مع الفوز الانتخابي للرئيس أوباما بولاية ثانية، طوي الرهان على تدخل عسكري أميركي في سوريا. حظوظ هذا الرهان كانت مرتفعة في الأشهر التي سبقت انتخابات واشنطن، وعليه، تم إسقاط السقوف السياسية والعسكرية والأمنية للصراع في سوريا،

بدءاً من الإطاحة بمبادرة جنيف، إلى فتح ممرات حدودية لأعداد كبيرة من المتشددين للدخول إلى سوريا، واغتيال الجنرالات السوريين الكبار في جريمة إرهابية موصوفة، وشراء منشقين كبار في النظام السوري، ثم محاولة ايجاد نقاط ارتكاز للإرهابيين في قلب دمشق وحلب، وانتهاء بالاستفزازات التركية لاستدراج سوريا إلى حرب إقليمية واسعة تفتح أبواب التدخل العسكري للدول العظمى.

وعلى وقع هذا الرهان، استقال كوفي أنان من مهمته الدولية، وتضاربت تفسيرات مبادرة جنيف بين ضرورة تنحي الرئيس بشار الأسد أو بقائه لقيادة المرحلة الانتقالية، وكانت دواعي هذا الرهان أن يتصدر بندر بن سلطان واجهة إدارة الدفة السعودية، وتسعى قطر لتعجيز المبعوث الدولي الجديد الأخضر الإبراهيمي لوأد أي عملية سياسية للحل، في وقت كانت تتوالى محاولات استخبارية لإدانة الأسد بجرائم يعاقب عليها القانون الدولي (قضية ميشال سماحة ووثائق العربية)، أو إغراء شخصيات مقربة منه (كما نائبه فاروق الشرع) لإثارة البلبلة في الدائرة المحيطة به، إضافة إلى التبني العلني لدول مثل قطر والسعودية لدعوات تسليح المعارضة السورية أو محاولات تسويق إقامة مناطق عازلة.

 

نجحت سوريا بصمود جيشها وحكمة قيادتها وشجاعتها في تقطيع الوقت الفاصل عن الاستحقاق الانتخابي الأميركي، كما نجح حلفاؤها (إيران وروسيا والصين) في لجم أي مغامرة تتجاوز الخطوط الحمراء الدولية (كما في تهديدات اردوغان)، وبالوقت نفسه عدم حشر الحملة الانتخابية لأوباما بمزايدات الجمهوريين والمحافظين الجدد لتوريطه في حرب جديدة لا قبل للاقتصاد الأميركي ومعه الاقتصاد العالمي للقيام بكلفتها أو تحمل أعبائها.

 

عشية فوز اوباما، قالت وزيرته هيلاري كلينتون إن الإسلاميين الراديكاليين (المتشددين) سرقوا الثورة وانتقصت من القيمة التمثيلية للمجلس الوطني السوري، وهي التي كانت تعتبره منذ سنة الممثل الشرعي للشعب السوري. لقد تكشفت لعبة أفغنة سوريا بعد أن كانت محجوبة بالغبار الإعلامي ودعايات اللوبيات الصهيونية والخليجية، فإصبع الديموقراطية ومحاربة الارهاب لا يحجب المسلخ الكبير الذي تساق سوريا إليه، فقد فاحت روائح الإرهاب من جرائم المتشددين في المدن السورية وشوارعها لتصل إلى مجلس الأمن نفسه (تفجير حلب وغيره).

 

ثلاثة أمور يجدر التوقف عندها في كلام كلينتون، الأول تصويبها على الإرهابيين، والثاني فلترة تمثيل المجلس الوطني، والثالث تعقيم هذا التمثيل بمعارضين من الداخل، وقد حاول الأميركيون ذلك فكان صدهم بقوة.

 

من جهته وفي جولته الأخيرة بالمنطقة، شرح الوزير الروسي سيرغي لافروف على طريقته للمعارضين السوريين الذين التقاهم في القاهرة وعمان معنى الكلام الأميركي، وهو شرح لا يختلف عن تحذيرهم من الارتطام بجدار دولي سميك لا يقبل بأي شكل من الأشكال بانهيار الدولة السورية، فالعالم لا يحتمل صومال ثانية أو أفغانستان أخرى أو تكرار تجربة العراق.

 

لقد بات واضحاً ان الجدار الدولي المذكور، هو توافق روسي اميركي على عملية سياسية لإنهاء الأزمة السورية، كان قد اشار إليها الأخضر الإبراهيمي عندما قال قبل أيام (في حديث إلى جريدة الحياة) إن "مبادرة جنيف قدّمت وصفة جيدة لمعالجة الوضع السوري"، مؤكداً مشاركة الدولة السورية في تحقيق التغيير المطلوب، وفق سيناريو يبدأ بالحوار ومن ثم حكومة انتقالية وبعدها انتخابات نيابية.

 

من المتوقع حدوث معاندة لانطلاق مهمة الإبراهيمي من جبهتين مختلفتين ولدوافع مختلفة، الأولى خليجية (قطرية وسعودية)، خصوصاً أن الرياض بدأت تشعر بوطأة الحصار الذي يزنرها من كل الجهات، بدءاً من صراع النفوذ الذي تخوضه مع إيران، إلى مخاوفها من تصاعد قوة الإخوان المسلمين في الأردن، والحوثيين في اليمن والحراك الإسلامي في الكويت والمعارضة في البحرين وانتهاء بقلقها من اضطرابات داخلية في المنطقة الشرقية.

 

الجبهة الثانية، وهي الجماعات المتشددة، ومعاندة هذه الجماعات تنطلق من طموحاتهم الصريحة في بناء الإمارات الخاصة بهم، وانتعاش قوتهم وتأثيرهم في البؤر المتوترة والمتفجرة، وقد سارعوا إلى إظهار معارضتهم للعملية السياسية الموعودة، في سلسلة تفجيرات تزامنت مع اجتماعات المعارضة السورية الخارجية في الدوحة، وطاولت أحياء معينة لإذكاء الفتنة المذهبية.

 

لن يطول الوقت لترغم واشنطن كلاً من الرياض والدوحة على احترام العملية السياسية التي سيقودها الإبراهيمي وعدم وضع العوائق أمام الدولة السورية لاستعادة وحدة الشعب ووقف تآكل مؤسساتها، وهذا ما يؤشر إلى مرحلة شديدة السخونة في المرحلة المقبلة، يتم خلالها إقفال جميع الثغرات الحدودية بإحكام، وتستعيد فيها الحكومة السورية المبادرة لتحصين سوريا من الصوملة أو الأفغنة، وبما يحفظ وحدة شعبها وأراضيها.

 

 

  • فريق ماسة
  • 2012-11-11
  • 12234
  • من الأرشيف

مرحلة شديدة السخونة تسبق الحوار في ســورية

مع الفوز الانتخابي للرئيس أوباما بولاية ثانية، طوي الرهان على تدخل عسكري أميركي في سوريا. حظوظ هذا الرهان كانت مرتفعة في الأشهر التي سبقت انتخابات واشنطن، وعليه، تم إسقاط السقوف السياسية والعسكرية والأمنية للصراع في سوريا، بدءاً من الإطاحة بمبادرة جنيف، إلى فتح ممرات حدودية لأعداد كبيرة من المتشددين للدخول إلى سوريا، واغتيال الجنرالات السوريين الكبار في جريمة إرهابية موصوفة، وشراء منشقين كبار في النظام السوري، ثم محاولة ايجاد نقاط ارتكاز للإرهابيين في قلب دمشق وحلب، وانتهاء بالاستفزازات التركية لاستدراج سوريا إلى حرب إقليمية واسعة تفتح أبواب التدخل العسكري للدول العظمى. وعلى وقع هذا الرهان، استقال كوفي أنان من مهمته الدولية، وتضاربت تفسيرات مبادرة جنيف بين ضرورة تنحي الرئيس بشار الأسد أو بقائه لقيادة المرحلة الانتقالية، وكانت دواعي هذا الرهان أن يتصدر بندر بن سلطان واجهة إدارة الدفة السعودية، وتسعى قطر لتعجيز المبعوث الدولي الجديد الأخضر الإبراهيمي لوأد أي عملية سياسية للحل، في وقت كانت تتوالى محاولات استخبارية لإدانة الأسد بجرائم يعاقب عليها القانون الدولي (قضية ميشال سماحة ووثائق العربية)، أو إغراء شخصيات مقربة منه (كما نائبه فاروق الشرع) لإثارة البلبلة في الدائرة المحيطة به، إضافة إلى التبني العلني لدول مثل قطر والسعودية لدعوات تسليح المعارضة السورية أو محاولات تسويق إقامة مناطق عازلة.   نجحت سوريا بصمود جيشها وحكمة قيادتها وشجاعتها في تقطيع الوقت الفاصل عن الاستحقاق الانتخابي الأميركي، كما نجح حلفاؤها (إيران وروسيا والصين) في لجم أي مغامرة تتجاوز الخطوط الحمراء الدولية (كما في تهديدات اردوغان)، وبالوقت نفسه عدم حشر الحملة الانتخابية لأوباما بمزايدات الجمهوريين والمحافظين الجدد لتوريطه في حرب جديدة لا قبل للاقتصاد الأميركي ومعه الاقتصاد العالمي للقيام بكلفتها أو تحمل أعبائها.   عشية فوز اوباما، قالت وزيرته هيلاري كلينتون إن الإسلاميين الراديكاليين (المتشددين) سرقوا الثورة وانتقصت من القيمة التمثيلية للمجلس الوطني السوري، وهي التي كانت تعتبره منذ سنة الممثل الشرعي للشعب السوري. لقد تكشفت لعبة أفغنة سوريا بعد أن كانت محجوبة بالغبار الإعلامي ودعايات اللوبيات الصهيونية والخليجية، فإصبع الديموقراطية ومحاربة الارهاب لا يحجب المسلخ الكبير الذي تساق سوريا إليه، فقد فاحت روائح الإرهاب من جرائم المتشددين في المدن السورية وشوارعها لتصل إلى مجلس الأمن نفسه (تفجير حلب وغيره).   ثلاثة أمور يجدر التوقف عندها في كلام كلينتون، الأول تصويبها على الإرهابيين، والثاني فلترة تمثيل المجلس الوطني، والثالث تعقيم هذا التمثيل بمعارضين من الداخل، وقد حاول الأميركيون ذلك فكان صدهم بقوة.   من جهته وفي جولته الأخيرة بالمنطقة، شرح الوزير الروسي سيرغي لافروف على طريقته للمعارضين السوريين الذين التقاهم في القاهرة وعمان معنى الكلام الأميركي، وهو شرح لا يختلف عن تحذيرهم من الارتطام بجدار دولي سميك لا يقبل بأي شكل من الأشكال بانهيار الدولة السورية، فالعالم لا يحتمل صومال ثانية أو أفغانستان أخرى أو تكرار تجربة العراق.   لقد بات واضحاً ان الجدار الدولي المذكور، هو توافق روسي اميركي على عملية سياسية لإنهاء الأزمة السورية، كان قد اشار إليها الأخضر الإبراهيمي عندما قال قبل أيام (في حديث إلى جريدة الحياة) إن "مبادرة جنيف قدّمت وصفة جيدة لمعالجة الوضع السوري"، مؤكداً مشاركة الدولة السورية في تحقيق التغيير المطلوب، وفق سيناريو يبدأ بالحوار ومن ثم حكومة انتقالية وبعدها انتخابات نيابية.   من المتوقع حدوث معاندة لانطلاق مهمة الإبراهيمي من جبهتين مختلفتين ولدوافع مختلفة، الأولى خليجية (قطرية وسعودية)، خصوصاً أن الرياض بدأت تشعر بوطأة الحصار الذي يزنرها من كل الجهات، بدءاً من صراع النفوذ الذي تخوضه مع إيران، إلى مخاوفها من تصاعد قوة الإخوان المسلمين في الأردن، والحوثيين في اليمن والحراك الإسلامي في الكويت والمعارضة في البحرين وانتهاء بقلقها من اضطرابات داخلية في المنطقة الشرقية.   الجبهة الثانية، وهي الجماعات المتشددة، ومعاندة هذه الجماعات تنطلق من طموحاتهم الصريحة في بناء الإمارات الخاصة بهم، وانتعاش قوتهم وتأثيرهم في البؤر المتوترة والمتفجرة، وقد سارعوا إلى إظهار معارضتهم للعملية السياسية الموعودة، في سلسلة تفجيرات تزامنت مع اجتماعات المعارضة السورية الخارجية في الدوحة، وطاولت أحياء معينة لإذكاء الفتنة المذهبية.   لن يطول الوقت لترغم واشنطن كلاً من الرياض والدوحة على احترام العملية السياسية التي سيقودها الإبراهيمي وعدم وضع العوائق أمام الدولة السورية لاستعادة وحدة الشعب ووقف تآكل مؤسساتها، وهذا ما يؤشر إلى مرحلة شديدة السخونة في المرحلة المقبلة، يتم خلالها إقفال جميع الثغرات الحدودية بإحكام، وتستعيد فيها الحكومة السورية المبادرة لتحصين سوريا من الصوملة أو الأفغنة، وبما يحفظ وحدة شعبها وأراضيها.    

المصدر : حسين حمية\ الانتقاد


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة