دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
هل ما يحصل في عرسال تردد طبيعي لأحداث سورية، أم أنّه نتيجة حتمية لسياسة النأي بالنفس عن فرض هيبة الدولة؟ وهل المشهد السوري عالق لأجَل غير مسمّى؟ ومن أين يبدأ الحل؟
رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات والعلاقات العامة؛ العميد الركن المتقاعد د. هشام جابر يكشف لجريدة "الثبات" آخر ما يدور في كواليس الدوائر العالمية، شارحاً المعطيات الأمنية على الأرض، لبنانياً وإقليمياً واستراتيجياً، وإليكم الحوار:
يستهل رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات والعلاقات العامة، العميد الركن المتقاعد الدكتور هشام جابر حديثه، بالإشارة إلى ضرورة استعادة الجيش اللبناني هيبته بأقرب وقت ممكن، يقول: "هيبة الدولة فقدت منذ فترة، مع أحداث طرابلس وعكار وصيدا وحالات الفرار المتكررة للمتشددين الإسلاميين من سجن رومية، ما جرى في عرسال، هو استهداف لهيبة جيشنا الوطني.. المؤسسة العسكرية هي عتيد وعتاد ومعنويات، وكل ذلك يغلّف بشيء اسمه "هيبة"، السلاح المتطور لا يكفي لفرض الأمن، الهيبة والمعنويات والحزم تكفي.. الكمين الذي تعرّض له الجيش هو ضرب للروح المعنوية للجيش، وإذا لم يستردّ الجيش هيبته، هناك خطر حقيقي على لبنان"، سألناه عن إمكانية ذلك في حال عدم صدور قرار حازم من قبل السلطات السياسية؟ يردّ جابر: "هناك قرار قوي يجب أن تأخذه المؤسسة العسكرية، وكعسكري سابق، أؤكد أنّ الجيش ليس بحاجة بعد ما حصل معه في عرسال، إلى أيّ إذن من أحد، وتحرّكه هذا مدعوم وشرعي بوجود مرسوم صادر عن مجلس الوزراء بضرورة حفظ الأمن في منطقة البقاع"، ويضيف: "قرار السلطة السياسية المتذبذب لا يفيده، لأنّ السياسيين يتصرفون انطلاقاً من حسابات طائفية وانتخابية ومصلحية، وللأسف أمر مخزي أن نرى نواباً في المجلس النيابي يقبضون رواتبهم من الدولة اللبنانية، ويحرّضون هذه الجماعات المسلحة ضدّ الجيش ويبررون أعمالها، وكنا نأمل أن يكون موقف رئيس الحكومة نجيب ميقاتي أكثر حزماً بالنسبة للدفاع عن المؤسسة العسكرية".
المطلوب واحد
وجهنا للعميد جابر سؤالاً صريحاً: "ولكن في السابق، ألم تتعرض هيبة الجيش للتفريط في حادثة "الكويخات"، مع محاولة البعض معاقبة الضباط والعناصر الموكلين حفظ الأمن؟ فأين كان موقف المؤسسة العسكرية وقتذاك، أم أنّ المطلوب "نهر بارد" عرسال جديد؟ يردّ جابر: "لا يمكن لأي ضابط أو رتيب أو عنصر من المؤسسة العسكرية أن يقبل بما حصل في عرسال، أو في الكويخات قبل ذلك، كلّ الحكومات المتعاقبة مقصّرة بالنسبة للجيش، لا عتيد مع تراجع التطويع وإزالة الخدمة العسكرية، ولا عتاد بفقدان ميزانية جدية لتسليح الجيش، واليوم يتمّ ضرب ما تبقى من معنويات، يطلب من الجيش كلّ شيء ولا يُقدّم له شيئ، حتى التغطية السياسية هزيلة وغير متوفرة.. وحادثة "الكويخات" في حينها لم تكن بريئة، لأنّه كان مطلوباً افتعال مشكل مع الجيش، بغية تهيئة الشمال إلى منطقة عازلة آمنة لمسلحي "السوري الحرّ" والتكفيريين، ومع الأسف أوقف الضباط لأنهم ينفذون تعليمات قيادتهم.. ليصبح وكأنّ الجيش لممارسة واجباته بحاجة إلى إذن خطيّ من النائب خالد الضاهر وأمثاله.. ومع فشل استحداث منطقة عازلة في الشمال لاعتبارات كثيرة، بقيت منطقة عرسال ملاذاً لذلك، فأغرقت الأموال، وأضحت المنطقة حديقة خلفية لعمليات "السوري الحرّ" المقاتلة في سورية.. ومع سياسة النأي بالنفس الفاشلة، حصدنا تبعات هذه السياسة، لأنّ تداعيات الأحداث السورية منعكسة لا محال عليك أمنياً واقتصادياً"، ويضيف جابر: "هناك معاهدة الأخوة والتنسيق بين البلدين واتفاقيات سارية المفعول، فميقاتي الذي موّل المحكمة الدولية تحت شعار احترام الاتفاقيات والمواثيق الدولية، يستطيع تكرار تجربته باحترام الاتفاقيات الثنائية مع سورية، لأنّ سياسة النأي بالنفس عن أحداث سورية لا تكون بتحويل أرضنا مشاعاً للمسلحين التكفيريين المناوئين للنظام السوري.. وباختصار شديد، التوصيف اليوم على أهميته لا يفيد، لأنّ المطلوب واحد على القيادة العسكرية تنفيذ القسم العسكري والمرسوم الوزاري بحفظ الأمن، ونحن كعسكريين تعلمنا أن نظهر القوة كي لا نستخدمها، فهل نستطيع إبرازها في حال أظهرنا عجزنا"؟ يسأل جابر.
لبنان مرتع للأجهزة الاستخباراتية
هل يمكن أن يصدر هؤلاء فتاوى جهادية ضدّ الجيش اللبناني؟ يجيب جابر: "الوضع خطير للغاية، لأنّ تلك الجماعات المسلحّة ليست مرتزقة، هم يؤمنون بعقيدة معينة، ومستعدون للموت في سبيلها.. سبق وأشرت إلى أنّ 6000 عنصر من الجهاديين في سورية يساوون 60 ألفاً من "الجيش السوري الحرّ"، بالنسبة إلى لبنان، لا أظنّ أنّه من مصلحة الدول الكبرى إدخال لبنان في أتون الفوضى، لما يشكّل هذا البلد مرتعاً آمناً لأجهزتها الاستخباراتية في المنطقة، وبالتالي معظم أجهزة التجسس في سورية تأخذ استراحتها من لبنان، وتنظّم نفسها انطلاقاً منه.. واللبنانيون يتذكرون لحظة استشهاد العميد وسام الحسن كيف رفضت أميركا ومن وراءها أوروبا إسقاط حكومة نجيب ميقاتي، لبنان الآمن اليوم هو مصلحة حيوية، لأنّ الفوضى فيه قد تعرقل أعمال أجهزتهم"، ويضيف جابر انطلاقاً من خبرته العسكرية: "هناك قرار مخفي دولي أن يبقى لبنان غير متدهور، ولكن ليس متعافياً، وبالتالي ممنوع عليه أن ينعم بالصحة الجيدة، كما أنّه ممنوع عليه أن تتفاقم فيه الأمور أكثر من اللزوم".
ضربة "إسرائيل"
وماذا عن ضربة "إسرائيل" الجوية على سورية؟ يردّ جابر: "كلّ عمل عسكري له أهداف سياسية متعددة، في الأهداف الداخلية يبغي رئيس وزراء "إسرائيل" بنيامين نتنياهو العاجز عن ضرب البرنامج النووي الإيراني (بعد التسويق الكبير) وعن توريط أميركا في ذلك، تفادي تشكيل حكومة ائتلافية بتشكيل حكومة طوارئ، والضربة ضدّ أهداف سورية بتوقيتها، فرصة مناسبة لخلق جو متوتر ومتعاطف حوله، سيما أنّه لا يعلم إن كانت سورية ستردّ".
جابر الذي يؤكد قدرة سورية على الردّ، يشير إلى أنّها لو فعلت ذلك، لتسببت بحرب إقليمية كبيرة، نسأله مستفهمين: "ولماذا لا تردّ سورية، ما دامت "إسرائيل" نفسها عاجزة عن خوض حرب إقليمية؟ يفسّر جابر: "سورية إن ردت على إسرائيل، لا يمكن لإسرائيل ألاّ تردّ انطلاقاً من نفسية وسوسيولوجية خصائص المجتمع الإسرائيلي.. وفي حينها سيتدحرج تدخل الدول، سواء لجهة داعمين سورية من إيران وحزب الله وروسيا، أو لجهة داعمي إسرائيل من أميركا وأوروبا.."، ويضيف جابر: "كي لا نصل إلى هذه المرحلة الحرجة، اتّصل الرئيس الروسي شخصياً بنظيره السوري بشار الأسد، متمنياً عليه عدم الردّ على إسرائيل، رغم أنّ قرار الردّ أو عدمه هو بيد الأسد وحده.. كما أنّ مفوضة الشؤون الأوروبية كاترين آشتون تمنّت على سورية عدم الردّ أيضاً، وأميركا من خلال فريق ثالث تمنّت ذلك.. الضربة الإسرائيلية على سورية تدخل في حسابات إسرائيل الانتخابية أكثر من أيّ شيء آخر، لأنّ الأخيرة غير مستعدة لذلك".
اقتناع الغرب
برأي جابر، أميركا اقتنعت أنه "لا يمكن استبدال النظام بآخر، ومسألة تركيعه في ظلّ الأوضاع الموضوعية شبه مستحيلة، تفكيك الجيش السوري أمرٌ مستحيل، وموضوع دعم الأميركيين للقاعدة أصبح ضاغطاً على الإدارة الأميركية.. ما حصل في ليبيا بعد سقوط معمّر القذافي أفضى إلى وضع "جبهة النصرة" على لائحة الإرهاب.. في إحدى زياراتي إلى أميركا، علمت من مصدر هام جداً، أنّ هناك مسودّة اتفاق بين الروس والأميركيين، وبرعاية صينية، تقتضي بحلّ سلمي في سورية، وفي ملخصه أيضاً ستبقى سورية موحدّة كما جيشها وكافة المؤسسات.. المسألة كانت عالقة حول مسألة تغيير رؤوس النظام، هم تحدثوا عن حكومة انتقالية، والنقاش لم يُحسم حول مسألة ترشّح الرئيس السوري بشار الأسد لانتخابات 2014، فأميركا تعمل على قطع الطريق لعدم ترشحّه، وروسيا تضع المسألة في خانة الشعب السوري، وباختصار عندما تتفق روسيا وأميركا والصين، كافة الأمور ستحلّ تباعاً".
وعن سبب التصعيد العسكري المستعر، يجيب جابر: "كعسكري في الميدان، إذا بُلّغت شخصياً أنّ وقف إطلاق النار سيكون في الساعة السادسة صباحاً، سأسعى إلى حين الوقت المحدد تصعيد عملياتي العسكرية لتحقيق أكبر قدر ممكن من المكتسبات على الأرض.. الأمور قد تتجه لتشكيل حكومة انتقالية في سورية، ومؤشر كلام رئيس ائتلاف الدوحة معاذ الخطيب، تصبّ ضمن هذا السياق".
وحدها التطورات غير متوقعة ودراماتيكية في سورية، بإمكانها تغيير المعادلة التي سطرتها تضحيات الشعب السوري، يقول جابر: "محاولة اغتيال الرئيس السوري (لا قدر الله) أو أيّ شيء آخر، من شأنه فتح المنطقة بأسرها إلى مكان خطر جداً، لأن إيران لن تسمح بسقوط سورية من دون أن تدفع إسرائيل ثمن ذلك".
يالطا 2
وماذا عن المشهد الإقليمي والدولي الاستراتيجي الذي تبدّل انطلاقاً من البوابة السورية؟ يقول جابر: "أميركا كسبت بمكان ما، وخسرت بمكان آخر.. هذه المنطقة لطالما كانت مناطق صراع ونفوذ بين القوى الدولية الكبرى، فالاتحاد السوفياتي الذي انكسر في مطلع تسعينات القرن الماضي، لملم جراحه من خلال روسيا، وهناك اليوم إعادة ترسيم للنفوذ، وتمسّك روسية بسورية، باتت مسألة حيوية بعد تراجعها في ليبيا ومصر والعراق، وبالتالي الوضع الاستراتيجي بانتظار اجتماع يالطا 2 لا سايس بيكو"، يعود جابر إلى الوراء ليقول: "في اجتماع يالطا تقاسم ستالين وروزفلت وتشرشل العالم بعد الحرب العالمية الثانية، اليوم في يالطا 2، (القمة المنتظرة التي ستجمع الرئيسين أوباما وبوتين)، ستعالج أميركا وروسيا الملف السوري، وسيتقاسمان مع الصين فرز مصالحهم المشتركة في المنطقة، وبرأيي المسألة لن تطول أكثر من عدة أسابيع.. ومن المرتقب أن يكون الاجتماع في نهاية الشهر الجاري".
المصدر :
بول باسيل
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة