيروت. تأجّلت اللحظة المنتظرة مرة أخرى. إلى متى؟ إلى الانتخابات النيابية التي ستحصل وفق تأكيدات «المستقبليين» في مواعيدها، ولو أنّه لا مفر من تأجيل تقني. بتقدير هؤلاء، من غير المسموح أن يتحّول لبنان إلى «دولة مارقة» ملوّثة بفيروس الفراغ الدستوري، لا سيما أنّ القرار الدولي بإجراء الانتخابات متخذ ولا عودة عنه. وعلى الرغم من أشواط الخلافات التي تبعد بينهم، يقرّ «الزرق» أنّهم و«التيار الوطني الحر» الأكثر حرصاً على إجراء الانتخابات في موعدها. كلاهما يرفض التمديد السياسي إلى أجل غير محدد، ولكل منهما اعتباراته. فـ«تيار المستقبل» يريد انتصاراً يعيده الى السلطة من الباب العريض. صار موعد الخامس عشر من أيار المقبل، كما يرى «المستقبليون»، مصيرياً: ثلاثة اقتراحات ستوضع أمام مقصلة التصويت في الهيئة العامة لمجلس النواب. اقتراح الحكومة القائم على أساس 13 دائرة وفق نظام التمثيل النسبي، اقتراح «اللقاء الأرثوذكسي»... وإمّا القانون الحالي أي «قانون الستين» بعد إخضاعه لبعض التعديلات التجميلية. هذا المشهد صار جلياً بالنسبة لـ«تيار المستقبل» لا سيما أنّ عمل لجنة التواصل النيابية بلغ الحائط المسدود. لهذا، فإن المخرج الوحيد بنظرهم صار بيد الهيئة العامة، صاحبة القرار، لتنهي «مهزلة» النقاش الانتخابي العقيم. ولهذا أيضا، لا يعاني «الزرق» من وجع ضمير في حال رسا خيار الأغلبية النيابية على إعادة إحياء «قانون الدوحة» الذي تبيّن أنّه بـ«سبعة أرواح»، لا سيما أنّهم يفاخرون بأنّهم قدّموا الكثير من التنازلات في سبيل التوافق، لكنها لم تنفع أبداً، لأنّ المطلوب بنظرهم تفكيك «كتلة المستقبل» بالقانون أولاً، وبنسج تفاهمات مضادة ثانياً، وبفكّ تحالف «قوى 14 آّذار» ثالثاً. آخر تلك التنازلات وفق «الحريريين»، كان التصديق على قانون تعليق المهل، لا سيما أنّ الكتلة دخلت قاعة الهيئة العامة وفي نيّتها تأجيل المهل وليس تعليقها. ولكن رغبة منها بعدم شراء مشكلة إضافية، مشت بخيار الآخرين، واضطرت إلى مناكفة وليد جنبلاط، مع العلم أنّ الرئيس نبيه بري هو الذي طبخ طبخة الاقتراح واتصل بالرئيس فؤاد السنيورة لإقناعه به... ومع ذلك حمّل بيك المختارة المسؤولية لـ«الزرق». إذاً هي الضمانة الدولية الضاغطة باتجاه احترام المواعيد الدستورية، التي تحمّس «تيار المستقبل» على الاحتكام للهيئة العامة، حتى لو كانت نيّة العماد ميشال عون «ذلّ» خصومه أمام الرأي العام باصراره على التصويت على اقتراح «اللقاء الأرثوذكسي». الضمانة الدولية نفسها قد تسهّل ولادة حكومة تمام سلام، كما يرى «المستقبليون»، والسبب هو الخوف على استقرار لبنان من اهتزازات غير محسوبة. بهذا المعنى أيضا، يمكن تفسير موقف وليد جنبلاط وحمله العصا من الوسط: تطيير حكومة نجيب ميقاتي من جهة، والتمسّك بخيار حكومة سلامية موسعة تجمع الأضداد في كنفها، من جهة ثانية. وطالما أنّ الساحة السورية مطوّقة بجدار من الضبابية، فإنّ موقف «أبو تيمور»، كما يؤكد «الزرق» سيظل ضبابياً، يترك مسافة شبه متساوية بين القوى المتخاصمة، في انتظار أن تحمله الرياح السورية إلى الموانئ التي سترسو عليها سفن حربها. يعترف «الحريريون» بوجود موانع تحول حتى الآن دون حسم الصراع على المسرح الدمشقي لمصلحة المعارضة طبعاً، بسبب تلكؤ الإدارة الأميركية أولاً، والتنافس القطري - السعودي على الأرض الدمشقية ثانياً. لكن إذا تمّ تصحيح هذين الوضعين فإنّ الوضع السوري «سينقلب رأسا على عقب»! يؤكد هؤلاء أن الرأي العام الدولي، «سيضغط باتجاه تدخّل دولي حاسم لوقف حمام الدم في سوريا، لا سيما أنّ عدوى التوتر قد تنتقل بأي لحظة إلى تركيا أو الأردن أو لبنان، وهذا ما سيدفع واشنطن إلى تفعيل تدخلها». إذ يعتبر «المستقبليون» أنّ الإدارة الأميركية أمام خيار وحيد هو التدخّل الجدي وإلا فإنّها ستفقد مصداقيتها أمام حلفائها، وهذا ما عبّرت عنه مشاركة وزير الخارجية الأميركي جون كيري في مؤتمر أصدقاء سوريا، بهدف الإيحاء بمساهمة أميركية أكبر، إلّا أنّ الدول العربية جديّة في تسليح المعارضة السورية، الممر الإلزامي لنقل بارودة السلطة من كتفٍ لآخر. وهنا، يشير «المستقبليون» إلى أنّ واحداً من أسباب استقالة معاذ الخطيب من رئاسة الائتلاف السوري المعارض هو التلكؤ في تسليح المعارضة، مع العلم أنّ الأخضر الإبراهيمي هو الذي حرّضه على القيام بمبادرة شجاعة، كان يفترض أن يكون البديل عن فشلها، دعم المعارضة عسكرياً لاستكمال ثورتها، الأمر الذي لم يحصل حتى الآن. وبالتالي لا حلّ للأزمة السورية إلّا بقرار واضح يصدر عن الإدراة الأميركية ويقضي بوضع حد لاستخدام النظام سلاح الطيران والأسلحة الصاروخية، كي تتمكن المعارضة من تغيير قواعد اللعبة العسكرية، «مع العلم أنّ هناك أكثر من مسؤول أميركي يشجّع على هذا الخيار، ويفترض أن ينتهي النقاش داخل البيت الأبيض لمصلحة التصعيد العسكري». ولهذا لا يجوز الرهان وفق «المستقبليين» على تغيّر الموقف الروسي الذي سيستمر في استراتيجيته، لاعتبارات انتخابية داخلية تتصل بصورة فلاديمير بوتين «القيصرية»، كما يرى «الزرق». ولهذا فإنّ تبدل المشهد السوري رهن تبدّل الاستراتيجية الأميركية أولا. أمّا الكلام عن تناغم أميركي ـ إيراني من تحت الطاولة، فلا وجود له في القاموس الأزرق، ويقول أصحابه: «إنّ إدارة باراك أوباما تنتظر نتائج الانتخابات الإيرانية قبل أن تدلي بدلوها، إلّا أنّ تطورات الثلاثي اللبناني - السوري - العراقي هي الدليل الفاقع على المحاولة الأميركية لمحاصرة النفوذ الفارسي المتمادي في المنطقة».

المصدر : كلير شكر\ السفير


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة