هذا السؤال غالبا ما يطرح امامك اذا ما التقيت بمراسل او بديبلوماسي اجنبي: "هل يرى بعض الساسة عندكم ما يحدث في سورية، وما يحدث في العراق، لكي يتصرفوا حيال قانون الانتخاب حيناً كالضباع وحيناً كراقصات هز البطن؟".

بلدان انزلقا الى الهاوية، إن بفعل الرؤية الخشبية للنظام او بفعل التبعية العمياء للمعارضة. شظايا بشرية تتناثر، فيما بين العرب من يكرر في العراق الخطأ إياه الذي ارتكبوه في سورية، ودائماً بالتنسيق او بإمرة "الاصبع التركي" الذي لا بد ان يحترق، كما تحترق اصابع اخرى، في نهاية المطاف.

العراق الذي كان مقطع الاوصال قبل ان يوحد ونستون تشرشل ولايات البصرة والموصل وبغداد لاسباب نفطية فحسب، قد يشهد اسوأ بكثير مما تشهده سورية. القابلية للدم هناك مثل القابلية للشعر. ومثلما هو بلد حمورابي وهارون الرشيد والمأمون هو بلد الحجاج بن يوسف الثقفي وابو العباس السفاح وعبد الكريم قاسم وصدام حسين…

لكن الاهم من كل هذا ان ثمة حدوداً طويلة تجمعه تقريباً بكل بلدان المنطقة، وبكل قوى المنطقة، ايضا بكل ازمات وثروات المنطقة (تركيا، ايران، المملكة العربية السعودية، سورية، الكويت، الاردن). وعلينا ان نتصور اذا ما اندلعت الحرب الاهلية هناك اي هيروشيما ستكون امامنا. من قال ان هيروشيما لن تتدحرج في كل الاتجاهات؟

واضح ايضاً ان النظام في سورية او في العراق بات عاجزاً كلياً عن استيعاب الوضع سياسياً او عسكرياً. وواضح جداً ان المعارضة التي ترفع صور رجب طيب اردوغان تسند ظهرها، وضميرها، الى النير العثماني. واذا كان من المستحيل، اخلاقياً على الاقل، الدفاع عن اي نظام، فأي معارضة تلك التي لم تقرأ التاريخ وتعرف كيف القت بنا السلطنة العثمانية، وعلى مدى اربعة قرون، خارج الزمن؟

ثم ألم نكن نشبه الركام، بل كنا الركام حقاً، قبل الحرب العالمية الاولى وغداة هذه الحرب ليجري تقسيمنا بالسكين ولنبقى حتى الآن نشبه الركام بل اننا الركام حقاً وقد استعاد لحظة الحنين الى الباب العالي، فما بالك الآن والصدر الاعظم لا يكلمنا الا باصبعه، واحياناً باصبع قدمه؟

لطالما قيل ان العراق هو العمق الاستراتيجي لسورية في الصراع مع اسرائيل، حتى وان بقيت دمشق تتصرف او تشعر انها عاصمة الامويين، حتى وان بقيت بغداد تتصرف او تشعر انها عاصمة العباسيين. العاصمتان بقيتا بعيدتين ومتباعدتين حتى في ذروة الازمات. وبدت دمشق اقرب الى القاهرة منها الى بغداد، وقد اقامت معها الوحدة، وبدت بغداد اقرب الى انقرة وكراتشي وطهران منها الى دمشق، وقد اقامت معها حلف بغداد الشهير عبر جلال بايار، واسكندر ميرزا ومحمد رضا بهلوي…

الآن لم يعد الحديث عن لعبة القوى، او عن لعبة المحاور. انه الحديث عن لعبة المذاهب وحيث الهشيم البشري (الحطام البشري اذا شئتم) اشتعل في سورية ويوشك على الاشتعال في العراق لان من يمسكون بالانظمة، ومن يمسكون بالمعارضة، يمسكون ايضاً بعيدان الثقاب…

البعض يأخذ علينا اننا نميل الى الجانب السوداوي من المشهد. هل لاحد ان يدلنا على الجانب المضيء من المشهد؟

قد يقال ان بالامكان استيعاب تداعيات الانفجار في سورية، وهي التي تأفغنت او تصوملت، ولكن ماذا اذا انفجر العراق ايضاً، وهو الذي يتاخم القوتين الاقليميتين، اي تركيا وايران؟

دائماً ما يقال ان تلك شعوب عاشت كل اشكال الاستبداد، وان ساعة الانعتاق قد دقت. ولكن هل هذا الذي يحصل هو الانعتاق فعلا ام الارتخاء بين ذراعي او تحت قدمي سلاطين وقياصرة ايام زمان، في حين تسعى الدول الاخرى، والمجتمعات الاخرى، الى تكثيف وتفعيل ديناميات النمو والدخول من الباب العريض الى ثقافة القرن بل والمشاركة الخلاقة في صياغة ثقافة القرن؟

والطريف هنا، بل والخطير، ان ثمة ساسة في لبنان يعتبرون انه كلما انفجرت الازمات خارج الحدود كلما كانت بلادنا بأمان، مع ان الذين كانوا يتجنبون استخدام كلمة "المؤامرة" لكثرة ما لاكتها ألسنة الانظمة، بدأوا يقتنعون، ما عدا بعض العرب بطبيعة الحال، بأن ما قيل في التسعينات حول تغيير في الخرائط، وحتى في " البنية الجيولوجية" لمجتمعات الشرق الاوسط انما يشق طريقه الى التنفيذ الآن…

مثلما سورية تحولت الى شظايا، والعراق تحوّل الى شظايا، فإن من يتابع النقاشات والاصطفافات يتأكد اكثر فأكثر بأن لبنان تحوّل، بدوره، الى شظايا. وهناك مهزلة تدعى قانون الانتخاب، وتحتار الشظايا كيف تحطم بعضها البعض…

الذي يجري على الساحة اللبنانية، وهنا مسرحية ثقيلة الظل، وبلهاء ايضا، مثل الذي يجري في سورية او في العراق. لا علاقة له بالديمقراطية وبالعدالة، وانما بلعبة الدومينو إياها حيث ينبغي ان يتصدع كل شيء او ان يتمزق كل شيء، لكي نوضع جميعاً في… طنجرة المردة!

  • فريق ماسة
  • 2013-01-21
  • 12126
  • من الأرشيف

الضباع و .. راقصات هز البطن

هذا السؤال غالبا ما يطرح امامك اذا ما التقيت بمراسل او بديبلوماسي اجنبي: "هل يرى بعض الساسة عندكم ما يحدث في سورية، وما يحدث في العراق، لكي يتصرفوا حيال قانون الانتخاب حيناً كالضباع وحيناً كراقصات هز البطن؟". بلدان انزلقا الى الهاوية، إن بفعل الرؤية الخشبية للنظام او بفعل التبعية العمياء للمعارضة. شظايا بشرية تتناثر، فيما بين العرب من يكرر في العراق الخطأ إياه الذي ارتكبوه في سورية، ودائماً بالتنسيق او بإمرة "الاصبع التركي" الذي لا بد ان يحترق، كما تحترق اصابع اخرى، في نهاية المطاف. العراق الذي كان مقطع الاوصال قبل ان يوحد ونستون تشرشل ولايات البصرة والموصل وبغداد لاسباب نفطية فحسب، قد يشهد اسوأ بكثير مما تشهده سورية. القابلية للدم هناك مثل القابلية للشعر. ومثلما هو بلد حمورابي وهارون الرشيد والمأمون هو بلد الحجاج بن يوسف الثقفي وابو العباس السفاح وعبد الكريم قاسم وصدام حسين… لكن الاهم من كل هذا ان ثمة حدوداً طويلة تجمعه تقريباً بكل بلدان المنطقة، وبكل قوى المنطقة، ايضا بكل ازمات وثروات المنطقة (تركيا، ايران، المملكة العربية السعودية، سورية، الكويت، الاردن). وعلينا ان نتصور اذا ما اندلعت الحرب الاهلية هناك اي هيروشيما ستكون امامنا. من قال ان هيروشيما لن تتدحرج في كل الاتجاهات؟ واضح ايضاً ان النظام في سورية او في العراق بات عاجزاً كلياً عن استيعاب الوضع سياسياً او عسكرياً. وواضح جداً ان المعارضة التي ترفع صور رجب طيب اردوغان تسند ظهرها، وضميرها، الى النير العثماني. واذا كان من المستحيل، اخلاقياً على الاقل، الدفاع عن اي نظام، فأي معارضة تلك التي لم تقرأ التاريخ وتعرف كيف القت بنا السلطنة العثمانية، وعلى مدى اربعة قرون، خارج الزمن؟ ثم ألم نكن نشبه الركام، بل كنا الركام حقاً، قبل الحرب العالمية الاولى وغداة هذه الحرب ليجري تقسيمنا بالسكين ولنبقى حتى الآن نشبه الركام بل اننا الركام حقاً وقد استعاد لحظة الحنين الى الباب العالي، فما بالك الآن والصدر الاعظم لا يكلمنا الا باصبعه، واحياناً باصبع قدمه؟ لطالما قيل ان العراق هو العمق الاستراتيجي لسورية في الصراع مع اسرائيل، حتى وان بقيت دمشق تتصرف او تشعر انها عاصمة الامويين، حتى وان بقيت بغداد تتصرف او تشعر انها عاصمة العباسيين. العاصمتان بقيتا بعيدتين ومتباعدتين حتى في ذروة الازمات. وبدت دمشق اقرب الى القاهرة منها الى بغداد، وقد اقامت معها الوحدة، وبدت بغداد اقرب الى انقرة وكراتشي وطهران منها الى دمشق، وقد اقامت معها حلف بغداد الشهير عبر جلال بايار، واسكندر ميرزا ومحمد رضا بهلوي… الآن لم يعد الحديث عن لعبة القوى، او عن لعبة المحاور. انه الحديث عن لعبة المذاهب وحيث الهشيم البشري (الحطام البشري اذا شئتم) اشتعل في سورية ويوشك على الاشتعال في العراق لان من يمسكون بالانظمة، ومن يمسكون بالمعارضة، يمسكون ايضاً بعيدان الثقاب… البعض يأخذ علينا اننا نميل الى الجانب السوداوي من المشهد. هل لاحد ان يدلنا على الجانب المضيء من المشهد؟ قد يقال ان بالامكان استيعاب تداعيات الانفجار في سورية، وهي التي تأفغنت او تصوملت، ولكن ماذا اذا انفجر العراق ايضاً، وهو الذي يتاخم القوتين الاقليميتين، اي تركيا وايران؟ دائماً ما يقال ان تلك شعوب عاشت كل اشكال الاستبداد، وان ساعة الانعتاق قد دقت. ولكن هل هذا الذي يحصل هو الانعتاق فعلا ام الارتخاء بين ذراعي او تحت قدمي سلاطين وقياصرة ايام زمان، في حين تسعى الدول الاخرى، والمجتمعات الاخرى، الى تكثيف وتفعيل ديناميات النمو والدخول من الباب العريض الى ثقافة القرن بل والمشاركة الخلاقة في صياغة ثقافة القرن؟ والطريف هنا، بل والخطير، ان ثمة ساسة في لبنان يعتبرون انه كلما انفجرت الازمات خارج الحدود كلما كانت بلادنا بأمان، مع ان الذين كانوا يتجنبون استخدام كلمة "المؤامرة" لكثرة ما لاكتها ألسنة الانظمة، بدأوا يقتنعون، ما عدا بعض العرب بطبيعة الحال، بأن ما قيل في التسعينات حول تغيير في الخرائط، وحتى في " البنية الجيولوجية" لمجتمعات الشرق الاوسط انما يشق طريقه الى التنفيذ الآن… مثلما سورية تحولت الى شظايا، والعراق تحوّل الى شظايا، فإن من يتابع النقاشات والاصطفافات يتأكد اكثر فأكثر بأن لبنان تحوّل، بدوره، الى شظايا. وهناك مهزلة تدعى قانون الانتخاب، وتحتار الشظايا كيف تحطم بعضها البعض… الذي يجري على الساحة اللبنانية، وهنا مسرحية ثقيلة الظل، وبلهاء ايضا، مثل الذي يجري في سورية او في العراق. لا علاقة له بالديمقراطية وبالعدالة، وانما بلعبة الدومينو إياها حيث ينبغي ان يتصدع كل شيء او ان يتمزق كل شيء، لكي نوضع جميعاً في… طنجرة المردة!

المصدر : الديار/ نبيه برجي


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة