خلال يومين، ومن دون سابق إنذار، توترت ثم هدأت الأجواء العسكرية بين إسرائيل وسوريا جراء تقارير حول احتمالات الحرب والخوف من "تسرب" أسلحة كيميائية سورية إلى "حزب الله" أو سقوطها بأيدي جهات معادية أخرى. وأمس الأول احتل الموضوع العناوين الرئيسية للصحف ووسائل الإعلام الإسرائيلية، ثم اختفى أمس وكأنه لم يكن. ومع ذلك انفردت "معاريف" في النقل عن مصادر في الخارجية الإسرائيلية قولها إن تخوف نتنياهو من السلاح الكيميائي السوري عرض "لأسباب تتعلق بمصالح خفية".

وكانت وسائل الإعلام الإسرائيلية قد نشرت في ذروة المعركة الانتخابية وقبل إعلان النتائج خبراً مفاده أن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو قطع انشغاله بالحملة الانتخابية ليعقد اجتماعاً أمنياً طارئاً للبحث في أمر السلاح الكيميائي السوري واحتمال وقوعه بأيد معادية. وسبق لإسرائيل أن أشارت عدة مرات في السابق إلى احتمال أن تتدخل عسكرياً، إذا حدث ونقلت أسلحة إستراتيجية سورية بينها السلاح الكيميائي إلى جهات معادية، ومنها "حزب الله". وفي هذا السياق، تبارت سلطات محلية في شمالي إسرائيل في إظهار الاستعداد أو الحاجة إلى متطلبات مواجهة ظروف استخدام أسلحة كيميائية في أي حرب مستقبلية.

غير أن "معاريف"، كما سلف، نقلت عن مسؤولين كبار في الخارجية الإسرائيلية انتقاداتهم الشديدة لنتنياهو لأنه فاقم مستوى المخاوف مما يجري في سوريا من دون سبب حقيقي. وقال هؤلاء إنه لم تظهر مخاوف من وقوع أي اجتياز للخطوط الحمراء التي رسمتها إسرائيل بالنسبة للسلاح الكيميائي لدى سوريا. وأضافوا أن نتنياهو تصرف هكذا برغم أن صورة الوضع في سوريا مؤخراً لم تتغير سلباً بشكل دراماتيكي.

وبحسب مسؤول كبير في الخارجية الإسرائيلية، فإن "صورة الوضع في سوريا، خصوصاً في ما يتعلق بمخازن السلاح الكيميائي، لم تتغير في الأسبوعين الأخيرين، وعمليا يسود نوع من الوضع الراهن في الصراع بين جيش الأسد والثوار". وقال موظف آخر إن "إسرائيل تتابع عن كثب ما يجري في سوريا، وبحسب المعلومات التي لدينا لم يطرأ تدهور بالنسبة لحماية السلاح الكيميائي ولم تجتز الخطوط الحمراء التي وضعتها إسرائيل بشأنه".

وأشار المسؤولون في الخارجية الإسرائيلية إلى أنه ليست صدفة قيام البعض بتسريب أمر عقد نتنياهو جلسة سرية في الموضوع السوري يوم الأربعاء الماضي، وتسريب بعض ما دار في الاجتماع. وأوضحت "معاريف" أنه وفقاً للتسريبات فإن البحث دار حول مخاوف من وقوع أسلحة كيميائية بأيدي منظمات سلفية سورية، ومن استمرار نقل أسلحة متطورة إلى "حزب الله". وجرى التشديد خصوصاً على صواريخ متطورة من طراز "سكود"، وصواريخ أرض بحر وأرض جو.

وفي المقابل، قال مسؤول في الخارجية الإسرائيلية إن ما تسرب من أنباء عن الجلسة لم يكن دقيقاً، في حين أشار آخر إلى أن هذه التسريبات "جعلت وسائل الإعلام تخدم فعلياً مصالح خفية لنتنياهو". وأوضح هؤلاء أنه كان يمكن توجيه الرسائل بهدوء من دون اللجوء للتسريبات وإعطاء الانطباع بأن رئيس الحكومة استدعى على عجل وزير الدفاع إيهود باراك، الذي كان يزور أوروبا. وأوحت "معاريف" بأن نتنياهو كان معنياً بإظهار الخطر الكيميائي السوري منذ ما قبل أسبوعين على الانتخابات الإسرائيلية حيث أثار الأمر في زيارته إلى الجولان وفي اجتماعه مع عدد من أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي. كذلك أظهر نتنياهو هذه المخاوف في مداولاته مع القوى الأخرى بشأن المفاوضات الائتلافية وربطه بين تشكيل الحكومة المقبلة.

وكان نتنياهو قد أعلن أنه "ينبغي أيضاً النظر حولنا، إلى ما يجري في إيران وملحقاتها، وإلى ما يجري في ساحات أخرى، إلى السلاح الفتاك الذي يوجد في سوريا والآخذ في التسرب"، مضيفاً أن "الشرق الأوسط لا ينتظر نتائج الانتخابات وهو لا يتوقف في زمن تشكيل الحكومة". وقال "يوجد هنا الكثير من التهديدات، ركام من التهديدات، الأكثر شدة التي ذكرتها وغيرها أيضاً، والواقع يواصل التطور"، موضحاً أن "كل المنطقة تعتمل ونحن ملزمون بأن نكون جاهزين وأقوياء ومصممين حيال كل تطور محتمل. ولهذا الغرض فاني سأتطلع إلى تشكيل أوسع حكومة وأكثرها استقراراً، من أجل الاستجابة قبل كل شيء إلى التهديدات الأمنية ذات المغزى على دولة إسرائيل، وأنا مقتنع بأنه في وسعنا أن نتصدى لهذه التحديات".

وبحسب "معاريف" فإن أوساط وزارة الخارجية الإسرائيلية لم تقدر وحدها أن نتنياهو استخدم الوضع الأمني الهش جدا في سوريا كي ينقل رسالة إلى رؤساء الأحزاب الذين يدير معهم مفاوضات ائتلافية بشأن الحاجة إلى إقامة حكومة واسعة. ونقلت عن عدد من الدبلوماسيين قولهم إن "رفع مستوى المخاوف مما يجري في سوريا يرتبط بشؤون سياسية داخلية في إسرائيل". ووفقاً لدبلوماسيين أوروبيين فإن "نتنياهو يزرع الرعب والخوف بطريقة مشابهة لطريقة العمل التي اتبعها في المسألة الإيرانية في السنة الماضية. هذا تخويف ذاتي".

والواقع أن تخويف نتنياهو من الخطر الكيميائي السوري لم يقتصر فقط على الإسرائيليين بل تخطاه إلى الأميركيين والدول الغربية أيضاً. فقد التقى نتنياهو أمس الأول مع وفد من أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي من الحزبين الجمهوري والديموقراطي برئاسة روب وايتمان، وأبلغهم انه في كل ما يتعلق بسوريا، ينبغي على إسرائيل أن تختار بين "خيار سيء، وأسوأ". وقال السفير الأميركي في إسرائيل دان شابيرو إنه بين إسرائيل ودولته تعاون كامل وتنسيق كامل في الموضوع السوري. وفي ذات الوقت، زار مستشار رئيس الوزراء لشؤون الأمن القومي يعقوب عميدرور موسكو، وبحث مع الرئيس في الموضوع السوري.

غير أنه خلافا لرأي "معاريف" فإن المعلق العسكري في "هآرتس" عاموس هارئيل، اعتبر أن التركيز الإعلامي على الكيميائي السوري وجه رسالة إلى الأطراف المعنية وإلى الأسرة الدولية. وكتب أن التحذير يتخطى رسم خط أحمر للرئيس السوري بشار الأسد أو لـ"حزب الله".

وكانت كل الصحف الإسرائيلية تقريباً قد نشرت أمس الأول تقارير حول استدعاء نتنياهو لوزير الدفاع من الخارج، وللسفير الأميركي في تل أبيب للتشاور بشأن الخطر الكيميائي السوري. وبدا كما لو أن الوضع طارئ ويستدعي العمل الفوري. وعززت إسرائيل هذه التخوفات بقيامها على عجل بنشر بطاريات قبة حديدية في الشمال ومنطقة حيفا.

  • فريق ماسة
  • 2013-01-29
  • 9840
  • من الأرشيف

الكيميائي السوري: نتنياهو يعتمد "التخويف الذاتي" لمكاسب داخلية

خلال يومين، ومن دون سابق إنذار، توترت ثم هدأت الأجواء العسكرية بين إسرائيل وسوريا جراء تقارير حول احتمالات الحرب والخوف من "تسرب" أسلحة كيميائية سورية إلى "حزب الله" أو سقوطها بأيدي جهات معادية أخرى. وأمس الأول احتل الموضوع العناوين الرئيسية للصحف ووسائل الإعلام الإسرائيلية، ثم اختفى أمس وكأنه لم يكن. ومع ذلك انفردت "معاريف" في النقل عن مصادر في الخارجية الإسرائيلية قولها إن تخوف نتنياهو من السلاح الكيميائي السوري عرض "لأسباب تتعلق بمصالح خفية". وكانت وسائل الإعلام الإسرائيلية قد نشرت في ذروة المعركة الانتخابية وقبل إعلان النتائج خبراً مفاده أن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو قطع انشغاله بالحملة الانتخابية ليعقد اجتماعاً أمنياً طارئاً للبحث في أمر السلاح الكيميائي السوري واحتمال وقوعه بأيد معادية. وسبق لإسرائيل أن أشارت عدة مرات في السابق إلى احتمال أن تتدخل عسكرياً، إذا حدث ونقلت أسلحة إستراتيجية سورية بينها السلاح الكيميائي إلى جهات معادية، ومنها "حزب الله". وفي هذا السياق، تبارت سلطات محلية في شمالي إسرائيل في إظهار الاستعداد أو الحاجة إلى متطلبات مواجهة ظروف استخدام أسلحة كيميائية في أي حرب مستقبلية. غير أن "معاريف"، كما سلف، نقلت عن مسؤولين كبار في الخارجية الإسرائيلية انتقاداتهم الشديدة لنتنياهو لأنه فاقم مستوى المخاوف مما يجري في سوريا من دون سبب حقيقي. وقال هؤلاء إنه لم تظهر مخاوف من وقوع أي اجتياز للخطوط الحمراء التي رسمتها إسرائيل بالنسبة للسلاح الكيميائي لدى سوريا. وأضافوا أن نتنياهو تصرف هكذا برغم أن صورة الوضع في سوريا مؤخراً لم تتغير سلباً بشكل دراماتيكي. وبحسب مسؤول كبير في الخارجية الإسرائيلية، فإن "صورة الوضع في سوريا، خصوصاً في ما يتعلق بمخازن السلاح الكيميائي، لم تتغير في الأسبوعين الأخيرين، وعمليا يسود نوع من الوضع الراهن في الصراع بين جيش الأسد والثوار". وقال موظف آخر إن "إسرائيل تتابع عن كثب ما يجري في سوريا، وبحسب المعلومات التي لدينا لم يطرأ تدهور بالنسبة لحماية السلاح الكيميائي ولم تجتز الخطوط الحمراء التي وضعتها إسرائيل بشأنه". وأشار المسؤولون في الخارجية الإسرائيلية إلى أنه ليست صدفة قيام البعض بتسريب أمر عقد نتنياهو جلسة سرية في الموضوع السوري يوم الأربعاء الماضي، وتسريب بعض ما دار في الاجتماع. وأوضحت "معاريف" أنه وفقاً للتسريبات فإن البحث دار حول مخاوف من وقوع أسلحة كيميائية بأيدي منظمات سلفية سورية، ومن استمرار نقل أسلحة متطورة إلى "حزب الله". وجرى التشديد خصوصاً على صواريخ متطورة من طراز "سكود"، وصواريخ أرض بحر وأرض جو. وفي المقابل، قال مسؤول في الخارجية الإسرائيلية إن ما تسرب من أنباء عن الجلسة لم يكن دقيقاً، في حين أشار آخر إلى أن هذه التسريبات "جعلت وسائل الإعلام تخدم فعلياً مصالح خفية لنتنياهو". وأوضح هؤلاء أنه كان يمكن توجيه الرسائل بهدوء من دون اللجوء للتسريبات وإعطاء الانطباع بأن رئيس الحكومة استدعى على عجل وزير الدفاع إيهود باراك، الذي كان يزور أوروبا. وأوحت "معاريف" بأن نتنياهو كان معنياً بإظهار الخطر الكيميائي السوري منذ ما قبل أسبوعين على الانتخابات الإسرائيلية حيث أثار الأمر في زيارته إلى الجولان وفي اجتماعه مع عدد من أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي. كذلك أظهر نتنياهو هذه المخاوف في مداولاته مع القوى الأخرى بشأن المفاوضات الائتلافية وربطه بين تشكيل الحكومة المقبلة. وكان نتنياهو قد أعلن أنه "ينبغي أيضاً النظر حولنا، إلى ما يجري في إيران وملحقاتها، وإلى ما يجري في ساحات أخرى، إلى السلاح الفتاك الذي يوجد في سوريا والآخذ في التسرب"، مضيفاً أن "الشرق الأوسط لا ينتظر نتائج الانتخابات وهو لا يتوقف في زمن تشكيل الحكومة". وقال "يوجد هنا الكثير من التهديدات، ركام من التهديدات، الأكثر شدة التي ذكرتها وغيرها أيضاً، والواقع يواصل التطور"، موضحاً أن "كل المنطقة تعتمل ونحن ملزمون بأن نكون جاهزين وأقوياء ومصممين حيال كل تطور محتمل. ولهذا الغرض فاني سأتطلع إلى تشكيل أوسع حكومة وأكثرها استقراراً، من أجل الاستجابة قبل كل شيء إلى التهديدات الأمنية ذات المغزى على دولة إسرائيل، وأنا مقتنع بأنه في وسعنا أن نتصدى لهذه التحديات". وبحسب "معاريف" فإن أوساط وزارة الخارجية الإسرائيلية لم تقدر وحدها أن نتنياهو استخدم الوضع الأمني الهش جدا في سوريا كي ينقل رسالة إلى رؤساء الأحزاب الذين يدير معهم مفاوضات ائتلافية بشأن الحاجة إلى إقامة حكومة واسعة. ونقلت عن عدد من الدبلوماسيين قولهم إن "رفع مستوى المخاوف مما يجري في سوريا يرتبط بشؤون سياسية داخلية في إسرائيل". ووفقاً لدبلوماسيين أوروبيين فإن "نتنياهو يزرع الرعب والخوف بطريقة مشابهة لطريقة العمل التي اتبعها في المسألة الإيرانية في السنة الماضية. هذا تخويف ذاتي". والواقع أن تخويف نتنياهو من الخطر الكيميائي السوري لم يقتصر فقط على الإسرائيليين بل تخطاه إلى الأميركيين والدول الغربية أيضاً. فقد التقى نتنياهو أمس الأول مع وفد من أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي من الحزبين الجمهوري والديموقراطي برئاسة روب وايتمان، وأبلغهم انه في كل ما يتعلق بسوريا، ينبغي على إسرائيل أن تختار بين "خيار سيء، وأسوأ". وقال السفير الأميركي في إسرائيل دان شابيرو إنه بين إسرائيل ودولته تعاون كامل وتنسيق كامل في الموضوع السوري. وفي ذات الوقت، زار مستشار رئيس الوزراء لشؤون الأمن القومي يعقوب عميدرور موسكو، وبحث مع الرئيس في الموضوع السوري. غير أنه خلافا لرأي "معاريف" فإن المعلق العسكري في "هآرتس" عاموس هارئيل، اعتبر أن التركيز الإعلامي على الكيميائي السوري وجه رسالة إلى الأطراف المعنية وإلى الأسرة الدولية. وكتب أن التحذير يتخطى رسم خط أحمر للرئيس السوري بشار الأسد أو لـ"حزب الله". وكانت كل الصحف الإسرائيلية تقريباً قد نشرت أمس الأول تقارير حول استدعاء نتنياهو لوزير الدفاع من الخارج، وللسفير الأميركي في تل أبيب للتشاور بشأن الخطر الكيميائي السوري. وبدا كما لو أن الوضع طارئ ويستدعي العمل الفوري. وعززت إسرائيل هذه التخوفات بقيامها على عجل بنشر بطاريات قبة حديدية في الشمال ومنطقة حيفا.

المصدر : حلمي موسى\ السفير


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة