توقفت الصحف الإسرائيلية عند أداء حكومة بنيامين نتنياهو في حربها على غزة، بما في ذلك الدروس المستفادة من ردود فعل حماس وإسرائيل وتداعيات ذلك على أي حرب مقبلة في غزة أو لبنان

بدأت اسرائيل، مبكراً، تقييم نتائج حملة «عمود السحاب» العسكرية على قطاع غزة، لجهة مفاعيلها السياسية والردعية سواء في مقابل غزة أو حزب الله في لبنان. صحيفة «معاريف» قارنت بين مواقف بنيامين نتنياهو عندما كان يترأس المعارضة في نهاية عملية «الرصاص المصهور» في العام 2009 مع موقفه الآن وهو في موقع رئاسة الوزراء. يومها، اعتبر أن السبيل الوحيد لوقف النار من غزة هو انهيار حكم حماس. أما الآن عندما أصبح بيده اتخاذ قرار الدخول إلى غزة ودفع حكم حماس إلى الانهيار، فبدت له الأمور مختلفة بعض الشيء، لم يعد معنياً بعملية برية كهذه، تؤدي إلى مقتل الجنود ونتائجها ليست واضحة.

ورأت الصحيفة أن الضغط الدولي المتزايد على إسرائيل، من أجل الامتناع عن هذه العملية، يخدم نتنياهو كونه تمكن من أن يخلق احساساً بالالحاح في الأسرة الدولية على أنه إذا لم يتوقف اطلاق النار في غضون 24 ساعة فلن يكون أمام اسرائيل مفر غير الدخول إلى غزة.

وبحسب «يديعوت أحرونوت»، يخشى الجيش الإسرائيلي من أن يؤدي الحذر النسبي الذي أبداه تجاه السكان الفلسطينيين في القطاع إلى نتيجة معاكسة فيمس بقوة الردع في مقابل حماس وحزب الله. وبالرغم من أن «النشاط الجراحي» يسمح لإسرائيل بأن تعمل في القطاع دون ضغط دولي تقريباً، ودون التعرض لانتقاد قانوني على نمط تقرير غولدستون، الا انهم يتخوفون في الجيش من أن يؤدي ما جرى في غزة الى ضياع «عقيدة الضاحية» التي تلوح بها اسرائيل على الدوام. وأكدت الصحيفة على وجود خشية في الجيش من أن يكون حزب الله، الذي يراقب التطورات في غزة، أقل قلقاً في المرة المقبلة.

وفي محاولة لاحتواء هذا النوع من المفاعيل السلبية على قوة الردع الإسرائيلية، نقلت «يديعوت أحرونوت» عن مصادر في الجيش الإسرائيلي قولها إن «غزة ليست لبنان»، بمعنى أنه سيمنح الجيش الإسرائيلي حرية عمل أوسع مما في غزة.

وذكرت «يديعوت أحرونوت» أنهم في المؤسسة الأمنية يؤكدون على أن تخلي إسرائيل عن فكرة «رب البيت جن جنونه» سيمنح حماس فرصة بأن تأتي إلى الاتصالات لوقف النار برأس مرفوع نسبياً. ولفتت «يديعوت أحرونوت» إلى أن طرفي القتال، يسعيان إلى «صورة نصر»، ومن أجل ذلك تحاول حماس اسقاط طائرات أو استهداف قطع بحرية، أو كبديل عن ذلك ضرب تل أبيب واسقاط اصابات فيها. أما اسرائيل فتسعى للجلوس إلى طاولة المفاوضات فقط بعد تصفية عدد من كبار مسؤولي المقاومة في غزة.

المعلق السياسي في صحيفة «هآرتس»، آري شابيط، اعتبر أن اليوم الأول من عملية «عمود السحاب» كان مشحوناً بالانجازات، «كما كان اليوم الثاني أيضاً ناجحاً، فضلاً عن أن إسرائيل تمتعت بقدر جيد من الشرعية الدولية والوحدة الداخلية، ونتيجة ذلك كان الوضع الاستراتيجي لإسرائيل مساء السبت جيداً جداً». ورأى شابيط أن «إدارة نتنياهو و(ووزير الدفاع إيهود) باراك و(رئيس الأركان بني) غانتس العسكرية، في الـ 48 الساعة الأولى للحرب كانت أفضل من ادارة القيادة الاسرائيلية في حرب لبنان الثانية عام 2006، وعملية الرصاص المصهور». ولفت إلى أنه «لو أن إسرائيل أوقفت العملية في حينه، لكان تم استيعاب الرسالة جيداً في غزة وبيروت ودمشق وطهران».

لكن اسرائيل، بحسب شابيط، لم تنجح في إنهاء اللعبة، عندما كانت تميل لمصلحتها، وبدأت انجازاتها بالتلاشي، إلى حد أنها انسحقت وازدادت تأثيراتها السلبية حدة. وأضاف «الاختيار الذي تواجهه اسرائيل بعد خمسة أيام من القتال، هو نفس الاختيار الذي واجهته في الأسبوع الثاني من حرب لبنان الثانية، وعملية الرصاص المصهور، فإما هدنة صعبة أو حرب برية سيئة». ووصف ذلك «كما لو أن على إسرائيل الاختيار بين الكوليرا والطاعون»، مؤكداً أنه لن يكون لإسرائيل انتصار في قطاع غزة، ولن تكون هناك هزيمة لا لبس فيها لحماس. وفي ضوء ذلك، فإن التوصل إلى تسوية غير كاملة على الحدود الجنوبية أفضل من التورط في عملية برية كثيرة الدماء لا يستطيع أحد أن يعلم ماذا ستكون آثارها.

في الإطار نفسه، رأى المعلق العسكري في صحيفة «هآرتس»، عاموس هرئيل، أن إسرائيل عادت إلى فترة المراوحة والانتظار التي سُجلت في حرب لبنان الثانية، التي تسحق انجازات العملية بالتدريج، مشيراً إلى أن الجيش يتحدث بكلام صحيح بين حرب وحرب، لكن عندما تأتي الجولة التالية يتبين له أن اللاعبين الآخرين، بمن فيهم حماس والمستوى السياسي في إسرائيل، غير مستعدين للعب بحسب السيناريو الذي تمت تهيئته سلفاً. وشدد هرئيل على أن أساس التردد السياسي هو كابوس الخوف من الخسائر.

من جهته، رأى البروفيسور ايال زيسر، في مقالة له في صحيفة «إسرائيل اليوم»، أن المشكلة التي يواجهها قادة إسرائيل ومصر ليست إنهاء جولة التصعيد الحالي، إنما التحدي ألا يعقبها جولة تصعيد أخرى، ويطبق وقف اطلاق النار على طول حدود القطاع الذي تلتزم به إسرائيل وسائر الفصائل الفلسطينية. وأشار زيسر إلى أنه بالرغم من احجام الرئيس المصري محمد مرسي عن ذكر اسم إسرائيل في خطبه وبرغم خطاباته المنفلتة، إلا أنه تصرف بمسؤولية وأظهر نشاطاً وفاعلية لم نر لهما مثيلاً حتى في أيام حكم حسني مبارك. ووفقاً لزيسر حرص مرسي على الحفاظ على قناة اتصال مفتوحة بإسرائيل، مستغلاً حقيقة أن حماس تحتاج إليه اليوم أكثر من أي وقت مضى، بعد أن تركت دمشق وبرَّدت علاقاتها مع ايران.

بدوره، دعا معلق الشؤون الحزبية في صحيفة معاريف، شالوم يروشالمي، إلى ترك غزة لمصر، واصفاً زيارة رئيس الوزراء المصري هشام قنديل إلى غزة بأنها فتحت نافذة فرصة فريدة. ودعا إلى تشجيع جعل غزة ومصر كياناً واحداً، انطلاقاً من أن حكماً مركزياً مثل النظام المصري أفضل من نظام ارهابي لحماس.

  • فريق ماسة
  • 2012-11-20
  • 10423
  • من الأرشيف

تقييم استباقي لـ«عمود السحاب»: لبنان ليس غزة

توقفت الصحف الإسرائيلية عند أداء حكومة بنيامين نتنياهو في حربها على غزة، بما في ذلك الدروس المستفادة من ردود فعل حماس وإسرائيل وتداعيات ذلك على أي حرب مقبلة في غزة أو لبنان بدأت اسرائيل، مبكراً، تقييم نتائج حملة «عمود السحاب» العسكرية على قطاع غزة، لجهة مفاعيلها السياسية والردعية سواء في مقابل غزة أو حزب الله في لبنان. صحيفة «معاريف» قارنت بين مواقف بنيامين نتنياهو عندما كان يترأس المعارضة في نهاية عملية «الرصاص المصهور» في العام 2009 مع موقفه الآن وهو في موقع رئاسة الوزراء. يومها، اعتبر أن السبيل الوحيد لوقف النار من غزة هو انهيار حكم حماس. أما الآن عندما أصبح بيده اتخاذ قرار الدخول إلى غزة ودفع حكم حماس إلى الانهيار، فبدت له الأمور مختلفة بعض الشيء، لم يعد معنياً بعملية برية كهذه، تؤدي إلى مقتل الجنود ونتائجها ليست واضحة. ورأت الصحيفة أن الضغط الدولي المتزايد على إسرائيل، من أجل الامتناع عن هذه العملية، يخدم نتنياهو كونه تمكن من أن يخلق احساساً بالالحاح في الأسرة الدولية على أنه إذا لم يتوقف اطلاق النار في غضون 24 ساعة فلن يكون أمام اسرائيل مفر غير الدخول إلى غزة. وبحسب «يديعوت أحرونوت»، يخشى الجيش الإسرائيلي من أن يؤدي الحذر النسبي الذي أبداه تجاه السكان الفلسطينيين في القطاع إلى نتيجة معاكسة فيمس بقوة الردع في مقابل حماس وحزب الله. وبالرغم من أن «النشاط الجراحي» يسمح لإسرائيل بأن تعمل في القطاع دون ضغط دولي تقريباً، ودون التعرض لانتقاد قانوني على نمط تقرير غولدستون، الا انهم يتخوفون في الجيش من أن يؤدي ما جرى في غزة الى ضياع «عقيدة الضاحية» التي تلوح بها اسرائيل على الدوام. وأكدت الصحيفة على وجود خشية في الجيش من أن يكون حزب الله، الذي يراقب التطورات في غزة، أقل قلقاً في المرة المقبلة. وفي محاولة لاحتواء هذا النوع من المفاعيل السلبية على قوة الردع الإسرائيلية، نقلت «يديعوت أحرونوت» عن مصادر في الجيش الإسرائيلي قولها إن «غزة ليست لبنان»، بمعنى أنه سيمنح الجيش الإسرائيلي حرية عمل أوسع مما في غزة. وذكرت «يديعوت أحرونوت» أنهم في المؤسسة الأمنية يؤكدون على أن تخلي إسرائيل عن فكرة «رب البيت جن جنونه» سيمنح حماس فرصة بأن تأتي إلى الاتصالات لوقف النار برأس مرفوع نسبياً. ولفتت «يديعوت أحرونوت» إلى أن طرفي القتال، يسعيان إلى «صورة نصر»، ومن أجل ذلك تحاول حماس اسقاط طائرات أو استهداف قطع بحرية، أو كبديل عن ذلك ضرب تل أبيب واسقاط اصابات فيها. أما اسرائيل فتسعى للجلوس إلى طاولة المفاوضات فقط بعد تصفية عدد من كبار مسؤولي المقاومة في غزة. المعلق السياسي في صحيفة «هآرتس»، آري شابيط، اعتبر أن اليوم الأول من عملية «عمود السحاب» كان مشحوناً بالانجازات، «كما كان اليوم الثاني أيضاً ناجحاً، فضلاً عن أن إسرائيل تمتعت بقدر جيد من الشرعية الدولية والوحدة الداخلية، ونتيجة ذلك كان الوضع الاستراتيجي لإسرائيل مساء السبت جيداً جداً». ورأى شابيط أن «إدارة نتنياهو و(ووزير الدفاع إيهود) باراك و(رئيس الأركان بني) غانتس العسكرية، في الـ 48 الساعة الأولى للحرب كانت أفضل من ادارة القيادة الاسرائيلية في حرب لبنان الثانية عام 2006، وعملية الرصاص المصهور». ولفت إلى أنه «لو أن إسرائيل أوقفت العملية في حينه، لكان تم استيعاب الرسالة جيداً في غزة وبيروت ودمشق وطهران». لكن اسرائيل، بحسب شابيط، لم تنجح في إنهاء اللعبة، عندما كانت تميل لمصلحتها، وبدأت انجازاتها بالتلاشي، إلى حد أنها انسحقت وازدادت تأثيراتها السلبية حدة. وأضاف «الاختيار الذي تواجهه اسرائيل بعد خمسة أيام من القتال، هو نفس الاختيار الذي واجهته في الأسبوع الثاني من حرب لبنان الثانية، وعملية الرصاص المصهور، فإما هدنة صعبة أو حرب برية سيئة». ووصف ذلك «كما لو أن على إسرائيل الاختيار بين الكوليرا والطاعون»، مؤكداً أنه لن يكون لإسرائيل انتصار في قطاع غزة، ولن تكون هناك هزيمة لا لبس فيها لحماس. وفي ضوء ذلك، فإن التوصل إلى تسوية غير كاملة على الحدود الجنوبية أفضل من التورط في عملية برية كثيرة الدماء لا يستطيع أحد أن يعلم ماذا ستكون آثارها. في الإطار نفسه، رأى المعلق العسكري في صحيفة «هآرتس»، عاموس هرئيل، أن إسرائيل عادت إلى فترة المراوحة والانتظار التي سُجلت في حرب لبنان الثانية، التي تسحق انجازات العملية بالتدريج، مشيراً إلى أن الجيش يتحدث بكلام صحيح بين حرب وحرب، لكن عندما تأتي الجولة التالية يتبين له أن اللاعبين الآخرين، بمن فيهم حماس والمستوى السياسي في إسرائيل، غير مستعدين للعب بحسب السيناريو الذي تمت تهيئته سلفاً. وشدد هرئيل على أن أساس التردد السياسي هو كابوس الخوف من الخسائر. من جهته، رأى البروفيسور ايال زيسر، في مقالة له في صحيفة «إسرائيل اليوم»، أن المشكلة التي يواجهها قادة إسرائيل ومصر ليست إنهاء جولة التصعيد الحالي، إنما التحدي ألا يعقبها جولة تصعيد أخرى، ويطبق وقف اطلاق النار على طول حدود القطاع الذي تلتزم به إسرائيل وسائر الفصائل الفلسطينية. وأشار زيسر إلى أنه بالرغم من احجام الرئيس المصري محمد مرسي عن ذكر اسم إسرائيل في خطبه وبرغم خطاباته المنفلتة، إلا أنه تصرف بمسؤولية وأظهر نشاطاً وفاعلية لم نر لهما مثيلاً حتى في أيام حكم حسني مبارك. ووفقاً لزيسر حرص مرسي على الحفاظ على قناة اتصال مفتوحة بإسرائيل، مستغلاً حقيقة أن حماس تحتاج إليه اليوم أكثر من أي وقت مضى، بعد أن تركت دمشق وبرَّدت علاقاتها مع ايران. بدوره، دعا معلق الشؤون الحزبية في صحيفة معاريف، شالوم يروشالمي، إلى ترك غزة لمصر، واصفاً زيارة رئيس الوزراء المصري هشام قنديل إلى غزة بأنها فتحت نافذة فرصة فريدة. ودعا إلى تشجيع جعل غزة ومصر كياناً واحداً، انطلاقاً من أن حكماً مركزياً مثل النظام المصري أفضل من نظام ارهابي لحماس.

المصدر : الاخبار/ علي حيدر


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة