بلغ التوتر ذروته في الحلبة السياسية الإسرائيلية في اليومين الأخيرين جراء الغموض الذي يعتري مكانة الليكود في الحكومة المقبلة التي يفترض ان تنبثق عن انتخابات الكنيست اليوم. وقد تعاظم التوتر إثر اتضاح أن قائمة «الليكود بيتنا» لم تفلح حتى اللحظة الأخيرة في كبح تدهور مكانتها في استطلاعات الرأي، بحيث بات الحديث يدور عن 30 مقعداً بدلاً من الـ45 التي تحدثوا عنها عند إعلان القائمة. وما زاد الطين بلة، عند الليكوديين تحديداً، شعورهم بأن أفيغدور ليبرمان وحزبه، «إسرائيل بيتنا»، لم يتركا لهم عملياً سوى حوالى 20 مقعداً، الأمر الذي يشير إلى أن قبضة الليكود في الحكومة المقبلة لن تكون قوية.

وبسبب الإدراك، ليس فقط في الليكود وإنما في كل الأحزاب، أن جانباً مهما من التوتر يعود إلى احتمالات أن لا تكون نسبة التصويت العامة مرتفعة، اندفعت القوى بأسرها لحث الناخبين على المشاركة من خلال تعزيز حملات الترهيب من المستقبل الأسود. وهكذا حث الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز، ورئيس اللجنة المركزية للانتخابات القاضي إلياكيم روبنشتاين، ورؤساء الأحزاب عموماً الجمهور الإسرائيلي على الذهاب بمجموعه للمشاركة في تقرير مصيره عبر وضع بطاقة الاقتراع. وكانت جامعة الدول العربية، التي استشعرت الخطر من تنامي خطر الأصولية اليهودية قد دعت المواطنين العرب في الدولة العبرية إلى المشاركة بكثافة في الانتخابات. ولكن لا يبدو أن هذه الدعوات كانت مجدية سواء مع العرب أو مع اليهود.

وربما، لهذا السبب، توجهت أنظار الأحزاب نحو ما يعرف بالأصوات العائمة أو المترددين. وبحسب التقديرات، فإن من يعتبرون مترددين في هذه الانتخابات يشكلون قطاعاً يصل إلى 15 في المئة من الناخبين. ووفقاً لحسابات بسيطة، فإن هذه النسبة تقترب من 20 مقعداً، وهي كمية يمكن أن تكون حاسمة نوعياً إن ساهمت في تغيير الصورة العامة للانتخابات. ولكن غالبية المراقبين يعتقدون أن توزيع أصوات المترددين لن يختلف جوهرياً عن التوزيع العام لأصوات الناخبين، وبالتالي لا ينتظرون مفاجآت.

غير أن هذه الخلاصة لا تقنع الأحزاب التي انطلق قادتها ونشطاؤها نحو قطاعات يمكنها أن تحسن حصيلة الأصوات لديهم. فتوجه رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو إلى القدس، وإلى قطاع الشباب من خلال ابتداع ألعوبة الإعلان عن تعيين الوزير السابق موشي كحلون رئيساً لدائرة أراضي إسرائيل والإيحاء انه سيعمل على تخفيض أسعار الشقق السكنية حوالى الثلث. واستغل نتنياهو نجاح كحلون، في منصبه كوزير للاتصالات، في تخفيض تكلفة المكالمات الهاتفية الخلوية بشكل كبير، ما أكسبه شعبية كبيرة. لكن الخبراء يجزمون أن حل مشكلة السكن على الأرض لا تقارن البتة بحل مشكلة المكالمات في الهواء.

وتوجهت زعيمة حزب العمل شيلي يحيموفيتش، إلى قطاع النساء على أمل أن تكسب نصف أصوات المترددات، فيما توجهت زعيمة الحركة تسيبي ليفني إلى المجمعات التجارية، وذهب يائير لبيد إلى الشوارع. واستغل شاؤول موفاز مكانته كوزير مواصلات سابق فزار الركاب في القطارات، ووزع آخرون الورود في الشوارع. كما أن حزب «ميرتس» اليساري وأنصار حركة «السلام الآن» حاولوا، متأخرين، التوجه إلى الجمهور العربي بعدما أدركوا أثر هذا الصوت على مجمل الانتخابات ونتائجها.

وبعد ذلك، تبقى مسألة الأصوات التي سوف تذهب هباء وهي أصوات القوائم التي لن تفلح في اجتياز نسبة الحسم والبالغة اثنين في المئة من الأصوات. ومعروف انه كلما ازدادت نسبة التصويت، كلما تراجعت حظوظ القوائم الضعيفة في اجتياز نسبة الحسم التي تعد وفق العدد الإجمالي للمشاركين في الانتخابات. وتتسم نسبة الحسم هذه المرة بأهمية فائقة لأن نجاح حزب «كديما» مثلا في اجتياز هذه النسبة يعتبر مكسبا لمعسكر الوسط، في حين ان اجتياز «عوتسما ليسرائيل» لهذه النسبة يمنح قوة لمعسكر اليمين. ويتوقع الخبراء أن يتأخر الإعلان عن النتائج النهائية بسبب تعقيدات القوائم التي لن تجتاز نسبة الحسم، والتي ستؤثر بالتالي في حصة الأحزاب الكبيرة التي تتقاسم أصواتها.

ولكن هذه هي هموم اليوم وليس الغد. ومن الواضح أن المعركة التي دارت بين تيارات اليمين في الانتخابات الحالية ونتائج الانتخابات يمكن أن تترك أثرها الكبير في تشكيلة الائتلاف الحكومي. ومعروف أن «الليكود بيتنا» يتكون من قوتين تريان الأمور بشكل مختلف في العديد من القضايا. وفيما يعتبر الليكود، مثلا، الحريديم شريكاً طبيعياً له، يرى حزب «إسرائيل بيتنا» فيهم عدواً. كما ان نتنياهو المعادي «شخصيا» لزعيم «البيت اليهودي» نفتالي بينت لا يراه شريكاً، فيما يعتبره أفيغدور ليبرمان مقرباً. وقد دار صراع شديد مؤخراً حول قانون تجنيد طلاب المدارس الدينية، فضلاً عن الصراع الذي سوف ينشأ عن أي محاولة لتحقيق تقدم على صعيد التسوية السياسية.

وبديهي أن ذلك سيترك أثراً يزداد أهمية بقدر ما تكون نتائج الانتخابات مهينة لـ«الليكود بيتنا». وبحسب آخر الاستطلاعات فإن «الليكود بيتنا» ربما يهبط حتى عن سقف 30 مقعداً، ما سيضطره لتقديم تنازلات أكثر لشركائه الائتلافيين. وقد أعلنت جهات دينية يمينية عدة انها ليست في جيب نتنياهو. وأبرز هذه الجهات الأحزاب الحريدية، «يهدوت هتوراه» و«شاس»، التي تهدد بانها قد لا توصي بنتنياهو أمام الرئيس الإسرائيلي عند بدء مشاورات تكليف الحكومة.

ويعتقد خبراء في إسرائيل أن ضعف نتنياهو المحتمل أمام «شركائه الطبيعيين» من اليمين الديني القومي والحريدي يمكن أن يدفعه، كاحتمال، إلى البحث عن شراكة مع الوسط، خصوصا مع يائير لبيد. لكن هؤلاء الخبراء يؤكدون انه إذا أفلح لبيد وتسيبي ليفني وحزب العمل في بلورة موقف تفاوضي واحد - وهو ما لم يفلحوا في الاتفاق عليه طوال المعركة الانتخابية - ربما تفتح نافذة فرص جديدة للوسط.

عموما، كل هذه احتمالات تطرح الآن، لكن بعضها سيتأكد أو يتبدد خلال اليومين المقبلين. الشيء الواضح والمؤكد أن إسرائيل من بعد منتصف هذه الليلة ستدخل مرحلة غموض لا شيء واضحا فيها عدا انها أشد يمينية من أي وقت مضى.

  • فريق ماسة
  • 2013-01-21
  • 10950
  • من الأرشيف

إسـرائيـل تكشـف اليـوم عـن وجـهها اليمينـي

بلغ التوتر ذروته في الحلبة السياسية الإسرائيلية في اليومين الأخيرين جراء الغموض الذي يعتري مكانة الليكود في الحكومة المقبلة التي يفترض ان تنبثق عن انتخابات الكنيست اليوم. وقد تعاظم التوتر إثر اتضاح أن قائمة «الليكود بيتنا» لم تفلح حتى اللحظة الأخيرة في كبح تدهور مكانتها في استطلاعات الرأي، بحيث بات الحديث يدور عن 30 مقعداً بدلاً من الـ45 التي تحدثوا عنها عند إعلان القائمة. وما زاد الطين بلة، عند الليكوديين تحديداً، شعورهم بأن أفيغدور ليبرمان وحزبه، «إسرائيل بيتنا»، لم يتركا لهم عملياً سوى حوالى 20 مقعداً، الأمر الذي يشير إلى أن قبضة الليكود في الحكومة المقبلة لن تكون قوية. وبسبب الإدراك، ليس فقط في الليكود وإنما في كل الأحزاب، أن جانباً مهما من التوتر يعود إلى احتمالات أن لا تكون نسبة التصويت العامة مرتفعة، اندفعت القوى بأسرها لحث الناخبين على المشاركة من خلال تعزيز حملات الترهيب من المستقبل الأسود. وهكذا حث الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز، ورئيس اللجنة المركزية للانتخابات القاضي إلياكيم روبنشتاين، ورؤساء الأحزاب عموماً الجمهور الإسرائيلي على الذهاب بمجموعه للمشاركة في تقرير مصيره عبر وضع بطاقة الاقتراع. وكانت جامعة الدول العربية، التي استشعرت الخطر من تنامي خطر الأصولية اليهودية قد دعت المواطنين العرب في الدولة العبرية إلى المشاركة بكثافة في الانتخابات. ولكن لا يبدو أن هذه الدعوات كانت مجدية سواء مع العرب أو مع اليهود. وربما، لهذا السبب، توجهت أنظار الأحزاب نحو ما يعرف بالأصوات العائمة أو المترددين. وبحسب التقديرات، فإن من يعتبرون مترددين في هذه الانتخابات يشكلون قطاعاً يصل إلى 15 في المئة من الناخبين. ووفقاً لحسابات بسيطة، فإن هذه النسبة تقترب من 20 مقعداً، وهي كمية يمكن أن تكون حاسمة نوعياً إن ساهمت في تغيير الصورة العامة للانتخابات. ولكن غالبية المراقبين يعتقدون أن توزيع أصوات المترددين لن يختلف جوهرياً عن التوزيع العام لأصوات الناخبين، وبالتالي لا ينتظرون مفاجآت. غير أن هذه الخلاصة لا تقنع الأحزاب التي انطلق قادتها ونشطاؤها نحو قطاعات يمكنها أن تحسن حصيلة الأصوات لديهم. فتوجه رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو إلى القدس، وإلى قطاع الشباب من خلال ابتداع ألعوبة الإعلان عن تعيين الوزير السابق موشي كحلون رئيساً لدائرة أراضي إسرائيل والإيحاء انه سيعمل على تخفيض أسعار الشقق السكنية حوالى الثلث. واستغل نتنياهو نجاح كحلون، في منصبه كوزير للاتصالات، في تخفيض تكلفة المكالمات الهاتفية الخلوية بشكل كبير، ما أكسبه شعبية كبيرة. لكن الخبراء يجزمون أن حل مشكلة السكن على الأرض لا تقارن البتة بحل مشكلة المكالمات في الهواء. وتوجهت زعيمة حزب العمل شيلي يحيموفيتش، إلى قطاع النساء على أمل أن تكسب نصف أصوات المترددات، فيما توجهت زعيمة الحركة تسيبي ليفني إلى المجمعات التجارية، وذهب يائير لبيد إلى الشوارع. واستغل شاؤول موفاز مكانته كوزير مواصلات سابق فزار الركاب في القطارات، ووزع آخرون الورود في الشوارع. كما أن حزب «ميرتس» اليساري وأنصار حركة «السلام الآن» حاولوا، متأخرين، التوجه إلى الجمهور العربي بعدما أدركوا أثر هذا الصوت على مجمل الانتخابات ونتائجها. وبعد ذلك، تبقى مسألة الأصوات التي سوف تذهب هباء وهي أصوات القوائم التي لن تفلح في اجتياز نسبة الحسم والبالغة اثنين في المئة من الأصوات. ومعروف انه كلما ازدادت نسبة التصويت، كلما تراجعت حظوظ القوائم الضعيفة في اجتياز نسبة الحسم التي تعد وفق العدد الإجمالي للمشاركين في الانتخابات. وتتسم نسبة الحسم هذه المرة بأهمية فائقة لأن نجاح حزب «كديما» مثلا في اجتياز هذه النسبة يعتبر مكسبا لمعسكر الوسط، في حين ان اجتياز «عوتسما ليسرائيل» لهذه النسبة يمنح قوة لمعسكر اليمين. ويتوقع الخبراء أن يتأخر الإعلان عن النتائج النهائية بسبب تعقيدات القوائم التي لن تجتاز نسبة الحسم، والتي ستؤثر بالتالي في حصة الأحزاب الكبيرة التي تتقاسم أصواتها. ولكن هذه هي هموم اليوم وليس الغد. ومن الواضح أن المعركة التي دارت بين تيارات اليمين في الانتخابات الحالية ونتائج الانتخابات يمكن أن تترك أثرها الكبير في تشكيلة الائتلاف الحكومي. ومعروف أن «الليكود بيتنا» يتكون من قوتين تريان الأمور بشكل مختلف في العديد من القضايا. وفيما يعتبر الليكود، مثلا، الحريديم شريكاً طبيعياً له، يرى حزب «إسرائيل بيتنا» فيهم عدواً. كما ان نتنياهو المعادي «شخصيا» لزعيم «البيت اليهودي» نفتالي بينت لا يراه شريكاً، فيما يعتبره أفيغدور ليبرمان مقرباً. وقد دار صراع شديد مؤخراً حول قانون تجنيد طلاب المدارس الدينية، فضلاً عن الصراع الذي سوف ينشأ عن أي محاولة لتحقيق تقدم على صعيد التسوية السياسية. وبديهي أن ذلك سيترك أثراً يزداد أهمية بقدر ما تكون نتائج الانتخابات مهينة لـ«الليكود بيتنا». وبحسب آخر الاستطلاعات فإن «الليكود بيتنا» ربما يهبط حتى عن سقف 30 مقعداً، ما سيضطره لتقديم تنازلات أكثر لشركائه الائتلافيين. وقد أعلنت جهات دينية يمينية عدة انها ليست في جيب نتنياهو. وأبرز هذه الجهات الأحزاب الحريدية، «يهدوت هتوراه» و«شاس»، التي تهدد بانها قد لا توصي بنتنياهو أمام الرئيس الإسرائيلي عند بدء مشاورات تكليف الحكومة. ويعتقد خبراء في إسرائيل أن ضعف نتنياهو المحتمل أمام «شركائه الطبيعيين» من اليمين الديني القومي والحريدي يمكن أن يدفعه، كاحتمال، إلى البحث عن شراكة مع الوسط، خصوصا مع يائير لبيد. لكن هؤلاء الخبراء يؤكدون انه إذا أفلح لبيد وتسيبي ليفني وحزب العمل في بلورة موقف تفاوضي واحد - وهو ما لم يفلحوا في الاتفاق عليه طوال المعركة الانتخابية - ربما تفتح نافذة فرص جديدة للوسط. عموما، كل هذه احتمالات تطرح الآن، لكن بعضها سيتأكد أو يتبدد خلال اليومين المقبلين. الشيء الواضح والمؤكد أن إسرائيل من بعد منتصف هذه الليلة ستدخل مرحلة غموض لا شيء واضحا فيها عدا انها أشد يمينية من أي وقت مضى.

المصدر : حلمي موسى\ السفير


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة