كشفت وثيقة استخبارية متسرّبة نشرتها " الأخبار" اللبنانية، عن جوهر المقاربة التي وضعت الأردن في ورطة التعاون مع الحلف المعادي لدمشق. وهي لا تتعلّق، إطلاقا، بالمصالح الأردنية.

السعي إلى توريط الأردن كان بمبادرة من قطر. وحين نعلم حجم الفجوة السياسية بين الدوحة وعمان، لا يمكننا إلا أن ندهش كيف أن المسؤولين الأردنيين لم ينتبهوا إلى الفخّ؛ فالقطريون المصممون على إسقاط نظام الرئيس بشار الأسد، ويريدون طمأنة إسرائيل إزاء الأسلحة الكيماوية السورية، اقترحوا صيغة للتعاون بين الدولتين بحيث يتم إيكال مهمة السيطرة على تلك الأسلحة إلى قوّة أميركية ـ أردنية، من دون أن يضطر الإسرائيليون إلى التدخل المباشر. وقد تم التوصل، بالفعل، إلى هذه الخطة في اجتماع رباعي عُقد في عمان، وحصل السوريون على تفاصيله! فهل سرّبها الأردنيون عمدا لكي تطمئن دمشق؟ أم سرّبها القطريون لإشعال النار بين سورية والأردن؟

تقوم الخطة على أساس إنشاء محطة عمليات خاصة للمراقبة، تتولاها قوة أميركية أردنية، وتدريب عناصر من المنشقين عن الجيش السوري، وتسليحهم، وإرسال قسم منهم إلى سورية للقيام بمهمات الاستطلاع والتموضع، بينما يبقى قسم آخر منهم في الأردن بانتظار لحظة الصفر. وهي سقوط النظام أو سقوط الأسلحة الكيماوية في أيدي السلفيين الجهاديين، والقيام بعملية سوبرمانية لتأمين تلك الأسلحة.

تكمن الورطة الأردنية، بالانزياح عن هذا الهدف نحو استغلال أي ادعاء باستخدام الأسلحة الكيماوية من قبل النظام السوري، لتبرير التدخّل. وقد دفع القطريون بالفعل نحو قيام مجموعة إرهابية بإطلاق صاروخ كيماوي تجريبي في حلب، ومن ثم اتهام النظام، لكن ظروف اطلاق الصاروخ ونوعيته، لم تسمحا بتمرير الاتهام الكاذب.

الانزياح الثاني الخطر، يكمن في خطة إنشاء منطقة عازلة داخل سورية، بحجة إيواء اللاجئين السوريين. وكمقدمة لهذه الخطة، جرى استقطاب هؤلاء اللاجئين بكثافة وإغراؤهم باللجوء إلى الأردن من قبل شبكات تابعة للجماعات المسلحة التي تحظى قطر بالنفوذ في صفوفها.

حجم اللجوء السوري إلى الأردن مصطنع بنسبة 80 بالمائة. ويكفي إغلاق المنافذ الحدودية غير الشرعية بين البلدين لإنهاء تدفقات اللاجئين، كما يمكن التفاهم مع دمشق للشروع بإعادة معظمهم ممن ليسوا مطلوبين أمنيا.

المنطقة العازلة ليست ممكنة بالطبع إلا بوساطة تدخل عسكري. وقد لا يتورط الأردن بهذا التدخل، لكنه سيقدم أراضيه وخدماته لقوة عسكرية أميركية أو دولية، هدفها الحقيقي احتلال أراضي سورية والعمل على إسقاط النظام السوري تحت شعار إنساني.

وكل ذلك لا يشكل أي مصلحة وطنية للأردن الذي سيكون عليه أن يدفع ثمنا باهظا جدا على كافة المستويات: الحرب والفوضى والعنف وتدفقات لجوء خارج السيطرة ووقوع جنوبي سورية في قبضة السلفيين الجهاديين، بعيد مغادرة الجيوش الأجنبية التي ستتركنا وحدنا في مواجهة صعود غير مسبوق للسلفية الجهادية، في منطقة حوران ( السورية ـ الأردنية) كلها. وهو ما يهدد الكيان الأردني برمته.

لحسن الحظ أن النظام السوري قوي، ويزداد قوة. وهو ـ لا سواه ـ من يمتلك المبادرة ميدانيا وسياسيا. وليست لديّ أي خشية من أن دمشق سوف تطلق نحونا طلقة واحدة، لكن التطورات الميدانية هي التي ستعاقبنا عقابا لا دواء له؛ فبينما يقوم الجيش السوري بتطهير وتحصين العاصمة وريفها على ثلاثة محاور، شرقا وغربا وشمالا، يترك المحور الجنوبي لئلا يسجل على نفسه الصدام مع مخيم اليرموك الذي سيبقى مفتوحا باتجاه الحدود الأردنية، فيما يشكّل ممرا آمنا لمقاتلي النصرة وحماس والمجاميع السكانية التي أيدتهم في التمرد على النظام.

الحل بسيط:

ـ إلغاء العملية المشتركة مع الأميركيين، وإغلاق جميع المنافذ الحدودية غير الشرعية، والتفاهم مع دمشق على إعادة اللاجئين، والتمترس في موقف الحياد، مهما كانت الضغوط، ومهما كان الثمن.

اللهمّ اشهد أنني بلّغت.

  • فريق ماسة
  • 2013-04-20
  • 10119
  • من الأرشيف

الفخ... القصة الكاملة

كشفت وثيقة استخبارية متسرّبة نشرتها " الأخبار" اللبنانية، عن جوهر المقاربة التي وضعت الأردن في ورطة التعاون مع الحلف المعادي لدمشق. وهي لا تتعلّق، إطلاقا، بالمصالح الأردنية. السعي إلى توريط الأردن كان بمبادرة من قطر. وحين نعلم حجم الفجوة السياسية بين الدوحة وعمان، لا يمكننا إلا أن ندهش كيف أن المسؤولين الأردنيين لم ينتبهوا إلى الفخّ؛ فالقطريون المصممون على إسقاط نظام الرئيس بشار الأسد، ويريدون طمأنة إسرائيل إزاء الأسلحة الكيماوية السورية، اقترحوا صيغة للتعاون بين الدولتين بحيث يتم إيكال مهمة السيطرة على تلك الأسلحة إلى قوّة أميركية ـ أردنية، من دون أن يضطر الإسرائيليون إلى التدخل المباشر. وقد تم التوصل، بالفعل، إلى هذه الخطة في اجتماع رباعي عُقد في عمان، وحصل السوريون على تفاصيله! فهل سرّبها الأردنيون عمدا لكي تطمئن دمشق؟ أم سرّبها القطريون لإشعال النار بين سورية والأردن؟ تقوم الخطة على أساس إنشاء محطة عمليات خاصة للمراقبة، تتولاها قوة أميركية أردنية، وتدريب عناصر من المنشقين عن الجيش السوري، وتسليحهم، وإرسال قسم منهم إلى سورية للقيام بمهمات الاستطلاع والتموضع، بينما يبقى قسم آخر منهم في الأردن بانتظار لحظة الصفر. وهي سقوط النظام أو سقوط الأسلحة الكيماوية في أيدي السلفيين الجهاديين، والقيام بعملية سوبرمانية لتأمين تلك الأسلحة. تكمن الورطة الأردنية، بالانزياح عن هذا الهدف نحو استغلال أي ادعاء باستخدام الأسلحة الكيماوية من قبل النظام السوري، لتبرير التدخّل. وقد دفع القطريون بالفعل نحو قيام مجموعة إرهابية بإطلاق صاروخ كيماوي تجريبي في حلب، ومن ثم اتهام النظام، لكن ظروف اطلاق الصاروخ ونوعيته، لم تسمحا بتمرير الاتهام الكاذب. الانزياح الثاني الخطر، يكمن في خطة إنشاء منطقة عازلة داخل سورية، بحجة إيواء اللاجئين السوريين. وكمقدمة لهذه الخطة، جرى استقطاب هؤلاء اللاجئين بكثافة وإغراؤهم باللجوء إلى الأردن من قبل شبكات تابعة للجماعات المسلحة التي تحظى قطر بالنفوذ في صفوفها. حجم اللجوء السوري إلى الأردن مصطنع بنسبة 80 بالمائة. ويكفي إغلاق المنافذ الحدودية غير الشرعية بين البلدين لإنهاء تدفقات اللاجئين، كما يمكن التفاهم مع دمشق للشروع بإعادة معظمهم ممن ليسوا مطلوبين أمنيا. المنطقة العازلة ليست ممكنة بالطبع إلا بوساطة تدخل عسكري. وقد لا يتورط الأردن بهذا التدخل، لكنه سيقدم أراضيه وخدماته لقوة عسكرية أميركية أو دولية، هدفها الحقيقي احتلال أراضي سورية والعمل على إسقاط النظام السوري تحت شعار إنساني. وكل ذلك لا يشكل أي مصلحة وطنية للأردن الذي سيكون عليه أن يدفع ثمنا باهظا جدا على كافة المستويات: الحرب والفوضى والعنف وتدفقات لجوء خارج السيطرة ووقوع جنوبي سورية في قبضة السلفيين الجهاديين، بعيد مغادرة الجيوش الأجنبية التي ستتركنا وحدنا في مواجهة صعود غير مسبوق للسلفية الجهادية، في منطقة حوران ( السورية ـ الأردنية) كلها. وهو ما يهدد الكيان الأردني برمته. لحسن الحظ أن النظام السوري قوي، ويزداد قوة. وهو ـ لا سواه ـ من يمتلك المبادرة ميدانيا وسياسيا. وليست لديّ أي خشية من أن دمشق سوف تطلق نحونا طلقة واحدة، لكن التطورات الميدانية هي التي ستعاقبنا عقابا لا دواء له؛ فبينما يقوم الجيش السوري بتطهير وتحصين العاصمة وريفها على ثلاثة محاور، شرقا وغربا وشمالا، يترك المحور الجنوبي لئلا يسجل على نفسه الصدام مع مخيم اليرموك الذي سيبقى مفتوحا باتجاه الحدود الأردنية، فيما يشكّل ممرا آمنا لمقاتلي النصرة وحماس والمجاميع السكانية التي أيدتهم في التمرد على النظام. الحل بسيط: ـ إلغاء العملية المشتركة مع الأميركيين، وإغلاق جميع المنافذ الحدودية غير الشرعية، والتفاهم مع دمشق على إعادة اللاجئين، والتمترس في موقف الحياد، مهما كانت الضغوط، ومهما كان الثمن. اللهمّ اشهد أنني بلّغت.

المصدر : ناهض حتر\


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة