دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
لا خيار للحرب في سوريا سوى استمرار النزاع المسلح من اجل ان يكسب احد، اي احد، مكسباً صغيراً او كبيراً قبل مرور وقت طويل. رسم الغرب خطوط تماس وتخلى الى امد غير محدد عن التسوية السياسية. لم يعد الخلاف على النظام، بل بين الحلفاء على سبل دعم معارضيه المسلحين
أجرى ديبلوماسي غربي بارز تقويماً للحرب في سوريا مع تصاعد وتيرة العنف بين النظام ومعارضيه، والسباق على التسلّح بين الأفرقاء الدوليين الذين يدعمون طرفي الاقتتال الداخلي، وباتوا يمثلون مظلة استمراره. في ظلّ غيبوبة شبه كاملة للجهود الديبلوماسية، واقتناع الأفرقاء الدوليين من الجانبين بضرورة التوصّل إلى موازين قوى عسكرية جديدة من شأنها المساعدة على معاودة البحث في التسوية السياسية، بدا ان الشقين غارقان في مأزق حقيقي: لا الحلّ العسكري يحرز تقدّماً فعلياً لأحد الطرفين على حساب الآخر كي يرغمه على الذهاب الى التفاوض، ولا جهود التسوية قادرة على احداث اختراق جدّي يُشعرهما بالانهاك الكامل. اضحت حرب سوريا خطوط تماس دولية واقليمية اكثر منها داخلية من جراء النزاع الضاري في كل مكان، .
تشير الانطباعات هذه التي أوردها الديبلوماسي الغربي البارز الى ان احداً لا يبحث في انهاء الحرب في سوريا، ولا كذلك في جدوى ممارسة ضغوط لحمل الرئيس بشار الاسد على التنحي، ولا تمكين المعارضة من تقويض الحكم والانتصار.
ويسرد الديبلوماسي الغربي ملاحظات تعزّز اعتقاده بأن الحرب السورية لم تدخل النظام ومعارضيه وحدهما في المأزق، بل ايضاً المجتمع الغربي، وقد تجاذبته مقاربات متناقضة حيال ما يجري هناك:
1 ــــ الخلاف الفرنسي ــــ البريطاني مع دول الاتحاد الاوروبي حيال قرار حظر السلاح على سوريا، يطالب البلدان بانهائه وفتح الباب امام مدّ المعارضة باسلحة متطورة. لم توافق الدول الاعضاء الاخرى التي لا تزال تمثل الاكثرية في الاتحاد على رفع جزئي للحظر يقتصر على السلاح، وقد تعيد تأكيد موقفها المعارض لباريس ولندن في اجتماع وزراء خارجية دول الاتحاد الاوروبي الشهر المقبل. وتستند هذه الغالبية، وخصوصاً المانيا، الى وجهة نظر تصر على عدم التدخّل في احداث سوريا، وترى انه غير مفيد وغير مأمون الجانب. ويغالي هؤلاء بتمسكهم برفض رفع الحظر بالقول ــــ تبعاً للديبلوماسي الغربي ــــ ان رفع الحظر عن السلاح يقتضي ان يكون من ضمن خطة اوسع نطاقاً هي الرفع الشامل للحظر عن سوريا بما في ذلك العقوبات المفروضة على نظامها. ويلوحون تالياً بأن كسر الفرنسيين والبريطانيين القرار الاوروبي بالحظر سيؤدي حكماً الى التخلي عنه من جوانبه المختلفة بلا استثناء.
2 ــــ ان حماسة باريس ولندن لارسال اسلحة الى المعارضة السورية تعكس في احد مظاهرها دعم الموقفين السعودي والقطري بتمويل المعارضة ومدها بالسلاح. وقد لا يكون جلياً تماماً، ما خلا مواقف معلنة ابرزها ما ذكره البارحة وزير الخارجية البريطانية وليم هيغ بتزويد المعارضة اسلحة غير قتالية، ان قراري العاصمتين ذاهبان حتماً الى التورّط غير المباشر في الحرب السورية. الا انهما يرميان ايضاً الى اقناع وزير الخارجية الاميركي جون كيري بانضمام واشنطن اليهما.
3 ــــ لا يزال البيت الابيض يرفض مد المعارضة السورية بالسلاح، او توجيه اي اشارات دالة على تدخل في الحرب السورية، ويلاحظ ان كل الخيارات المتداولة لاخراج هذا البلد من حربه «لا تزال سيئة». الامر الذي آل الى تكليف البيت الابيض وزارة الخارجية اقتراح حلول «اقل سوءاً»، وتؤدي الى النتائج المتوخاة واخصّها اخراج الاسد من السلطة.
وفي رأي الديبلوماسي الغربي ان دون التوصل الى «الخيار الاقل سوءاً» عقبات شتى:
اولها، ضعف الاستخبارات الاميركية في سوريا، وتعذّر وصولها الى المعلومات الحقيقية لمسار الاحداث وموازين القوى، والمقدرة على التحرك.
ثانيها، لم تتحضّر الخارجية الاميركية في ظل كيري، وزيرها الجديد، تماماً لملفاتها، خصوصاً انها لا تزال في مرحلة انتقالية ولم يملأ كيري بعد المناصب بموظفي الولاية الثانية للرئيس باراك اوباما. فاذا معظم دوائر وزارته وخصوصاً دائرة الشرق الاوسط يشغلها مراكزها الرئيسية القائمون باعمالها.
ثالثها، ان الكابوس العراقي لا يزال يلقي بثقله على الموقف الاميركي من احداث سوريا. لا تزال تداعيات التدخل العسكري الاميركي في العراق تقود كل تفكير اميركي لما يتعيّن على الادارة القيام به في بلد شرق اوسطي، وخصوصاً بازاء تدخل عسكري مباشر، بما في ذلك وبأولوية متقدمة سوريا. خرجت الولايات المتحدة من حربها مع العراق بخسارتين فادحتين سيمر وقت طويل قبل التخلص من نتائجهما عليها، وعلى المجتمع الاميركي ايضاً: خسارة مالية بتكبدها الفي مليار دولار هي كلفة الحرب تلك في معزل عن ضحايا الجيش، وخسارة سياسية وديبلوماسية هي وضع العراق بين ايدي ايران.
رابعها، لا يقلل التحفظ الاميركي عن تزويد المعارضة السورية السلاح من اعتقاد موظفين كبار في الخارجية بأن نظام الرئيس السوري سيسقط حتماً. يقول هؤلاء، وفق ما يورده الديبلوماسي الغربي، ان واشنطن لم تعد تعدّ الايام في انتظار سقوط الاسد وأوقفت عدّاداتها، ولم تعد ترى نفعاً لاشهر خلت لوضع اكثر من روزنامة تلو اخرى تنبئ بانهيار وشيك لنظامه. الا انه سيسقط في كل حال.
4 ــــ خلافاً لاعتقاد شائع بأن الموقف من سوريا واستعجال اسقاط نظام الاسد وراء المصالحة التركية ــــ الاسرائيلية، يعزو الديبلوماسي الغربي الغاية منها الى حاجة تركيا الى قطع غيار لطائراتها المتطورة، المصنعة في الولايات المتحدة، لا تستطيع الحصول عليها بلا موافقة مجلس الشيوخ، وفي احسن الاحوال عدم اعتراضه على تزويدها هذا العتاد. الامر الذي يحتّم ثمناً سياسياً مكلفاً لتركيا يحمل مجلس الشيوخ ــــ الواقع تحت تأثير اللوبي الاسرائيلي ــــ على التخلي عن تحفظه. وهو انهاء القطيعة التركية ــــ الاسرائيلية المستمرة منذ حرب غزة الاولى عام 2007.
5 ــــ لا تزال الاولوية غير المتنازع عليها للسعودية رؤيتها سقوط نظام الاسد، ومن خلاله كسر "الهلال الشيعي" الذي يمتد من ايران مروراً بالعراق وسوريا وصولا الى لبنان. وهما الحقيقتان الوحيدتان اللتان يتصرّف السعوديون، يقول الديبلوماسي الغربي، على أنهما غير قابلتين للمساومة ولا التخلي عنهما. لكن ثمّة حقيقة ثالثة تتفادى المملكة خوض غمارها علناً، هي عدم رغبتها في رؤية الاخوان المسلمين يحكمون سوريا على نحو مماثل لاستيائها من حكم هؤلاء مصر وتونس في الوقت الحاضر. ويتحدث الديبلوماسي الغربي عن رفض الرياض طلباً اميركياً بتقديم مساعدة مالية لمصر بسبب سيطرة الاخوان المسلمين عليها. الامر الذي يضعها على طرف نقيض مع قطر التي تدعم، على صورة مكمّلة لتركيا المجرّبة، تمدّد الاخوان المسلمين الى حكم الدول التي تسقط انظمتها، شأن تأييدها حكمهم مصر بعد تونس، وكذلك تزويدهم امكانات غير مشروطة للحلول محل الاسد على رأس النظام في سوريا، وتمكين هذا الحزب من السيطرة على المعارضة السورية وخصوصاً الائتلاف المعارض.
يعكس الموقف السلبي للمملكة من الاخوان المسلمين تناقضاً بينها وبين قطر، حليفتها في مناوأة نظام الاسد ودعم معارضيه لاسقاطه. لم يتردد المسؤولون السعوديون في ابداء امتعاضهم من الطريقة التي اتبعتها قطر في دعوة رئيس الحكومة السورية الموقتة التابعة للمعارضة المسلحة غسان هيتو الى القمة العربية في الدوحة الشهر الماضي. لم يشأ السعوديون يومذاك افتعال ضجة ما دامت الرياض تعتبر اسقاط الاسد أولويتها المطلقة.
المصدر :
الاخبار \نقولا ناصيف
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة