تصدر خطاب الرئيس السوري بشار الأسد نشرات الأخبار وافتتاحيات الصحف في بلاد العرب والإفرنج، وحظي بتعليقات وتحليلات لا تزال أصداؤها تتردد حتى الساعة. فتراوحت بين امتعاض وخيبة أعداء السوريين وفئة منهم وضعت يدها بيد هؤلاء الأخيرين من جهة وترحيب واطمئنان فئة أخرى،أغلب الظن انها الفئة الأكبر التي تدفع منذ سنتين عدوانا كونيا ضد بلادها. كثيرون هم الذين تطوّعوا بالنيابة عن العربي ـ السوري، دون تكليف منه، لتقديم «قراءة متأنية» بل متوترة لذلك الخطاب.. هذا ما يدعو إلى التوقف أمام بعض النقاط :

1ـ بالنسبة للذين هبوا للدفاع عن سوريا، كل بحسب امكانياته ومن موقعه، رأوا في خطاب الرئيس معطيات اساسية، أدخلت الطمأنينة إلى القلوب، وقوت الأمل في النفوس والقناعة بأن مقاومة المستعمرين هو الخيار الأوحد المتوجب سلوكه بصلابة وايمان مهما عظمت التضحيات، حتى تبقى سوريا، كما كانت دائما «كعبة العروبة». هؤلاء قرأوا الخطاب برويّة فأدركوا، في ضوء المضمون والواقع أن التناقض الرئيسي في هذه الظروف هو مع المستعمرين أعداء سوريا التارخيين. وهذا يقتضي بالطبع، تأجيل المطالب السياسية والمعيشية إلى حين دحر العدوان. فالإصلاح الإداري، وتقويم الإعوجاج والتحولات السياسية، في كافة الميادين، هي شؤون داخلية، لا شأن للمستعمرين فيها، حتى تكون لهم المبادرة باطلاق إشارة البدء والحكم بشأنها، بتوجيه وتمويل أمراء النفط الذين ينساقون أمام أسيادهم. هذه قراءة الذين آثروا التمسّك بوحدة الدولة مدركين معنى الثورة الحقيقية. فالثورة ليست تدميرا لمؤسسات الحكم بالمرتزقة والتكفيريين، بل هي فعل شعب يناهض الاحتلال بقدر ما يناهض الظلم الاجتماعي. المعارضة السياسة الوطنية، والثورة أيضا، لا تجيزان تحت أية ذريعة، الإستنصار بالمستعمرين الأميركيين والفرنسيين والبريطانيين، وبالرجعيين العرب والأصوليين الإسلاميين التكفيريين، وتجنيد المرتزقة من شذاد الأفاق، والجهلة والغوغاء، لاعلان الحرب بقصد إسقاط الدولة وتشريد الناس. لعل نظام الحكم يتلاشى ويسقط . فقد أصبح من نافل القول أن الآخرين يستهدفون سوريا ـ الموقف المقاوم والممانع لا نظام الرئيس الأسد. ولعلّ ما أقنع هذه الجماعات بخطاب الأسد رؤيتهم المعارضات والإئتلافات والمجالس، تتشقق وتتفكك، جبهة نصرة هنا، وكتائب سلفية وأصولية هناك، وكل يبحث عن جزية وغنيمة يظفر بها.

2- اما الذين انقادوا للغيظ، من قادة الدول الغربية الاستعمارية، ومن مشايخ وأمراء الأعراب الذين لم يفقهوا معنى العروبة، فراوحت مواقفهم بين العهر ومديح الديمقراطية من جهة ورفض الإرهاب والتحريض على وضع المتفجرات في ساحات المدن السورية من جهة ثانية. غاية هؤلاء الأفرقاء واضحة للعيان : استمرار الاقتتال، وتدمير بنى الدولة. ووعود باعادة البناء وتنصيب العملاء حكاما على سوريا جديدة على شاكلة دول الخليج والاعتدال. ولم يعد سرا أن الادارة الأميركية تراهن على مزيد من العنف يفضي الى استنزاف القوى على اختلافها، ريثما تتوصّل الى توافق مع روسيا يحمله الابراهيمي الى السوريين. لم يبال أولئك بدعوة الأسد الى الحوار، لكنه كان يتوقّع ذلك، وسلفا خاطب من سماهم «العبيد» بأن الدعوة غير موجّهة لهم... فهو يعرف أن هؤلاء يريدون سوريا تابعة لهم وكمثل كياناتهم، كأن تتخلى عن أرضها المحتلة، وان تدير ظهرها للقضية الفلسطينية. خلاصة القول أن الهدف من الحرب التي تتعرض لها سوريا، هو استبدال سوريا، بعقيدتها الوطنية والقومية، وبجيشها وبتاريخها، وإن تعذر ذلك فإنهم سيوقدون نار الحرب حتى تتكسر وحدتها ويتفرق أهلها. وتأسيسا عليه، ليست المسألة تغيير نظام أو حاكم، وإنما هي مسألة وطن ووجود. ومن هذا المنطلق كان موقف الأسد الصلب دفاعا عن سوريا، هذا الموقف الذي رأى فيه أعداؤه تمردا على كلّ المبادرات وعودة الى الصفر. وتصميما على الاستمرار بالعنف..

3ـ ترتكز المبادرة التي اطلقها الرئيس السوري إذن، على صيانة سيادة واستقلال سوريا. وهذا يعني أن السوريين، سوف يقاتلون ويقاومون من أجل إفشال خطط الدول الراعية للإرهاب التي تمد المتمردين، بالسلاح وبالمرتزقة الغرباء ايضا. وما من شك في أن الإعلان عن أن ارادة صلبة وقرار نهائي بأن تبقي سوريا سيدة ومستقلة بالنسبة للخارج، إلى جانب إرادة وتصميم على إفساح المجال في الداخل السوري امام السوريين، ليضعوا أسس ديمقراطية تشاركية تمكنهم من السير في سبيل تجديد وتحديث بنى دولتهم، اعتمادا على طاقاتهم وبحسب الأولويات التي تتيح لهم اطلاق عجلة الإنماء والتطور.. لا شك أن هذا الإعلان، أربك وأحرج «المعارضات» التي يتشدق ممثلوها في دواوين الأمراء وقادة المستعمرين بكلام عن الديمقراطية والكرامة والإستقامة. فهم ضد السيادة الوطنية لأن الإستغناء عن الإرهاب والإرهابيين ووقف تزويدهم بالسلاح وإغلاق حدود سوريا بوجههم، هو في نظر هذه المعارضات، بمثابة إصدار الحكم بإعدام حركة التمرد. فهذه تتغذى من الخارج على حساب السيادة الوطنية. تجدر الإشارة، هنا إلى أن فهم هذه المعارضات «للديمقراطية»، مســــتورد كما يبدو من فــهم المستعمرين «لديمقراطية خاصة بالأصلانيين»، وهذا الفهم يعرفه جيدا، القادة الفرنسيون الإشتراكيون، فلقد طبـقه أســلافهم كما هو معروف في الجزائر. بصريح العبارة هذه المعارضات تريد رهن سوريا للمستعمرين في الغرب على أن يكون أمير قطر أو سلطان تركيا الجديد واليا عليها، وتريد ديمقراطية، تأتي بنتائج تلائم مصالح المستعمرين. الا يدعو هذا كله لنسيان خلافاتنا، والإتحاد دفاعا عن سوريا قلب العروبة النابض.؟

  • فريق ماسة
  • 2013-01-10
  • 7992
  • من الأرشيف

سورية ... الدمار أم الحوار؟

تصدر خطاب الرئيس السوري بشار الأسد نشرات الأخبار وافتتاحيات الصحف في بلاد العرب والإفرنج، وحظي بتعليقات وتحليلات لا تزال أصداؤها تتردد حتى الساعة. فتراوحت بين امتعاض وخيبة أعداء السوريين وفئة منهم وضعت يدها بيد هؤلاء الأخيرين من جهة وترحيب واطمئنان فئة أخرى،أغلب الظن انها الفئة الأكبر التي تدفع منذ سنتين عدوانا كونيا ضد بلادها. كثيرون هم الذين تطوّعوا بالنيابة عن العربي ـ السوري، دون تكليف منه، لتقديم «قراءة متأنية» بل متوترة لذلك الخطاب.. هذا ما يدعو إلى التوقف أمام بعض النقاط : 1ـ بالنسبة للذين هبوا للدفاع عن سوريا، كل بحسب امكانياته ومن موقعه، رأوا في خطاب الرئيس معطيات اساسية، أدخلت الطمأنينة إلى القلوب، وقوت الأمل في النفوس والقناعة بأن مقاومة المستعمرين هو الخيار الأوحد المتوجب سلوكه بصلابة وايمان مهما عظمت التضحيات، حتى تبقى سوريا، كما كانت دائما «كعبة العروبة». هؤلاء قرأوا الخطاب برويّة فأدركوا، في ضوء المضمون والواقع أن التناقض الرئيسي في هذه الظروف هو مع المستعمرين أعداء سوريا التارخيين. وهذا يقتضي بالطبع، تأجيل المطالب السياسية والمعيشية إلى حين دحر العدوان. فالإصلاح الإداري، وتقويم الإعوجاج والتحولات السياسية، في كافة الميادين، هي شؤون داخلية، لا شأن للمستعمرين فيها، حتى تكون لهم المبادرة باطلاق إشارة البدء والحكم بشأنها، بتوجيه وتمويل أمراء النفط الذين ينساقون أمام أسيادهم. هذه قراءة الذين آثروا التمسّك بوحدة الدولة مدركين معنى الثورة الحقيقية. فالثورة ليست تدميرا لمؤسسات الحكم بالمرتزقة والتكفيريين، بل هي فعل شعب يناهض الاحتلال بقدر ما يناهض الظلم الاجتماعي. المعارضة السياسة الوطنية، والثورة أيضا، لا تجيزان تحت أية ذريعة، الإستنصار بالمستعمرين الأميركيين والفرنسيين والبريطانيين، وبالرجعيين العرب والأصوليين الإسلاميين التكفيريين، وتجنيد المرتزقة من شذاد الأفاق، والجهلة والغوغاء، لاعلان الحرب بقصد إسقاط الدولة وتشريد الناس. لعل نظام الحكم يتلاشى ويسقط . فقد أصبح من نافل القول أن الآخرين يستهدفون سوريا ـ الموقف المقاوم والممانع لا نظام الرئيس الأسد. ولعلّ ما أقنع هذه الجماعات بخطاب الأسد رؤيتهم المعارضات والإئتلافات والمجالس، تتشقق وتتفكك، جبهة نصرة هنا، وكتائب سلفية وأصولية هناك، وكل يبحث عن جزية وغنيمة يظفر بها. 2- اما الذين انقادوا للغيظ، من قادة الدول الغربية الاستعمارية، ومن مشايخ وأمراء الأعراب الذين لم يفقهوا معنى العروبة، فراوحت مواقفهم بين العهر ومديح الديمقراطية من جهة ورفض الإرهاب والتحريض على وضع المتفجرات في ساحات المدن السورية من جهة ثانية. غاية هؤلاء الأفرقاء واضحة للعيان : استمرار الاقتتال، وتدمير بنى الدولة. ووعود باعادة البناء وتنصيب العملاء حكاما على سوريا جديدة على شاكلة دول الخليج والاعتدال. ولم يعد سرا أن الادارة الأميركية تراهن على مزيد من العنف يفضي الى استنزاف القوى على اختلافها، ريثما تتوصّل الى توافق مع روسيا يحمله الابراهيمي الى السوريين. لم يبال أولئك بدعوة الأسد الى الحوار، لكنه كان يتوقّع ذلك، وسلفا خاطب من سماهم «العبيد» بأن الدعوة غير موجّهة لهم... فهو يعرف أن هؤلاء يريدون سوريا تابعة لهم وكمثل كياناتهم، كأن تتخلى عن أرضها المحتلة، وان تدير ظهرها للقضية الفلسطينية. خلاصة القول أن الهدف من الحرب التي تتعرض لها سوريا، هو استبدال سوريا، بعقيدتها الوطنية والقومية، وبجيشها وبتاريخها، وإن تعذر ذلك فإنهم سيوقدون نار الحرب حتى تتكسر وحدتها ويتفرق أهلها. وتأسيسا عليه، ليست المسألة تغيير نظام أو حاكم، وإنما هي مسألة وطن ووجود. ومن هذا المنطلق كان موقف الأسد الصلب دفاعا عن سوريا، هذا الموقف الذي رأى فيه أعداؤه تمردا على كلّ المبادرات وعودة الى الصفر. وتصميما على الاستمرار بالعنف.. 3ـ ترتكز المبادرة التي اطلقها الرئيس السوري إذن، على صيانة سيادة واستقلال سوريا. وهذا يعني أن السوريين، سوف يقاتلون ويقاومون من أجل إفشال خطط الدول الراعية للإرهاب التي تمد المتمردين، بالسلاح وبالمرتزقة الغرباء ايضا. وما من شك في أن الإعلان عن أن ارادة صلبة وقرار نهائي بأن تبقي سوريا سيدة ومستقلة بالنسبة للخارج، إلى جانب إرادة وتصميم على إفساح المجال في الداخل السوري امام السوريين، ليضعوا أسس ديمقراطية تشاركية تمكنهم من السير في سبيل تجديد وتحديث بنى دولتهم، اعتمادا على طاقاتهم وبحسب الأولويات التي تتيح لهم اطلاق عجلة الإنماء والتطور.. لا شك أن هذا الإعلان، أربك وأحرج «المعارضات» التي يتشدق ممثلوها في دواوين الأمراء وقادة المستعمرين بكلام عن الديمقراطية والكرامة والإستقامة. فهم ضد السيادة الوطنية لأن الإستغناء عن الإرهاب والإرهابيين ووقف تزويدهم بالسلاح وإغلاق حدود سوريا بوجههم، هو في نظر هذه المعارضات، بمثابة إصدار الحكم بإعدام حركة التمرد. فهذه تتغذى من الخارج على حساب السيادة الوطنية. تجدر الإشارة، هنا إلى أن فهم هذه المعارضات «للديمقراطية»، مســــتورد كما يبدو من فــهم المستعمرين «لديمقراطية خاصة بالأصلانيين»، وهذا الفهم يعرفه جيدا، القادة الفرنسيون الإشتراكيون، فلقد طبـقه أســلافهم كما هو معروف في الجزائر. بصريح العبارة هذه المعارضات تريد رهن سوريا للمستعمرين في الغرب على أن يكون أمير قطر أو سلطان تركيا الجديد واليا عليها، وتريد ديمقراطية، تأتي بنتائج تلائم مصالح المستعمرين. الا يدعو هذا كله لنسيان خلافاتنا، والإتحاد دفاعا عن سوريا قلب العروبة النابض.؟

المصدر : ثريا عاصي


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة