كشف نائب مساعد وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون الطاقة عاموس هوخشتاين، النقاب رسمياً وللمرة الأولى عن الوساطة التي تقوم بها الإدارة الأميركية لحل أزمة المياه الاقتصادية القائمة بين إسرائيل ولبنان، والمتصلة بحقول الغاز في البحر المتوسط. وأشار هوخشتاين في حديث أمام مؤتمر عقده معهد «أسبان» في واشنطن في 29 تشرين الثاني الماضي، ونشرت «هآرتس» تقريراً عنه أمس، إلى أن الولايات المتحدة تتوسط بين الدولتين، وأنها عرضت حدوداً بحرية ترتكز إلى القانون الدولي والاتفاقيات الدولية.

وأوضح هوخشتاين أن إدارته سلمت كلاً من إسرائيل ولبنان خريطة تتضمن صيغة حل الوسط للخلاف القائم بين الدولتين على مياه تقع على مثلث عرضه 15 كيلومتراً على خط المنتصف مع حدود مياه قبرص الاقتصادية، وتصل بخطين طولهما حوالي 180 كيلومتراً إلى رأس الناقورة على البحر المتوسط. ولفت إلى أن اقتراح الحل الوسط تحقق في نطاق مساعي الوساطة الأميركية التي أعدت لتحييد بؤر التوتر الناشئة بين الدولتين على تحديد «المياه الاقتصادية» لكل منهما.

وقالت مصادر لبنانية مطلعة لـ«السفير» إن الاقتراح الأميركي لا يزال قيد التفاوض مع واشنطن، لافتة الانتباه إلى أنه يعطي لبنان ثلثي حقه في المنطقة الاقتصادية، وبالتالي فإن التفاوض مستمر حول الثلث الآخر العالق. وأوضحت المصادر أنه سبق للجنة المختصة بملف الحدود البحرية أن درست هذا الاقتراح، وأبلغت الحكومة بملاحظاتها عليه، مشددة على أن الحكومة لم تتراجع عن تمسكها بكامل المنطقة الاقتصادية.

وبحسب «هآرتس» فإن الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل تنقسم إلى شقين: الأول خط بطول 12 ميلاً من الشاطئ، ولكل دولة على جانبها منه سيادة كاملة، وخط آخر طوله حوالي مئة ميل وأكثر يسمى «المياه الاقتصادية الحصرية» أو «المياه الاقتصادية». والحديث يدور عن مياه لكل دولة حقوق اقتصادية وبحثية على مواردها الطبيعية،

 

والصيد وسواه. وفي السنوات الأخيرة، وفي ضوء اكتشافات الغاز بمليارات الدولارات في هذه المياه، غدت المياه الاقتصادية أكثر إستراتيجية.

وبحسب هوخشتاين، فإن الولايات المتحدة معنية بالتوصل إلى اتفاق بين لبنان وإسرائيل وقبرص بشأن حدود «المياه الاقتصادية» لكل دولة، وذلك لخلق أجواء تسمح للشركات الأجنبية بالوصول والاستثمار في البحث عن الغاز في المنطقة، من دون مخاوف أمنية. والشركة المركزية التي تنفذ التفتيش عن الغاز هي «نوبل إنرجي» الأميركية.

وأشارت «هآرتس» إلى أنه من حوارات مع مسؤولين كبار في الخارجيتين الأميركية والإسرائيلية، يظهر أن الأميركيين سلموا الخريطة واقتراح ترسيم «المياه الاقتصادية» قبل أربعة أشهر. وأوضح مسؤول في الخارجية الإسرائيلية أن الطاقم الأميركي الذي يعالج المسألة يضم هوخشتاين وفريد هوف، الذي تولى حتى استقالته قبل بضعة أسابيع الملف اللبناني في الخارجية الأميركية.

وقد وصل هوخشتاين وهوف مراراً إلى إسرائيل ولبنان وأجريا محادثات مع كبار المسؤولين. وبحسب مسؤول كبير في الخارجية الإسرائيلية، سلم الأميركيون اقتراحهم لطاقم حكومي يترأسه عوديد عيران، وهو ديبلوماسي كبير متقاعد، عمل في الماضي سفيراً في الأردن ولدى الاتحاد الأوروبي في بروكسيل.

من جهته، قال مسؤول في الخارجية الأميركية إن الولايات المتحدة سلمت الخريطة لإسرائيل ولبنان لأن الدولتين لا تقيمان علاقات ديبلوماسية، ولذلك لا تستطيعان التوصل لتفاهمات حول الأمر بشكل مباشر. وبحسب كلامه فإن الخريطة استندت إلى بحث «كارتوغرافي» نفذه خبراء أميركيون، وهي لا تدّعي تمثيل الحدود الإقليمية بين الدولتين، وإنما فقط توفر صيغة حل وسط لتقاسم نزيه لـ«المياه الاقتصادية» ولموارد الغاز فيها. وشدد الأميركيون في مباحثاتهم مع إسرائيل ولبنان على أنهم يعتقدون أن اقتراحهم يوفر حلاً مرضياً ومحترماً للطرفين، كما أنه يسمح للدولتين بوضع الخلاف خلف ظهريهما، وزيادة المناطق في الشرق الأوسط التي يمكن لكل منهما تنفيذ بحثه عن الغاز فيها.

وأشارت «هآرتس» إلى أن كلاً من إسرائيل ولبنان لم يردا بعد بشكل نهائي على الاقتراح الأميركي وأنهما طلبتا توضيحات لعدد من النقاط. والرسالة الأميركية التي نقلت إلى تل أبيب وبيروت كانت أن الاقتراح موضوع على الطاولة ويمكن تنفيذه الآن أو في المستقبل. وفي كل حال، أوضح الأميركيون أن الطرفين لن يكونا بحاجة لتحويل الاقتراح إلى اتفاق سياسي بينهما، ويمكنهما تسليم موافقتهما للولايات المتحدة التي سترعى هذه التفاهمات. وعرض الأميركيون أنه إذا وافق الطرفان على الصيغة، فإن كلا منهما على انفراد سيعلن عن تصحيح رسم حدود مياهه الاقتصادية، وفقاً للخريطة الأميركية.

وكان لبنان قد تقدم في شهر آب الماضي بصيغته لحدود «المياه الاقتصادية» إلى الأمم المتحدة. والخط اللبناني لا يشمل حقلي الغاز الكبيرين «تمار» و«لفيتان» اللذين تستثمرهما شركة «ديلك إنرجي» الإسرائيلية و«نوبل إنرجي» الأميركية. وبالرغم من ذلك فإن مراجعة وزارة البنى التحتية أظهرت أن الصيغة اللبنانية تشمل مناطق واسعة جنوبي الخط الإسرائيلي، وهي تحوي مكامن غاز ونفط ذات قدرات إنتاج تقدر بمليارات الدولارات، ولذلك فإنها ذات أهمية حاسمة للمصالح الإسرائيلية.

من جهتها، كانت الحكومة الإسرائيلية قد قررت في تموز العام 2011 تحديد مياه إسرائيل الاقتصادية. وسلمت القرار إلى الحكومة الأميركية وللأمم المتحدة. وعلى أساس الصيغتين الإسرائيلية واللبنانية وضع الأميركيون اقتراح الحل الوسط.

  • فريق ماسة
  • 2012-12-16
  • 8280
  • من الأرشيف

خريطة غاز أميركية للتوسّط بين لبنان وإسرائيل

كشف نائب مساعد وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون الطاقة عاموس هوخشتاين، النقاب رسمياً وللمرة الأولى عن الوساطة التي تقوم بها الإدارة الأميركية لحل أزمة المياه الاقتصادية القائمة بين إسرائيل ولبنان، والمتصلة بحقول الغاز في البحر المتوسط. وأشار هوخشتاين في حديث أمام مؤتمر عقده معهد «أسبان» في واشنطن في 29 تشرين الثاني الماضي، ونشرت «هآرتس» تقريراً عنه أمس، إلى أن الولايات المتحدة تتوسط بين الدولتين، وأنها عرضت حدوداً بحرية ترتكز إلى القانون الدولي والاتفاقيات الدولية. وأوضح هوخشتاين أن إدارته سلمت كلاً من إسرائيل ولبنان خريطة تتضمن صيغة حل الوسط للخلاف القائم بين الدولتين على مياه تقع على مثلث عرضه 15 كيلومتراً على خط المنتصف مع حدود مياه قبرص الاقتصادية، وتصل بخطين طولهما حوالي 180 كيلومتراً إلى رأس الناقورة على البحر المتوسط. ولفت إلى أن اقتراح الحل الوسط تحقق في نطاق مساعي الوساطة الأميركية التي أعدت لتحييد بؤر التوتر الناشئة بين الدولتين على تحديد «المياه الاقتصادية» لكل منهما. وقالت مصادر لبنانية مطلعة لـ«السفير» إن الاقتراح الأميركي لا يزال قيد التفاوض مع واشنطن، لافتة الانتباه إلى أنه يعطي لبنان ثلثي حقه في المنطقة الاقتصادية، وبالتالي فإن التفاوض مستمر حول الثلث الآخر العالق. وأوضحت المصادر أنه سبق للجنة المختصة بملف الحدود البحرية أن درست هذا الاقتراح، وأبلغت الحكومة بملاحظاتها عليه، مشددة على أن الحكومة لم تتراجع عن تمسكها بكامل المنطقة الاقتصادية. وبحسب «هآرتس» فإن الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل تنقسم إلى شقين: الأول خط بطول 12 ميلاً من الشاطئ، ولكل دولة على جانبها منه سيادة كاملة، وخط آخر طوله حوالي مئة ميل وأكثر يسمى «المياه الاقتصادية الحصرية» أو «المياه الاقتصادية». والحديث يدور عن مياه لكل دولة حقوق اقتصادية وبحثية على مواردها الطبيعية،   والصيد وسواه. وفي السنوات الأخيرة، وفي ضوء اكتشافات الغاز بمليارات الدولارات في هذه المياه، غدت المياه الاقتصادية أكثر إستراتيجية. وبحسب هوخشتاين، فإن الولايات المتحدة معنية بالتوصل إلى اتفاق بين لبنان وإسرائيل وقبرص بشأن حدود «المياه الاقتصادية» لكل دولة، وذلك لخلق أجواء تسمح للشركات الأجنبية بالوصول والاستثمار في البحث عن الغاز في المنطقة، من دون مخاوف أمنية. والشركة المركزية التي تنفذ التفتيش عن الغاز هي «نوبل إنرجي» الأميركية. وأشارت «هآرتس» إلى أنه من حوارات مع مسؤولين كبار في الخارجيتين الأميركية والإسرائيلية، يظهر أن الأميركيين سلموا الخريطة واقتراح ترسيم «المياه الاقتصادية» قبل أربعة أشهر. وأوضح مسؤول في الخارجية الإسرائيلية أن الطاقم الأميركي الذي يعالج المسألة يضم هوخشتاين وفريد هوف، الذي تولى حتى استقالته قبل بضعة أسابيع الملف اللبناني في الخارجية الأميركية. وقد وصل هوخشتاين وهوف مراراً إلى إسرائيل ولبنان وأجريا محادثات مع كبار المسؤولين. وبحسب مسؤول كبير في الخارجية الإسرائيلية، سلم الأميركيون اقتراحهم لطاقم حكومي يترأسه عوديد عيران، وهو ديبلوماسي كبير متقاعد، عمل في الماضي سفيراً في الأردن ولدى الاتحاد الأوروبي في بروكسيل. من جهته، قال مسؤول في الخارجية الأميركية إن الولايات المتحدة سلمت الخريطة لإسرائيل ولبنان لأن الدولتين لا تقيمان علاقات ديبلوماسية، ولذلك لا تستطيعان التوصل لتفاهمات حول الأمر بشكل مباشر. وبحسب كلامه فإن الخريطة استندت إلى بحث «كارتوغرافي» نفذه خبراء أميركيون، وهي لا تدّعي تمثيل الحدود الإقليمية بين الدولتين، وإنما فقط توفر صيغة حل وسط لتقاسم نزيه لـ«المياه الاقتصادية» ولموارد الغاز فيها. وشدد الأميركيون في مباحثاتهم مع إسرائيل ولبنان على أنهم يعتقدون أن اقتراحهم يوفر حلاً مرضياً ومحترماً للطرفين، كما أنه يسمح للدولتين بوضع الخلاف خلف ظهريهما، وزيادة المناطق في الشرق الأوسط التي يمكن لكل منهما تنفيذ بحثه عن الغاز فيها. وأشارت «هآرتس» إلى أن كلاً من إسرائيل ولبنان لم يردا بعد بشكل نهائي على الاقتراح الأميركي وأنهما طلبتا توضيحات لعدد من النقاط. والرسالة الأميركية التي نقلت إلى تل أبيب وبيروت كانت أن الاقتراح موضوع على الطاولة ويمكن تنفيذه الآن أو في المستقبل. وفي كل حال، أوضح الأميركيون أن الطرفين لن يكونا بحاجة لتحويل الاقتراح إلى اتفاق سياسي بينهما، ويمكنهما تسليم موافقتهما للولايات المتحدة التي سترعى هذه التفاهمات. وعرض الأميركيون أنه إذا وافق الطرفان على الصيغة، فإن كلا منهما على انفراد سيعلن عن تصحيح رسم حدود مياهه الاقتصادية، وفقاً للخريطة الأميركية. وكان لبنان قد تقدم في شهر آب الماضي بصيغته لحدود «المياه الاقتصادية» إلى الأمم المتحدة. والخط اللبناني لا يشمل حقلي الغاز الكبيرين «تمار» و«لفيتان» اللذين تستثمرهما شركة «ديلك إنرجي» الإسرائيلية و«نوبل إنرجي» الأميركية. وبالرغم من ذلك فإن مراجعة وزارة البنى التحتية أظهرت أن الصيغة اللبنانية تشمل مناطق واسعة جنوبي الخط الإسرائيلي، وهي تحوي مكامن غاز ونفط ذات قدرات إنتاج تقدر بمليارات الدولارات، ولذلك فإنها ذات أهمية حاسمة للمصالح الإسرائيلية. من جهتها، كانت الحكومة الإسرائيلية قد قررت في تموز العام 2011 تحديد مياه إسرائيل الاقتصادية. وسلمت القرار إلى الحكومة الأميركية وللأمم المتحدة. وعلى أساس الصيغتين الإسرائيلية واللبنانية وضع الأميركيون اقتراح الحل الوسط.

المصدر : السفير /حلمي موسى


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة