دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
تصدعت جدران سياسة النأي بالنفس وتحطم زجاجها على وقع الصواريخ التي طالت مدينة الهرمل ومحيطها، في الأيام الأخيرة، في تعبير عن انكشاف لبنان أكثر فأكثر امام رياح الحرب الطاحنة في سوريا، سواء من ناحية التحدي العسكري المتمثل في القصف العابر للحدود او من ناحية التحدي الانساني - الأمني المتصل بقضية النازحين السوريين وتحدياتها المتزايدة.
وإذا كانت روابط التاريخ والجغرافيا بين البلدين تجعل التأثير المتبادل طبيعياً، فإن الامتداد السكاني اللبناني في المحيط الجغرافي السوري، خلف الحدود، جعل تداعيات الأزمة السورية تصبح أكثر حدة وأشد تعقيداً، خصوصاً بعدما قرر أبناء بلدات ريف القصير من اللبنانيين الدفاع عن أنفسهم في مواجهة هجمات المجموعات المسلحة، ومبادرة «حزب الله» الى تقديم العون اللوجستي لهم، الأمر الذي وظفه خصوم الحزب في الداخل اللبناني، محملين إياه «مسؤولية توريط لبنان في مواجهة مع الشعب السوري».
في المقابل، يعتبر مقربون من «حزب الله» أن الحملة العنيفة التي تستهدفه على خلفية اتهامه بالقتال الى جانب النظام السوري ضد معارضيه، إنما هي جزء من معركة مفتوحة ضده، تتخذ أشكالاً وعناوين مختلفة، تبعاً لمقتضيات كل مرحلة وحساباتها بالنسبة الى منظمي الحملة.
ويلفت هؤلاء الانتباه الى أن هذا الاستهداف مقرر عن سابق تصور وتصميم، وهو يطال تارة عقيدة الحزب، وطوراً دوره السياسي وخياره المقاوم، وصولاً الى المادة الجديدة المتمثلة في الملف السوري الذي يتم تشويه وقائعه اللبنانية، بحيث تجري محاكمة المعتدى عليه وتبرئة المعتدي.
ويعتبر المطلعون على مناخات الحزب أن الحملة الإعلامية والسياسية التي يتعرض لها تندرج في سياق التكامل مع الاعتداءات العسكرية التي تقوم بها المجموعات المسلحة ضد اللبنانيين المقيمين في سوريا ومنطقة الهرمل، مشيرين الى أن هذه المجموعات هي في حقيقة الأمر حليفة لبعض القوى الداخلية التي تشارك في تسليح وتمويل المسلحين السوريين، وهناك تناغم بين الطرفين، سواء لجهة العمل العسكري او لجهة الاستثمار السياسي له.
ويشير المقربون من الحزب الى ان إحدى وظائف الاتهامات الموجهة اليه هي محاولة التغطية على تورط بعض الجهات اللبنانية في الأحداث السورية، بعد تحولها الى إحدى قنوات الإمداد التي تربط بين المجموعات المسلحة والدول الراعية للحرب على سوريا.
ويرى المحيطون بـ«حزب الله» أن اتهامه بالتورط في الأزمة السورية من دون الأخذ بالاعتبار الخصوصية اللبنانية لقرى ريف القصير، إنما يأتي في سياق استكمال عناصر الضغط على الحزب، التي تشمل، من ضمن لائحة طويلة، الحالة النافرة في صيدا والخطاب المذهبي المتصاعد ومحاولة الإقصاء عن الحكومة الجديدة.
ويؤكد هؤلاء أن اللبنانيين في سوريا عرضة للاعتداء منذ بداية الأزمة، ويكفي ملف المخطوفين في أعزاز للدلالة على هذا الأمر، وبالتالي فإن السكان في ريف القصير كانوا أمام واحد من خيارين، فإما ان يُقتلوا ويُخطفوا، وإما أن يدافعوا عن أنفسهم، وبما أنهم اعتمدوا الخيار الثاني، فقد كان من واجب «حزب الله» أن يقدم لهم الحد الأدنى من المساعدة والمؤازرة، لملء فراغ الدولة اللبنانية الغائبة عن السمع والمتقاعسة عن تأدية واجباتها.
ويشير العارفون بأجواء الحزب الى أن هناك قناعة لديه بضرورة مساعدة من شاركه في تحمل مسؤولية تحرير الأرض المحتلة في الجنوب والبقاع الغربي، ذلك أن اللبنانيين في المناطق السورية المتاخمة للحدود كانت لهم مساهمتهم في جهد المقاومة، والحزب يعتقد أنه معني الآن بأن يقف الى جانبهم في معركة حماية وجودهم.
وإذ يلفت المحيطون بالحزب الانتباه الى ان اللبنانيين في ريف القصير هم من كل الطوائف والمذاهب، يشددون على أن المنظّرين من بعيد يكررون المنطق ذاته الذي استخدموه أثناء الاحتلال الاسرائيلي للجنوب، حين كانوا ينتقدون اللجوء الى المقاومة المسلحة للدفاع عن الأرض ويدعون الى استخدام الوسائل السياسية والديبلوماسية لتحريرها، حتى أثبتت التجربة الحسية ان الكلام والشكوى لا يحققان أي إنجاز، واليوم يعودون الى المعزوفة ذاتها في معرض مقاربة وضع اللبنانيين في المناطق السورية الحدودية.
ويعتبر مؤيدو الحزب أن أفضل ما يمكن أن يفعله أصحاب النظريات في «قوى 14 آذار» هو ان يطلبوا من حلفائهم في المعارضة السورية و«جبهة النصرة» وقف الهجمات على اللبنانيين في سوريا ومنطقة الهرمل، وعندها يزول التوتر ويسود الهدوء تلقائياً، لكن الواضح أن هذا الفريق يريد أن يوظف الاعتداءات المتكررة، لا سيما تلك التي استهدفت مدينة الهرمل، للتصويب على «حزب الله» واتهامه بالانزلاق الى الأزمة السورية، سعياً الى استثمار هذا التحريض في صناديق الاقتراع في الانتخابات النيابية المفترضة.
المصدر :
السفير \عماد مرمل
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة