دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
احمد معاذ الخطيب مستقيلا للمرة الثانية والأخيرة. «الائتلاف الوطني السوري» المعارض فقد رئيسه بعد ساعات من اجتماع مخيب للآمال أيضا لوزراء خارجية 11 دولة من «أصدقاء الشعب السوري» في اسطنبول، قدمت فيه المعارضة السورية كل التعهدات المطلوبة لقاء الحصول على أسلحة لـ«الجيش الحر» وتشكيل «تحالف للدول المقتدرة» يعمل على توجيه «ضربات جراحية للمواقع (التابعة للنظام) التي ثبت إطلاق صواريخ منها عن طريق طائرات من دون طيار... والعمل على فرض حظر طيران وحماية على الحدود الشمالية والجنوبية لضمان عودة وسلامة اللاجئين السوريين»، فحصلت من المجتمعين على مدّها «بمعدات غير قاتلة» وحثّها على التفاوض مع النظام.
ومن غير المعروف ما إذا كانت الخيبة المنتظرة من «الأصدقاء» هي التي دفعت معاذ الخطيب إلى إلقاء زعامة «الائتلاف» جانبا ونهائيا، كما قال في رسالة الكترونية إلى أعضاء «الائتلاف»، ولكنه انتظر انتهاء الاجتماع الإسطنبولي لكي يفضي أولا إلى صفحته في «فايسبوك» باستقالة أخيرة وقبل 25 يوما من انقضاء مدة رئاسته لـ«الائتلاف».
وعكست أسارير الخطيب المنقبضة بعيد الاجتماع في اسطنبول، وخلال المؤتمر الصحافي مع وزير الخارجية الأميركي جون كيري ونظيره التركي احمد داود أوغلو يأس زعيم «الائتلاف» من الخروج من المأزق الذي تتخبط فيه المعارضة السورية، سواء في خياراتها السياسية والحكومية والتفاوضية وخلافاته مع محور «الإخوان المسلمين» وقطر واستقلال القرار السياسي الوطني المعارض، أو عدم تزامن رهانها المستعجل على تسليح «الجيش الحر» مع الحسابات الغربية، والأميركية خصوصا، بشأن الاستجابة لهذا المطلب الذي يمهّد لقلب ميزان القوى في سوريا، ويعلن انتهاء العملية السياسية تحت مظلة التفاهم الروسي ــ الأميركي.
والحال أن وثيقة اسطنبولية ثانية جاء عليها كيري قالت بتأييد الأصدقاء «لطاولة تفاوض في إطار اتفاقات جنيف»، مرفقة بتهديد «النظام بأنها فرصته الأخيرة. ولو رفضها فإن الأصدقاء سيزيدون عندئذ من مساعدتهم للمعارضة»، وهو ما يطيل من عمر الحرب بنظر زعيم «الائتلاف»، ويترك سوريا عرضة للتدمير المنهجي المتواصل اجتماعيا وعمرانيا على السواء.
وحظيت ورقة الرؤية السياسية للمعارضة بتوصيف «المهمة» عندما تحدث عنها كيري لتقديمها ضمانات لسوريا الأقليات والتعددية ورفض الإرهاب ونبذ الكيميائي والتعهد بعدم وصول الأسلحة إلى الأيدي الخطأ. بيد أن التوصيف، على كرمه، لم يغير في موقف أميركي مسبق من رفض تسليح المعارضة واعتبار الضمانات غير كافية، وهو ما بينته قبل أسبوع تقييمات قدمت لمسؤولين عسكريين وسياسيين في الكونغرس. واكتفى كيري برفد مئة مليون دولار سبق أن قدمها بـ123 مليون إضافية استثنى منها كل ما هو «فتاك».
وهاتفيا، انضم الروس إلى اجتماع اسطنبول، بمجرد انفضاض عقد «الأصدقاء» ولتجديد التزامهم بتفاهمات جنيف في الوقت الحاضر. وسارع كيري إلى مكالمة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، فور انتهاء الاجتماع لإطلاعه على ما يجري، خصوصا بعد الانتقادات التي وجهها الروس «للأصدقاء» وسلبية دورهم في سوريا.
وبدا زعيم «الائتلاف» وحيدا أكثر من أي اجتماع سبق. وقال في رسالة داخلية مقتضبة إلى أعضاء «الائتلاف» إنه كان ينوي وضع استقالته، الموضوعة أصلا على الطاولة، واعتبارها نهائية بعد مغادرته اسطنبول إلى القاهرة، ولكن «احدهم قام بتسريب الخبر، لذا فأنا أؤكد لكم إنني مستقيل نهائيا، ولكن أبقى عضوا في الائتلاف ممثلا لمحافظة دمشق»، من دون أن يشرح الأسباب التي دفعته مجددا إلى اعتبار استقالته نهائية. لكنه نفى «إرسال رسالة استقالة الكترونية إلى قيادة الائتلاف، فقد كانت هيئة الرئاسة ووزراء عدة دول موجودين في عشاء ما بعد الاجتماع عندما أبلغتهم استقالتي ورفضت الطعام لأن الشاشة كانت مملوءة بالدم».
ومن الواضح أن الخلاف مع القطريين وجماعة الأخوان المسلمين الذين فرضوا عليه غسان هيتو «رئيسا للحكومة المؤقتة» وهيمنتهم على «الائتلاف»، قد دفع بخطيب الجامع الأموي السابق إلى الخروج من موقع أصبح فيه مجرد غطاء، يستنزف شرعيته الوطنية وشعبيته في الشارع السوري للتغطية على سلسلة من القرارات تساعد على تمكين «الاخوان» من الهيمنة على مؤسسات المعارضة السورية برعاية قطرية وتركية.
وكان الخطيب، الذي لا يملك كتلة وازنة في «الائتلاف»، قد بدأ حملة «فايسبوكية» قبيل الاجتماع الإسطنبولي بأيام ضد الأخوان المسلمين وقطر والفضائيات الموالية لهما.
وقدّم الخطيب لخروجه من زعامة «الائتلاف» بالإعلان «انه لن يبقى ليكون شاهد زور» أمس الأول. وعاد ليقول مساء الأمس إن «الطائر في القفص يبقى حبيسا وعاجزا، والبارحة خرجت من القفص الذهبي الخادع الذي كنت فيه».
وجرت الاستقالة رغم تسريبات صحافية عن اتفاق هذه المرة، مع داود اوغلو بالبقاء في زعامة «الائتلاف» ستة أشهر إضافية لقاء إعطاء المزيد من التمثيل في «الائتلاف» لـ«الجيش الحر» والاستماع إلى «المجلس العسكري» في طريقة تشكيل الحكومة، وفتح «الائتلاف» أمام 25 عضوا من هيئات مدنية واتجاهات لا تضم ممثلين من الإخوان المسلمين أو مقربين من قطر.
وقال عضو من «الائتلاف» إن الاقتراح نفسه تبنته مجموعة من 12 عضوا من غير «الإخوان» أو المقربين من كتلة مصطفى الصباغ القطرية، ولكنها لم تحظ بأي تأييد. وعرض «الإخوان» على المجموعة زيادة تمثيلهم بنسبة أربعة مقاعد لا تغير شيئا في حقيقة التوازنات التي ترجح بقوة كفة جماعة الإخوان المسلمين والقطريين. ويتمتع «الأخوان» ومصطفى الصباغ بقوة «تصويتية» كما قال عضو في «الائتلاف» تتجاوز الأربعين صوتا من أصل الـ66 عضوا الفعليين.
وقال عضو «الائتلاف» إن الرئاسة ستذهب حتى موعد إجراء انتخابات جديدة في النصف الثاني من أيار المقبل إلى رياض سيف، احد نواب الرئيس الثلاثة، ولكن نائبين آخرين للرئاسة قد يتوليان المنصب، هما سهير الأتاسي أو مصطفى الصباغ، في حال رفض رياض سيف تولي المنصب لأسباب صحية.
ويعطل اختيار الخطيب البقاء في «الائتلاف» ممثلا عن دمشق، فرزا لا بد منه في صفوف المعارضة، كما قال قطب سوري معارض، بين تيار يؤيد الحل السياسي وآخر يراهن على الحل العسكري وحده.
والأرجح أن «الائتلاف» أصيب بانتكاسة كبيرة بخروج الخطيب من زعامته وفقدانه احد أكثر الوجوه المعارضة حضورا ومصداقية على الساحة الدولية والسورية. ويظهر ذلك الإخفاق في إصلاح المعارضة السورية من الداخل وهي التجربة الثانية، بعد تجربة «المجلس الوطني السوري» التي تعثرت بسبب تفرد جماعة الإخوان المسلمين في قيادته واختراقهم لمؤسساته، وفرضهم خياراتهم السياسية عليه.
والحال أن استقالة الخطيب ستطرح على المجموعة التي جمدت عضويتها في «الائتلاف» أسئلة مشابهة في البقاء أو الخروج منه، علما أن من جمدوا عضويتهم مع استقالة الخطيب وتعيين هيتو «رئيسا لحكومة مؤقتة» ليسوا مجموعة متجانسة سياسيا، ولن يكون ذلك مؤشرا ايجابيا لمصلحة المعارضة. وكان جمد عضويته كل من كمال اللبواني، وريما فليحان، وسهير الأتاسي (عادت عنها بعد ساعات قليلة) ومروان حجو، ويحي الكردي، ومحمد العاصي جربا، ووليد البني، وبرهان غليون، وعقاب يحيى والحارث النبهان وزياد أبو حمدان.
المصدر :
محمد بلوط\ السفير
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة