دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
يبدو ان هناك جديداً قد طرأ على الأزمة السورية، فأخذنا نسمع لغةً لم نألفها من قبل بالمقارنة مع سابقاتها ممن كانت توجه سهامها إلى النظام السوري. وهذه بعض الأمثلة:
ـ إرفيه لادسو نائب أمين عام الأمم المتحدة لشؤن عمليات حفظ السلام :” مسلحو المعارضة في سورية يشكلون خطراً على قوات حفظ السلام في الجولان “.
ـ وزير خارجية فرنسا لوران فابيوس:” لا وجود لمؤشرات إيجابية عن قرب سقوط الأسد “. وهو نفسه كان قد قال لراديو فرنسا الدولي قبل شهر ونصف: “اعتقد ان النهاية اقتربت بالنسبة الى بشار الاسد.” وقال للمحطة ذاتها :” ينبغي دعم ائتلاف المعارضة الجديد لمنع سيطرة المتطرفين على الوضع” . الآن يتحدث عن خشيته من “أن تكون المعارضة السورية هي مجرد شخصيات انتهازية وصولية وجهادية”.
وفي تقرير لصحيفة نيويورك تايمز تحت عنوان:” الثوار يفشلون في استمالة القلوب والعقول” كتبت مراسلتها في بيروت آن برنادر: “بينما تقترب الحرب الأهلية السورية من علامة السنتين، اخفق خصوم الرئيس بشار الأسد وداعموهم الدوليون في كسب دعم كثير من أنصار الحكومة بما في ذلك الاقليات.”
وفي تقرير “المجلس الأطلسي” الأمريكي يقول فريدريك سي هوف المستشار السابق لأوباما في الملف السوري “إن ملايين السوريين لا يزالون يطالبون ببقاء حكومة الرئيس بشار الأسد”. أما كلينتون التي ما فتئت منذ سنة ونيف تتحدث بلغة مرتفعة مثل: “رحيل الأسد هو الحل الوحيد للمشكلة السورية ” فإنها قبل مغادرتها لمنصبها كانت تتحدث عن أن رحيل الرئيس بشار الأسد “ليس شرطا مسبقا لتحقيق عملية الانتقال السياسي بل يجب أن يتم نتيجة لها”. فيما الأمر اللافت أن خليفتها كيري لم يتطرق إلى الشأن السوري خلال جلسة الاستماع في الكونغرس، واكتفى بالإجابة عن أسئلة وجهت إليه بهذا الشأن وهي برأي كل المراقبين لم تخرج عن العموميات؛ لكن اللافت توجيهه أصابع الأتهام لمن أسماهم: “أناس في الخليج” يسلّحون «النصرة».
لا شك بأن المعاناة الأخيرة في مالي دفعت فرنسا والغرب عموما للبدء بالتفكيرالجدي في إيجاد مخرج عملي للأزمة السورية، ومبعث هذا التفكير هيمنة “جبهة النصرة” على المشهد السوري. ولقد سبق وبيّنا في مقال سابق أن هذا المآل يعود إلى أن ما أسمي بـ “الجيش الحر” لم يملأ الساحة، والسبب أنه لم يشكل بالممارسة بديلاً مقنعاً لأولئك الذين التحقوا به، أو شكلوا بيئةً حاضنةً له ما دفع العديدين للانفضاض عنه، وبذا انكشف هذا الكيان الإفتراضي عن مجموعات مسلحة، متناثرة بلا رأسٍ ،وبلا مناقبية لمد من هبَّ ودب من الأشقياء أو الفارين من العدالة، وهي لا تتعدى بالوصف عن مجرد عصابات على رأس كل منها (ديك) يفرض الخوات !!حتى كثيراً ما تشتبك مع بعضها بعضاً في نزاعٍ على غنيمة من هنا ،أو ريالات من هناك مبعوثة (لدعم الثورة!) . وهذا ما دفع بعض (المُحمَّسين) للانتقال (بمسيرتهم الثورية!) إلى “جبهة النصرة” الأكثر تنظيما وخبرة . وبالتالي جذباً، ومن هنا بدأت هذه الأخيرة بملء الفراغات التي خلفها انكفاء الجيش النظامي هنا أو هناك في بعض الأرياف. غير أن كثراً من جانب آخر آثروا الانفضاض من حول هذه التشكيلات المسلحة على اختلاف مسمياتها. وأخذنا نسمع منهم ما جرى على أيديها من ارتكابات؛آخرها مجزرة السلمية التي قامت بها “جبهة النصرة ” الأمر الذي أكده فيما بعد هيثم المناع أحد أقطاب المعارضة.
حيال هذا الواقع يسعى الفرنسيون في لقاء باريس الأخير (28 يناير /كانون الثاني الجاري) إلى إعادة تجميع المعارضة باحتواء الخلافات العميقة بين أطرافها، سبقتها محاولة توحيد 11 فصيلاً مسلحاً ؛كخطوة ضرورية قبل التفكير في إمدادها باسلحة نوعية كما يطالب بذلك “الائتلاف الوطني السوري” ؛غير أن اللافت في هذا الصدد ما نُقل عن مصدر فرنسي من أن تجربة مالي قد علمتهم “عدم وقوع الأسلحة بايدي أشخاص غير مناسبين” !.
لكن اللغة الجديدة لم تكن وحسب من نصيب أعداء النظام السوري في الغرب، وإنما جاءت أيضاً من الشرق حيث حليفه الروسي. فلقد كان تصريح ميدفيدف لتلفزيون (سي أن أن) لافتاً من حيث نقده الرئيس الأسد، غير أن ما مرره ميدفيدف من عبارات خلال لقائه مع محطة (سي إن إن) كقوله:” إن فرص بقاء الرئيس السوري بشار الأسد في السلطة تتضاءل “،ومن ثم لافروف :” نحن لم نكن معجبين يوما بهذا النظام.. ولم نسانده ابداً” هي في تقديرنا نوع من ورق السلوفان الذي يغطي أشياء أخرى . ولعل هذا الشيء الآخر هو عدم إحراج أمريكا وملاقاتها في منتصف الطريق وهي التي تستعد لرؤية جديدة حدد إيقاعها كيري أمام الكونغرس: ” ما يقلقني هو انه اذا انهارت الدولة (السورية)، لا احد يعرف كيف يعيدها وسيكون لدينا خطر اكبر مع الاسلحة الكيماوية ” !!. ولا شك بأن هذا يعكس جوا أمريكياً يعيد النظر في حسابات واشنطن السابقة من الأزمة السورية، وابرزها أن المكاسب من إسقاط النظام السوري (الحليف لإيران !)- لا توازي الخسائر الجمة التي ستطلقها الفوضى الإقليمية الناتجة عن هذا السقوط، وحيث سيصبح أول المتضررين منها حلفاء أمريكا ومصالحها بالتواتر.
وإذا ما وضعنا بعين الاعتبار أن سوريا تشكل في الحسابات الروسية موقعاً حيوياً، عبر عنه مسؤل كبير في هيئة الأركان الروسية قبل أيام قليلة على هامش إرسال قطع بحرية قبالة الشاطىء السوري بالقول: “إن سبب حشد قوات بحرية روسية في شرق البحر المتوسط يعود إلى أن هذه المنطقة تنطوي على أهمية جيوسياسية كبيرة لروسيا، لا سيما وأنه توجد هناك قاعدة إمداد للأسطول الروسي”. ..إذا ما وضعنا هذا وما سبقه بعين الإعتبار، وإذا أضفنا إليه ان مطلب تنحية الرئيس الأسد يعني من الوجهة السياسية والعملية ضرب عصب الدولة وبالتحديد قواتها المسلحة التي تربت في أحضان روسية. إذا ما وضعنا ذلك كله في عين الإعتبار، فإن الرهان على انفضاض روسيا من حول الأسد وهمٌ ؛ وما على المراهنين إلا أن يستأنسوا هذه المرة بانطباعات وليد جنبلاط إثر لقائه الأخير مع لافروف: “إن الأسد باقٍ باقٍ باقٍ” ؛ فالرجل ترمومتر شفاف؛ مذكرين بأن ما يقوله يصدر هذه المرة من عقله مغلباً ما يعتمل في قلبه.
المصدر :
لؤي حسن\ العهد
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة