دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
قضت 23 عاماً من حياتها بين المستشفى والمنزل، فهي مساعدة ممرضة عملت لدى وزارة الصحة البحرينية، وخصوصاً في مجمع السلمانية الطبي. لم يكن لها أي توجه سياسي، ولم تتدخل يوماً في السياسة ولم تخرج في مسيرة، ولم تنضم حتى إلى عمل اجتماعي منظم. بل إنها قضت هذه السنوات من حياتها، وهي تعمل بدوامها الأصلي وآخر إضافي حتى تستطيع تربية أبنائها الذين باتوا اليوم رجالاً، إلا أن انطلاق الاحتجاجات في البحرين غيّر حياة ناهد غلوم.
شاركت ناهد في تضميد جراح جرحى الاحتجاجات، من دون غياب، فقد طُلب من جميع الممرضات التوجه إلى قسم الحوادث والطوارئ في المجمع لمداواة المجموعات الكبيرة من الجرحى.
وفي أيار العام 2011، في وقت كانت حالة السلامة الوطنية (حالة الطوارئ) تشارف على الانتهاء، تم اعتقال ناهد من المستشفى بعدما وُجهت إليها تهمة سرقة أكياس دم من بنك الدم، وسكبها على الجرحى في السلمانية لتظهر بأن جروحهم حقيقية. وأن ذلك كله يتم بعد تدريب وتحت إشراف مخرج يقوم بتنفيذ المسرحية التي ترسل إلى القنوات الأجنبية للمبالغة بشأن مدى الإصابات في المستشفى. كما وجه لها أثناء التحقيق أسئلة حول حيازتها أسلحة خبأتها في المستشفى.
ناهد التي غادرت مع الشرطية التي جاءت لاعتقالها من المستشفى إلى مركز الشرطة صاغرة، اندهشت من هذه الاتهامات، فهي لا تعرف غير عمل التمريض، ولم تر في حياتها سلاحاً إلا الذي تحمله الشرطة، وكل أكياس الدم التي تسلمتها من بنك الدم طوال سنوات عملها كانت بأوامر طبيب ولأهداف علاجية. ولذلك لم تعرف ما الإجابات التي يجب أن تجيبها في مثل هذا التحقيق، فهي لا تعرف عن ماذا تتحدث الشرطية، التي كانت تواجهها بدليل واحد هو صورة لها وهي تسحب أحد المرضى.
ذاقت ناهد من الإهانات والشتائم الكثير. في مركز الشرطة طُلب منها وأخريات من زميلاتها الجلوس على الأرض مقابل الحائط. وتعرضت للضرب على فترات، ثم أمرت بالوقوف في مواجهة الجدار ويدها للأعلى بعدما تمت تغطية عينيها بقطعة قماش لساعات تضمنت «وجبات» من التعذيب والضرب بخرطوم المياه وبالأيدي، كما طلب منها الرقص والغناء.
في إحدى جلسات التحقيق طُلب منها غناء النشيد الملكي، أجابت بأنها لا تحفظه، فما كان من الشرطيات إلا أن انهلن عليها بالضرب مجدداً. ثم طلبن منها أن تقلد مشية الحمار، فصعدت على ظهرها اثنتان، وبالرغم من شعورها بأن الموت يقترب منها، إلا أنها كانت خائفة من عاقبة السقوط، فتحملتهما.
جاهدت ناهد (43 عاماً) الدموع، وهي تحكي قصتها لـ«السفير»، ذكرى هذه الأيام ثقيلة على ذاكرتها. وتقول «كان كل جسدي يؤلمني، فأنا أعمل يومياً لما يقارب العشر ساعات، ظهري بالكاد يحملني لأقوم بواجباتي اليومية، إلا أن الضرب والتعذيب أنهكاني».
كانت الشرطيات والضابطات في مركز الشرطة ينادين عليها بـ«الصفوية الكلبة» طوال الوقت، كما أن إحداهن هددتها بأنها إذا لم تعترف فستستخدم معها الخرطوم بالمسامير، وسيأخذنها إلى غرفة الكهرباء. أما أخرى فتحرشت بها جنسياً، فيما وقفت الأخريات يتفرجن، ويضحكن.
عندما تم تحويل ناهد إلى مركز توقيف النساء في مدينة عيسى، انضمت إلى المعتقلات السياسيات اللواتي ينظفن دورات المياه، ويُقدمن الطعام للمومسات والمدمنات وتاجرات المخدرات، اللواتي يشاركهن السجن، بقيت هناك أسبوعاً ثم أطلق سراحها.
وتقول ناهد «قد أنسى ما حدث في المعتقل، من ضرب وإهانات وتعذيب لولا أن السلطة أمعنت في الظلم، فقد تم توقيفي عن العمل لمدة ثلاثة أشهر، ثم قُتل ابن أختي يوسف الموالي، بعدما خطف وعُذب ثم ألقي بجسده في البحر في كانون الثاني العام 2012».
تقاوم دمعتها وتواصل الحديث، «تقاعدت من عملي مؤخراً، فلم أستطع تحمل وجوه زملائي الذين عشت معهم يومياً ولمدة 23 عاماً، ثم يشون بي ويتهمونني اتهامات باطلة».
ولكن يبدو أن موعدها مع القهر والعذاب لم ينته، فقد جاءت الشرطة على مدار يومين إلى منزلها في شهر كانون الثاني الماضي لاعتقال ابنها شعيب (20 عاماً)، وهو الأصغر بين أبنائها. شعيب أكمل شهادة البكالوريوس وأصبح فني كومبيوتر ويدرس حالياً الماجستير، وهو اليوم معتقل على ذمة التحقيق بتهمة إحراق إطارات وإثارة الشغب، والتجمهر.
قبل انطلاق الاحتجاجات، لم يكن لناهد أي علاقة بالسياسة، ولكنها اليوم تتابع كل جديد على الساحة، فهي معتقلة سابقة، وأم معتقل، وخالة شهيد. يضاف ذلك كله إلى الشعور بالظلم العميق والمؤلم الذي تحس به، فهي ترفع يديها في صلاتها، تدعو للانتقام ممن ظلمها، وتقول إنها لن تسامح كل من وشى بها وفبرك التهم لها ولابنها، وقتل ابن أختها.
المصدر :
الماسة السورية
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة