دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
أكثر من أربعين من أفراد الطاقم الطبي البحريني اعتُقلوا العام الماضي لفترات متفاوتة ما بين عدة أيام وأكثر من عام، وتعرض أغلبيتهم للتعذيب الجسدي والنفسي خلال فترة الاعتقال حسب تصريحاتهم وحسب التقارير الطبية كما مثلوا أمام محاكم عسكرية حكمتهم بأحكام قاسية وصلت حتى الخمسة عشر عاماً. بعد ذلك، قضت محكمة الاستئناف ببراءة تسعة من الأطباء، ونفذت محكمة التمييز أحكام السجن بحق 9 من أفراد الكادر الطبي بعد أن رفضت الطعون، مؤيدة الحكم السابق الذي تراوح بين خمس سنوات للدكتور علي العكري، وشهرين للممرضة ضياء إبراهيم.
وفي خطوة تصعيدية، قامت وزارة الصحة مؤخراً بفصل سبعة أطباء وممرضة عناية مركزة من الذين وقعت عليهم الأحكام، ثلاثة منهم لا زالوا يقضون عقوبة السجن، ولا يزال أفراد الطاقم الطبي التسعة الذين برأتهم المحكمة بلا عمل ولم تصرف رواتبهم منذ اعتقالهم في آذار ونيسان العام 2011.
من الأطباء المبرئين من تهم احتلال مستشفى عام وحيازة أسلحة وتنظيم خلية إرهابية وغيرها، فاطمة حاجي التي كانت تعمل في قسم الباطنية في مجمع السلمانية الطبي قبل اعتقالها وتعذيبها والحكم عليها بالسجن لمدة خمس سنوات في محكمة عسكرية، ثم تبرئتها في المحكمة المدنية من التهم الموجهة لها. لا تزال حاجي من دون عمل منذ نيسان العام 2011، وتقول «لا يختلف الوضع اليوم عن الأمس في شيء، ففي آذار العام 2011 تمت محاصرة مجمع السلمانية الطبي بالعساكر وقوات الأمن، ولا يزال محاصراً، كما اعتدوا على المرضى والأطباء، وما زالوا يقومون بذلك».
وتضيف «بالأمس تمّ إيقافنا عن العمل واليوم لا نزال موقوفين عن العمل، في الأمس كان الأطباء معتقلين وراء القضبان، واليوم لا يزالون كذلك، فالطاقم الطبي الذي قام بواجبه وعالج المصابين والجرحى التزاماً منه بشرف المهنة، يتم الاعتداء عليهم وعلى منازلهم وعائلاتهم وسمعتهم ومصادر رزقهم».
وتستنكر حاجي الفصل الواقع على أساس التعبير عن الرأي أو المشاركة في التظاهرات، وتعلّق «على هذا الأساس سيفصل أكثر من نصف الشعب، وهذا التعاطي من السلطة مع الناس هو تعاط لا إنساني وبكل استهزاء بكوادر طبية ذات خبرة وشهادات عليا، ومعرفة واسعة في نطاق عملهم، فوزارة الصحة حتى لم تكلف نفسها بالجواب على الأطباء الذين يراجعونها منذ ما يقارب العامين للعودة إلى أعمالهم، واليوم يسلمونهم رسائل إنهاء الخدمة، رغم أن هؤلاء الأطباء المفصولين قضوا ما يقارب نصف أعمارهم يخدمون في وزارة الصحة. أطباء كان جُلّ همهم إنقاذ المرضى، تم فصلهم فصلاً تعسفياً».
«تم فصلهم من دون مراعاة أي نواحي قانونية أو حقوقية أو إنسانية، ومعظم هؤلاء الأطباء لا يملكون مصدر رزق آخر ولا يملكون عيادات خاصة، كما وضعت عراقيل أمامهم للحصول على رخص لفتح عيادات خاصة»، بحسب حاجي.
وتشير الطبيبة البحرينية إلى أن وزارة الصحة تتلاعب بحياة الناس، فهؤلاء الأطباء وأفراد الطاقم الطبي لديهم عائلات يعيلونها، في الوقت الذي يحتاجهم مرضاهم، كما أن فترة توقيفهم الطويلة هذه تتسبب في فقدهم للخبرات ومهارات مزاولة المهنة.
بدوره، يعلّق استشاري جراحة المخ والأعصاب طه الدرازي، الذي تم توقيفه في أيار العام 2011 وإحالته إلى التقاعد لاحقاً، قائلاً «تمارس وزارة الصحة الانتقام من الأطباء المعارضين بنفس طائفي عبر فصلهم من العمل أو إبعادهم وإيقافهم عن العمل وإرغامهم على التقاعد، كما حدث معي. وهي تنتقم من الأطباء الذي خدموا وقدموا كل ما يملكون من علم وخبرة لإنقاذ أرواح الكثير من الجرحى الذين تعرضوا لإصابات بليغة».
وأشار الدرازي، خلال وقفة تضامنية مع الطاقم الطبي في جمعية العمل الإسلامي (أمل)، إلى أن الأطباء الذين تمّ فصلهم ومعاقبتهم هم من حملة الشهادات العالية، الذين تعبوا ودرسوا وتغربوا وعانوا الكثير كي يصلوا إلى هذا المستوى العلمي، ولديهم من الخبرة الكثير وفي تخصصات نادرة ودقيقة. وتساءل «كيف ستعوض وزارة الصحة هذه الكفاءات؟ هل عن طريق الاستقدام من الخارج لأجانب وعرب، من مستويات هابطة، من أجل ملء الكراسي؟».
ويتحدث الدرازي عن قسم الأعصاب المتخصص فيه متأسفاً «كان في المستشفى ثلاثة استشاريين أعصاب، وهو عدد قليل، ولكننا كنا نحاول تغطية النقص ونعمل بكامل طاقتنا لتلبية احتياجات القسم, واليوم بعد إرغامي على التقاعد، واعتقال طبيب آخر وتعذيبه، وفصله، بقي استشاري واحد فقط في القسم (أجنبي) وهو لا يستطيع تغطية كل الحالات والأعمال في القسم، ولهذا سيستقيل».
وفي تعليق لأمين عام المنظمة الأوروبية البحرينية لحقوق الإنسان حسين جواد، قال «نتضامن مع أفراد الطاقم الطبي أصحاب الضمائر الحية، الذين أبعدوا عن مزاولة مهنتهم من خلال استهدافهم بالاعتقال والتعذيب والترهيب راغبين في كسر إرادتهم الحديدية. ونحن في المنظمة ومن خلال مراقبتنا لسير المحاكمات العسكرية والمدنية غير العادلة للكادر الطبي، نعتقد أن استهداف الأطباء عبر اعتقالهم وتعذيبهم وفصلهم جاء بعد أن قاموا برسالتهم الإنسانية السامية، ونؤكد أن الأطباء المعتقلين والمفصولين تعرضوا لانتهاكات جسيمة وهم أبرياء مما نُسب إليهم، حسب لجان تقصي الحقائق المنتدبة من قبل منظمات حقوق الإنسان المستقلة. وعليه، فإن الأحكام الصادرة بحقهم باطلة وسياسية بامتياز، ولا أساس مادي ولا معنوي لها، كما أن الاعترافات التي أدلى بها المعتقلون في محاضر التحقيق التي لم يشرف عليها المحامون باطلة وقد اُخذت بالإكراه، ونصّر على أن الأطباء المعتقلين سجناء رأي وتعبير».
وكانت «جمعية الوفاق الوطني الإسلامية» المعارضة قد استنكرت قرار فصل أفراد الطاقم الطبي، مؤكدة على أن هذه الإجراءات لا تعبر إلا عن مواصلة المنهجية الانتقامية من قبل أجهزة النظام ضد الناشطين والمعارضين على خلفية آرائهم المناهضة للدكتاتورية والمطالبة بالديموقراطية في البحرين. كما نوهت بأن الطاقم الطبي قام بدوره الإنساني والمهني الحقيقي حينما تمسك بواجبه وقام بمعالجة جميع المصابين والجرحى إبان القمع والبطش الرسمي والجرائم المذهلة التي قامت بها الأجهزة الأمنية والجيش ضد المعتصمين السلميين، كما جاء في بيان لها.
وكان وزير الصحة البحريني أشار في تصريح له، على هامش مؤتمر طبي أقيم مؤخراً، إلى إمكانية عودة الأطباء المفصولين بسبب الأحكام التي صدرت ضدهم، كنتائج لحوار التوافق الوطني الذي بدأ الأحد الماضي.
المصدر :
الماسة السورية
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة