هل يمكن ان نتصوّر ان العلاقات الثنائية العربية كانت في زمن جمال عبد الناصر افضل مما هي في زمن يحكم فيه مصر تنظيم «الإخوان المسلمين»؟

هذا سؤال نستعيد معه حقيقة انه في زمن جمال عبد الناصر، كانت الخلافات الإيديولوجية والسياسية تعلو فوق كل شيء آخر في هذه العلاقات. كنا نفسر هذا بأن وجود أجيال الشباب الذين يتلقون علومهم في مصر قادمين إليها من بلدان الوطن العربي الأخرى، كان في حد ذاته اساساً متيناً للعلاقات الثنائية، بصرف النظر عن الاختلافات والخلافات بين مصر والبلدان العربية الاخرى. وكنا بعد ذلك، نؤكد ان الشباب العرب الذين تلقوا علومهم في مصر عادوا وتولوا المناصب العليا في البلدان العربية، وهم لا يزالون يحفظون لمصر أجمل الذكريات وفي مقدمها ما تلقوه من علوم شتى على أيدي معلميهم المصريين. في ذلك الزمان كانت مصر تسير في اتجاه التحرر الوطني والقومي، وكانت تؤدي دور الريادة لوطن عربي خرج قبل سنوات قليلة من وطأة الاستعمار البريطاني والفرنسي، وكان الجميع يتطلع الى نموذج مصر التحرري على الرغم من الصراعات التي كانت قائمة الى حد الصراع المسلح بين مصر ودول ونظم عربية حاكمة مثل السعودية.

لم تكن العلاقات الثنائية العربية محكومة بما بين مصر والممالك العربية من خلافات. وعندما تعرضت مصر للعدوان الثلاثي في العام 1956، هبت جماهير الوطن العربي كله لتأييدها، مؤكدة وحدة الفكر العربي الوطني والقومي ضد أعدائه الخارجيين. وعندما تعرضت مصر بعد ذلك بأحد عشر عاماً لعدوان مماثل، انتهى بنكسة عسكرية مريرة، اعتبرت نكسة لقيادتها الناصرية اكثر مما اعتبرت نكسة لمصر او للوطن العربي، تمكنت مصر من ان تلم شملها وشمل الحكام العرب في قمة الخرطوم التي شهدت مصافحة تاريخية بين عبد الناصر والملك فيصل. لم تقف حرب اليمن، التي كانت في الأساس حرباً ثنائية بين مصر والسعودية لتحديد اتجاه اليمن السياسي والاقتصادي والوطني عموماً، حائلا دون اتخاذ قرارات بالوقوف في صف مصر.. الى أن برز الدور الاميركي في توجيه السياسات العربية ضد مصر وضد عبد الناصر لمصلحة اسرائيل.

كانت تلك نقطة التحول الرئيسة التي وجدت في وفاة عبد الناصر بعد حرب الاستنزاف القوية الناجحة ضد اسرائيل، فرصة لا تفوَّت من اجل عزل مصر عن التيار القومي الذي كانت تقوده.

ولعل كل ما بعد ذلك تاريخ تعرفه الأجيال العربية التالية حتى الآن. كل ما بعد ذلك، كان مؤشرات ودلائل على ان مصر فقدت دورها القيادي، وبذلك فقد الوطن العربي قيادته التي كانت تتولاها مصر. ساد التراجع خلال اكثر من اربعين عاماً، وحصلت مأساة حقيقية في اجواء العلاقات العربية الثنائية. وبينما برز كثيراً دور الولايات المتحدة في المنطقة العربية، وساد دور اسرائيل معها، قررت الولايات المتحدة التخلص من كل قيادة عربية حاولت ان تحل محل القيادة المصرية في هذه المنطقة. قوضت العراق بالغزو، والآن تقوّض سوريا بالتفتيت الدموي الجاري بلا توقف وبلا تدخل مباشر. والباقي من بلدان الوطن العربي يجري إغراقه في اهتمام بالغ بأموال النفط ومقتنيات هذه الأموال والخلافات الثنائية العربية التي تسود في أرجاء الوطن العربي، بصعود «الإخوان المسلمين» كتنظيم سياسي قديم ليفرض سطوة مستمدة من تاريخ وفكر ديني، وجاءت المفاجأة التالية في تأييد قوي من جانب الولايات المتحدة لهذا التنظيم. أيدت الولايات المتحدة بعد طول تمسك بنظامي السادات ومبارك لأكثر من اربعين عاماً، دور «الإخوان المسلمين» كسلطة مصرية قادرة على ان تفرض سياسة تسالم اسرائيل وتتعاون معها الى اقصى حد ممكن من أجل استمرار السلام الأميركي الذي بدأ في «كامب ديفيد» الاميركية.

وعلى الرغم من ان اميركا استطاعت ان تلاحظ ان صعود «الإخوان المسلمين» الى السلطة في مصر قد انبأ بابتعاد كاف عن الدور القيادي القومي لمصر في الوطن العربي، إلا أنها ـ أي أميركا ـ لم تستطع ان تلاحظ الطابع «العالمي» لتنظيم «الإخوان المسلمين» الذي يسعى للاستيلاء على السلطة في المنطقة العربية والعالم الاسلامي. مع ان دور الإخوان في احداث تونس وليبيا والسودان وبعد ذلك في مصر، كان يتم بتأييد اميركي، ودعم مالي من جانب السعودية والامارات المتحدة وقطر وغيرها، الذي يجري بتفاهم وتنسيق اكيدين من جانب الولايات المتحدة. ولعل غياب التفاصيل عن معرفة كافية بالدور الاميركي المؤيد لصعود دور «الإخوان» يفسر غفلة اميركا عن اتساع هذا الدور ليشمل السعودية والامارات العربية وقطر والكويت وباقي انحاء الخليج، بل وباقي انحاء المنطقة العربية. ان موقف الولايات المتحدة من الخلاف بين القاهرة «الإخوانية» والامارات المناهضة «للإخوان» ونشاطاتهم الصاعدة نحو السلطة لا يزال يحيطه الغموض او ربما عدم الاهتمام. ولكن الامر المؤكد ان واشنطن لن تتردد في لعب دور مؤثر في هذا النزاع الثنائي، عندما تعرف واشنطن اين تكمن مصلحتها. وينبغي ان لا يغيب عن الذهن هنا ان دور الولايات المتحدة، الذي يجمع بين الاطراف العربية المتنازعة ثنائياً، في دعم التحولات في تونس وليبيا ومصر وسوريا هو الدور الاساسي. إن خلافاً «إخوانياً» بين مصر والامارات العربية لا يمنعهما ـ على سبيل المثال - من اتخاذ موقف واحد مؤيد لما يجري من صراع دموي مدمر في سوريا.

والسؤال عند هذا الحد لا بد ان يتطرق الى هذا الخلاف «الإخواني» الذي احتدم بين مصر والامارات العربية. نعني الخلاف حول دور «الإخوان المسلمين» كتنظيم في الامارات وما يمكن ان يسفر عنه هذا الخلاف.

لقد كشف هذا الخلاف عن تعارض مصالح كبير بين السلطة الإخوانية في مصر والسلطة التقليدية التي تحكم الامارات العربية. وقد اتضح في هذا الإطار ان مصر الإخوانية ـ او بالإحرى السلطة الإخوانية في مصر ـ اهتمت بمصير أحد عشر إخوانيا مصريين اكثر مما اهتمت بأكثر من 350 معتقلاً يؤكدون عدم انتمائهم لتنظيم «الإخوان» في الإمارات، وتوجه الإمارات إليهم اتهامات لا علاقة لها بـ«الإخوان المسلمين». وصلت السلطة الإخوانية المصرية الى حد إيفاد عصام الحداد، مساعد الرئيس محمد مرسي لشؤون العلاقات الخارجية والتعاون الدولي ومعه اللواء محمد رأفت شحاته مدير المخابرات العامة المصرية، لإقناع سلطات الإمارات بأن تفرج عن الإخوانيين الأحد عشر المعتقلين. وليس معروفاً بعد اذا كان هذا الوفد الثنائي المصري قد اكتفى بطلب الإفراج عن الأحد عشر إخوانيا مصرياً أم أنه صرح بعدم اهتمام الرئاسة المصرية بمصير باقي المعتقلين المصريين في الإمارات. وعلى أي الأحوال، فإن اتهامات الإمارات لـ«الإخوان المصريين» توحي بأن المعتقلين البالغ عددهم 350 مصرياً ربما كانوا مجرد مرشحين شملهم نشاط «الإخوان» النشطين، وأن سلطات الإمارات رفضت الإفراج عن الجميع، مؤكدة ان «لا إفراج سياسياً عن المعتقلين المصريين». وهكذا عاد الوفد الثنائي المصري من الإمارات الى القاهرة بخفي حنين. وعلى الرغم من عدم صدور تصريحات إماراتية رسمية بشأن هذه القضية، فإن ما كتبته صحف الإمارات التي تعبر عن وجهات النظر الرسمية وصف الطلب المصري بالإفراج عن «الإخوان المسلمين» المصريين المقبوض عليهم بأنه «طلب مستغرب». في الوقت نفسه، وبعد عودة الوفد المصري من الإمارات بخيبة المسعى، فإن كتابات الصحف المصرية على اختلاف اتجاهاتها اجمعت على امرين: الأول إدانة موقف الامارات غير الودي، والثاني إدانة موقف السلطة المصرية التي حصرت اهتمامها في محاولة الإفراج عن «الإخوان» المعتقلين في الإمارات، وتركت باقي المصريين المعتقلين لمواجهة مصيرهم المجهول. في الوقت نفسه، فإن أهالي المعتقلين المصريين بدأوا في تنظيم احتجاجات ضد موقف دولة الإمارات من المصريين الذين ادى معظمهم خدمة في الإمارات تجاوزت عشرين عاماً.

ويبدو ان السلطة الإخوانية في مصر خشيت ان تنعكس هذه الازمة مع الامارات على علاقات مصر بالعالم الاسلامي، وبصفة خاصة بالمملكة العربية السعودية. فقد وجه الرئيس المصري محمد مرسي الدعوة الى الملك السعودي عبدالله لحضور القمة الاسلامية التي من المقرر ان تعقد في القاهرة يوم السادس من شباط/ فبراير القادم. وبهذه المناسبة صرح وزير الخارجية المصري محمد كامل عمرو في مؤتمر صحافي جمعه في الرياض مع وزير الخارجية السعودي الامير سعود الفيصل، بان مصر لا تتدخل في شؤون الآخرين ولا ترى مصلحة لها في مثل هذا التدخل. كما صرح الوزير السعودي بأن بلاده لا تتحدث الا عن شؤونها، عندما سئل عن موقف بلاده من الازمة بين مصر والامارات العربية. وفي الوقت نفسه، تردد ان مصر ربما تبحث امكان توسط قطر بينها وبين الإمارات العربية بشأن ازمة المعتقلين. ولم يعرف على وجه التحديد اذا كانت مثل هذه الوساطة ستتناول امر المعتقلين المصريين جميعاً في الامارات ام ستقتصر على بحث امر الأحد عشر معتقلاً من الإخوان المسلمين (...)

وليس مستبعداً أبداً ان تلعب الولايات المتحدة دور الوسيط بين مصر والامارات العربية باعتبار ان مثل هذه الوساطة تؤكد وتزيد من اعتماد الحكومات العربية على الولايات المتحدة وتسمح لواشنطن بالتوغل اكثر في الشؤون العربية.

وربما نتساءل اين تقف اسرائيل من هذه الخلافات والاختلافات؟ ان دور اسرائيل لا يعدو ان يكون ملحقاً بالدور الاميركي، فهي تبدي اغتباطاً مفهوماً بموقف الإخوان المسلمين منها بعد ان صعد تنظيمهم الى السلطة في مصر. وما كانت اسرائيل لتتوقع أبداً سياسة من «الإخوان» تبلغ هذا المدى من التسليم بتأثير اسرائيل.

إن مأساة العلاقات الثنائية العربية مرهونة بما سيحدث حينما تصبح هذه المعارضة جاهزة لأداء دورها على نطاق واسع. وهذا موضوع آخر.

  • فريق ماسة
  • 2013-01-10
  • 9453
  • من الأرشيف

مأساة العلاقات الثنائية العربية

هل يمكن ان نتصوّر ان العلاقات الثنائية العربية كانت في زمن جمال عبد الناصر افضل مما هي في زمن يحكم فيه مصر تنظيم «الإخوان المسلمين»؟ هذا سؤال نستعيد معه حقيقة انه في زمن جمال عبد الناصر، كانت الخلافات الإيديولوجية والسياسية تعلو فوق كل شيء آخر في هذه العلاقات. كنا نفسر هذا بأن وجود أجيال الشباب الذين يتلقون علومهم في مصر قادمين إليها من بلدان الوطن العربي الأخرى، كان في حد ذاته اساساً متيناً للعلاقات الثنائية، بصرف النظر عن الاختلافات والخلافات بين مصر والبلدان العربية الاخرى. وكنا بعد ذلك، نؤكد ان الشباب العرب الذين تلقوا علومهم في مصر عادوا وتولوا المناصب العليا في البلدان العربية، وهم لا يزالون يحفظون لمصر أجمل الذكريات وفي مقدمها ما تلقوه من علوم شتى على أيدي معلميهم المصريين. في ذلك الزمان كانت مصر تسير في اتجاه التحرر الوطني والقومي، وكانت تؤدي دور الريادة لوطن عربي خرج قبل سنوات قليلة من وطأة الاستعمار البريطاني والفرنسي، وكان الجميع يتطلع الى نموذج مصر التحرري على الرغم من الصراعات التي كانت قائمة الى حد الصراع المسلح بين مصر ودول ونظم عربية حاكمة مثل السعودية. لم تكن العلاقات الثنائية العربية محكومة بما بين مصر والممالك العربية من خلافات. وعندما تعرضت مصر للعدوان الثلاثي في العام 1956، هبت جماهير الوطن العربي كله لتأييدها، مؤكدة وحدة الفكر العربي الوطني والقومي ضد أعدائه الخارجيين. وعندما تعرضت مصر بعد ذلك بأحد عشر عاماً لعدوان مماثل، انتهى بنكسة عسكرية مريرة، اعتبرت نكسة لقيادتها الناصرية اكثر مما اعتبرت نكسة لمصر او للوطن العربي، تمكنت مصر من ان تلم شملها وشمل الحكام العرب في قمة الخرطوم التي شهدت مصافحة تاريخية بين عبد الناصر والملك فيصل. لم تقف حرب اليمن، التي كانت في الأساس حرباً ثنائية بين مصر والسعودية لتحديد اتجاه اليمن السياسي والاقتصادي والوطني عموماً، حائلا دون اتخاذ قرارات بالوقوف في صف مصر.. الى أن برز الدور الاميركي في توجيه السياسات العربية ضد مصر وضد عبد الناصر لمصلحة اسرائيل. كانت تلك نقطة التحول الرئيسة التي وجدت في وفاة عبد الناصر بعد حرب الاستنزاف القوية الناجحة ضد اسرائيل، فرصة لا تفوَّت من اجل عزل مصر عن التيار القومي الذي كانت تقوده. ولعل كل ما بعد ذلك تاريخ تعرفه الأجيال العربية التالية حتى الآن. كل ما بعد ذلك، كان مؤشرات ودلائل على ان مصر فقدت دورها القيادي، وبذلك فقد الوطن العربي قيادته التي كانت تتولاها مصر. ساد التراجع خلال اكثر من اربعين عاماً، وحصلت مأساة حقيقية في اجواء العلاقات العربية الثنائية. وبينما برز كثيراً دور الولايات المتحدة في المنطقة العربية، وساد دور اسرائيل معها، قررت الولايات المتحدة التخلص من كل قيادة عربية حاولت ان تحل محل القيادة المصرية في هذه المنطقة. قوضت العراق بالغزو، والآن تقوّض سوريا بالتفتيت الدموي الجاري بلا توقف وبلا تدخل مباشر. والباقي من بلدان الوطن العربي يجري إغراقه في اهتمام بالغ بأموال النفط ومقتنيات هذه الأموال والخلافات الثنائية العربية التي تسود في أرجاء الوطن العربي، بصعود «الإخوان المسلمين» كتنظيم سياسي قديم ليفرض سطوة مستمدة من تاريخ وفكر ديني، وجاءت المفاجأة التالية في تأييد قوي من جانب الولايات المتحدة لهذا التنظيم. أيدت الولايات المتحدة بعد طول تمسك بنظامي السادات ومبارك لأكثر من اربعين عاماً، دور «الإخوان المسلمين» كسلطة مصرية قادرة على ان تفرض سياسة تسالم اسرائيل وتتعاون معها الى اقصى حد ممكن من أجل استمرار السلام الأميركي الذي بدأ في «كامب ديفيد» الاميركية. وعلى الرغم من ان اميركا استطاعت ان تلاحظ ان صعود «الإخوان المسلمين» الى السلطة في مصر قد انبأ بابتعاد كاف عن الدور القيادي القومي لمصر في الوطن العربي، إلا أنها ـ أي أميركا ـ لم تستطع ان تلاحظ الطابع «العالمي» لتنظيم «الإخوان المسلمين» الذي يسعى للاستيلاء على السلطة في المنطقة العربية والعالم الاسلامي. مع ان دور الإخوان في احداث تونس وليبيا والسودان وبعد ذلك في مصر، كان يتم بتأييد اميركي، ودعم مالي من جانب السعودية والامارات المتحدة وقطر وغيرها، الذي يجري بتفاهم وتنسيق اكيدين من جانب الولايات المتحدة. ولعل غياب التفاصيل عن معرفة كافية بالدور الاميركي المؤيد لصعود دور «الإخوان» يفسر غفلة اميركا عن اتساع هذا الدور ليشمل السعودية والامارات العربية وقطر والكويت وباقي انحاء الخليج، بل وباقي انحاء المنطقة العربية. ان موقف الولايات المتحدة من الخلاف بين القاهرة «الإخوانية» والامارات المناهضة «للإخوان» ونشاطاتهم الصاعدة نحو السلطة لا يزال يحيطه الغموض او ربما عدم الاهتمام. ولكن الامر المؤكد ان واشنطن لن تتردد في لعب دور مؤثر في هذا النزاع الثنائي، عندما تعرف واشنطن اين تكمن مصلحتها. وينبغي ان لا يغيب عن الذهن هنا ان دور الولايات المتحدة، الذي يجمع بين الاطراف العربية المتنازعة ثنائياً، في دعم التحولات في تونس وليبيا ومصر وسوريا هو الدور الاساسي. إن خلافاً «إخوانياً» بين مصر والامارات العربية لا يمنعهما ـ على سبيل المثال - من اتخاذ موقف واحد مؤيد لما يجري من صراع دموي مدمر في سوريا. والسؤال عند هذا الحد لا بد ان يتطرق الى هذا الخلاف «الإخواني» الذي احتدم بين مصر والامارات العربية. نعني الخلاف حول دور «الإخوان المسلمين» كتنظيم في الامارات وما يمكن ان يسفر عنه هذا الخلاف. لقد كشف هذا الخلاف عن تعارض مصالح كبير بين السلطة الإخوانية في مصر والسلطة التقليدية التي تحكم الامارات العربية. وقد اتضح في هذا الإطار ان مصر الإخوانية ـ او بالإحرى السلطة الإخوانية في مصر ـ اهتمت بمصير أحد عشر إخوانيا مصريين اكثر مما اهتمت بأكثر من 350 معتقلاً يؤكدون عدم انتمائهم لتنظيم «الإخوان» في الإمارات، وتوجه الإمارات إليهم اتهامات لا علاقة لها بـ«الإخوان المسلمين». وصلت السلطة الإخوانية المصرية الى حد إيفاد عصام الحداد، مساعد الرئيس محمد مرسي لشؤون العلاقات الخارجية والتعاون الدولي ومعه اللواء محمد رأفت شحاته مدير المخابرات العامة المصرية، لإقناع سلطات الإمارات بأن تفرج عن الإخوانيين الأحد عشر المعتقلين. وليس معروفاً بعد اذا كان هذا الوفد الثنائي المصري قد اكتفى بطلب الإفراج عن الأحد عشر إخوانيا مصرياً أم أنه صرح بعدم اهتمام الرئاسة المصرية بمصير باقي المعتقلين المصريين في الإمارات. وعلى أي الأحوال، فإن اتهامات الإمارات لـ«الإخوان المصريين» توحي بأن المعتقلين البالغ عددهم 350 مصرياً ربما كانوا مجرد مرشحين شملهم نشاط «الإخوان» النشطين، وأن سلطات الإمارات رفضت الإفراج عن الجميع، مؤكدة ان «لا إفراج سياسياً عن المعتقلين المصريين». وهكذا عاد الوفد الثنائي المصري من الإمارات الى القاهرة بخفي حنين. وعلى الرغم من عدم صدور تصريحات إماراتية رسمية بشأن هذه القضية، فإن ما كتبته صحف الإمارات التي تعبر عن وجهات النظر الرسمية وصف الطلب المصري بالإفراج عن «الإخوان المسلمين» المصريين المقبوض عليهم بأنه «طلب مستغرب». في الوقت نفسه، وبعد عودة الوفد المصري من الإمارات بخيبة المسعى، فإن كتابات الصحف المصرية على اختلاف اتجاهاتها اجمعت على امرين: الأول إدانة موقف الامارات غير الودي، والثاني إدانة موقف السلطة المصرية التي حصرت اهتمامها في محاولة الإفراج عن «الإخوان» المعتقلين في الإمارات، وتركت باقي المصريين المعتقلين لمواجهة مصيرهم المجهول. في الوقت نفسه، فإن أهالي المعتقلين المصريين بدأوا في تنظيم احتجاجات ضد موقف دولة الإمارات من المصريين الذين ادى معظمهم خدمة في الإمارات تجاوزت عشرين عاماً. ويبدو ان السلطة الإخوانية في مصر خشيت ان تنعكس هذه الازمة مع الامارات على علاقات مصر بالعالم الاسلامي، وبصفة خاصة بالمملكة العربية السعودية. فقد وجه الرئيس المصري محمد مرسي الدعوة الى الملك السعودي عبدالله لحضور القمة الاسلامية التي من المقرر ان تعقد في القاهرة يوم السادس من شباط/ فبراير القادم. وبهذه المناسبة صرح وزير الخارجية المصري محمد كامل عمرو في مؤتمر صحافي جمعه في الرياض مع وزير الخارجية السعودي الامير سعود الفيصل، بان مصر لا تتدخل في شؤون الآخرين ولا ترى مصلحة لها في مثل هذا التدخل. كما صرح الوزير السعودي بأن بلاده لا تتحدث الا عن شؤونها، عندما سئل عن موقف بلاده من الازمة بين مصر والامارات العربية. وفي الوقت نفسه، تردد ان مصر ربما تبحث امكان توسط قطر بينها وبين الإمارات العربية بشأن ازمة المعتقلين. ولم يعرف على وجه التحديد اذا كانت مثل هذه الوساطة ستتناول امر المعتقلين المصريين جميعاً في الامارات ام ستقتصر على بحث امر الأحد عشر معتقلاً من الإخوان المسلمين (...) وليس مستبعداً أبداً ان تلعب الولايات المتحدة دور الوسيط بين مصر والامارات العربية باعتبار ان مثل هذه الوساطة تؤكد وتزيد من اعتماد الحكومات العربية على الولايات المتحدة وتسمح لواشنطن بالتوغل اكثر في الشؤون العربية. وربما نتساءل اين تقف اسرائيل من هذه الخلافات والاختلافات؟ ان دور اسرائيل لا يعدو ان يكون ملحقاً بالدور الاميركي، فهي تبدي اغتباطاً مفهوماً بموقف الإخوان المسلمين منها بعد ان صعد تنظيمهم الى السلطة في مصر. وما كانت اسرائيل لتتوقع أبداً سياسة من «الإخوان» تبلغ هذا المدى من التسليم بتأثير اسرائيل. إن مأساة العلاقات الثنائية العربية مرهونة بما سيحدث حينما تصبح هذه المعارضة جاهزة لأداء دورها على نطاق واسع. وهذا موضوع آخر.

المصدر : سمير كرم


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة