دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
انتهت جولة وزير الخارجية الأميركي جون كيري على تسع عواصم، وفي أثرها ترك أسئلة أكثر مما ترك أجوبة عن حقيقة سياسة واشنطن بخصوص الأزمة السورية.
يروي مسؤول سوري رفيع أن «من يقرأ تصريحات كيري خلال جولته يخرج بانطباع أن الرجل يقول الشيء وضده، وأن السياسة الأميركية تجاه سوريا ضبابية ومتناقضة». لكن وقائع الزيارة، بحسب ما تسرب عن كواليسها، تقود إلى استنتاج رئيس، هو أن واشنطن في عهد الإدارة الجديدة تسعى إلى إيجاد حل للأزمة السورية، لم تبلور بعد عناصره. ولا يعني ما تقدم أن إدارة أوباما من دون خطة، فخطتها حتى اللحظة تتمثل في إدارة أزمة البحث عن حل، ضمن استراتيجية أخذ التوازنات المحيطة بالأزمة السورية إلى معادلة رزمة ضغوط، أولها على الرئيس بشار الأسد لكي يقبل رزنامة وقت للتنحي، وثانيها على روسيا لكي تكون شريكاً في صياغة «مرحلة ذهاب الأسد بالتوافق مع الأسد»، وثالثها، مع دول أصدقاء الشعب السوري لكي تحشد امكاناتها لجعل العملية السياسية الانتقالية في سوريا تجري على نار حامية يميل فيها ميزان القوى لمصلحة المعارضة.
وكل هذه العناوين الآنفة جسدها كيري خلال تنقلاته في جولته الأخيرة من عاصمة إلى أخرى. «الأخبار» تقرأ في أجندة جولة كيري الأخيرة، تحديداً حول الملف السوري، وذلك كما عرضت تفاصيلها مصادر على علم بما دار في لقاءاته المغلقة، لا ما أعلنه للإعلام.
محطة باريس كانت مهمة في جولة كيري. فالتورط الفرنسي في مالي جعل باريس متقدمة في موضوع الحرب الأممية على «القاعدة»، لكن حتى الآن، لا يبدو أنّ باريس تريد إنشاء صلة بين الإرهاب في شمال أفريقيا وشقيقه في المشرق العربي. وفي محادثاته حول الأزمة السورية مع الرئيس فرنسوا هولاند، بدا أنّ كيري لديه مطالب من الرئيس الفرنسي حول تباينات بين باريس وواشنطن بخصوص ما يجب أن تفعله المعارضة السورية في المرحلة المنظورة، كما لديه رغبة في الاستماع إلى وجهة النظر الفرنسية حول أفكار مبتكرة تساعد على الاقتراب من انهاء الأزمة السورية.
بخصوص شق جسر هوة التباينات، نجح كيري في جعل هولاند يقترب من موقف الرئيس باراك أوباما، حول نقطتين أساسيتين كانتا محل خلاف: تسليح المعارضة وتأليف الحكومة الانتقالية. وخلاصة النتيجة التي توصلا إليها، هي أن باريس أصبحت أكثر تفهماً للموقف الأميركي الرافض للشروع بهاتين الخطوتين الآن.
أما بخصوص شق استماع كيري إلى ما لدى هولاند من أفكار لكسر ستاتيكو الأزمة السورية، فإن الأخير قدّم عرضاً متكاملاً أساسه أن «باريس مقتنعة بضرورة حل الأزمة السورية سياسياً، على أن يجري السعي الدبلوماسي إلى تحقيقه بالتوازي مع اجراءات عملية لتقوية قدرات المعارضة لجعلها تحقق تقدماً ميدانياً على الأرض ينعكس تغييراً في ميزان القوى على الأرض، ما سيدفع النظام إلى تليين مواقفه».
لدى لقاء كيري في المحطة التالية من جولته مع رئيس «الائتلاف» أحمد معاذ الخطيب في روما، قدّم الأخير لائحة مطالب، وبدا واضحاً أنها صدى عملي لفكرة هولاند عن كيفية الاقتراب من هدف «فرض الحل السياسي» على الأسد. تألفت لائحة مطالب الخطيب من خمس نقاط هي: ١_ تأمين ممرات انسانية إلى المناطق المحاصرة، ولا سيما أحياء حمص القديمة وداريا في ريف دمشق. ٢_ الحفاظ على وحدة سوريا، ٣_ تحديد ماهية الحوار مع ممثلي النظام على نحو يضمن رحيله وإدارته القمعية، ٤_ دعم الثوار بقدرات دفاعية ووقف الدعم الدولي للنظام بالسلاح، ٥_ تسهيل معاملات اللاجئين السوريين إلى دول الجوار ودعمها لتجاوز مشكلة أعباء استضافتهم من قبلها.
وتؤكد مصادر دبلوماسية أن لائحة مطالب الخطيب كان قد عرضها هولاند على نظيره الروسي خلال لقائهما الأخير، وبدورها رفعت موسكو بندين منها المتصلين بالممرات الانسانية وتحديد ماهية الحوار إلى دمشق، لكن النظام رفضها.
نقلت دوائر الخارجية الفرنسية إلى دائرة ضيقة من حلفائها داخل المعارضة السورية تقويمها للموقف الأميركي من الأزمة السورية اعتماداً على جسّ نبض كلام كيري خلال محادثاته مع هولاند. اللافت في هذا التقويم أنّه يرسم رهاناً على الإفادة من امكانية أن يكون لدى كيري ميل لتحريك الجمود المسيطر على موقف أوباما من الأزمة السورية. يرى التقويم «أن كيري لديه رغبة بالانخراط في الملف السوري لإيجاد حل للأزمة». ويلاحظ «أنه أقل تردداً من البيت الأبيض بخصوص ما يجب فعله، وربما يحاول حشد الدعم الدولي والتأييد اللازمين لإقناع البيت الابيض بتغيير موقفه من مقاربة الأزمة السورية»، لكنّ التقويم «يقر بأنّ القرار لا يزال بين يدي أوباما الذي حتى الان لم يتراجع عن لاءاته الثلاث في الملف السوري: لا للتدخل العسكري، لا للدعم العسكري للمعارضة، عدم الحسم العسكري». ويخلص للاستنتاج بأنه على الرغم من ذلك، إلا أن هناك «امكانية لرؤية تطور في موقف أوباما مستقبلاً، ولا سيما أن قرار الائتلاف بعدم حضور مؤتمر أصدقاء الشعب السوري في روما احتجاجاً على «التخاذل الدولي» أحدث هزة في المجتمع الدولي».
السؤال الذي واكب محادثات كيري خلال جولته، تركّز على استكشاف ما إذا عكس تطوّر ما على مواقف إدارة أوباما. ويورد مصدر دبلوماسي تابع تفاعل الإجابات عن هذا السؤال في باريس والرياض والدوحة ولندن، وخلص إلى أنّه: «بقيت إدارة أوباما على موقفها بعدم تزويد المعارضة بمعدات عسكرية قاتلة. الفرق الوحيد الذي استجد هو أن الإدارة ستعطي ما تقدمه من مساعدات إلى «الائتلاف» مباشرة لا عبر المنظمات الدولية. وسيجري تقديمها وفق آلية محددة، تضمن إيصالها إلى الائتلاف في «المناطق المحررة» لهدف مساعدة السكان على مختلف الصعد».
ثمة تطور آخر عبّر عنه كيري، في لقائه مع الخطيب في روما، يتمثل في تقديم وعد بأن الإدارة الأميركية ستنظر في فرص التعاون مع المجلس العسكري السوري الأعلى، بحيث ترسل إليه معونات طبية و«وجبات غذائية عسكرية للمقاتلين»(!).
أما قرار تخصيص مبلغ ٦٦ مليون دولار للمعارضة، الذي أعلنه كيري، فله هدف مركّب، وهو تقوية عزيمة المعارضة، إضافة إلى أن أميركا لا تريد ابقاء الساحة مفتوحة للاسلاميين الأصوليين، وتريد أيضاً إحداث مركزية لإقامة قيادة المعارضة في الخارج.
في هذه المحطة من زيارته، التقى كيري نظيره الروسي سيرغي لافروف. وتخلص المصادر الدبلوماسية إلى اعتبار أن نتائجه كانت معقولة لتعاون بلديهما حول سوريا، لكنه لم يؤدّ «أبداً» إلى أي خرق ذي قيمة في ما يتعلق بالحل العام، لكنّ كلام كيري في الاجتماع افرز خلاصة توضح أن إدارة أوباما في نسختها الجديدة تولي الملف السوري اهتماماً خاصاً، وتتطلع لإيجاد حلّ لكنها حتّى الآن لا تزال في طور البحث عن عناصره.
المصدر :
الأخبار \ناصر شرارة
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة