ثمة بعد مكتوم في سجال وزير الشؤون الاجتماعية وائل أبو فاعور والسفير السوري في بيروت علي عبد الكريم علي. هو البعد نفسه ربما للاتهامات المتبادلة، التي انطلقت في الأجواء السياسية اللبنانية، فور اندلاع الأحداث في مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين في سوريا.

ففي معسكري الصراع المفتوح في بيروت، لم يصدق أحد أن حدث اليرموك عفوي أو فجائي أو أنه جاء في سياق التفاعل المنطقي والطبيعي لأحداث الحرب الأهلية في سوريا. حتى الدم الفلسطيني، الذي يُجمع الطرفان على «تقديسه» في إطار «القضية المركزية»، كان موضع تناتش في التفكير والتخمين والتقدير والتقرير.

ففي المعارضة من يفكر أن النزوح الفلسطيني من سوريا إلى لبنان مسألة مدبرة بين فريق الأكثرية وبين النظام في سوريا. خلاصة الفكرة المتخيلة في أذهانهم، أن محور حزب الله بات متأكداً من خسارته الأكثرية في أي انتخابات نيابية، وخصوصاً بعد رحلة الياس سكاف السياحية والفكرية إلى السعودية، ناهلاً من صروح الفكر وغابّاً من مساقط الثقافة هناك. بينما التطورات على الأرض، من الأشرفية إلى المتن وكسروان، تنذر بتفسخ أرضية الحليف العوني. أما جنبلاط، فحرف لا يُقرأ إلا في ضوء التطورات السورية، وهي برأيهم قريبة وشيكة... هكذا تعتقد المعارضة بأن محور حزب الله أدرك خسارته الحتمية للاستحقاق النيابي، فقرّر إلغاء الانتخابات. ويرى المعارضون أنه استنفد لذلك كل الوسائل «السلمية والديموقراطية» الممكنة. بدأ بعرقلة مساعي التوصل إلى قانون جديد، بإقراره مشروعاً له عبر الحكومة، مرفوضاً من أكثرية نيابية، بمن فيها وليد جنبلاط حليفه في الحكومة نفسها. وانتهى إلى التسويق بأن إلغاء الاستحقاق الانتخابي لا يعني خراب البلد. وبين الاثنين تابع مسلسل الاغتيالات، من معراب وبدارو إلى الأشرفية... كل ذلك، ودائماً في اعتقاد المعارضة، لم يجد نفعاً؛ إذ ظل القرار الداخلي كما الاتجاهات الخارجية، حاسمين لجهة ضرورة حصول الانتخابات في موعدها، ولو بأي قانون كان.

عند هذا الحد، تذهب دردشات المعارضين إلى الاعتقاد بأن حزب الله «دبرها» مع حليفه النظام السوري: لا بد من إشعال عاصمة الشتات الفلسطيني، اليرموك، في حركة مؤثرة لكن مضبوطة. ينزح بضعة آلاف من الفسطينيين إلى لبنان، يُتهمون هنا بالأصولية والجهادية، ينضمون إلى نظرائهم في بعض المخيمات على الأراضي اللبنانية، فتضطرب الأوضاع عندنا، وتتفاعل الأمور من الآن حتى عشية استحقاق حزيران المقبل، فتصير استحالة إجراء الانتخابات النيابية أمراً بديهياً. ماذا يكسب حزب الله من سيناريو كهذا؟ يجيب المعارضون: هامش كسبه يراوح بين حدين. الحد الأدنى تطيير الانتخابات وبالتالي إبقاء الحكومة الوحيدة القادر على تشكيلها والسيطرة على أكثريتها، اي حكومة ميقاتي. وذلك استناداً إلى عدم وجود أي داع دستوري إلى استقالتها في حال عدم حصول الانتخابات النيابية. وحد أقصى للكسب، هو إدخال النظام اللبناني برمته في حال من الفوضى الوظيفية، وصولاً إلى تكرار سيناريو الطائف، أي أعطونا حصة أكبر لطائفتنا في السلطة، وهو تماماً ما قصده السيد نصر الله في دعوته إلى حوار تأسيسي جديد، بحسب المعارضين...

يبتسم الأكثريون حيال سيناريو الاتهام الذي يواجههم به أهل المعارضة؛ إذ لديهم قراءة مناقضة بالتمام. يقولون ان الفريق الحريري يعيش هذه الأيام حالة رعب من الكلام حول نضوج تسوية روسية ــــ أميركية حيال دمشق. أي تسوية هناك ستعني بقاءهم إلى الأبد خارج السلطة في لبنان، وربما خارج لبنان. فالتسوية محفوفة بما يناقض أهدافهم. هم الذين اجتازوا كل الخطوط الحمر وأحرقوا كل المراكب وهدموا كل الجسور مع النظام. فكيف إذا صمد هذا النظام نفسه، بشكل أو بآخر، من ضمن تسوية مدعومة أميركياً؟ حالة الذعر تلك، يعتقد أهل الأكثرية أنها انعكاس لحالة مماثلة يعيشها الأطراف الخليجيون الداعمون للمعارضة اللبنانية. وهو ما جعل هؤلاء، بخليجييهم ولبنانييهم، يفكرون بخطوة تخربط كل الحسابات الأميركية والروسية، وتجهض كل ما أنجز. هنا لمعت الفكرة في عقولهم النيرة: الفلسطينيون، أو حطب الحروب العربية ــــ العربية البديلة منذ نصف قرن. نطلب من بضعة جهاديين مندسّين في اليرموك تفجير المخيم، فيستدرج النظام إلى مواجهة مع اللاجئين، تكفي لأبلسة ما بقي منه، ثم يزحف عشرات الآلاف منهم إلى لبنان، حيث يتحولون إما إلى «جيشنا البديل»، على طريقة قمة عرمون الشهيرة سنة 1975، وإما إلى صاعق انفجار لبناني شامل. فنضرب أكثر من عصفور: ننتهي من كارثة الدعم الغربي لحكومة ميقاتي العدو الأول. وتسقط كل تصورات التسوية السورية، ويجبر الغربيون على التفكير مجدداً في سيناريوات ليبية لسوريا، وربما لبنان أيضاً...

في سجال الوزير والسفير، شيء رمزي مكتوم من ذلك. ولو من دون علمهما.

 

  • فريق ماسة
  • 2012-12-28
  • 12107
  • من الأرشيف

رهانات يرموكية بعملة الدم الفلسطيني

  ثمة بعد مكتوم في سجال وزير الشؤون الاجتماعية وائل أبو فاعور والسفير السوري في بيروت علي عبد الكريم علي. هو البعد نفسه ربما للاتهامات المتبادلة، التي انطلقت في الأجواء السياسية اللبنانية، فور اندلاع الأحداث في مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين في سوريا. ففي معسكري الصراع المفتوح في بيروت، لم يصدق أحد أن حدث اليرموك عفوي أو فجائي أو أنه جاء في سياق التفاعل المنطقي والطبيعي لأحداث الحرب الأهلية في سوريا. حتى الدم الفلسطيني، الذي يُجمع الطرفان على «تقديسه» في إطار «القضية المركزية»، كان موضع تناتش في التفكير والتخمين والتقدير والتقرير. ففي المعارضة من يفكر أن النزوح الفلسطيني من سوريا إلى لبنان مسألة مدبرة بين فريق الأكثرية وبين النظام في سوريا. خلاصة الفكرة المتخيلة في أذهانهم، أن محور حزب الله بات متأكداً من خسارته الأكثرية في أي انتخابات نيابية، وخصوصاً بعد رحلة الياس سكاف السياحية والفكرية إلى السعودية، ناهلاً من صروح الفكر وغابّاً من مساقط الثقافة هناك. بينما التطورات على الأرض، من الأشرفية إلى المتن وكسروان، تنذر بتفسخ أرضية الحليف العوني. أما جنبلاط، فحرف لا يُقرأ إلا في ضوء التطورات السورية، وهي برأيهم قريبة وشيكة... هكذا تعتقد المعارضة بأن محور حزب الله أدرك خسارته الحتمية للاستحقاق النيابي، فقرّر إلغاء الانتخابات. ويرى المعارضون أنه استنفد لذلك كل الوسائل «السلمية والديموقراطية» الممكنة. بدأ بعرقلة مساعي التوصل إلى قانون جديد، بإقراره مشروعاً له عبر الحكومة، مرفوضاً من أكثرية نيابية، بمن فيها وليد جنبلاط حليفه في الحكومة نفسها. وانتهى إلى التسويق بأن إلغاء الاستحقاق الانتخابي لا يعني خراب البلد. وبين الاثنين تابع مسلسل الاغتيالات، من معراب وبدارو إلى الأشرفية... كل ذلك، ودائماً في اعتقاد المعارضة، لم يجد نفعاً؛ إذ ظل القرار الداخلي كما الاتجاهات الخارجية، حاسمين لجهة ضرورة حصول الانتخابات في موعدها، ولو بأي قانون كان. عند هذا الحد، تذهب دردشات المعارضين إلى الاعتقاد بأن حزب الله «دبرها» مع حليفه النظام السوري: لا بد من إشعال عاصمة الشتات الفلسطيني، اليرموك، في حركة مؤثرة لكن مضبوطة. ينزح بضعة آلاف من الفسطينيين إلى لبنان، يُتهمون هنا بالأصولية والجهادية، ينضمون إلى نظرائهم في بعض المخيمات على الأراضي اللبنانية، فتضطرب الأوضاع عندنا، وتتفاعل الأمور من الآن حتى عشية استحقاق حزيران المقبل، فتصير استحالة إجراء الانتخابات النيابية أمراً بديهياً. ماذا يكسب حزب الله من سيناريو كهذا؟ يجيب المعارضون: هامش كسبه يراوح بين حدين. الحد الأدنى تطيير الانتخابات وبالتالي إبقاء الحكومة الوحيدة القادر على تشكيلها والسيطرة على أكثريتها، اي حكومة ميقاتي. وذلك استناداً إلى عدم وجود أي داع دستوري إلى استقالتها في حال عدم حصول الانتخابات النيابية. وحد أقصى للكسب، هو إدخال النظام اللبناني برمته في حال من الفوضى الوظيفية، وصولاً إلى تكرار سيناريو الطائف، أي أعطونا حصة أكبر لطائفتنا في السلطة، وهو تماماً ما قصده السيد نصر الله في دعوته إلى حوار تأسيسي جديد، بحسب المعارضين... يبتسم الأكثريون حيال سيناريو الاتهام الذي يواجههم به أهل المعارضة؛ إذ لديهم قراءة مناقضة بالتمام. يقولون ان الفريق الحريري يعيش هذه الأيام حالة رعب من الكلام حول نضوج تسوية روسية ــــ أميركية حيال دمشق. أي تسوية هناك ستعني بقاءهم إلى الأبد خارج السلطة في لبنان، وربما خارج لبنان. فالتسوية محفوفة بما يناقض أهدافهم. هم الذين اجتازوا كل الخطوط الحمر وأحرقوا كل المراكب وهدموا كل الجسور مع النظام. فكيف إذا صمد هذا النظام نفسه، بشكل أو بآخر، من ضمن تسوية مدعومة أميركياً؟ حالة الذعر تلك، يعتقد أهل الأكثرية أنها انعكاس لحالة مماثلة يعيشها الأطراف الخليجيون الداعمون للمعارضة اللبنانية. وهو ما جعل هؤلاء، بخليجييهم ولبنانييهم، يفكرون بخطوة تخربط كل الحسابات الأميركية والروسية، وتجهض كل ما أنجز. هنا لمعت الفكرة في عقولهم النيرة: الفلسطينيون، أو حطب الحروب العربية ــــ العربية البديلة منذ نصف قرن. نطلب من بضعة جهاديين مندسّين في اليرموك تفجير المخيم، فيستدرج النظام إلى مواجهة مع اللاجئين، تكفي لأبلسة ما بقي منه، ثم يزحف عشرات الآلاف منهم إلى لبنان، حيث يتحولون إما إلى «جيشنا البديل»، على طريقة قمة عرمون الشهيرة سنة 1975، وإما إلى صاعق انفجار لبناني شامل. فنضرب أكثر من عصفور: ننتهي من كارثة الدعم الغربي لحكومة ميقاتي العدو الأول. وتسقط كل تصورات التسوية السورية، ويجبر الغربيون على التفكير مجدداً في سيناريوات ليبية لسوريا، وربما لبنان أيضاً... في سجال الوزير والسفير، شيء رمزي مكتوم من ذلك. ولو من دون علمهما.  

المصدر : جان عزيز


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة