تلك هي الخلاصة التي يخرج بها كل من يتابع حركة المعارضات السورية الموزّعة "قياداتها" المتعارضة والمتناقضة بين الدوحة واسطنبول أي "ثورة تلك التي تولد في الفنادق"؟ وباريس ولندن والقاهرة، ومجموعاتها المسلحة المتناحرة والذبّاحة والقاتلة، والتي وصلت سواطيرها إلى قطع رؤوس بعضها البعض.

ثمة حقائق أخذ يكتشفها الكثيرون، من الناس العاديين، إلى "المقاتلين" إلى داعمي الحرب ومموليها بالنظارات أو بالسواطير، وهي أن القليل القليل من المعارضات السورية يتفاعل مع أنين الناس، وأن شبق السلطة وهاجسها يعصفان بالكثيرين، وينتظرون اللحظة المؤاتية للانقضاض على بعضهم البعض.

فأي "ثورة" تلك التي لم تطرح بعد أقل من سنتين من الأحداث السورية، رؤيتها حول الدولة وشكلها، وإن كان ذاك المبعوث العربي والأممي قد تحدث عن نظام برلماني أو رئاسي؟

وأي "ثورة" تلك التي تتلقى الأوامر كما الأموال من الذين لا يؤمنون بالحد الأدنى من حرية الرأي، ولا بالديمقراطية؟

وأي "ثورة" تلك التي ينتظر من يسمى قادة أو مسؤولين فيها "تعليمة" أو أمراً من عواصم الغرب، التي تحلم على مدى عقود طويلة بتفكيك سورية؟

فهؤلاء ربما لا يعلمون، أو بعضهم الغارق في عمالته واتصالاته يعلم أن بول ولفوفيتز، وريتشارل بيرل المسمى "أمير الظلام"، ودونالد رمسفيلد، وضعوا خرائط كانت مُعدّة منذ أواخر القرن التاسع عشر في بريطانيا وفرنسا، وقبل أن ينتج مارك سايكس وفرانسوا جورج بيكو اتفاقيتهما المشؤومة، ومن أهم أهدافها تقسيم أو تهشيم وحتى تحطيم تلك البلاد التي تشكل نقطة التلاقي الكوني سابقاً، والموعودة والمتجسد بعض منها في إحدى زوايا المسجد الأموي الدمشقي، فدمشق أول عاصمة في التاريخ، وهي روح طريق الحرير القديمة، وهي العقد الفريد المحكم في تاريخ العروبة، وهي عاصمة قلب العروبة النابض، على حد ما أطلعه عليها جمال عبد الناصر.

إذاً، ما أكده الرئيس بشار الأسد في خطابه الأخير: أن من يقاتلون سورية وفي سورية لا يشبهون "الثوار" بشيء البته؛ لا بالأخلاق، ولا بالفكر، ولا بالإرادة، فهؤلاء الذين يعتمدون القتل و"الذبح الحلال".. هل فيهم شيء من الفضيلة؟ وبالتالي فمواجهة الإرهاب ليست اختباراً للحل الأمني، بل دفاع مشروع يجب ألا يُلغي الحاجة إلى حل سياسي قائم على الحوار.

 

لقد وضع الرئيس الأسد شروطه وأوراقه على الطاولة علناً وبصريح العبارة، والغرب وإن كابر وإن هاجم خطاب الأسد، إلا أنه لم يعد يستطيع أن يستمر في لعبة الدم والوقت، في ظل التطورات الميدانية الهامة التي حقق فيها الجيش السوري انتصارات بارزة وهامة، قضى فيها على آلاف الإرهابيين، وبينهم المئات من جنسيات عربية وأجنبية، فأين هي تلك المعارضات اللاهثة "قياداتها" وراء زيادة أرصدتها وحساباتها ومشاريعها واستثماراتها، ما أدى بدولة خليجية ممولة إلى اتخاذ قرار بتشكيل لجنة خاصة مهمتها مراقبة صرف الأموال في مكانها الصحيح.

هنا كان الأسد واضحاً، الحديث هو مع الأسياد لا مع الدمى..

انتفض قادة واشنطن وباريس ولندن وأنقرة، وحتى ذاك الذي لا يعرف البحر الأبيض المتوسط من المحيط الأطلسي بان كي مون، على حديث الأسد، لكنهم كانوا فعلاً يؤكدون أن قادة المعارضات السورية هم دمى.. مجرد دمى، حتى أولئك القابعون على العروش في الصحراء العربية تبين أنهم مرحلة ما بين الأسياد والدمى.

ببساطة، في المواقف الغربية ثمة حقيقة تبين أن القرار لا علاقة للدمى السورية به، وإن كانت في فنادق "خمس نجوم"، بل القرار في مكان آخر، وليس في حقيبة أحمد معاذ الخطيب، أو في جيب جورج صبرا، ولا في ملف عنصر الاستخبارات الفرنسية برهان غليون، ولا عند محمد رياض الشقفة، كما أنه ليس مع أولئك الذين يحبون بعض "الثورجيين" أو بقايا اليسار والقوميين أو من يطلقوا عليهم "المتنورين"، من أمثال ميشال كيلو..

الخلاصة التي لن يفهمها أولئك المتمردون والأتباع، هي أن سورية الآن لا تخوض معركة النظام، لأنها ببساطة تخوض معركة الدولة الوطنية السورية، معركة سورية ووحدتها.

ثمة مفاوضات بدأت، وثمة عواصم بدأت وإن من تحت الطاولة تتصل بالأسد، الذي حدد مؤشرات الحل، بعد أن أخذ الجيش السوري يحسم بقوة في كل الأمكنة، فانتظروا الإدارة الأميركية الجديدة بعد 20 الجاري، وملفات البحث التي ستطرح على طاولة اللقاء بين القيصر الروسي وسيد البيت الأبيض.

ماذا سيفعل سعد الحريري وأتباعه إذا علم أن عبد العزيز بن عبدالله باشر اتصالاته الدمشقية منذ أسبوع، وأن ملفات أمنية تُحمل إلى دمشق ومنها؟

وماذا سيفعل قائد "التيار الأزرق" وتوابعه إذا علم أن الغرب ضاق ذرعاً بالأداء التركي الرديء، وأن أردوغان صار يتوسل الحماية بما هو أبعد من الـ"باتريوت" ونشر الدرع الصاروخية؟

ببساطة، الأسد ظهر مؤخراً في عرينه قائداً، ومتمكناً يوزع المهام والمبادرات والأفكار على كل الأطراف الدولية والإقليمية الباحثة عن مخرج لها من المستنقع.. ولا يهم هنا إلى أين يتجه مصير الدمى أو الأدوات، أو عبيد العبيد.

  • فريق ماسة
  • 2013-01-09
  • 9947
  • من الأرشيف

معارضات الدم و"النجوم الخمسة".. دمى لا مكان لها في الحل السوري

تلك هي الخلاصة التي يخرج بها كل من يتابع حركة المعارضات السورية الموزّعة "قياداتها" المتعارضة والمتناقضة بين الدوحة واسطنبول أي "ثورة تلك التي تولد في الفنادق"؟ وباريس ولندن والقاهرة، ومجموعاتها المسلحة المتناحرة والذبّاحة والقاتلة، والتي وصلت سواطيرها إلى قطع رؤوس بعضها البعض. ثمة حقائق أخذ يكتشفها الكثيرون، من الناس العاديين، إلى "المقاتلين" إلى داعمي الحرب ومموليها بالنظارات أو بالسواطير، وهي أن القليل القليل من المعارضات السورية يتفاعل مع أنين الناس، وأن شبق السلطة وهاجسها يعصفان بالكثيرين، وينتظرون اللحظة المؤاتية للانقضاض على بعضهم البعض. فأي "ثورة" تلك التي لم تطرح بعد أقل من سنتين من الأحداث السورية، رؤيتها حول الدولة وشكلها، وإن كان ذاك المبعوث العربي والأممي قد تحدث عن نظام برلماني أو رئاسي؟ وأي "ثورة" تلك التي تتلقى الأوامر كما الأموال من الذين لا يؤمنون بالحد الأدنى من حرية الرأي، ولا بالديمقراطية؟ وأي "ثورة" تلك التي ينتظر من يسمى قادة أو مسؤولين فيها "تعليمة" أو أمراً من عواصم الغرب، التي تحلم على مدى عقود طويلة بتفكيك سورية؟ فهؤلاء ربما لا يعلمون، أو بعضهم الغارق في عمالته واتصالاته يعلم أن بول ولفوفيتز، وريتشارل بيرل المسمى "أمير الظلام"، ودونالد رمسفيلد، وضعوا خرائط كانت مُعدّة منذ أواخر القرن التاسع عشر في بريطانيا وفرنسا، وقبل أن ينتج مارك سايكس وفرانسوا جورج بيكو اتفاقيتهما المشؤومة، ومن أهم أهدافها تقسيم أو تهشيم وحتى تحطيم تلك البلاد التي تشكل نقطة التلاقي الكوني سابقاً، والموعودة والمتجسد بعض منها في إحدى زوايا المسجد الأموي الدمشقي، فدمشق أول عاصمة في التاريخ، وهي روح طريق الحرير القديمة، وهي العقد الفريد المحكم في تاريخ العروبة، وهي عاصمة قلب العروبة النابض، على حد ما أطلعه عليها جمال عبد الناصر. إذاً، ما أكده الرئيس بشار الأسد في خطابه الأخير: أن من يقاتلون سورية وفي سورية لا يشبهون "الثوار" بشيء البته؛ لا بالأخلاق، ولا بالفكر، ولا بالإرادة، فهؤلاء الذين يعتمدون القتل و"الذبح الحلال".. هل فيهم شيء من الفضيلة؟ وبالتالي فمواجهة الإرهاب ليست اختباراً للحل الأمني، بل دفاع مشروع يجب ألا يُلغي الحاجة إلى حل سياسي قائم على الحوار.   لقد وضع الرئيس الأسد شروطه وأوراقه على الطاولة علناً وبصريح العبارة، والغرب وإن كابر وإن هاجم خطاب الأسد، إلا أنه لم يعد يستطيع أن يستمر في لعبة الدم والوقت، في ظل التطورات الميدانية الهامة التي حقق فيها الجيش السوري انتصارات بارزة وهامة، قضى فيها على آلاف الإرهابيين، وبينهم المئات من جنسيات عربية وأجنبية، فأين هي تلك المعارضات اللاهثة "قياداتها" وراء زيادة أرصدتها وحساباتها ومشاريعها واستثماراتها، ما أدى بدولة خليجية ممولة إلى اتخاذ قرار بتشكيل لجنة خاصة مهمتها مراقبة صرف الأموال في مكانها الصحيح. هنا كان الأسد واضحاً، الحديث هو مع الأسياد لا مع الدمى.. انتفض قادة واشنطن وباريس ولندن وأنقرة، وحتى ذاك الذي لا يعرف البحر الأبيض المتوسط من المحيط الأطلسي بان كي مون، على حديث الأسد، لكنهم كانوا فعلاً يؤكدون أن قادة المعارضات السورية هم دمى.. مجرد دمى، حتى أولئك القابعون على العروش في الصحراء العربية تبين أنهم مرحلة ما بين الأسياد والدمى. ببساطة، في المواقف الغربية ثمة حقيقة تبين أن القرار لا علاقة للدمى السورية به، وإن كانت في فنادق "خمس نجوم"، بل القرار في مكان آخر، وليس في حقيبة أحمد معاذ الخطيب، أو في جيب جورج صبرا، ولا في ملف عنصر الاستخبارات الفرنسية برهان غليون، ولا عند محمد رياض الشقفة، كما أنه ليس مع أولئك الذين يحبون بعض "الثورجيين" أو بقايا اليسار والقوميين أو من يطلقوا عليهم "المتنورين"، من أمثال ميشال كيلو.. الخلاصة التي لن يفهمها أولئك المتمردون والأتباع، هي أن سورية الآن لا تخوض معركة النظام، لأنها ببساطة تخوض معركة الدولة الوطنية السورية، معركة سورية ووحدتها. ثمة مفاوضات بدأت، وثمة عواصم بدأت وإن من تحت الطاولة تتصل بالأسد، الذي حدد مؤشرات الحل، بعد أن أخذ الجيش السوري يحسم بقوة في كل الأمكنة، فانتظروا الإدارة الأميركية الجديدة بعد 20 الجاري، وملفات البحث التي ستطرح على طاولة اللقاء بين القيصر الروسي وسيد البيت الأبيض. ماذا سيفعل سعد الحريري وأتباعه إذا علم أن عبد العزيز بن عبدالله باشر اتصالاته الدمشقية منذ أسبوع، وأن ملفات أمنية تُحمل إلى دمشق ومنها؟ وماذا سيفعل قائد "التيار الأزرق" وتوابعه إذا علم أن الغرب ضاق ذرعاً بالأداء التركي الرديء، وأن أردوغان صار يتوسل الحماية بما هو أبعد من الـ"باتريوت" ونشر الدرع الصاروخية؟ ببساطة، الأسد ظهر مؤخراً في عرينه قائداً، ومتمكناً يوزع المهام والمبادرات والأفكار على كل الأطراف الدولية والإقليمية الباحثة عن مخرج لها من المستنقع.. ولا يهم هنا إلى أين يتجه مصير الدمى أو الأدوات، أو عبيد العبيد.

المصدر : أحمد زين الدين - الثبات


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة