بذلت الولايات المتحدة الأميركية جهوداً كبيرة من أجل توحيد المعارضة السورية الخارجية وبلورة شخصيتها السياسية ومؤسساتها وتنظيم فروعها العسكرية.

 تولى السفير الأميركي في سوريا روبرت فورد إدارة «مؤتمر الدوحة» وهو يمارس ضغوطاً وإغراءات من بينها الوعود بمزيد من الدعم المالي والتسليحي الأكثر فعالية. نجح المؤتمر بعد أيام من المفاوضات العسيرة بإنشاء هيكلية تحفظت عليها أطراف من «التنسيقيات» لأسباب تتعلق بحجم المشاركة وتوازنات القوى وتوزيع المهام أكثر من الاعتراض على التوجه السياسي.

هناك وظائف عدة للجهد الأميركي المباشر الذي أزاح من الواجهة الدور الخليجي والتركي. في المقدمة الحد من دور الجماعات المتطرفة والفوضوية التي أضرت بصورة مايسمى «الثورة السورية» وأنشأت مراكز نفوذ خارج السيطرة، والخشية من حيازتها أسلحة متقدمة توظف خارج الإطار السوري، لكن هذا الاعتبار وجدت فيه بعض أطراف المعارضة سابقاً لأوانه قبل إسقاط النظام..

خلال سنتين تقريباً من المواجهة لم تنشأ مناطق مقفلة في وجه أي طرف. لا تستطيع المعارضة التشبث بأية منطقة وإدارتها كمنطقة "محررة". هذا السجال القتالي كلّف سوريا فوضى ومآسي وضياعاً سياسياً لدى فئات واسعة من الشعب.

على كل حال، يوحي التدخل الأميركي المباشر بأن المسألة السورية أعقد بكثير من أن تحتويها تفاهمات مع الروس على عناوين عامة كالتي أقرها لقاء جنيف. لا شيء يضمن مصالح روسيا في نظام مركزي قد ينشأ بأرجحية طائفية وسياسية جديدة محسوبة في خانة نفوذ الغرب ودول الخليج العربي وتركيا. ولا شيء يغري أميركا بالتسوية لوضع متفجر مثالي لأهدافها في استنزاف الأطراف المتورطين ولا سيما إيران. ولا شيء يسمح للمعارضة الخارجية  بعد عامين من العنف الشامل أن تجلس إلى طاولة مفاوضات لتتحمّل عبء الحرب وأثقالها شراكة مع النظام. ونكاد نكون أمام استحالات لمخارج يطلبها حلفاء الدولة السورية .

لم نشهد حرباً كهذه لم تحصل فيها هدنة إنسانية ليوم واحد. لم نشهد حرباً كهذه لم تقدم خلالها مبادرة سياسية واحدة فعلية لها علاقة بإعادة تشكيل النظام والسلطة وفق الحد الأدنى من المطالب الداخلية. فالتسوية الآن أكثر استحالة من أي وقت ،

هذا الاحتمال لم ينضج بعد ما دام في جعبة الأطراف المزيد من عناصر القوة، وفي بعض صورها ضخ المزيد من المشكلات، والتهويل بتوسيع المواجهة. فلقد ساهم الجميع بشبك الأزمة السورية مع أطراف الجوار كلها. ويظهر بوضوح أن التداعيات الخارجية ليست تحت السيطرة كما يحاول الأطراف الدوليون.

 

السفير

  • فريق ماسة
  • 2012-11-12
  • 8584
  • من الأرشيف

سورية ولبنان على حد السكين

بذلت الولايات المتحدة الأميركية جهوداً كبيرة من أجل توحيد المعارضة السورية الخارجية وبلورة شخصيتها السياسية ومؤسساتها وتنظيم فروعها العسكرية.  تولى السفير الأميركي في سوريا روبرت فورد إدارة «مؤتمر الدوحة» وهو يمارس ضغوطاً وإغراءات من بينها الوعود بمزيد من الدعم المالي والتسليحي الأكثر فعالية. نجح المؤتمر بعد أيام من المفاوضات العسيرة بإنشاء هيكلية تحفظت عليها أطراف من «التنسيقيات» لأسباب تتعلق بحجم المشاركة وتوازنات القوى وتوزيع المهام أكثر من الاعتراض على التوجه السياسي. هناك وظائف عدة للجهد الأميركي المباشر الذي أزاح من الواجهة الدور الخليجي والتركي. في المقدمة الحد من دور الجماعات المتطرفة والفوضوية التي أضرت بصورة مايسمى «الثورة السورية» وأنشأت مراكز نفوذ خارج السيطرة، والخشية من حيازتها أسلحة متقدمة توظف خارج الإطار السوري، لكن هذا الاعتبار وجدت فيه بعض أطراف المعارضة سابقاً لأوانه قبل إسقاط النظام.. خلال سنتين تقريباً من المواجهة لم تنشأ مناطق مقفلة في وجه أي طرف. لا تستطيع المعارضة التشبث بأية منطقة وإدارتها كمنطقة "محررة". هذا السجال القتالي كلّف سوريا فوضى ومآسي وضياعاً سياسياً لدى فئات واسعة من الشعب. على كل حال، يوحي التدخل الأميركي المباشر بأن المسألة السورية أعقد بكثير من أن تحتويها تفاهمات مع الروس على عناوين عامة كالتي أقرها لقاء جنيف. لا شيء يضمن مصالح روسيا في نظام مركزي قد ينشأ بأرجحية طائفية وسياسية جديدة محسوبة في خانة نفوذ الغرب ودول الخليج العربي وتركيا. ولا شيء يغري أميركا بالتسوية لوضع متفجر مثالي لأهدافها في استنزاف الأطراف المتورطين ولا سيما إيران. ولا شيء يسمح للمعارضة الخارجية  بعد عامين من العنف الشامل أن تجلس إلى طاولة مفاوضات لتتحمّل عبء الحرب وأثقالها شراكة مع النظام. ونكاد نكون أمام استحالات لمخارج يطلبها حلفاء الدولة السورية . لم نشهد حرباً كهذه لم تحصل فيها هدنة إنسانية ليوم واحد. لم نشهد حرباً كهذه لم تقدم خلالها مبادرة سياسية واحدة فعلية لها علاقة بإعادة تشكيل النظام والسلطة وفق الحد الأدنى من المطالب الداخلية. فالتسوية الآن أكثر استحالة من أي وقت ، هذا الاحتمال لم ينضج بعد ما دام في جعبة الأطراف المزيد من عناصر القوة، وفي بعض صورها ضخ المزيد من المشكلات، والتهويل بتوسيع المواجهة. فلقد ساهم الجميع بشبك الأزمة السورية مع أطراف الجوار كلها. ويظهر بوضوح أن التداعيات الخارجية ليست تحت السيطرة كما يحاول الأطراف الدوليون.   السفير

المصدر : سليمان تقي الدين\ السفير


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة