كل تعيينات الرئيس الأميركي باراك أوباما تشير إلى أن السياسة الخارجية ستكون من أولوياته الرئيسية خلال الولاية الثانية، في محاولة لترك بصمات بأقل تكلفة ممكنة على عالم تتسارع خطى تغييره وتزداد وتيرة خطورته.

أعلن أوباما أمس عن تعيين دينيس مكدونو في منصب كبير موظفي البيت الأبيض، وهو سيكون منذ الآن بوابة الوصول إلى الرئيس. وقبل المنصب الجديد، شغل مكدونو منصب نائب مستشار الأمن القومي، وساهم في بلورة خطط الانسحاب الأميركي من العراق وأفغانستان. وعادة يكون التركيز في منصب كبير الموظفين على القضايا المحلية، لكن خبرة مكدونو قد تعني دفع قضايا السياسة الخارجية على طاولة الرئيس. وما يعزز هذا الأمر أيضاً هو بقاء توم دونيلون في منصب مستشار الأمن القومي، وهو أيضاً الشخصية النافذة الأخرى في دائرة أوباما الضيقة، والذي يقوم بدور رئيسي في السياسة الخارجية.

وتزامن هذا الأمر مع خروج مهندس حملة أوباما الانتخابية ديفيد بلوف من البيت الأبيض، أي الانتقال من زمن الانتخابات إلى مرحلة الحكم. بالإضافة إلى ذلك، يعكس تعيين مكدونو رغبة أوباما بفتح صفحة تعاون إيجابية مع الكونغرس. وهناك مؤشرات أن أوباما يبحث عن الثقة والوفاء في المراكز الحساسة حوله خلال ولايته الثانية.

هنا يأتي جون كيري في منصب وزارة الخارجية، وهو الذي كان وفياً لأوباما طوال فترة ولايته الأولى وساعده على نزع فتيل الكثير من الأزمات الدولية، كما أن خدمته لفترة 28 عاماً في الكونغرس ستساعده على تجاوز العراقيل في مبنى "الكابيتول هيل". كان السيناتور كيري في بيته خلال جلسة الاستماع حول ترشيحه أمس الأول أمام زملائه في لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، والتي ترأسها منذ أكثر من أربع سنوات بعد تولي سلفه جو بايدن منصب نائب الرئيس.

أما الرئيس الجديد لهذه اللجنة النافذة اليوم فهو السيناتور روبرت مينينديز، الذي لن يكون على مستوى خبرة كيري أو بايدن في السياسة الخارجية، لكنه كان من أكثر أعضاء مجلس الشيوخ نفوذا في دفع سلسلة القوانين التي تعزز العقوبات المالية على طهران.

أعطى كلام كيري خلال جلسة الاستماع بعض المؤشرات عن توجهاته بعد توليه المنصب رسمياً، وهذا متوقع الأسبوع المقبل بعد تصويت الجلسة العامة على ترشيحه. قال كيري أولاً إن "الرئيس أوباما وكل واحد منا هناك يعلم أن السياسة الخارجية الأميركية لا تعرّف فقط بالطائرات من دون طيار وعمليات الانتشار العسكري". هنا يتابع كيري تقليد وزراء الخارجية الذين يتمسكون بتعزيز ميزانية برامج التنمية الدولية بديلاً من مقاربة الاستخبارات والعسكر. أما المؤشر الثاني فهو وصف كيري ما يحدث في المنطقة بأنه "صحوة عربية"، معتبراً أن "شباب ميدان التحرير الذي حقق لمصر ثورتها يمثل عطش الأجيال لفرص وحقوق المشاركة في الحكم وليس حركة دينية"، في إشارة إلى جماعة "الإخوان المسلمين".

طمأن كيري الكونغرس أيضاً، قائلاً "سياستنا ليست الاحتواء، هي المنع. الوقت يمر على جهودنا لضمان امتثال مسؤول" من قبل طهران، كما لمّح إلى أن الإدارة ستواصل طريق البحث عن إجماع دولي لزيادة عزلة إيران. وأضاف أن "الرئيس أوباما وأنا نفضل الحل السلمي لهذا التحدي وسأعمل لإعطاء الديبلوماسية كل جهد للنجاح. لكن لا أحد عليه أن يخطئ بعزمنا على تقليص التهديد النووي".

وتحدث كيري عن استعداد الإدارة حتى الانخراط في جهود ثنائية مع طهران، موضحاً في هذا السياق "يحتاج الإيرانيون إلى إدراك أن ليس هناك جدول أعمال آخر هنا. إذا كان برنامجهم سلمياً، يمكنهم إثبات الأمر وهذا ما نسعى إليه".

وخلال جلسة استمرت حوالي أربع ساعات، دعا كيري السيناتور الجمهوري ماركو روبيو إلى تفهم حساسية منطقة الشرق الأوسط وتاريخها، قائلا "لا يمكن أخذ مفهوم أميركي أو غربي وإسقاطه والقول إن هذا الأمر سينجح".

وبعد تقاعد السيناتور الجمهوري المعتدل ريتشار لاوغار، أتى كأرفع جمهوري في لجنة العلاقات الخارجية السيناتور بوب كوركر الذي استمر في هذا التقليد من طرح المواقف المعتدلة خلال الجلسة، وترك معارك الأسئلة الحزبية إلى زملائه الجمهوريين. وسأل كوركر السيناتور كيري عن خلاصة اجتماعاته السابقة مع الرئيس السوري بشار الأسد التي قد تساعده في التعامل مع هذا الملف. ورأى كيري أن الأسد "قام بمجموعة من الأحكام التي لا يمكن تبريرها وتستحق الشجب، وأنا أعتقد أنه لن يبقى طويلا على رأس دولة سورية".

وركز كيري على المرحلة الانتقالية، قائلاً "نحتاج إلى تغيير حسابات بشار الأسد. في الوقت الراهن، الرئيس الأسد لا يعتقد أنه يخسر، والمعارضة تعتقد أنها تكسب. هذه ليست معادلة تسمح بالتوصل إلى نوع من التسوية لمرحلة انتقالية". كما ذكر كيري أن هناك مؤشرات بأن الروس يريدون رحيل الأسد "لكنّ لديهم شعوراً مختلفاً عن طريق وتوقيت ذلك".

بدوره، اعتبر السيناتور الجمهوري جون مكاين، الذي دعم ترشيح كيري "من دون تحفظ"، أنه مع ترك واشنطن مسافة من سورية يتعزز نفوذ تنظيم "القاعدة" في هذا البلد، في وقت انتقل فيه الأسد إلى "الخطة ب وهي الذهاب إلى الساحل والقيام ببعض التطهير العرقي". كما انتقد كلام كيري عن روسيا، مشيراً إلى أن موسكو لا تزال تمد النظام السوري بالسلاح.

رد كيري بأن لديه مجرد أمل حيال تحول الموقف الروسي لأنه "الطريق الأسهل... لتغيير حسابات بشار الأسد". وهنا أعطى كيري تقييمه عن الوضع في سورية، متحدثاً عن قلق من "انهيار كامل للدولة ولا أحد لديه تعريف واضح لكيفية تجميع القطع مرة أخرى"، وقلق من خطر انتشار الأسلحة الكيمائية. وذكر أن هناك "ناساً في الخليج لا يترددون في توفير الأسلحة وهذا من أحد الأسباب، بالإضافة إلى إدخال جبهة النصرة إلى المعادلة، التي جعلت التحرك على الأرض أسرع من الحركة في السياسة".

يذكر أنه عندما كان في صفوف الكونغرس، لمّح كيري إلى عدم اعتراضه على فكرة تسليح المعارضة السورية، لكنه الآن يتناغم مع مواقف الإدارة أي التأكيد على رحيل الأسد، مع اعتبار أن إضافة أسلحة إلى هذا النزاع لا يؤدي سوى إلى تعقيد الوضع على الأرض. وكان واضحاً من التسريبات الأخيرة من وزارة الخارجية حول استخدام النظام السوري للأسلحة الكيماوية أن هناك أصواتاً في "فوغي بوتوم" لديها تحفظات على سياسة البيت الأبيض المتريثة حيال سوريا، لكن كيري سيكون على الأرجح في تناغم مع دائرة أوباما الضيقة في التعامل مع الملفين السوري والإيراني.

  • فريق ماسة
  • 2013-01-25
  • 10207
  • من الأرشيف

مـا هـي مقاربـة جـون كيـري حيـال سـورية وإيـران؟

كل تعيينات الرئيس الأميركي باراك أوباما تشير إلى أن السياسة الخارجية ستكون من أولوياته الرئيسية خلال الولاية الثانية، في محاولة لترك بصمات بأقل تكلفة ممكنة على عالم تتسارع خطى تغييره وتزداد وتيرة خطورته. أعلن أوباما أمس عن تعيين دينيس مكدونو في منصب كبير موظفي البيت الأبيض، وهو سيكون منذ الآن بوابة الوصول إلى الرئيس. وقبل المنصب الجديد، شغل مكدونو منصب نائب مستشار الأمن القومي، وساهم في بلورة خطط الانسحاب الأميركي من العراق وأفغانستان. وعادة يكون التركيز في منصب كبير الموظفين على القضايا المحلية، لكن خبرة مكدونو قد تعني دفع قضايا السياسة الخارجية على طاولة الرئيس. وما يعزز هذا الأمر أيضاً هو بقاء توم دونيلون في منصب مستشار الأمن القومي، وهو أيضاً الشخصية النافذة الأخرى في دائرة أوباما الضيقة، والذي يقوم بدور رئيسي في السياسة الخارجية. وتزامن هذا الأمر مع خروج مهندس حملة أوباما الانتخابية ديفيد بلوف من البيت الأبيض، أي الانتقال من زمن الانتخابات إلى مرحلة الحكم. بالإضافة إلى ذلك، يعكس تعيين مكدونو رغبة أوباما بفتح صفحة تعاون إيجابية مع الكونغرس. وهناك مؤشرات أن أوباما يبحث عن الثقة والوفاء في المراكز الحساسة حوله خلال ولايته الثانية. هنا يأتي جون كيري في منصب وزارة الخارجية، وهو الذي كان وفياً لأوباما طوال فترة ولايته الأولى وساعده على نزع فتيل الكثير من الأزمات الدولية، كما أن خدمته لفترة 28 عاماً في الكونغرس ستساعده على تجاوز العراقيل في مبنى "الكابيتول هيل". كان السيناتور كيري في بيته خلال جلسة الاستماع حول ترشيحه أمس الأول أمام زملائه في لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، والتي ترأسها منذ أكثر من أربع سنوات بعد تولي سلفه جو بايدن منصب نائب الرئيس. أما الرئيس الجديد لهذه اللجنة النافذة اليوم فهو السيناتور روبرت مينينديز، الذي لن يكون على مستوى خبرة كيري أو بايدن في السياسة الخارجية، لكنه كان من أكثر أعضاء مجلس الشيوخ نفوذا في دفع سلسلة القوانين التي تعزز العقوبات المالية على طهران. أعطى كلام كيري خلال جلسة الاستماع بعض المؤشرات عن توجهاته بعد توليه المنصب رسمياً، وهذا متوقع الأسبوع المقبل بعد تصويت الجلسة العامة على ترشيحه. قال كيري أولاً إن "الرئيس أوباما وكل واحد منا هناك يعلم أن السياسة الخارجية الأميركية لا تعرّف فقط بالطائرات من دون طيار وعمليات الانتشار العسكري". هنا يتابع كيري تقليد وزراء الخارجية الذين يتمسكون بتعزيز ميزانية برامج التنمية الدولية بديلاً من مقاربة الاستخبارات والعسكر. أما المؤشر الثاني فهو وصف كيري ما يحدث في المنطقة بأنه "صحوة عربية"، معتبراً أن "شباب ميدان التحرير الذي حقق لمصر ثورتها يمثل عطش الأجيال لفرص وحقوق المشاركة في الحكم وليس حركة دينية"، في إشارة إلى جماعة "الإخوان المسلمين". طمأن كيري الكونغرس أيضاً، قائلاً "سياستنا ليست الاحتواء، هي المنع. الوقت يمر على جهودنا لضمان امتثال مسؤول" من قبل طهران، كما لمّح إلى أن الإدارة ستواصل طريق البحث عن إجماع دولي لزيادة عزلة إيران. وأضاف أن "الرئيس أوباما وأنا نفضل الحل السلمي لهذا التحدي وسأعمل لإعطاء الديبلوماسية كل جهد للنجاح. لكن لا أحد عليه أن يخطئ بعزمنا على تقليص التهديد النووي". وتحدث كيري عن استعداد الإدارة حتى الانخراط في جهود ثنائية مع طهران، موضحاً في هذا السياق "يحتاج الإيرانيون إلى إدراك أن ليس هناك جدول أعمال آخر هنا. إذا كان برنامجهم سلمياً، يمكنهم إثبات الأمر وهذا ما نسعى إليه". وخلال جلسة استمرت حوالي أربع ساعات، دعا كيري السيناتور الجمهوري ماركو روبيو إلى تفهم حساسية منطقة الشرق الأوسط وتاريخها، قائلا "لا يمكن أخذ مفهوم أميركي أو غربي وإسقاطه والقول إن هذا الأمر سينجح". وبعد تقاعد السيناتور الجمهوري المعتدل ريتشار لاوغار، أتى كأرفع جمهوري في لجنة العلاقات الخارجية السيناتور بوب كوركر الذي استمر في هذا التقليد من طرح المواقف المعتدلة خلال الجلسة، وترك معارك الأسئلة الحزبية إلى زملائه الجمهوريين. وسأل كوركر السيناتور كيري عن خلاصة اجتماعاته السابقة مع الرئيس السوري بشار الأسد التي قد تساعده في التعامل مع هذا الملف. ورأى كيري أن الأسد "قام بمجموعة من الأحكام التي لا يمكن تبريرها وتستحق الشجب، وأنا أعتقد أنه لن يبقى طويلا على رأس دولة سورية". وركز كيري على المرحلة الانتقالية، قائلاً "نحتاج إلى تغيير حسابات بشار الأسد. في الوقت الراهن، الرئيس الأسد لا يعتقد أنه يخسر، والمعارضة تعتقد أنها تكسب. هذه ليست معادلة تسمح بالتوصل إلى نوع من التسوية لمرحلة انتقالية". كما ذكر كيري أن هناك مؤشرات بأن الروس يريدون رحيل الأسد "لكنّ لديهم شعوراً مختلفاً عن طريق وتوقيت ذلك". بدوره، اعتبر السيناتور الجمهوري جون مكاين، الذي دعم ترشيح كيري "من دون تحفظ"، أنه مع ترك واشنطن مسافة من سورية يتعزز نفوذ تنظيم "القاعدة" في هذا البلد، في وقت انتقل فيه الأسد إلى "الخطة ب وهي الذهاب إلى الساحل والقيام ببعض التطهير العرقي". كما انتقد كلام كيري عن روسيا، مشيراً إلى أن موسكو لا تزال تمد النظام السوري بالسلاح. رد كيري بأن لديه مجرد أمل حيال تحول الموقف الروسي لأنه "الطريق الأسهل... لتغيير حسابات بشار الأسد". وهنا أعطى كيري تقييمه عن الوضع في سورية، متحدثاً عن قلق من "انهيار كامل للدولة ولا أحد لديه تعريف واضح لكيفية تجميع القطع مرة أخرى"، وقلق من خطر انتشار الأسلحة الكيمائية. وذكر أن هناك "ناساً في الخليج لا يترددون في توفير الأسلحة وهذا من أحد الأسباب، بالإضافة إلى إدخال جبهة النصرة إلى المعادلة، التي جعلت التحرك على الأرض أسرع من الحركة في السياسة". يذكر أنه عندما كان في صفوف الكونغرس، لمّح كيري إلى عدم اعتراضه على فكرة تسليح المعارضة السورية، لكنه الآن يتناغم مع مواقف الإدارة أي التأكيد على رحيل الأسد، مع اعتبار أن إضافة أسلحة إلى هذا النزاع لا يؤدي سوى إلى تعقيد الوضع على الأرض. وكان واضحاً من التسريبات الأخيرة من وزارة الخارجية حول استخدام النظام السوري للأسلحة الكيماوية أن هناك أصواتاً في "فوغي بوتوم" لديها تحفظات على سياسة البيت الأبيض المتريثة حيال سوريا، لكن كيري سيكون على الأرجح في تناغم مع دائرة أوباما الضيقة في التعامل مع الملفين السوري والإيراني.

المصدر : السفير/جو معكرون


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة