يتحمل العرب جزءاً كبيراً من وصول الامور في سوريا الى المستوى الذي سماه وزير الخارجية السعودي الامير سعود الفيصل "المأزق الكبير".

فالعرب هم من استعجل استنساخ الحل الليبي تارة واليمني تارة اخرى لمعالجة الازمة في سوريا. واستسهلوا استجرار التدخل الاجنبي من اجل تغيير الانظمة. ولا يزال الامين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي حتى الان يناشد مجلس الامن اللجوء الى قرار لسوريا بموجب الفصل السابع الذي يجيز استخدام القوة لتطبيقه.

الاستسهال ونشوة النصر في ليبيا ومصر واليمن جعلا الممالك والامارات في الخليج ومعها تركيا تضع اهدافاً طموحة جداً في سوريا واقنعت المعارضة السورية الناشئة سواء في الداخل او في الخارج بعدم القبول بأقل منها، وخصوصا في ما يتعلق باسقاط الرئيس بشار الاسد قبل فتح اي حوار داخلي، حتى صار التمسك بهذا الشرط مكلفاً الى اقصى الحدود وبات التراجع عنه بمثابة تسليم بخسارة المعركة في سوريا.

ولعل هذا الشرط المسبق هو أحد الاسباب الرئيسية التي آلت الى "المأزق الكبير". والذي صدم العرب والمعارضة السورية اكثر، هو القرار الاميركي عدم التدخل عسكريا في سوريا او في منطقة اخرى من الشرق الاوسط بعد الانسحاب من العراق والتحضير للانسحاب من افغانستان. وحتى قرار تسليح المعارضة السورية الذي كانت تتحمس له فرنسا وبريطانيا، طرأت عليه حسابات اخرى الان، بعد التورط الفرنسي في مالي والنفوذ الكبير الذي تبين ان تنظيم "القاعدة" وحلفاءه يتمتعون به في منطقة الساحل والجزائر وليبيا. ومن الواضح في سوريا ان كل ما احرزته المعارضة من تقدم على الارض يعزى الى مقاتلي "جبهة النصرة" المرتبطة بـ"القاعدة".

هذه العوامل كلها قادت العرب الى "المأزق الكبير". ولا يبدو ان العرب وحدهم في مأزق، بل ان حليفهم الاقليمي رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان المنشغل بعد الايام المتبقية للاسد في السلطة، هو ايضا في مأزق. كما ان واشنطن هي الاخرى باتت كذلك اسيرة كلمة التنحي ولا يمكنها التراجع عنها ولا تملك الا توجيه العتب الى روسيا لأنها لم تطالب الاسد بالتنحي، كأنها واثقة من ان موسكو لو فعلت لكان الاسد تنحى.

واخيراً انضم الاخضر الابرهيمي الى المفتشين عن حل للعقدة المتمثلة في المطالبة بتنحي الاسد، فتقدم باقتراحات جبهت برفض سوري مطلق، الامر الذي دفع الممثل الاممي والعربي الى التفتيش عن مخرج لنفسه من المهمة التي ورثها عن كوفي انان.

وادراكاً لهذا "المأزق الكبير" الذي يجد العرب والغرب وتركيا انفسهم فيه، حاولت موسكو وطهران تقديم السلم الذي يمكن هؤلاء ان ينزلوا به عن شجرة التنحي. لكنهم حتى يرفضوا ليبدأ فصل جديد من فصول المأساة السورية.

  • فريق ماسة
  • 2013-01-25
  • 8723
  • من الأرشيف

العرب في "المأزق" السوري

يتحمل العرب جزءاً كبيراً من وصول الامور في سوريا الى المستوى الذي سماه وزير الخارجية السعودي الامير سعود الفيصل "المأزق الكبير". فالعرب هم من استعجل استنساخ الحل الليبي تارة واليمني تارة اخرى لمعالجة الازمة في سوريا. واستسهلوا استجرار التدخل الاجنبي من اجل تغيير الانظمة. ولا يزال الامين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي حتى الان يناشد مجلس الامن اللجوء الى قرار لسوريا بموجب الفصل السابع الذي يجيز استخدام القوة لتطبيقه. الاستسهال ونشوة النصر في ليبيا ومصر واليمن جعلا الممالك والامارات في الخليج ومعها تركيا تضع اهدافاً طموحة جداً في سوريا واقنعت المعارضة السورية الناشئة سواء في الداخل او في الخارج بعدم القبول بأقل منها، وخصوصا في ما يتعلق باسقاط الرئيس بشار الاسد قبل فتح اي حوار داخلي، حتى صار التمسك بهذا الشرط مكلفاً الى اقصى الحدود وبات التراجع عنه بمثابة تسليم بخسارة المعركة في سوريا. ولعل هذا الشرط المسبق هو أحد الاسباب الرئيسية التي آلت الى "المأزق الكبير". والذي صدم العرب والمعارضة السورية اكثر، هو القرار الاميركي عدم التدخل عسكريا في سوريا او في منطقة اخرى من الشرق الاوسط بعد الانسحاب من العراق والتحضير للانسحاب من افغانستان. وحتى قرار تسليح المعارضة السورية الذي كانت تتحمس له فرنسا وبريطانيا، طرأت عليه حسابات اخرى الان، بعد التورط الفرنسي في مالي والنفوذ الكبير الذي تبين ان تنظيم "القاعدة" وحلفاءه يتمتعون به في منطقة الساحل والجزائر وليبيا. ومن الواضح في سوريا ان كل ما احرزته المعارضة من تقدم على الارض يعزى الى مقاتلي "جبهة النصرة" المرتبطة بـ"القاعدة". هذه العوامل كلها قادت العرب الى "المأزق الكبير". ولا يبدو ان العرب وحدهم في مأزق، بل ان حليفهم الاقليمي رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان المنشغل بعد الايام المتبقية للاسد في السلطة، هو ايضا في مأزق. كما ان واشنطن هي الاخرى باتت كذلك اسيرة كلمة التنحي ولا يمكنها التراجع عنها ولا تملك الا توجيه العتب الى روسيا لأنها لم تطالب الاسد بالتنحي، كأنها واثقة من ان موسكو لو فعلت لكان الاسد تنحى. واخيراً انضم الاخضر الابرهيمي الى المفتشين عن حل للعقدة المتمثلة في المطالبة بتنحي الاسد، فتقدم باقتراحات جبهت برفض سوري مطلق، الامر الذي دفع الممثل الاممي والعربي الى التفتيش عن مخرج لنفسه من المهمة التي ورثها عن كوفي انان. وادراكاً لهذا "المأزق الكبير" الذي يجد العرب والغرب وتركيا انفسهم فيه، حاولت موسكو وطهران تقديم السلم الذي يمكن هؤلاء ان ينزلوا به عن شجرة التنحي. لكنهم حتى يرفضوا ليبدأ فصل جديد من فصول المأساة السورية.

المصدر : سميح صعب


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة