دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
حقيقة لم تعد تقبل التشكيك والدحض: لبنان بات جزءاً أصيلاً من ساحة تموضع «جبهة النصرة» التي تعدّ في هذه المرحلة التنظيم الأكثر تنامياً بين كل الأذرع العسكرية لـ«القاعدة» في العالم، والنقطة الجاذبة لكل سلفيي العالم من متبنّي الإيديولوجية «التكفيرية الجهادية»
تحت علم لـ«جبهة النصرة»، وخلف طاولة غطيت بعلم «الثورة السورية» تعلوها نسخة من المصحف الشريف، يقف اللبناني ح. ع. درغام حاملاً قاذف «آر بي جي» ورافعاً شارة النصر، على رأس مجموعته المسلّحة المكوّنة من عشرات المسلّحين. ودرغام هو أحد أبرز المطلوبين في حادث الاعتداء على دورية الجيش اللبناني في بلدة عرسال في الأول من الشهر الجاري، وأدّى الى استشهاد ضابط ورتيب في الجيش وجرح آخرين، أثناء محاولة اعتقال المطلوب خالد حميد الذي يوصف بأنه «المسهّل» اللوجستي الأهم بين «جبهة النصرة» في سوريا والمجموعات الحليفة لها في الشمال وعين الحلوة.
ومجموعة درغام التي شاركت في كمين عرسال على اتصال لوجستي وثيق بـ«جبهة النصرة» في سوريا، وتعتبر، بين مجموعات أخرى، الأوثق صلة بخطة لإنشاء «فرع لبناني» لـ«الجبهة».
النشأة بين سورية ولبنان
عام ٢٠١١، نشأت «جبهة النصرة» في سوريا، وسرعان ما أصبحت التنظيم الأبرز من بين كل جماعات المعارضة المسلحة، بعد انضمام عناصر جماعتي «جند الشام» و«فتح الاسلام» ــــ المتمركزتين في عين الحلوة وشمال لبنان ــــ إليها. بدأت القصة مع السعودي ماجد بن محمد الماجد، أمير «كتائب عبد الله عزام في بلاد الشام» الذي «هاجر» من عين الحلوة الى سورية أواخر آذار الماضي، على رأس ناشطين من الجماعتين، بهدف إزاحة «أبو محمد الجولاني» عن «إمارة» «جبهة النصرة»، وتنصيب نفسه أميراً عليها. لكن قسماً كبيراً من مرافقيه انقلبوا عليه في سوريا وانضموا الى الجولاني، فعاد إدراجه الى المخيم، فيما انخرط المنقلبون عليه من «فتح الاسلام» و«جند الشام» في ورشة تدريب وتنظيم لجماعة الجولاني، ونجحوا، في غضون شهور قليلة، في إحداث فرق نوعي في أدائها وتنظيمها، ما جعل «جبهة النصرة» القوة الأولى في المعارضة السورية المسلحة، ورأس الحربة «الجهادية» الأهم في معركة «القاعدة» الأممية.
الأسير: لا ثقة بالقضاء العسكري ولن نقبل أحكاماً مشددة على الموقوفين (مروان طحطح)
واليوم، بعد نحو عام ونصف عام من حراكها «الجهادي» في سوريا، باتت لـ«الجبهة» مجموعات في لبنان (تضم جنسيات مختلفة)، مرتبطة بها موضوعياً، وتمدّها بأسباب الدعم اللوجستي والقتالي، خصوصاً في المعارك التي تخوضها في ريفي حمص ودمشق. وتسعى «المجموعات اللبنانية» الى التوحّد، عسكرياً وتنظيمياً، ضمن مشروع إنشاء «جبهة النصرة ــــ فرع لبنان». وكل هذا يحدث تحت نظر السياسة اللبنانية الرسمية التي تدفن رأسها في رمال تقترب من أن تصبح متحركة.
من هي أبرز مجموعات «الفرع اللبناني» الساعية الى التوحد، ومن هم «أمراؤها»، وما هي أجندتها؟
الكتلتان الرئيستان في مشروع إنشاء «جبهة النصرة ــــ لبنان» هما:
ــــ كتلة عين الحلوة، وتضم رموز «فتح الاسلام» و«كتائب عبد الله عزام» و«سرايا زياد الجراح» وبقايا «جند الشام» الموجودين في عين الحلوة. وتشير المعلومات الى أن هذه الأطر الأربعة حلّت نفسها، بالمعنى التنظيمي، قبل أشهر ، وتحوّلت الى خمس مجموعات (نحو ١٥٠ عنصراً)، يتمتع أسامة الشهابي بنفوذ داخلها جميعاً. وأبرز كوادر هذه المجموعة: بلال بدر (ويعتبر الأخطر) والفلسطينيون: توفيق محمد طه (أبو محمد طه)، زياد علي أبو النعاج، هيثم محمود مصطفى (هيثم الشعبي)، خبير المتفجرات محمد أحمد الدوخي (خردق) ونعيم إسماعيل عباس.
واللافت أن هذه المجموعات التي كان نفوذها محصوراً، سابقاً، في منطقة التعمير في مخيم عين الحلوة، أصبحت الآن أكثر عدداً وأكثر مقبولية من المناخ السائد داخل المخيم، إذ إن الوهن الذي أصاب حركة «فتح» في عين الحلوة، ومعها الفصائل الوطنية الاخرى، أفاد القوى الاسلامية، خصوصاً تلك التي تحاكي تنظيم «القاعدة» عقائدياً. كذلك فإن تصدّر هذه المجموعات لمهمة دعم «جبهة النصرة» في سوريا، أكسبها تعاطفاً مضاعفاً من البيئة الحاضنة في المخيم التي تنحو نحو التشدد، وأكسبها، بالتالي، نفوذاً مستجداً داخل خريطة العمل الاسلامي في المخيم، على حساب «عصبة الأنصار» وحركة «حماس»، بعدما كانت التنظيمات المتشدّدة سابقاً تحتمي بهذين التنظيمين في مقابل إعلان طاعتها لهما. وفي ظلّ واقع أن نحو سبعين في المئة من المخيم بات تحت نفوذ الأطياف المتشددة ذات الصلة بـ«جبهة النصرة»، فإن السؤال الذي يتردد الآن هو عن إمكان حصول سيناريو مفاجئ يعلن المخيّم منطقة سيطرة لـ«جبهة النصرة» بنسختها اللبنانية.
ــــ كتلة طرابلس وعصبها الرئيس مجموعات حسام الصباغ في طرابلس والتي تضم بين ٣٠٠ و٤٠٠ مقاتل.
وإضافة الى كتلتي عين الحلوة وطرابلس، تنخرط مجموعات مسلحة تنتشر في الشمال والبقاع في مشروع إطلاق «جبهة النصرة» في لبنان، أبرزها:
ــــ مجموعة تطلق على نفسها اسم «صقور عكار»، وتحاكي هذه التسمية التسميات التي تطلقها «جبهة النصرة» على مجموعاتها في سوريا. ويتزعم هذه المجموعة التي شُكّلت منذ أقل من عام خضر م .خ.، وهو من أبناء بعلبك. وينتشر عناصره الذين يقدّرون بالعشرات في منطقة سهل عكار، وينشطون ميدانياً في كل مرة تحدث فيها قلاقل أمنية وأحداث شغب في المنطقة. ويلقب قائد المجموعة بـ«أبو ثائر»، ويعرف أيضاً باسم «خضر خويلد»، ويتخذ من بلدة تلحياة العكارية مقراً له.
ــــ مجموعة ح. ع. درغام، وهي تتمركز في جرود عرسال، ومعظم عناصرها من منطقة بعلبك التي ينحدر درغام منها. وهذه المجموعة على اتصال لوجستي وثيق بـ«جبهة النصرة» في سوريا، وتعتبر الأوثق صلة بخطة إنشاء «الفرع اللبناني»، وتمتاز بأنها تتبع سلوك شقيقتها السورية لجهة التكتم والسرية وامتلاكها تنظيماً فولاذياً مغلقاً. وقد شارك عناصر من هذه المجموعة، يتقدمهم درغام، في نصب الكمين لدورية الجيش في عرسال.
ويُسجّل نشاط لمجموعة من كبار قادة «القاعدة» الأجانب يعملون على خط التنسيق بين «ساحة النصرة» في لبنان و«ساحة الجهاد» في سوريا، وعلى تأمين الدعم المادي والاستراتيجي لدعم الحراك السوري وما بعده. وأبرز هؤلاء المغربي محمد دويك، السعوديان عبدالله الهتار وأشرف الغامدي، السوري محمد محمود خلف، التونسي زهدي محمد القوادري، المصري محمد أحمد المصري (أبو حذيفة)، الكويتي جهاد البياني (أبو معاذ)، البحريني سيف يوسف بن سيف (المعتز)، وقائد شيشاني معروف بـ«أصلان» دائم التنقل بين لبنان وسوريا.
وتؤكّد المعلومات أن الخطوات التنظيمية لإنضاج مشروع «جبهة النصرة ـــــ فرع لبنان» أُنجزت بالفعل، لكن إعلانه ينتظر الظروف السياسية الملائمة. ويتمتع الشيخ سالم الرافعي باحترام كبير داخل المجموعات المنخرطة في المشروع، وبات نفوذه في أوساطها متقدماً على الشيخين داعي الإسلام الشهال وعمر بكري فستق.
وقد سُجّل، أخيراً، تحرك شيوخ سلفيين في الشمال ــــ ممن يهمّشهم مشروع «الفرع اللبناني» ــــ لإنشاء تكتل إسلامي مواز. وليس هدف هؤلاء اعتراضياً، بقدر ما هو تنافسي ضمن الاهداف نفسها، وأبرزها: النهضة الجهادية لأهل السنّة في لبنان ضد الشيعة والآخر المغاير بشكل عام، ونصرة الحراك الاسلامي الجهادي في سوريا. وفي هذا السياق، جاءت زيارة الشهال لصيدا، الأسبوع الماضي، ضمن جولة واسعة شملت عرسال. وفي صيدا، جال الشهال على عدد من المشايخ، بما في ذلك مفتي المدينة سليم سوسان، طارحاً فكرة إنشاء «جبهة إسلامية سنيّة» على مستوى لبنان. ولوحظ أن الشهال استثنى من لقاءاته في المدينة الشيخ أحمد الأسير بسبب تحفظه على علاقة الاخير الوثيقة بالشيخ سالم الرافعي.
أخيراً، تجدر الاشارة الى أن مشاريع عدة لا تزال تتجاذب الحالة اللبنانية العاملة مع «جبهة النصرة» في سوريا، والمتحفزة الآن لإعلان نفسها كإطار مستقل داخل لبنان، أبرزها مشروع حسام الصباغ الخاص بإقامة «إمارة إسلامية» واحدة، تضم مناطق من شمال لبنان ومن ريف حمص، فيما تتحدث معلومات عن مشروع آخر، قوامه وجود اتجاه داخل هذه المجموعات يطرح ضرورة أن تبادر القوى السلفية الجهادية الى إطلاق شرارة توتر أمني دفعة واحدة في كل لبنان، على نحو يؤدي الى حدوث «٧ أيار سلفي» يقود الى إطلاق رسالة مفادها: «نحن هنا، والإمرة لنا».
المصدر :
الأخبار/ناصر شرارة
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة