لا شيء يبرر أن تتحوَّل جامعة الدول العربية إلى مكتب ملحق بوزارة الخارجية القطرية، أو دائرة تصديق على الأحلام الإمبراطورية لحاكم قطر، وهو الذي يتباهى بأنه قدّم أرض شبه جزيرته لأكبر قاعدة عسكرية أميركية، واستقبل مكتب تمثيل لدولة العدو الإسرائيلي لم يعد ممكناً التغاضي عن الاعتلال الخطير الذي أصاب العلاقة بين العرب الفقراء، وهم الأكثرية الساحقة من الأمة، والعرب الأغنياء، وهم الأقلية عددياً، وإن كانوا قد غدوا الأوسع نفوذاً وتأثيراً.

خطورة هذا الانقسام انه يشطر الأمة بين أقلية متحكمة متجاوزة أهليتها للقيادة، وبين أكثرية تمنعها حاجتها من إعلان موقف، لذا فهي تعتصم بالصمت وتتلطى في غياهب اللا قرار، خوفاً من كلفة الاعتراض ومن ثم المواجهة التي ترى أنها لا تقدر عليها.

ولقد قدمت القمة العربية الأخيرة في الدوحة نموذجاً خطيراً عن تحكم دولة صغيرة جداً في «القرار العربي»…

اندفعت قطر في القمة، كما الصاروخ، نحو موقع القيادة المتحكمة بالقرار، مفيدة من غياب الدول المؤهلة – بالتكوين والتاريخ – في غياهب أزمات الثورات التي تفجرت في بعضها ثم عجزت عن صياغة النظام الجديد، أو في دهليز مخاوف الأنظمة الأخرى من ثورات في الطريق، بما يغيبها عن مركز القرار.

وما حصل في القمة الأخيرة في الدوحة ليس إلا حفل التتويج لما كان تم الإعداد له مسبقاً، بحيث يمكن القول إن القمة قد انتهت مع اخذ الصورة التذكارية للافتتاح… لأن الإدارة القطرية كانت قد حضرت القرارات و«الأجواء الملائمة» بحيث لم يُسمع صوت رافض أو معترض، وإن كانت أقلية معدودة ربما لا تتجاوز الدولتين أو الثلاث، قد أظهرت شيئاً من التحفظ، ممتنعة عن الرفض حرصاً على صورة الإجماع… والمكافآت ...

 

صارت قطر «دولة عظمى»، بحيث يمتنع شيخها عن استقبال الرؤساء وحتى الملوك الذين استدعاهم إلى قمته… فلا هو كان حاضراً في المطار عند وصول الرئيس المصري، ولا عند وصول ولي العهد السعودي، واضعاً نفسه في مرتبة أعلى من رئيس أكبر دولة عربية ومن «الدولة» العريقة والوحيدة في شبه الجزيرة العربية.

وإذا كان «فقر» مصر قد أغرى بها الشـيخ حمد، فإن غنى المملكة السعودية كان يفترض أن يردعه، فبماذا تراه استقوى حتى غاب عن استقبال «الكبيرين»؟

هل هو التفويض الأجنبي أم هو عجز الأطراف العربية الأخرى التي كانت كلمتها هي العليا في أي قرار يحمل أختام جامعة الدول العربية؟ ثم أين هي هذه الجامعة التي باتت أختامها مشاعاً، يصادرها صاحب الثروة فيمهر بها ما يناسب مصالحه من القرارات، ويهمل ما عداها بغير خوف من الحساب؟

إن هذه الوقائع النافرة في دلالاتها تطرح، مجدداً، طبيعة العلاقة بين دول فقراء العرب، بعراقتها وجدارتها بالدور القيادي، ودول الأغنياء من الملوك والأمراء والشيوخ الذين يلعب بعضهم دوراً إمبراطورياً، لا يردعه عنه أحد، وقد ينافقه فيه كثيرون.

يتصل بذلك أن التعابير المؤكدة للهوية العربية للدول والأحزاب والقوى السياسية والنخب الثقافية، التي كانت «العروبة» شعارها ومصدر الفخر بالانتماء إلى الأمة الواحدة، قد أخذت تختفي تدريجياً من اللغة السياسية ومن مواقف الدول المعنية، ما وسع في مساحة التخلي عن الهوية والمسؤولية القومية للدول الصغرى.

وإذا كانت إمارات الخليج قد استغنت عن الهوية الجامعة مكتفية بالأسماء المذهبة لشيوخها، قافزة من فوق ماضيها حين كان أهلها البسطاء يجاهدون للتغلب على ظروف حياتهم القاسية، فإن «العالم» قد رحب بها اشد الترحيب وكلٌ منها تستقل عن الأخرى، والكل يستقلون عن «العرب» استقلالاً يكاد ينقلب إلى انفصال تام، بل انه اخذ يتحول إلى شيء من «العداء».

ربما لم يعد مفيداً التذكير بالماضي… لكن الذين قدر لهم أن يعملوا في تلك الأقطار، في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات وحتى التسعينيات، يستذكرون أن أهل الخليج عموماً، وشيوخهم الذين كانوا يفاخرون، بعد، بتحمل آبائهم وأجدادهم ضنك العيش في صحراء قاحلة وبحر غدار، لم يخرجوا من عروبتهم وعليها بل كانوا يعتزون بانتمائهم ويهتمون بتوكيده عبر توطيد علاقاتهم بإخوتهم، مفترضين أن مكانتهم بين دول العالم تتأكد من خلال عروبتهم وليس بالتضاد معها أو التبرؤ منها.وعلى سبيل المثال، لا الحصر، فإن اسم الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، أول رئيس للدولة التي جمعت أشتات مشيخات «ساحل عمان» المتصالحة في دولة الإمارات العربية المتحدة، يطالعك حيثما تجولت في هذه الأرض العربية الواسعة، مشرقاً ومغرباً… فهو قد بنى مدناً، أو ساهم في بناء مدن أو مرافق حيوية في مختلف البلاد العربية، مشرقاً ومغرباً، ودعم المجهود الحربي للدول التي واجهت العدو الإسرائيلي، بصمت، ومن دون «عراضات» ومهرجانات نفاق وتزلف رخيصة.

 

في مصر، كما في سوريا، في السودان كما في تونس، في المغرب كما في اليمن، ولا سيما في اليمن التي يعتز أهلها بأن قبيلة بني ياس التي يعود إليها أجداد الشيخ زايد هي يمنية بامتياز، تجد منشآت وإنجازات ومشاريع تنمية جدية تحمل دمغة «زايد الخير»، من دون تمنين ومباهاة قد تمس كرامة من تلقى العون.

ولقد قدم الشيخ زايد، بإرادته وبعمق انتمائه العربي، وجوه دعم سخية للمجهود الحربي لكل من مصر وسوريا في حرب رمضان ـ تشرين 1973.

ويذكر السوريون، على سبيل المثال، أن الشيخ زايد أوفد من اشترى مولدات كهربائية عملاقة وحملها إلى سوريا بالطائرات، بعدما دمر الطيران الحربي للعدو الإسرائيلي محطات توليد الكـهرباء في حمـص ومناطــق أخــرى. ولم يــترك شعـب سوريا، الذي قدم التضحيات الغوالي، يغرق في الظلام، انتظاراً لوفود تجيء مستعطية مساعداته… كذلك فإن دولة الإمارات اشترت مجموعة من طائرات الركاب الحديثة لحساب سوريا، تعويضاً عن طائراتها المدنية التي دمرها القصف الإسرائيلي.

وفي اليمن يبرز سد مأرب، الذي أعيد بناؤه في موقعه التاريخي ذاته، بفضل المساعدات السخية التي قدمها «ابن اليمن البار» الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان.

أما في مصر، فإن ثمة مدناً أنشئت بتمويل من دولة الإمارات، وبعضها يحمل اسم الشيخ زايد، الذي لم يطلب مثل هذا الامتياز، ولا حاول توظيف هذا العون الأخوي من أجل مصادرة قرار مصر، ولا هو منَّ على شعب مصر، أو أي من الشعوب الأخرى التي مد يد المساعدة اليها، خاصة في حال الشدة، كما في مواجهة العدوان الإسرائيلي، أو في مواجهة الفقر، أو نقص الموارد في تلبية متطلبات الشعوب العربية في مختلف الأقطار.

كذلك فإن الكويت قد أسهمت في تنفيذ العديد من المشروعات الإنمائية الحيوية في أكثر من بلد عربي… فساعدت في بناء الجامعات والمدارس والمستشفيات والعديد من المرافق، كما أنها أسهمت في المجهود الحربي لكل من مصر وسوريا في مواجهة العدو الإسرائيلي…

لم يطلب الشيخ زايد دور القيادة لنفسه أو لدولته الغنية على صغر حجمها، ولم ينصّب نفسه ولي أمر العرب في السلم والحرب… ولا هو فوض نفسه بأن ينوب عن الفلسطينيين في «مفاوضة» العدو الإسرائيلي، ولا هو تبرع بالاعتراف بالعدو وأقام مكتباً لتمثيل إسرائيل في الدوحة (غير بعيد عن موقع اجتماع القمة العربية التي يبدو أنها قد اتخذت من عاصمة قطر العظمى بديلاً من قاهرة المعز).

بل إن المملكة العربية السعودية، وهي الدولة – القارة مساحة وذات المدخول الخرافي من نفطها، تحاذر في لعب دورها السياسي أن تتبدى «متحكمة» أو «متعنتة»، وتحاول تسويق ما ترغب في الوصول إليه من قرارات تمس القضية العربية المقدسة، فلسطين، أو تتصل بالشأن القومي، عموماً، عن طريق الإقناع والحجة… حتى لو كانت الحجة الاعتذار بضعف الموقف العربي في مواجهة العدو الإسرائيلي ومن يدعمه دولياً.

لقد خسر العرب مكانتهم الدولية، لافتراق صفوفهم، كما لسيطرة أنظمة الطغيان على العديد من مواقع القرار في الدول العربية ذات الدور التاريخي والأهمية الإستراتيجية والقدرات الشعبية المعطلة أو المضيعة أو المقموعة.

وبالتأكيد فإن قطر «ذات الحمدين» تفيد من هذه المرحلة الانتقالية وغياب الأصيل عن موقع القيادة والقرار، فتصادرهما معاً.

على أن هذه الوقائع جميعاً لا تبرر أن تتحول جامعة الدول العربية إلى مكتب ملحق بوزارة خارجية الشيخ حمد، أو دائرة تصديق على الأحلام الإمبراطورية لحاكم هذه الدولة الصغيرة الذي يتباهى بأنه قدّم أرض شبه جزيرته لأكبر قاعدة عسكرية أميركية في المنطقة، كما استقبل مكتب تمثيل لدولة العدو الإسرائيلي.

… في انتظار أن تعود مصر إلى وعيها والى دورها، وكذلك سائر الدول العربية، فتعود كل دولة إلى حجمها الطبيعي.

  • فريق ماسة
  • 2013-04-16
  • 13035
  • من الأرشيف

من زايد إلى حمد : قطر تقرر للعرب في غيابهم

لا شيء يبرر أن تتحوَّل جامعة الدول العربية إلى مكتب ملحق بوزارة الخارجية القطرية، أو دائرة تصديق على الأحلام الإمبراطورية لحاكم قطر، وهو الذي يتباهى بأنه قدّم أرض شبه جزيرته لأكبر قاعدة عسكرية أميركية، واستقبل مكتب تمثيل لدولة العدو الإسرائيلي لم يعد ممكناً التغاضي عن الاعتلال الخطير الذي أصاب العلاقة بين العرب الفقراء، وهم الأكثرية الساحقة من الأمة، والعرب الأغنياء، وهم الأقلية عددياً، وإن كانوا قد غدوا الأوسع نفوذاً وتأثيراً. خطورة هذا الانقسام انه يشطر الأمة بين أقلية متحكمة متجاوزة أهليتها للقيادة، وبين أكثرية تمنعها حاجتها من إعلان موقف، لذا فهي تعتصم بالصمت وتتلطى في غياهب اللا قرار، خوفاً من كلفة الاعتراض ومن ثم المواجهة التي ترى أنها لا تقدر عليها. ولقد قدمت القمة العربية الأخيرة في الدوحة نموذجاً خطيراً عن تحكم دولة صغيرة جداً في «القرار العربي»… اندفعت قطر في القمة، كما الصاروخ، نحو موقع القيادة المتحكمة بالقرار، مفيدة من غياب الدول المؤهلة – بالتكوين والتاريخ – في غياهب أزمات الثورات التي تفجرت في بعضها ثم عجزت عن صياغة النظام الجديد، أو في دهليز مخاوف الأنظمة الأخرى من ثورات في الطريق، بما يغيبها عن مركز القرار. وما حصل في القمة الأخيرة في الدوحة ليس إلا حفل التتويج لما كان تم الإعداد له مسبقاً، بحيث يمكن القول إن القمة قد انتهت مع اخذ الصورة التذكارية للافتتاح… لأن الإدارة القطرية كانت قد حضرت القرارات و«الأجواء الملائمة» بحيث لم يُسمع صوت رافض أو معترض، وإن كانت أقلية معدودة ربما لا تتجاوز الدولتين أو الثلاث، قد أظهرت شيئاً من التحفظ، ممتنعة عن الرفض حرصاً على صورة الإجماع… والمكافآت ...   صارت قطر «دولة عظمى»، بحيث يمتنع شيخها عن استقبال الرؤساء وحتى الملوك الذين استدعاهم إلى قمته… فلا هو كان حاضراً في المطار عند وصول الرئيس المصري، ولا عند وصول ولي العهد السعودي، واضعاً نفسه في مرتبة أعلى من رئيس أكبر دولة عربية ومن «الدولة» العريقة والوحيدة في شبه الجزيرة العربية. وإذا كان «فقر» مصر قد أغرى بها الشـيخ حمد، فإن غنى المملكة السعودية كان يفترض أن يردعه، فبماذا تراه استقوى حتى غاب عن استقبال «الكبيرين»؟ هل هو التفويض الأجنبي أم هو عجز الأطراف العربية الأخرى التي كانت كلمتها هي العليا في أي قرار يحمل أختام جامعة الدول العربية؟ ثم أين هي هذه الجامعة التي باتت أختامها مشاعاً، يصادرها صاحب الثروة فيمهر بها ما يناسب مصالحه من القرارات، ويهمل ما عداها بغير خوف من الحساب؟ إن هذه الوقائع النافرة في دلالاتها تطرح، مجدداً، طبيعة العلاقة بين دول فقراء العرب، بعراقتها وجدارتها بالدور القيادي، ودول الأغنياء من الملوك والأمراء والشيوخ الذين يلعب بعضهم دوراً إمبراطورياً، لا يردعه عنه أحد، وقد ينافقه فيه كثيرون. يتصل بذلك أن التعابير المؤكدة للهوية العربية للدول والأحزاب والقوى السياسية والنخب الثقافية، التي كانت «العروبة» شعارها ومصدر الفخر بالانتماء إلى الأمة الواحدة، قد أخذت تختفي تدريجياً من اللغة السياسية ومن مواقف الدول المعنية، ما وسع في مساحة التخلي عن الهوية والمسؤولية القومية للدول الصغرى. وإذا كانت إمارات الخليج قد استغنت عن الهوية الجامعة مكتفية بالأسماء المذهبة لشيوخها، قافزة من فوق ماضيها حين كان أهلها البسطاء يجاهدون للتغلب على ظروف حياتهم القاسية، فإن «العالم» قد رحب بها اشد الترحيب وكلٌ منها تستقل عن الأخرى، والكل يستقلون عن «العرب» استقلالاً يكاد ينقلب إلى انفصال تام، بل انه اخذ يتحول إلى شيء من «العداء». ربما لم يعد مفيداً التذكير بالماضي… لكن الذين قدر لهم أن يعملوا في تلك الأقطار، في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات وحتى التسعينيات، يستذكرون أن أهل الخليج عموماً، وشيوخهم الذين كانوا يفاخرون، بعد، بتحمل آبائهم وأجدادهم ضنك العيش في صحراء قاحلة وبحر غدار، لم يخرجوا من عروبتهم وعليها بل كانوا يعتزون بانتمائهم ويهتمون بتوكيده عبر توطيد علاقاتهم بإخوتهم، مفترضين أن مكانتهم بين دول العالم تتأكد من خلال عروبتهم وليس بالتضاد معها أو التبرؤ منها.وعلى سبيل المثال، لا الحصر، فإن اسم الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، أول رئيس للدولة التي جمعت أشتات مشيخات «ساحل عمان» المتصالحة في دولة الإمارات العربية المتحدة، يطالعك حيثما تجولت في هذه الأرض العربية الواسعة، مشرقاً ومغرباً… فهو قد بنى مدناً، أو ساهم في بناء مدن أو مرافق حيوية في مختلف البلاد العربية، مشرقاً ومغرباً، ودعم المجهود الحربي للدول التي واجهت العدو الإسرائيلي، بصمت، ومن دون «عراضات» ومهرجانات نفاق وتزلف رخيصة.   في مصر، كما في سوريا، في السودان كما في تونس، في المغرب كما في اليمن، ولا سيما في اليمن التي يعتز أهلها بأن قبيلة بني ياس التي يعود إليها أجداد الشيخ زايد هي يمنية بامتياز، تجد منشآت وإنجازات ومشاريع تنمية جدية تحمل دمغة «زايد الخير»، من دون تمنين ومباهاة قد تمس كرامة من تلقى العون. ولقد قدم الشيخ زايد، بإرادته وبعمق انتمائه العربي، وجوه دعم سخية للمجهود الحربي لكل من مصر وسوريا في حرب رمضان ـ تشرين 1973. ويذكر السوريون، على سبيل المثال، أن الشيخ زايد أوفد من اشترى مولدات كهربائية عملاقة وحملها إلى سوريا بالطائرات، بعدما دمر الطيران الحربي للعدو الإسرائيلي محطات توليد الكـهرباء في حمـص ومناطــق أخــرى. ولم يــترك شعـب سوريا، الذي قدم التضحيات الغوالي، يغرق في الظلام، انتظاراً لوفود تجيء مستعطية مساعداته… كذلك فإن دولة الإمارات اشترت مجموعة من طائرات الركاب الحديثة لحساب سوريا، تعويضاً عن طائراتها المدنية التي دمرها القصف الإسرائيلي. وفي اليمن يبرز سد مأرب، الذي أعيد بناؤه في موقعه التاريخي ذاته، بفضل المساعدات السخية التي قدمها «ابن اليمن البار» الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان. أما في مصر، فإن ثمة مدناً أنشئت بتمويل من دولة الإمارات، وبعضها يحمل اسم الشيخ زايد، الذي لم يطلب مثل هذا الامتياز، ولا حاول توظيف هذا العون الأخوي من أجل مصادرة قرار مصر، ولا هو منَّ على شعب مصر، أو أي من الشعوب الأخرى التي مد يد المساعدة اليها، خاصة في حال الشدة، كما في مواجهة العدوان الإسرائيلي، أو في مواجهة الفقر، أو نقص الموارد في تلبية متطلبات الشعوب العربية في مختلف الأقطار. كذلك فإن الكويت قد أسهمت في تنفيذ العديد من المشروعات الإنمائية الحيوية في أكثر من بلد عربي… فساعدت في بناء الجامعات والمدارس والمستشفيات والعديد من المرافق، كما أنها أسهمت في المجهود الحربي لكل من مصر وسوريا في مواجهة العدو الإسرائيلي… لم يطلب الشيخ زايد دور القيادة لنفسه أو لدولته الغنية على صغر حجمها، ولم ينصّب نفسه ولي أمر العرب في السلم والحرب… ولا هو فوض نفسه بأن ينوب عن الفلسطينيين في «مفاوضة» العدو الإسرائيلي، ولا هو تبرع بالاعتراف بالعدو وأقام مكتباً لتمثيل إسرائيل في الدوحة (غير بعيد عن موقع اجتماع القمة العربية التي يبدو أنها قد اتخذت من عاصمة قطر العظمى بديلاً من قاهرة المعز). بل إن المملكة العربية السعودية، وهي الدولة – القارة مساحة وذات المدخول الخرافي من نفطها، تحاذر في لعب دورها السياسي أن تتبدى «متحكمة» أو «متعنتة»، وتحاول تسويق ما ترغب في الوصول إليه من قرارات تمس القضية العربية المقدسة، فلسطين، أو تتصل بالشأن القومي، عموماً، عن طريق الإقناع والحجة… حتى لو كانت الحجة الاعتذار بضعف الموقف العربي في مواجهة العدو الإسرائيلي ومن يدعمه دولياً. لقد خسر العرب مكانتهم الدولية، لافتراق صفوفهم، كما لسيطرة أنظمة الطغيان على العديد من مواقع القرار في الدول العربية ذات الدور التاريخي والأهمية الإستراتيجية والقدرات الشعبية المعطلة أو المضيعة أو المقموعة. وبالتأكيد فإن قطر «ذات الحمدين» تفيد من هذه المرحلة الانتقالية وغياب الأصيل عن موقع القيادة والقرار، فتصادرهما معاً. على أن هذه الوقائع جميعاً لا تبرر أن تتحول جامعة الدول العربية إلى مكتب ملحق بوزارة خارجية الشيخ حمد، أو دائرة تصديق على الأحلام الإمبراطورية لحاكم هذه الدولة الصغيرة الذي يتباهى بأنه قدّم أرض شبه جزيرته لأكبر قاعدة عسكرية أميركية في المنطقة، كما استقبل مكتب تمثيل لدولة العدو الإسرائيلي. … في انتظار أن تعود مصر إلى وعيها والى دورها، وكذلك سائر الدول العربية، فتعود كل دولة إلى حجمها الطبيعي.

المصدر : السفير \ طلال سلمان


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة