تتوالى في الظهور ملفات الخلاف بين تركيا والولايات المتحدة، بدءا من مسألة الحوار بين المعارضة السورية والنظام، التي تعارضها أنقرة بشدة، إلى الاتفاق النفطي بين أنقرة وأكراد العراق التي تعتبره واشنطن خطأ، وصولا إلى انزعاج واشنطن من تحول تركيا إلى قاعدة مريحة لتحرك الأصوليين لا سيما «جبهة النصرة» التي صنّفتها الولايات المتحدة «منظمة إرهابية».

وقد تمظهرت هذه الخلافات بمواقف للسفير الأميركي في أنقرة ريتشارد ريكياردوني، الذي رفض تحديد موعد واضح للقاء قريب بين رئيس الحكومة رجب طيب اردوغان والرئيس الأميركي باراك أوباما، وعبّر عن انزعاج بلاده من أنقرة عبر انتقاد استمرار اعتقال جنرالات عسكريين لفترة طويلة من دون محاكمة.

واعتبر اردوغان أن تصريحات رئيس «الائتلاف السوري» المعارض احمد معاذ الخطيب حول الحوار مع النظام في سوريا قد «حرّفت». وقال إن «الخطيب أعلن استعداده للحوار مع النظــام من دون (الرئيس) بشار الأسد. لقد حرّفت التصريحات بطريقة توحي انه سيتــفاوض مع الأسد. قطعا معاذ الخطيب لا يريد الحــوار مع الأســد. لا يوجد مثل هذا الشيء. لكن يمكن الجلوس مع مكوّنات أخرى في النظام السوري، وهذا ما قالتــه لقاءات جنيف. وهذا ما توصلت إليه لقاءات جنيف. حتى الروس نظروا بإيجــابية إلى ذلك. بعد ذلك تم تحريف الموضــوع والقوى المعــارضة لا يمكن أن تقول نعم للحوار مع الأسد».

وتطرق أردوغان إلى مسألة المساعدات للشعب السوري والمعارضة، فقال إنه عقد لقاءات في السابق مع الجميع من الجامعة العربية إلى الأمم المتحدة إلى منظمة التعاون الإسلامي وروسيا والصين ولكن لم يحصل على نتيجة. وقال إنه «أخيرا تم التوصل إلى شيء في اجتماع الدوحة، حيث تقرر منح مليار و300 مليون دولار، منها 600 مليون دولار من قطر والسعودية. ومع ذلك أقول إنه رغم كل ذلك فإن بشار الأسد راحل وليس باقيا. الآن كل القوى المعارضة تعمل بكل إمكاناتها، وبعد اجتماعات الدوحة ستزداد قوة. أما نحن فسنواصل سياسة الباب المفتوح، وقد أنفقنا حتى الآن على النازحين السوريين 600 مليون دولار. وفي المرحلة المقبلة سنواصل إنشاء المعسكرات وتأمين المنازل للنازحين».

واستكبر اردوغان الرد على اتهامات رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي له، قائلا إنه يترك الرد عليه لوزير الخارجية احمد داود اوغلو الذي ردّ عليه كما يجب.

وأنكر اردوغان أن تكون واردات النفط التركية من شمال العراق تخالف القوانين العراقية، معتبرا أن القانون العراقي يعطي سلطة إقليم كردستان التصرف بنسبة 18 في المئة من إنتاج النفط فيها. وقال إن «السلطة المركزية تريد السيطرة على كل شيء في العراق، وإذا لم تتخل سلطات شمال العراق عن التعاون القائم فنحن مستعدون لفعل أي شيء لاستمراره. إذا أرادوا بنزينا نعطيهم بنزينا. إذا أرادوا مازوتا نعطيهم مازوتا. ونحن هنا، رغم الاعتراض الأمــيركي، سنواصل هذا الأمر. أميركا تقول لنا إنكم تتصرفون بصورة خاطئة، ونحن نرد: لا ليس من خطأ. الدستور (العراقي) يتيح ذلك. هناك صلاحية للتصرف بـ18 في المئة من النفط ومع البلد الذي يريدون. نحن جيران وبحاجة لهذا التعاون. وكجيران سنساعد على تعزيز هذا التعاون».

ويعكس الموقف التركي من سوريا ومن العراق تباينا واضحا مع الموقف الأميركي، حيث أن المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية فيكتوريا نولاند كانت قالت، قبل ثلاثة أيام، إن وزارة الخارجية الأميركية قد أرسلت توبيخا إلى كل من اردوغان وداود اوغلو على مسألتين، الأولى تحريض اردوغان سوريا لمهاجمة إسرائيل ردا على الغارة الإسرائيلية على موقع علمي سوري، والثانية على رفض داود اوغلو مبادرة الخطيب الحوار مع النظام السوري. واعتبرت نولاند مواقف اردوغان وداود اوغلو تحريضية ومعرقلة.

وكان داود اوغلو قد انتقد مبادرة الخطيب للحوار مع النظام في سوريا قائلا، أثناء اجتماعات مؤتمر الأمن في ميونيخ، إنه لا فائدة من الحوار مع النظام السوري. وتعكس مواقف اردوغان وداود اوغلو خشية من تهميش تركيا في المرحلة المقبلة وإيجاد تسوية لا تلبي رهان أنقرة الأساسي، وهو استبعاد أي دور للأسد في المرحلة الانتقالية.

على صعيد آخر، استدعي السفير الأميركي في أنقرة ريتشارد ريكياردوني إلى وزارة الخارجية التركية على خلفــية تصريحات له قبل يومين ينتقد فيها استمرار اعتقال العشرات من الجنرالات من دون محاكمة، متسائلا انه لا يعرف لماذا هم معتقلون.

وتم الاستدعاء بعد أن انتقد المتحدث باسم «حزب العدالة والتنمية» حسين تشيليك تصريحات ريكياردوني معتبرا إياها تدخلا في شأن القضاء التركي. وقال «يبدو أن هذا السفير لم يتعلم الوقوف عند حدّه».

وقد نقلت مصادر الخارجية التركية انه تم تبليغ السفير تحذيرا من تكرار التدخل في الشأن الداخلي التركي. وذكرت بعض وسائل الإعلام التركية أن الاجتماع بين ريكياردوني ومدير عام وزارة الخارجية التركية فريــدون سينيرلي اوغلو كان متوترا خصوصا أن الأخير كان قد رد على سؤال قبل أيام حول موعد لقاء اردوغان مع أوباما في الولاية الجديدة بالقول انه سيكون «خلال سنة» وهو ما أثار غضب المسؤولين الأتراك. لكن مصادر السفارة الأميركية في أنقرة ذكرت أن السفير هو الذي طلب الموعد من الخارجية التركية، فما كان من سينيرلي اوغلو إلا أن التف على ذلك بطلب «موعد عاجل» مع السفير ليظهر الأمر على انه استدعاء، وهو ليس كذلك.

  • فريق ماسة
  • 2013-02-08
  • 9827
  • من الأرشيف

ملف الخلاف الأميركي ـ التركي يكبر أردوغـان يضغـط لمنـع الحـوار فـي سوريـة

تتوالى في الظهور ملفات الخلاف بين تركيا والولايات المتحدة، بدءا من مسألة الحوار بين المعارضة السورية والنظام، التي تعارضها أنقرة بشدة، إلى الاتفاق النفطي بين أنقرة وأكراد العراق التي تعتبره واشنطن خطأ، وصولا إلى انزعاج واشنطن من تحول تركيا إلى قاعدة مريحة لتحرك الأصوليين لا سيما «جبهة النصرة» التي صنّفتها الولايات المتحدة «منظمة إرهابية». وقد تمظهرت هذه الخلافات بمواقف للسفير الأميركي في أنقرة ريتشارد ريكياردوني، الذي رفض تحديد موعد واضح للقاء قريب بين رئيس الحكومة رجب طيب اردوغان والرئيس الأميركي باراك أوباما، وعبّر عن انزعاج بلاده من أنقرة عبر انتقاد استمرار اعتقال جنرالات عسكريين لفترة طويلة من دون محاكمة. واعتبر اردوغان أن تصريحات رئيس «الائتلاف السوري» المعارض احمد معاذ الخطيب حول الحوار مع النظام في سوريا قد «حرّفت». وقال إن «الخطيب أعلن استعداده للحوار مع النظــام من دون (الرئيس) بشار الأسد. لقد حرّفت التصريحات بطريقة توحي انه سيتــفاوض مع الأسد. قطعا معاذ الخطيب لا يريد الحــوار مع الأســد. لا يوجد مثل هذا الشيء. لكن يمكن الجلوس مع مكوّنات أخرى في النظام السوري، وهذا ما قالتــه لقاءات جنيف. وهذا ما توصلت إليه لقاءات جنيف. حتى الروس نظروا بإيجــابية إلى ذلك. بعد ذلك تم تحريف الموضــوع والقوى المعــارضة لا يمكن أن تقول نعم للحوار مع الأسد». وتطرق أردوغان إلى مسألة المساعدات للشعب السوري والمعارضة، فقال إنه عقد لقاءات في السابق مع الجميع من الجامعة العربية إلى الأمم المتحدة إلى منظمة التعاون الإسلامي وروسيا والصين ولكن لم يحصل على نتيجة. وقال إنه «أخيرا تم التوصل إلى شيء في اجتماع الدوحة، حيث تقرر منح مليار و300 مليون دولار، منها 600 مليون دولار من قطر والسعودية. ومع ذلك أقول إنه رغم كل ذلك فإن بشار الأسد راحل وليس باقيا. الآن كل القوى المعارضة تعمل بكل إمكاناتها، وبعد اجتماعات الدوحة ستزداد قوة. أما نحن فسنواصل سياسة الباب المفتوح، وقد أنفقنا حتى الآن على النازحين السوريين 600 مليون دولار. وفي المرحلة المقبلة سنواصل إنشاء المعسكرات وتأمين المنازل للنازحين». واستكبر اردوغان الرد على اتهامات رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي له، قائلا إنه يترك الرد عليه لوزير الخارجية احمد داود اوغلو الذي ردّ عليه كما يجب. وأنكر اردوغان أن تكون واردات النفط التركية من شمال العراق تخالف القوانين العراقية، معتبرا أن القانون العراقي يعطي سلطة إقليم كردستان التصرف بنسبة 18 في المئة من إنتاج النفط فيها. وقال إن «السلطة المركزية تريد السيطرة على كل شيء في العراق، وإذا لم تتخل سلطات شمال العراق عن التعاون القائم فنحن مستعدون لفعل أي شيء لاستمراره. إذا أرادوا بنزينا نعطيهم بنزينا. إذا أرادوا مازوتا نعطيهم مازوتا. ونحن هنا، رغم الاعتراض الأمــيركي، سنواصل هذا الأمر. أميركا تقول لنا إنكم تتصرفون بصورة خاطئة، ونحن نرد: لا ليس من خطأ. الدستور (العراقي) يتيح ذلك. هناك صلاحية للتصرف بـ18 في المئة من النفط ومع البلد الذي يريدون. نحن جيران وبحاجة لهذا التعاون. وكجيران سنساعد على تعزيز هذا التعاون». ويعكس الموقف التركي من سوريا ومن العراق تباينا واضحا مع الموقف الأميركي، حيث أن المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية فيكتوريا نولاند كانت قالت، قبل ثلاثة أيام، إن وزارة الخارجية الأميركية قد أرسلت توبيخا إلى كل من اردوغان وداود اوغلو على مسألتين، الأولى تحريض اردوغان سوريا لمهاجمة إسرائيل ردا على الغارة الإسرائيلية على موقع علمي سوري، والثانية على رفض داود اوغلو مبادرة الخطيب الحوار مع النظام السوري. واعتبرت نولاند مواقف اردوغان وداود اوغلو تحريضية ومعرقلة. وكان داود اوغلو قد انتقد مبادرة الخطيب للحوار مع النظام في سوريا قائلا، أثناء اجتماعات مؤتمر الأمن في ميونيخ، إنه لا فائدة من الحوار مع النظام السوري. وتعكس مواقف اردوغان وداود اوغلو خشية من تهميش تركيا في المرحلة المقبلة وإيجاد تسوية لا تلبي رهان أنقرة الأساسي، وهو استبعاد أي دور للأسد في المرحلة الانتقالية. على صعيد آخر، استدعي السفير الأميركي في أنقرة ريتشارد ريكياردوني إلى وزارة الخارجية التركية على خلفــية تصريحات له قبل يومين ينتقد فيها استمرار اعتقال العشرات من الجنرالات من دون محاكمة، متسائلا انه لا يعرف لماذا هم معتقلون. وتم الاستدعاء بعد أن انتقد المتحدث باسم «حزب العدالة والتنمية» حسين تشيليك تصريحات ريكياردوني معتبرا إياها تدخلا في شأن القضاء التركي. وقال «يبدو أن هذا السفير لم يتعلم الوقوف عند حدّه». وقد نقلت مصادر الخارجية التركية انه تم تبليغ السفير تحذيرا من تكرار التدخل في الشأن الداخلي التركي. وذكرت بعض وسائل الإعلام التركية أن الاجتماع بين ريكياردوني ومدير عام وزارة الخارجية التركية فريــدون سينيرلي اوغلو كان متوترا خصوصا أن الأخير كان قد رد على سؤال قبل أيام حول موعد لقاء اردوغان مع أوباما في الولاية الجديدة بالقول انه سيكون «خلال سنة» وهو ما أثار غضب المسؤولين الأتراك. لكن مصادر السفارة الأميركية في أنقرة ذكرت أن السفير هو الذي طلب الموعد من الخارجية التركية، فما كان من سينيرلي اوغلو إلا أن التف على ذلك بطلب «موعد عاجل» مع السفير ليظهر الأمر على انه استدعاء، وهو ليس كذلك.

المصدر : السفير/محمد نور الدين


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة