الثأر في نيويورك لما جرى في الدوحة والقاهرة، أو الصدام بين وزير الخارجية القطري حمد بن جاسم وسياسة الاستحواذ على الجامعة العربية ومبعوثيها وبين الديبلوماسي الجزائري العتيق الأخضر الإبراهيمي والنزعة الاستقلالية. الإبراهيمي حاول التخفف من عبء تمثيل جامعة العرب وتنفس الصعداء، والاكتفاء برسالة بان كي مون إلى الرئيس السوري بشار الاسد والعواصم الأخرى للعودة بها مرة أخرى إلى العملية السياسية بعنوان وحيد ومقبول: الأخضر الإبراهيمي مبعوث الأمم المتحدة إلى سورية فحسب، من الآن فصاعداً. أما المبعوث «العربي» الإبراهيمي فإلى ركن منسي، مع صفعة ديبلوماسية لم يسبق أن وجهها مبعوث دولي من عيار الأخضر الإبراهيمي إلى الجامعة العربية.

هذه الأخيرة كادت أن تتعرّض في الساعات الأخيرة، مع إدارة الديبلوماسي الجزائري المخضرم ظهره لها، إلى خسارة معنوية فادحة لم يسبق لمنظمة إقليمية بحجمها ومكانتها، دخلت بشراكة مع الأمم المتحدة، أن شهدتها. وبهذه الصفعة الاستقالة، يواجه كذلك محور الدوحة اسطنبول - الرياض والأمانة العامة للجامعة العربية الردّ العربي (القاسي) الوحيد، من دون إرادة من الإبراهيمي ربما، على تكريسه «الائتلاف» ممثلا لسورية في قمة الدوحة، من دون حسبان مخاطر موقف تكليفه (الإبراهيمي) بوساطة دولية فيما يعلن أطرافه الحرب وينحازون للخيار العسكري، ويدعون من شاء لتسليح المعارضة بينما هو يدعوها في جنيف وبرلين ولندن إلى الحوار.

وبتصريح صحافي ينهي الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون أسبوعين من توقعات متضاربة حول المدى الذي سيذهب إليه الأخضر الإبراهيمي في الاحتجاج على الطعنة التي وجهها القطريون والأتراك والسعوديون والمحور الخليجي في قمة الدوحة لمبعوثيته العربية والدولية، وما إذا كان سيلقي بعيداً عن كاهليه بشقي المهمة الدولي والعربي معاً أو يرجح الدولي منهما إذا ما قرر البقاء. فمنذ اعتراف الجامعة العربية بـ«حكومة الائتلاف» أضحى صعباً على الإبراهيمي الجمع بين المبعوثية العربية والأممية، لأنه من غير الممكن مبدئياً، الجمع بين العمل على قيام حكومة انتقالية كما تنص مرجعية جنيف، وبين تمثيل مجموعة كالجامعة العربية تقيم وتؤيد «حكومة مؤقتة» تسيطر على قسم من سورية، وتعارض في السياسة والتسليح حلّ الحكومة الإنتقالية الذي كلفته الأمم المتحدة وضعه حيّز التنفيذ. وحتى مساء أمس حاول بان كي مون إعادة ساعة الإبراهيمي إلى الوراء، مؤكداً التسريبات عن نية الإبراهيمي التخلي عن مبعوثيته العربية ورافضاً في الوقت ذاته فصم الشراكة بين الجامعة العربية والأمم المتحدة في سورية، متمثلة حتى الساعة بمهمة الإبراهيمي. ووصف بان كي مون فكرة تخلي الإبراهيمي عن المبعوثية العربية والبقاء مبعوثاً أممياً حصرياً بالقول إن الإبراهيمي كان وسيبقى ممثلاً خاصاً ومشتركاً للجامعة والأمم المتحدة.

وكانت الأمم المتحدة قد بدأت في العقد الأخير سياسة شراكة ديبلوماسية مع المنظمات الإقليمية كالجامعة العربية والاتحاد الإفريقي ومجلس التعاون الخليجي لحل الأزمات في دارفور والصومال واليمن ومالي وغيرها، وتشكل مبادرة الإبراهيمي في سياقها نكسة كبيرة. ولكنه من غير المستبعد أن يلجأ الابراهيمي إلى الإستقالة كلياً، بسبب المرارة الكبيرة التي يعانيها جراء المواقف القطرية بشكل خاص، كما أنه ليس من المستبعد أن تفضل الأمم المتحدة الإبقاء على شراكتها مع الجامعة العربية والطلاق مع الإبراهيمي مع قناعة أممية أن الجامعة العربية تعطل العمل الأممي، وهي قناعة تدعمها روسيا بشكل خاص. ويُذكر أن اسم مدير مكتبه الدمشقي مختار لماني، وهو ديبلوماسي مغربي محترف، بات يطرح في الساعات الأخيرة لخلافته إذا ما قرر الإبراهيمي الذهاب حتى النهاية، ولم يستطع الاحتفاظ بالمبعوثية الأممية كما يرغب.

ورفض الإبراهيمي محاولات قام بها الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي لثنيه عن قراره الاستقالة من مبعوثيته العربية في الساعات الأخيرة، تخللها نفي أن يكون العربي قد تلقى أي استقالة من الإبراهيمي. وقال مصدر ديبلوماسي عربي لـ«السفير» إن الإبراهيمي جاء إلى القاهرة وأبلغ الجامعة العربية بعد مؤتمر الدوحة مباشرة رغبته بالتخلي عن تكليفه بمبعوثية الجامعة العربية للتفرغ للعمل للأمم المتحدة. وأبلغ الإبراهيمي العربي أنه يقوم بذلك بعد تشاوره مع الأمين العام للأمم المتحدة، ما يعني أن الأمانة العامة للأمم المتحدة كانت تشاطره الرأي في تعطيل الموقف العربي، من الآن فصاعداً، للمهمة الدولية. وقال المصدر العربي إن «الإبراهيمي بات يدرك أن الأمين العام للجامعة العربية رجل ضعيف، لا يمكن التعويل عليه، وقد أصبح دمية بيد القطريين الذين يستخدمونه لتنفيذ سياستهم السورية في الجامعة العربية وهو عاجز عن مقاومة طلباتهم».

وفي السادس من نيسان الماضي، عاد مبعوث الإبراهيمي إلى دمشق مختار لماني، عبر بيروت، في زيارة هي الأخيرة للقاء المسؤولين السوريين بعدما كان مكتبه قد أغلق لأسباب أمنية أسابيع مضت. ويبدو أن السوريين كانوا على اطلاع باتجاه الإبراهيمي إلى إحياء مهمته بالتخلي عن حقيبته العربية، وقد شكلت الزيارة محاولة لترميم العلاقات مع السوريين الذين شنوا حملة واسعة على الإبراهيمي رداً على مجموعة من المواقف اعتبروا فيها أنه خرج بها عن إطار مهمته وحيادها.

كما أبلغ الإبراهيمي الجامعة العربية أن لماني قد يصبح قناة الاتصال الأخيرة مع دمشق إذا ما رغبت، وهو على اطلاع واسع بكافة التطورات الداخلية، ولكن تكليفا عربياً لم يصدر حتى الآن بشأنه.

وكان القرار العربي في الدوحة قد أجهز على كل محاولات الحل السياسي بنظر الإبراهيمي، وأدى إلى إضعافه إزاء الأمم المتحدة، وشركائه الروس بشكل خاص. إذ أغلقت بوجهه طريق موسكو، المستاءة من الموقف العربي وانحيازه إلى خيار المعارضة المسلحة بأي ثمن. وعليه، أصبح إخراج الجامعة العربية والقطريين من حيّز الوساطة ونزع شراكتها مع الأمم المتحدة شرطاً روسياً لكي يستعيد الإبراهيمي المدد الديبلوماسي الروسي. وأصبح عسيرا عليه المضي في مهمته من دون الدعم الروسي الحيوي لبيان جنيف، ولبقائه في منصبه وهو ما خبره في تغييبه في الأشهر الأخيرة عن الملف السوري، بل وتجاهله في البيانات الدولية عنها، لاسيما بيان دول «البريكس» في جنوب أفريقيا، قبل أن يبعثه من الغيبة بيان وزراء خارجية الدول الثماني في لندن الأسبوع الماضي. كما أنه لم يُقيّض للإبراهيمي أن يلتقي أيا من وزير الخارجية سيرغي لافروف أو مساعده ميخائيل بوغدانوف، منذ كانون الثاني الماضي، وهو ما اضطره إلى مصارحة الكثيرين من الديبلوماسيين عن ضيقه بالمهمة وشعوره بالضجر، من دون أن يفكر بالتخلي عن منصبه جديا. وعانت العملية السياسية من تجميد روسي مع الأميركيين بعد أربعة اجتماعات متتالية أحيت الأمل بتفاهم عليها. وكان الروس قد أرسلوا إشارات عديدة تفصح عن تفضيلهم، العودة إلى صيغة تنزع الغطاء الدولي عن الجامعة العربية، إزاء حقيقة أن أكثر الاجتماعات المتعلقة بسورية، لم تعد تعقد في القاهرة وإنما في الخارجية القطرية مباشرة، تحت إشرافها، وأن الإبراهيمي لم يعد لاعبا مهما.

وكان الإبراهيمي قد اصطدم منذ بداية تكليفه الصيف الماضي بالمبعوثية المزدوجة بالقطريين وسيطرتهم على اللجنة الوزارية العربية الخاصة بسورية، عندما رفض استدعاء حمد بن جاسم له إلى فندق «الفصول الأربعة» في القاهرة في شبه إملاء للديبلوماسي المخضرم، الذي رد بتوجيه دعوة للاجتماع في مقر الجامعة العربية. ومنذ البداية، كان الإبراهيمي يشتبه بوجود رهان عسكري عربي وشكك لدى مقربين بوجود نوايا قطرية وعربية لاستخدامه لتمرير الوقت وفرض الوقائع على الأرض. كما اشتكى من انعقاد معظم اجتماعات الجامعة بشأن سورية في الدوحة وليس في مقر الجامعة العربية في القاهرة، بإشراف الخارجية القطرية. وهكذا كان الإبراهيمي يفضل أن يقتصر تكليفه على رسالة بان كي مون في الأمم المتحدة، فضلا عن أن دمشق نفسها، لم تأخذ على محمل الجد مبعوثيته العربية، ولم تقبل أن تستقبل مساعده ناصر القدوة المعين مبعوثا عربياً.

ويُعدّ مجرد رمي الإبراهيمي بالمبعوثية العربية جانباً صفعة للقطريين بشكل خاص، لأنه يقتصر على التخلي عن الشق العربي وحده من دون الدولي، ما يشير بوضوح إلى أن الإبراهيمي يتهم العرب بعرقلة مهمته. كما أن التوقيت الذي قام بتقديمه أربعا وعشرين ساعة على الموعد الأساسي للتقرير الذي كان عليه أن يقدمه مساء اليوم، وليس أمس، يعمق هذا الاتهام، وينزع عن الجامعة العربية شرعية تمثيل موقف عربي جامع. وقبل أيام من تقدمها أمام الجمعية العامة بطلب التصديق على قرارت الدوحة، وتسليم مقعد سورية في الأمم المتحدة لـ«الائتلاف»، يقوم مبعوثها العربي الجزائري بردّ علمها وعناوينها ورفض تمثيلها، مثيراً سجالاً مشروعاً حول حقيقة موقفها من الحل السياسي في سورية، رافعاً الغطاء عن خلافات داخل المجموعة العربية، وهيمنة محور إقليمي فيها على سياسات الجامعة وتوجهاتها على حساب المجموعات العربية الأخرى. وتعيد الاستقالة من المبعوثية العربية وحدها الإبراهيمي إلى المربع الأميركي - الروسي الأول، حيث من المنتظر أن يدفع ذلك الروس إلى مساعدته على تليين موقف دمشق منه، ودفعها إلى استقباله قريباً، وإحياء مهمته وعودته إلى العمل على خط دمشق ــ موسكو ــ واشنطن.

ويفصح قرار الإبراهيمي أيضا عن إدراك لتحول موقف الجامعة عبئا كبيرا على العملية السياسية، وان الجامعة العربية بقيادة تركية ــ قطرية ــ سعودية أصبحت جزءا من المشكلة وطرفا في الخنادق السورية، وليست جزءا من الحل أو طرفا يمكن للإبراهيمي أو غيره أن يتحمل ثقل تمثيله.

وقد تزامن خروج الإبراهيمي من عباءة الجامعة العربية، مع احتمال اندلاع أزمة تشهدها المؤسسة العربية الأكبر حول تجديد أمانتها العامة. ويقول مصدر ديبلوماسي عربي لـ«السفير» إن الأمين العام الحالي للجامعة العربية لن يكمل ولايته، وسيقوم بتقديم استقالته في الثاني والعشرين من أيار المقبل، مع قضائه عامين في الأمانة العامة. وبحسب المصدر العربي، يشعر الأمين العام أنه لم يعد قادراً على الاستمرار في تولي منصبه الحالي لأسباب صحية، وبسبب الضغوط السياسية الكبيرة التي يتعرض لها في الملف السوري وشعوره بأنه تعرض للاستغلال من قبل القطريين وغيرهم. ويبقى العربي حتى أيار لإنجاز مجموعة من الملفات من بينها ملف يتعلق بلقاء مع أوباما نهاية الشهر الحالي.

وكانت استعدادات قطرية تقضي بالقفز على موقع الأمانة العامة للجامعة العربية بمجرد استقالة العربي من منصبه. ووفق السيناريو المتفق عليه منذ العام الماضي، كانت دول الخليج قد توافقت على ترشيح عبد الرحمن العطية، وهو وزير الدولة للشؤون الخارجية القطري لخلافة العربي، ولكن الملف السوري أعاد خلط الأوراق القطرية، وخرّب حسابات الإمارة الصغيرة لتزعم أكبر منظمة إقليمية عربية في أحرج الأوقات، وهو أمر غير مسبوق في تاريخ الجامعة العربية، باستثناء ترؤس التونسي الشاذلي القليبي لها خلال الحرم العربي لمصر السادات، بعد توقيعها اتفاقية «كامب دايفيد» العام 1978.

ويقول الديبلوماسي العربي إن الخليجيين تراجعوا عن وعودهم بوضع قطر على رأس الجامعة العربية، بسبب الدعم القطري المعلن لـ«الإخوان المسلمين» واتهامها بتشكيل محور إخواني - قطري يهدّد العائلات الخليجية الحاكمة، وخروج الخلافات بشأنهم إلى العلن بين قطر والإمارات والسعودية. وبحسب السيناريو الجديد، من المنتظر أن يطرح السعوديون والإماراتيون مرشحاً مصرياً مقرباً من «الإخوان»، هو وزير الخارجية المصري الحالي محمد كامل عمرو.

  • فريق ماسة
  • 2013-04-17
  • 12053
  • من الأرشيف

خلافات خليجية تحبط مخططاً قطرياً لخطف أمانة «الجامعة»

الثأر في نيويورك لما جرى في الدوحة والقاهرة، أو الصدام بين وزير الخارجية القطري حمد بن جاسم وسياسة الاستحواذ على الجامعة العربية ومبعوثيها وبين الديبلوماسي الجزائري العتيق الأخضر الإبراهيمي والنزعة الاستقلالية. الإبراهيمي حاول التخفف من عبء تمثيل جامعة العرب وتنفس الصعداء، والاكتفاء برسالة بان كي مون إلى الرئيس السوري بشار الاسد والعواصم الأخرى للعودة بها مرة أخرى إلى العملية السياسية بعنوان وحيد ومقبول: الأخضر الإبراهيمي مبعوث الأمم المتحدة إلى سورية فحسب، من الآن فصاعداً. أما المبعوث «العربي» الإبراهيمي فإلى ركن منسي، مع صفعة ديبلوماسية لم يسبق أن وجهها مبعوث دولي من عيار الأخضر الإبراهيمي إلى الجامعة العربية. هذه الأخيرة كادت أن تتعرّض في الساعات الأخيرة، مع إدارة الديبلوماسي الجزائري المخضرم ظهره لها، إلى خسارة معنوية فادحة لم يسبق لمنظمة إقليمية بحجمها ومكانتها، دخلت بشراكة مع الأمم المتحدة، أن شهدتها. وبهذه الصفعة الاستقالة، يواجه كذلك محور الدوحة اسطنبول - الرياض والأمانة العامة للجامعة العربية الردّ العربي (القاسي) الوحيد، من دون إرادة من الإبراهيمي ربما، على تكريسه «الائتلاف» ممثلا لسورية في قمة الدوحة، من دون حسبان مخاطر موقف تكليفه (الإبراهيمي) بوساطة دولية فيما يعلن أطرافه الحرب وينحازون للخيار العسكري، ويدعون من شاء لتسليح المعارضة بينما هو يدعوها في جنيف وبرلين ولندن إلى الحوار. وبتصريح صحافي ينهي الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون أسبوعين من توقعات متضاربة حول المدى الذي سيذهب إليه الأخضر الإبراهيمي في الاحتجاج على الطعنة التي وجهها القطريون والأتراك والسعوديون والمحور الخليجي في قمة الدوحة لمبعوثيته العربية والدولية، وما إذا كان سيلقي بعيداً عن كاهليه بشقي المهمة الدولي والعربي معاً أو يرجح الدولي منهما إذا ما قرر البقاء. فمنذ اعتراف الجامعة العربية بـ«حكومة الائتلاف» أضحى صعباً على الإبراهيمي الجمع بين المبعوثية العربية والأممية، لأنه من غير الممكن مبدئياً، الجمع بين العمل على قيام حكومة انتقالية كما تنص مرجعية جنيف، وبين تمثيل مجموعة كالجامعة العربية تقيم وتؤيد «حكومة مؤقتة» تسيطر على قسم من سورية، وتعارض في السياسة والتسليح حلّ الحكومة الإنتقالية الذي كلفته الأمم المتحدة وضعه حيّز التنفيذ. وحتى مساء أمس حاول بان كي مون إعادة ساعة الإبراهيمي إلى الوراء، مؤكداً التسريبات عن نية الإبراهيمي التخلي عن مبعوثيته العربية ورافضاً في الوقت ذاته فصم الشراكة بين الجامعة العربية والأمم المتحدة في سورية، متمثلة حتى الساعة بمهمة الإبراهيمي. ووصف بان كي مون فكرة تخلي الإبراهيمي عن المبعوثية العربية والبقاء مبعوثاً أممياً حصرياً بالقول إن الإبراهيمي كان وسيبقى ممثلاً خاصاً ومشتركاً للجامعة والأمم المتحدة. وكانت الأمم المتحدة قد بدأت في العقد الأخير سياسة شراكة ديبلوماسية مع المنظمات الإقليمية كالجامعة العربية والاتحاد الإفريقي ومجلس التعاون الخليجي لحل الأزمات في دارفور والصومال واليمن ومالي وغيرها، وتشكل مبادرة الإبراهيمي في سياقها نكسة كبيرة. ولكنه من غير المستبعد أن يلجأ الابراهيمي إلى الإستقالة كلياً، بسبب المرارة الكبيرة التي يعانيها جراء المواقف القطرية بشكل خاص، كما أنه ليس من المستبعد أن تفضل الأمم المتحدة الإبقاء على شراكتها مع الجامعة العربية والطلاق مع الإبراهيمي مع قناعة أممية أن الجامعة العربية تعطل العمل الأممي، وهي قناعة تدعمها روسيا بشكل خاص. ويُذكر أن اسم مدير مكتبه الدمشقي مختار لماني، وهو ديبلوماسي مغربي محترف، بات يطرح في الساعات الأخيرة لخلافته إذا ما قرر الإبراهيمي الذهاب حتى النهاية، ولم يستطع الاحتفاظ بالمبعوثية الأممية كما يرغب. ورفض الإبراهيمي محاولات قام بها الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي لثنيه عن قراره الاستقالة من مبعوثيته العربية في الساعات الأخيرة، تخللها نفي أن يكون العربي قد تلقى أي استقالة من الإبراهيمي. وقال مصدر ديبلوماسي عربي لـ«السفير» إن الإبراهيمي جاء إلى القاهرة وأبلغ الجامعة العربية بعد مؤتمر الدوحة مباشرة رغبته بالتخلي عن تكليفه بمبعوثية الجامعة العربية للتفرغ للعمل للأمم المتحدة. وأبلغ الإبراهيمي العربي أنه يقوم بذلك بعد تشاوره مع الأمين العام للأمم المتحدة، ما يعني أن الأمانة العامة للأمم المتحدة كانت تشاطره الرأي في تعطيل الموقف العربي، من الآن فصاعداً، للمهمة الدولية. وقال المصدر العربي إن «الإبراهيمي بات يدرك أن الأمين العام للجامعة العربية رجل ضعيف، لا يمكن التعويل عليه، وقد أصبح دمية بيد القطريين الذين يستخدمونه لتنفيذ سياستهم السورية في الجامعة العربية وهو عاجز عن مقاومة طلباتهم». وفي السادس من نيسان الماضي، عاد مبعوث الإبراهيمي إلى دمشق مختار لماني، عبر بيروت، في زيارة هي الأخيرة للقاء المسؤولين السوريين بعدما كان مكتبه قد أغلق لأسباب أمنية أسابيع مضت. ويبدو أن السوريين كانوا على اطلاع باتجاه الإبراهيمي إلى إحياء مهمته بالتخلي عن حقيبته العربية، وقد شكلت الزيارة محاولة لترميم العلاقات مع السوريين الذين شنوا حملة واسعة على الإبراهيمي رداً على مجموعة من المواقف اعتبروا فيها أنه خرج بها عن إطار مهمته وحيادها. كما أبلغ الإبراهيمي الجامعة العربية أن لماني قد يصبح قناة الاتصال الأخيرة مع دمشق إذا ما رغبت، وهو على اطلاع واسع بكافة التطورات الداخلية، ولكن تكليفا عربياً لم يصدر حتى الآن بشأنه. وكان القرار العربي في الدوحة قد أجهز على كل محاولات الحل السياسي بنظر الإبراهيمي، وأدى إلى إضعافه إزاء الأمم المتحدة، وشركائه الروس بشكل خاص. إذ أغلقت بوجهه طريق موسكو، المستاءة من الموقف العربي وانحيازه إلى خيار المعارضة المسلحة بأي ثمن. وعليه، أصبح إخراج الجامعة العربية والقطريين من حيّز الوساطة ونزع شراكتها مع الأمم المتحدة شرطاً روسياً لكي يستعيد الإبراهيمي المدد الديبلوماسي الروسي. وأصبح عسيرا عليه المضي في مهمته من دون الدعم الروسي الحيوي لبيان جنيف، ولبقائه في منصبه وهو ما خبره في تغييبه في الأشهر الأخيرة عن الملف السوري، بل وتجاهله في البيانات الدولية عنها، لاسيما بيان دول «البريكس» في جنوب أفريقيا، قبل أن يبعثه من الغيبة بيان وزراء خارجية الدول الثماني في لندن الأسبوع الماضي. كما أنه لم يُقيّض للإبراهيمي أن يلتقي أيا من وزير الخارجية سيرغي لافروف أو مساعده ميخائيل بوغدانوف، منذ كانون الثاني الماضي، وهو ما اضطره إلى مصارحة الكثيرين من الديبلوماسيين عن ضيقه بالمهمة وشعوره بالضجر، من دون أن يفكر بالتخلي عن منصبه جديا. وعانت العملية السياسية من تجميد روسي مع الأميركيين بعد أربعة اجتماعات متتالية أحيت الأمل بتفاهم عليها. وكان الروس قد أرسلوا إشارات عديدة تفصح عن تفضيلهم، العودة إلى صيغة تنزع الغطاء الدولي عن الجامعة العربية، إزاء حقيقة أن أكثر الاجتماعات المتعلقة بسورية، لم تعد تعقد في القاهرة وإنما في الخارجية القطرية مباشرة، تحت إشرافها، وأن الإبراهيمي لم يعد لاعبا مهما. وكان الإبراهيمي قد اصطدم منذ بداية تكليفه الصيف الماضي بالمبعوثية المزدوجة بالقطريين وسيطرتهم على اللجنة الوزارية العربية الخاصة بسورية، عندما رفض استدعاء حمد بن جاسم له إلى فندق «الفصول الأربعة» في القاهرة في شبه إملاء للديبلوماسي المخضرم، الذي رد بتوجيه دعوة للاجتماع في مقر الجامعة العربية. ومنذ البداية، كان الإبراهيمي يشتبه بوجود رهان عسكري عربي وشكك لدى مقربين بوجود نوايا قطرية وعربية لاستخدامه لتمرير الوقت وفرض الوقائع على الأرض. كما اشتكى من انعقاد معظم اجتماعات الجامعة بشأن سورية في الدوحة وليس في مقر الجامعة العربية في القاهرة، بإشراف الخارجية القطرية. وهكذا كان الإبراهيمي يفضل أن يقتصر تكليفه على رسالة بان كي مون في الأمم المتحدة، فضلا عن أن دمشق نفسها، لم تأخذ على محمل الجد مبعوثيته العربية، ولم تقبل أن تستقبل مساعده ناصر القدوة المعين مبعوثا عربياً. ويُعدّ مجرد رمي الإبراهيمي بالمبعوثية العربية جانباً صفعة للقطريين بشكل خاص، لأنه يقتصر على التخلي عن الشق العربي وحده من دون الدولي، ما يشير بوضوح إلى أن الإبراهيمي يتهم العرب بعرقلة مهمته. كما أن التوقيت الذي قام بتقديمه أربعا وعشرين ساعة على الموعد الأساسي للتقرير الذي كان عليه أن يقدمه مساء اليوم، وليس أمس، يعمق هذا الاتهام، وينزع عن الجامعة العربية شرعية تمثيل موقف عربي جامع. وقبل أيام من تقدمها أمام الجمعية العامة بطلب التصديق على قرارت الدوحة، وتسليم مقعد سورية في الأمم المتحدة لـ«الائتلاف»، يقوم مبعوثها العربي الجزائري بردّ علمها وعناوينها ورفض تمثيلها، مثيراً سجالاً مشروعاً حول حقيقة موقفها من الحل السياسي في سورية، رافعاً الغطاء عن خلافات داخل المجموعة العربية، وهيمنة محور إقليمي فيها على سياسات الجامعة وتوجهاتها على حساب المجموعات العربية الأخرى. وتعيد الاستقالة من المبعوثية العربية وحدها الإبراهيمي إلى المربع الأميركي - الروسي الأول، حيث من المنتظر أن يدفع ذلك الروس إلى مساعدته على تليين موقف دمشق منه، ودفعها إلى استقباله قريباً، وإحياء مهمته وعودته إلى العمل على خط دمشق ــ موسكو ــ واشنطن. ويفصح قرار الإبراهيمي أيضا عن إدراك لتحول موقف الجامعة عبئا كبيرا على العملية السياسية، وان الجامعة العربية بقيادة تركية ــ قطرية ــ سعودية أصبحت جزءا من المشكلة وطرفا في الخنادق السورية، وليست جزءا من الحل أو طرفا يمكن للإبراهيمي أو غيره أن يتحمل ثقل تمثيله. وقد تزامن خروج الإبراهيمي من عباءة الجامعة العربية، مع احتمال اندلاع أزمة تشهدها المؤسسة العربية الأكبر حول تجديد أمانتها العامة. ويقول مصدر ديبلوماسي عربي لـ«السفير» إن الأمين العام الحالي للجامعة العربية لن يكمل ولايته، وسيقوم بتقديم استقالته في الثاني والعشرين من أيار المقبل، مع قضائه عامين في الأمانة العامة. وبحسب المصدر العربي، يشعر الأمين العام أنه لم يعد قادراً على الاستمرار في تولي منصبه الحالي لأسباب صحية، وبسبب الضغوط السياسية الكبيرة التي يتعرض لها في الملف السوري وشعوره بأنه تعرض للاستغلال من قبل القطريين وغيرهم. ويبقى العربي حتى أيار لإنجاز مجموعة من الملفات من بينها ملف يتعلق بلقاء مع أوباما نهاية الشهر الحالي. وكانت استعدادات قطرية تقضي بالقفز على موقع الأمانة العامة للجامعة العربية بمجرد استقالة العربي من منصبه. ووفق السيناريو المتفق عليه منذ العام الماضي، كانت دول الخليج قد توافقت على ترشيح عبد الرحمن العطية، وهو وزير الدولة للشؤون الخارجية القطري لخلافة العربي، ولكن الملف السوري أعاد خلط الأوراق القطرية، وخرّب حسابات الإمارة الصغيرة لتزعم أكبر منظمة إقليمية عربية في أحرج الأوقات، وهو أمر غير مسبوق في تاريخ الجامعة العربية، باستثناء ترؤس التونسي الشاذلي القليبي لها خلال الحرم العربي لمصر السادات، بعد توقيعها اتفاقية «كامب دايفيد» العام 1978. ويقول الديبلوماسي العربي إن الخليجيين تراجعوا عن وعودهم بوضع قطر على رأس الجامعة العربية، بسبب الدعم القطري المعلن لـ«الإخوان المسلمين» واتهامها بتشكيل محور إخواني - قطري يهدّد العائلات الخليجية الحاكمة، وخروج الخلافات بشأنهم إلى العلن بين قطر والإمارات والسعودية. وبحسب السيناريو الجديد، من المنتظر أن يطرح السعوديون والإماراتيون مرشحاً مصرياً مقرباً من «الإخوان»، هو وزير الخارجية المصري الحالي محمد كامل عمرو.

المصدر : السفير/محمد بلوط


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة