دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
على ضفاف الوضع الأمني والعسكري الذي يلهب يوميات السوريين، عملت مجموعات على الاستفادة من الوضع القائم. نشطت سرقة الآثار وتهريبها، بالإضافة إلى أعمال التنقيب التي شاعت في مناطق سيطرة المعارضين المسلحين. التقارير العديدة، التي أضاءت على الموضوع، جانبت الحقيقة حسب الحكومة السورية. إذ تؤكد سيطرتها على مجمل المقتنيات الأثرية
حالة من الازدحام المروري يعيشها المواطن السوري ظهيرة كل يوم في المنطقة المحيطة بمتحف دمشق الوطني. البناء الذي يعود تاريخ إنشائه إلى عام 1919، لا تزال قاعاته التسع بخير، كونها بعيدة تماماً عن مناطق المواجهات المسلحة. لكن حديقة المتحف الكبيرة والمميزة، باتت اليوم فارغة من زوارها. حركة خجولة إن لم تكن معدومة يعيشها متحف دمشق الوطني، بعكس ما كان يعيشه واحد من أكثر المتاحف العربية والعالمية أهمية وشهرة. «الركود الثقافي» يتزامن مع تناقل الصحف ووكالات الأنباء العالمية أخباراً حول تعرّض العديد من المتاحف السورية «للنهب والسرقة والدمار، على يد مسلحين، كما هرّب بعض القطع الأثرية، وبيعت في السوق العالمية». ونشرت، أيضاً، جملة من التقارير تؤكد انتعاش سوق الآثار المهربة في الدول المجاورة لسوريا، مثل الأردن والعراق، كما ضبطت شرطة الحدود الأردنية أجهزة لكشف المعادن تحت الأرض، حاولت بعض الجماعات إدخالها إلى الأراضي السورية.
للاستفسار عن حقيقة وصدقية هذه الأنباء، أكد مدير المديرية العامة للآثار والمتاحف، مأمون عبد الكريم، لـ«الأخبار»، أنّ «هناك مبالغة وتضخيماً ومتاجرة سياسية، في الأخبار التي تتناقلها وسائل الإعلام العالمية حول واقع الآثار السورية، الغاية الأساسية منها الإساءة إلى مؤسسات الحكومة السورية، وإظهارها بموقف العاجز عن حماية الآثار والتراث الوطني». كما شكك عبد الكريم في صدقية التقارير التي قدمتها جمعية «حماية الآثار السورية» الصادرة من فرنسا، ورأى أنّ «لا أساس لصحة هذه المعلومات. وجميع مقتنيات المتاحف السورية بخير، وهناك الكثير من القطع الاثرية النادرة تم تأمينها في أماكن بعيدة عن أية اعتداءات محتملة. جميع المتاحف السورية اليوم فارغة تماماً من القطع الأثرية، باستثناء القطع الثابتة التي يصعب نقلها، لكنها وضعت تحت حراسة مشددة. نحن نعمل في المديرية وفق مبدأ الشفافية والوضوح، ونضع المواطن في جملة تطورات واقع الآثار أولاً بأول».
لا ينكر عبد الكريم حصول سرقات من المتاحف منذ بداية الأحداث وحتى الآن، لكنها، حسب معلوماته، اقتصرت على قطعتين فقط، هما تمثال برونزي مطلي بالذهب يعود للفترة الآرامية من متحف حماه، وقطعة حجرية رخامية من متحف أفاميا. «لا أعلم من أين جاءت جمعية حماية الآثار بمعلوماتها وتقاريرها المضللة. حقيقة هذه الجمعية باتت معروفة للجميع، كونها تدار من قبل شخص يسمى شيخ موس علي، يعمل مع رفاقه في مدينة ستراسبورغ الفرنسية، على إشاعة أخبار كاذبة ومضللة حول واقع المتاحف والآثار السورية»، يروي عبد الكريم. وأضاف «لا مجال للتعتيم على الأضرار أو السرقات التي لحقت بجميع المتاحف السورية. من يحاول التعتيم وإخفاء الحقيقة اليوم، سيكشف عنها غداً. القانون والقضاء السوري صارم جداً في ما يتعلق بقضية الآثار. على الجميع أن يعرفوا أن شيخ موس ورفاقه، هم من الطلبة السوريين الذين أوفدتهم مديرة الآثار للدراسة في فرنسا، لكنهم أنكروا حقوق الدولة السورية عليهم، ورفضوا العودة إلى بلادهم، واتجهوا للعمل في تضليل الرأي العام العالمي حول واقع الآثار، لخدمة جهات سياسية مناهضة للنظام السوري».
وقضية سرقة وتهريب الآثار، وسيناريوهات نهب المتاحف السورية، التي بلغ عددها 12 متحفاً، بحسب بعض التقارير الدولية، حظيت بانتباه منظمة اليونسكو الدولية التابعة للأمم المتحدة، التي عقدت مؤتمراً قبل أيام في العاصمة الأردنية، بدعوة ومشاركة من الحكومة السويسرية. وطالب البيان الختامي للمؤتمر مجلس الأمن الدولي بإصدار قرار دولي يقضي «بإعادة جميع القطع والممتلكات الأثرية السورية التي سرقت خلال الأزمة المتسمرة في عموم المناطق السورية».
وقبل أشهر، أطلقت مديرية الآثار والمتاحف، حملة إعلانية كبيرة تحت شعار «سوريا بلدي... الحملة الوطنية لحماية الآثار السورية»، دعت المواطنين، عبرها، للمشاركة والمساهمة في حماية الآثار من السرقة والتخريب. لاقت هذه الحملة تجاوباً وتعاوناً كبيرين في الشارع السوري، حسب ما بيّنه عبد الكريم في جملة من التقارير والمراسلات المكدسة فوق مكتبه. «هناك أكثر من 10 آلاف موقع أثري وتنقيب موزعة على مجمل الأراضي السورية، من المستحيل تأمين جميع هذه المواقع دون تعاون ومشاركة من أبناء هذه المناطق»، يؤكد لـ«الأخبار». ومن جملة المواقع الأثرية التي تعمل مديرية الآثار على إعداد تقارير حول حجم الأضرار التي لحقت بها، نتيجة أحداث العنف المستمر، يتصدر متحف مدينة حلب الوطني مجمل هذه المواقع، يليه متحف دير الزور، لكن مجمل الخسائر انحصرت بالماديات فقط، إذ تهشمت بعض النوافذ الزجاجية والأبواب وتضررت الأسقف المستعارة نتيجة التفجيرات في المناطق المجاورة. أما متحف معرة النعمان فجميع قاعاته سليمة ومقتنياته مؤمنة، باستثناء بعض الأضرار البسيطة التي لحقت بالمبنى الخارجي نتيجة الاشتباكات المسلحة. يبقى الجامع الأموي الكبير في حلب من أكثر المواقع الأثرية والتراثية تضرراً، كونه تعرّض للاحتراق شبه الكامل من الخارج والداخل، ولا يزال بحاجة إلى إجراء دراسات ميدانية علمية وفق أسس ومعايير أثرية، للوقوف على الحجم الحقيقي للضرر، من حيث درجة تأثر البنى المعمارية الأصلية والمرممة. «باستثناء الجامع الأموي الكبير، جميع المواقع والقطع الأثرية التي تضررت خلال الأحداث الحرب الجارية، يمكن إخضاعها لعمليات ترميم بسيطة، لإعادتها إلى وضعها السابق»، يقول عبد الكريم.
تبقى مواقع التنقيب الأثرية المنتشرة بكثرة في مجمل المناطق الحدودية، التي تعتبر من المناطق الأكثر سخونة اليوم، عرضة للنهب والسرقة والتهريب، في عمليات تتم اليوم في وضح النهار، وبشكل مفضوح ومعلن بعد أن كانت تجري بهدوء وحذر سابقاً.
ممرّ حلب - تركيا
ومع تصاعد أعمال العنف، غادرت البلاد جميع بعثات التنقيب الأجنبية، لكن التنقيب السري ازدهر مستغلاً الحالة الأمنية وقدوم تجار آثار أجانب «على هيئة صحافيين وباحثين مهتمين بالثورة»، وفق ما أكده باحث مختص في الآثار في حلب، تحفّظ عن ذكر اسمه.
الباحث أكّد نجاح المجموعات التي عملت في التنقيب بالعثور على تماثيل عدة، فيما جرى نقل لوحات فسيفسائية تعود إلى المرحلة البيزنطية من معرة النعمان ومناطق أخرى في محافظة إدلب عبر حلب إلى تركيا.
وتضم حلب، التي تحوّلت إلى ممر لقطع الآثار السورية المسروقة، أربعة متاحف في قلب المدينة، الأمر الذي جعلها في مأمن من النهب. وأهمها المتحف الوطني، ومتحف تاريخ العلوم عند العرب، ومتحف التقاليد الشعبية، ومتحف قلعة حلب، بينما لا يوجد متاحف في مناطق الريف.
وتعرض المتحف الوطني لأضرار مادية بعد الهجمات الانتحارية التي استهدفت ساحة سعد الله الجابري القريبة. وكذلك متحف التقاليد الشعبية الكائن في دار أجقباش في المدينة القديمة، التي يسيطر على معظمها المسلحون وذلك بحسب مصدر أكد قيام مديرية الآثار بتأمين موجوداته. وهو يضم أكثر من ألف قطعة ملابس تراثية قديمة، وعدداً كبيراً من قطع الأثاث الحلبية التقليدية والملبسة بالصدف. وأكد المصدر عدم وقوع أي سرقات من المتاحف التابعة للمديرية، في حين تم التبليغ عن قيام جماعات مختلفة بالتنقيب عن الآثار في عشرات المواقع المنتشرة في ريف المحافظة.
أما متحف التراث التربوي، التابع لمديرية التربية، فقد تعرّض للنهب. وتمّ بيع كثير من موجوداته. وترابط قوة من الجيش السوري في قلعة حلب التي تعرض بابها الخارجي للقصف، والتي تضمّ في أحد أبنيتها متحفاً للآثار التي تم الكشف عنها خلال التنقيبات في القلعة، في حين أن متحف حلب الوطني يقع في مركز المدينة وتقوم لجان شعبية وقوة عسكرية بحمايته. كما تعرّض موقع دير مار مارون الأثري في براد، إلى السرقة وتخريب الكنيسة الموقتة وسرقة محتوياتها، وقام مسلحون بالتنقيب عن الآثار فيه.
وتعرض للنهب متحف التراث التربوي، الذي افتتح قبل أشهر قليلة من دخول المسلحين المدينة، وسرق منه وسائل تعليمية وأجهزة علمية تعود للقرن التاسع عشر تم تجميعها من مدارس حلب العريقة. كما تحدث الإعلام السوري عن إحباط خطة لعصابة تهريب آثار فرنسية لسرقة مومياءات تدمرية نادرة، بعد إيهام مسلحين من الجيش الحر بضرورة نقلها إلى تركيا عن طريق حلب، ومن ثم فرنسا لـ«منع النظام من سرقتها».
فرق تنقيب سرّية
أفادت صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية، في تقرير لها، بأنّ المسلحين في سوريا شكّلوا مجموعات تنقيب سرّية، وقاموا بشراء أدوات جديدة من أجهزة الكشف عن المعادن والتنقيب عن الآثار لتهريبها إلى خارج البلاد وبيعها بصورة غير مشروعة. وقالت الصحيفة إنّ مسلحين، أجريت معهم مقابلات، أكدوا أنهم بدؤوا بتشكيل فرق للتنقيب، مؤلفة من مجموعات يفتشون المواقع الأثرية بحثاً عن قطع من الذهب والفسيفساء والتماثيل يمكن نقلها وبيعها بسهولة. وأشارت إلى أنّ المهربين والوسطاء السوريين يبيعون القطع الأثرية في عمان بأسعار تتراوح بين 50 دولاراً للسفينة الحجرية إلى ثلاثة آلاف دولار للتماثيل والألواح الحجرية، وبعد ذلك يبيع التجار الأردنيون هذه القطعة بثلاثة أضعاف.
المصدر :
الأخبار
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة