ليس على المراقب الناظر في ما آلت اليه أحوال منطقة الشرق الأوسط، خصوصاً خلال العامين المنصرمين، أن يبذل الكثير من الجهد ليكتشف أن الدولة العبرية تعيش باكورة عصرها الذهبي الذي لم تكن تحلم يوماً بحلوله، إذ ينطبق عليها القول إفرحي وتهلّلي يا إسرائيل فقد أتاكِ مخلّص من حيث لم تتوقّعي.

ذلك لأن ما كانت اسرائيل لا تجرؤ على توقع حصوله، تحقق لها فجأة ودفعة واحدة كاملة تامة غير منقوصة، وكأنه وعد توراتي سقط عليها بنعمة تفوق أحلامها، اذ زال الخطر الامني الذي كان يتهددها لعقود، وتحققت أمنيتها بقيام تطرف تكفيري إسلامي في الدول العربية، ما يعزز اندفاعها العنصري إلى بناء جدران الفصل الواقية، من غزة والضفة، ومصر، إلى سوريا ولبنان والأردن. وهكذا صار المناخ مؤاتياً للمضي قدماً في قضم الأراضي الفلسطينية وتوسيع دائرة الاستيطان من القدس إلى الجولان.

فمنذ "نكسة" عام 1967، ومن ثم "حرب العبور" واطلاق هنري كيسينجر مقولته اليهودية في "الخطوة خطوة"، ازيحت كبرى الدول العربية من طريق اسرائيل وازيل موقعها في خط المواجهة عبر اتفاقات كمب ديفيد عام 1979، التي أخرجت مصر وأسرتها في خانة السلام، وإن يكن الشعب المصري لم يبتلع ذاك السلام المصطنع حتى اليوم.

ثم كرّت العربة على وقع الخطوة خطوة، عابرة وادي عربة، والواديين الأردني والفلسطيني، فاستراحت اسرائيل من تهديد المقاومة الفلسطينية ونامت مرتاحة على خط الحدود مع الأردن، بفضل السلامات المنفردة التي وفّرتها لها الحاضنة الأميركية وشقيقاتها الأوروبيات، وانصرفت لتحقيق حلمها بالقدس عاصمة أبدية للدولة العبرية.

 

ولكن ظل العراق القوة العسكرية الأقوى التي ترعب دولة إسرائيل، وكان لا بد من ازالة خطرها عليها وعلى اتفاقات السلام، فاستدرجت الى الكويت قبل ان يبتكر لها "المدفع العملاق" الوهمي، ويجتاح "التحالف" ارض الرافدين، لينتهي الامر بتدمير القوة العسكرية العراقية وتفكيك جيشها الذي أرغم القادة الاسرائيليين على النزول الى الملاجئ للمرة الاولى في تاريخ الصراع العربي الاسرائيلي.

إلا أن حلقة تدمير الأخطار التي تتهدد اسرائيل، لم تكتمل، إذ برزت المقاومة اللبنانية التي حررت الجنوب، اكبر تهديد يواجه اسرائيل، فرفعت تل ابيب مسألة خطف "حزب الله" جنديين اسرائيليين الى مستوى الحرب على لبنان، وسارعت الى تنفيذ خطتها المعدة سلفا للقضاء على المقاومة. ولكن جاءت حرب تموز بما لا تشتهي الرياح الاسرائيلية، وهكذا كان لا بد من التوجه نحو سوريا لتدميرها كقوة عسكرية واعدة في الصراع العربي الاسرائيلي، تمهيدا بقصف مراكز مشبوهة نوويا او كيميائيا، في استعادة لسيناريو المدفع العراقي العملاق، إلا ان سيناريو تقويض سوريا من الداخل كان اقل كلفة على اسرائيل من حرب تشنها عليها، قد يتورط فيها "حزب الله" وايران. وبالتوازي مع استنزاف سوريا المتواصل لا تنفك تل ابيب تهدد طهران بضرب مفاعلاتها النووية، وتحض الغرب على القيام بالمهمة بدلا منها، اذ بانتهاء الخطر السوري وتجميد الوضع الايراني، تعتقد اسرائيل انها تنهي تهديد المقاومة في لبنان.

وحتى ذلك الحين تعيش الدولة العبرية مستمتعة بأصوات التكفيريين المتعالية من انقاض الانظمة العربية من تونس ومصر وليبيا واليمن، الى سوريا والاردن والخليج، وصولا اخيرا الى لبنان، فيما هي ترسخ قدميها في ارض فلسطين، بعدما تكفل بعض العرب بإبعاد خطر "حماس" و"الجهاد" عنها، مرنمة انشودة "إفرحي وتهلّلي يا إسرائيل" أتاك مخلّص من حيث لم تتوقّعي!

 

  • فريق ماسة
  • 2013-01-11
  • 8326
  • من الأرشيف

إفرحي وتهلّلي يا "إسرائيل".

ليس على المراقب الناظر في ما آلت اليه أحوال منطقة الشرق الأوسط، خصوصاً خلال العامين المنصرمين، أن يبذل الكثير من الجهد ليكتشف أن الدولة العبرية تعيش باكورة عصرها الذهبي الذي لم تكن تحلم يوماً بحلوله، إذ ينطبق عليها القول إفرحي وتهلّلي يا إسرائيل فقد أتاكِ مخلّص من حيث لم تتوقّعي. ذلك لأن ما كانت اسرائيل لا تجرؤ على توقع حصوله، تحقق لها فجأة ودفعة واحدة كاملة تامة غير منقوصة، وكأنه وعد توراتي سقط عليها بنعمة تفوق أحلامها، اذ زال الخطر الامني الذي كان يتهددها لعقود، وتحققت أمنيتها بقيام تطرف تكفيري إسلامي في الدول العربية، ما يعزز اندفاعها العنصري إلى بناء جدران الفصل الواقية، من غزة والضفة، ومصر، إلى سوريا ولبنان والأردن. وهكذا صار المناخ مؤاتياً للمضي قدماً في قضم الأراضي الفلسطينية وتوسيع دائرة الاستيطان من القدس إلى الجولان. فمنذ "نكسة" عام 1967، ومن ثم "حرب العبور" واطلاق هنري كيسينجر مقولته اليهودية في "الخطوة خطوة"، ازيحت كبرى الدول العربية من طريق اسرائيل وازيل موقعها في خط المواجهة عبر اتفاقات كمب ديفيد عام 1979، التي أخرجت مصر وأسرتها في خانة السلام، وإن يكن الشعب المصري لم يبتلع ذاك السلام المصطنع حتى اليوم. ثم كرّت العربة على وقع الخطوة خطوة، عابرة وادي عربة، والواديين الأردني والفلسطيني، فاستراحت اسرائيل من تهديد المقاومة الفلسطينية ونامت مرتاحة على خط الحدود مع الأردن، بفضل السلامات المنفردة التي وفّرتها لها الحاضنة الأميركية وشقيقاتها الأوروبيات، وانصرفت لتحقيق حلمها بالقدس عاصمة أبدية للدولة العبرية.   ولكن ظل العراق القوة العسكرية الأقوى التي ترعب دولة إسرائيل، وكان لا بد من ازالة خطرها عليها وعلى اتفاقات السلام، فاستدرجت الى الكويت قبل ان يبتكر لها "المدفع العملاق" الوهمي، ويجتاح "التحالف" ارض الرافدين، لينتهي الامر بتدمير القوة العسكرية العراقية وتفكيك جيشها الذي أرغم القادة الاسرائيليين على النزول الى الملاجئ للمرة الاولى في تاريخ الصراع العربي الاسرائيلي. إلا أن حلقة تدمير الأخطار التي تتهدد اسرائيل، لم تكتمل، إذ برزت المقاومة اللبنانية التي حررت الجنوب، اكبر تهديد يواجه اسرائيل، فرفعت تل ابيب مسألة خطف "حزب الله" جنديين اسرائيليين الى مستوى الحرب على لبنان، وسارعت الى تنفيذ خطتها المعدة سلفا للقضاء على المقاومة. ولكن جاءت حرب تموز بما لا تشتهي الرياح الاسرائيلية، وهكذا كان لا بد من التوجه نحو سوريا لتدميرها كقوة عسكرية واعدة في الصراع العربي الاسرائيلي، تمهيدا بقصف مراكز مشبوهة نوويا او كيميائيا، في استعادة لسيناريو المدفع العراقي العملاق، إلا ان سيناريو تقويض سوريا من الداخل كان اقل كلفة على اسرائيل من حرب تشنها عليها، قد يتورط فيها "حزب الله" وايران. وبالتوازي مع استنزاف سوريا المتواصل لا تنفك تل ابيب تهدد طهران بضرب مفاعلاتها النووية، وتحض الغرب على القيام بالمهمة بدلا منها، اذ بانتهاء الخطر السوري وتجميد الوضع الايراني، تعتقد اسرائيل انها تنهي تهديد المقاومة في لبنان. وحتى ذلك الحين تعيش الدولة العبرية مستمتعة بأصوات التكفيريين المتعالية من انقاض الانظمة العربية من تونس ومصر وليبيا واليمن، الى سوريا والاردن والخليج، وصولا اخيرا الى لبنان، فيما هي ترسخ قدميها في ارض فلسطين، بعدما تكفل بعض العرب بإبعاد خطر "حماس" و"الجهاد" عنها، مرنمة انشودة "إفرحي وتهلّلي يا إسرائيل" أتاك مخلّص من حيث لم تتوقّعي!  

المصدر : يوسف الأندري \ النهار


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة