هكذا يلخص دبلوماسي عربي، مهمة الاخضر الابراهيمي ، في سوريا. فوزير خارجية الجزائر السابق، يقول انه لا يقبل بالمهمات السهلة. ربما لان التواضع لايسمح للمناضل القديم في صفوف جبهة التحرير الوطني الجزائرية ليصف نفسه " برجل المهام الصعبة "، اللقب الاثير على قلب السياسي الروسي المعتق يفغيني بريماكوف الذي يعتقد الدبلوماسي العربي انه لم ينجح في كل مهامه الصعبة بدءا من الوساطة بين اكراد العراق وحكومة صدام حسين سبعينيات القرن الماضي مرورا بحرب غزو الكويت ثم تحريرها في تسعينيات القرن المنصرم. والحرب على يوغسلافيا السابقة. واخيرا الغزو الاميركي للعراق مطلع الالفية الثالثة.

في كل تلك المهمات الصعبة فشل بريماكوف المعروف في العالم العربي على انه مستعرب وفي الغرب على انه مستشرق. ويقول الدبلوماسي العربي " تذكرني تصريحات بريماكوف ومؤلفاته بعد كل مهمة غير موفقة، بما يروى عن اهل حمص الظرفاء حين زارهم يوما مستشرق ليخرج من مدينتهم مستغرب "! ؟رئيس وزراء روسيا ووزير خارجيتها سابقا، وقبلا صاحب المناصب الرفعية على مدى العقود الاربعة الاخيرة من عمر الدولة السوفياتية، تخضرم متاقلما مع مختلف قادة الحزب الشيوعي السوفياتي البائد، خروتشوف، ومن ثم بريجنيف، وبعدهما اندروبوف واخيرا غورباتشوف وصولا الى يلتسين الذي اطلق العنان لانفراط عقد الدولة السوفياتية.

في كل تلك الحقب والانقلابات حافظ بريماكوف على لقب " رجل المهمات الصعبة " وتحديدا في الشرق الاوسط وسط انطباع سائد لدى بعض المحللين والخبراء الروس بان لم يحقق اية نجاحات. وان السياسي المعتق يحذر الصحافة ولايبادلها الود رغم انه بدء تسلق المناصب مراسلا لصحيفة " برافدا" السوفياتية في القاهرة وبيروت مطلع ستينيات القرن الماضي، لانه يخشى التفاصيل بفعل ضبابية المواقف وغموض الاراء. وان السياسي المخضرم مغرم حسب هؤلاء بعناوين مثيرة لكتبه مثل " محدود التداول " او " خلف الكواليس " لكن متنها لايشبع فضول الباحثين عما خلف الكواليس.

 

الاخضر الابراهيمي ، يلحف الدبلوماسي العربي بالقول ، يختلف قطعا عن بريماكوف. فالرجل متمسك بوطنيته الجزائرية وثوابته العربية. ورغم ابتعاده عن المناصب في الوطن الام وعمله منذ سنوات طويلة موظفا امميا ، فانه حافظ على مسافة من التطورات التي عصفت ببلاده ولم يخذل ماضيه النضالي بملبس رمادي. الابراهيمي اعلن بعد ايام على تسلم الملف السوري من كوفي انان ان مهمته في سورية " شبه مستحيلة ". ولانه شديد الحذر فقد اختار ان يكون مقلا. واذا صادف وحاصره الصحفيون فان الابراهيمي اما ان يلجا الى فرنسيته او انكليزيته الطليقتين لانهما اقل حملا للوجوه خلافا للعربية. او يبتسر بالتصريحات عربيا ممتنعا عن الدخول في التفاصيل.

سيئو النوايا يفسرون عزوف الابراهيمي عن الصحافة بان الرجل لا يملك خطة واضحة. وانه ورث خطة محروقة الاوراق من كوفي انان الذي بقي شهرا اضافيا في منصب المبعوث الاممي الى سوريا براتب كامل رغم انه لم يمارس مهامه لاسباب يقول اصحاب الالسن الطويلة انها مالية. من يتمنى لمهمة الابراهيمي النجاح ويثق بقدرات الدبلوماسي المحنك، يجد العذر للمبعوث الاممي مشيرا الى ان الرجل الذي ينوء بتسع وسبعين حولا، والطائف في لبنان، لايريد للصحافة ان تفسد مهمته الحساسة في بلد يختنق بدخان البنادق ويرفض الفرقاء المتصارعون على ارضه ومن يمد لهم يد العون من الخارج اطفاء الحريق. لكن المشككين في النجاح يتسائلون كيف سيجد وزير خارجية بلد المليون شهيد سابقا، السبيل الى الحل وسط نكران غالبية فرقاء الحرب السورية لمهمته وتجاهلها والتعامل معها على انها مضيعة للوقت لافائدة ترتجى منها. واتسعت دائرة المشككين بعد اللقاء الثلاثي الذي جمع في القاهرة وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف والمبعوث الاممي وامين عام الجامعة العربية نبيل العربي الذي سارع لابلاغ حشد من الصحفيين انتظروا معرفة نتائج اللقاء بان " الترويكا " لم تتوصل الى شيء محدد. وقطع بذلك طريق الامل، و تبدى على الشيخ الجليل، حينها، الضيق من لزوجة دبلوماسية اثارت لغطا في قاعة المؤتمرات الصحفية بفندق سافيتيل على النيل. المتحمسون يعتقدون ان الابراهيمي يسعى للوصول الى تفاهمات واضحة مع اللاعبين الخارجيين المؤثرين في الشان السوري قبل ان يعرض معالم خطتة. وربما يراهن الدبلوماسي المجرب على موقف نوعي من الطرف الروسي الذي يقول الوزير لافروف بانه يتميز عن اللاعبين الدوليين الاخرين بعلاقات متزامنة مع حكومة الرئيس الاسد ومعارضيها.

ولكن يبدو ان نداء رجل المهمة المستحيلة للفرقاء في سوريا، اوقفوا حرب الاخوة قبل ان تشتعل كل سورية وتحرق نيران حربها الجوار. يمثل المنتهى لمهمة مستحيلة لم يتذكرها المؤلفة قلوبهم في الدوحة ولو من باب رفع العتب، وسط تاكيدات بان اعترافا عربيا وشيكا يعلن قوى المعارضة السورية " الممثل الشرعي الوحيد " بفتوى اوربية. عندها لن يبقى من مهمة الابراهيمي غير شبح هاملت المحتقن بالغضب من دسيسة السم في اليراع، حتى فاضت روحه صرخة مدوية في قصر ابيه. الشيخ الابراهيمي كان شديد الصراحة مع محتلي العراق حين وصف علاجا لمحنة وادي الرافدين بعد الغزو الاميركي – البريطاني. ولم يتهيب من تسمية العلة والتاشير على عنوانها والنصح باختيار حكومة تكنوقراط فوق الطوائف والعرقيات. فلم يقبل الاميركان مهندسو تمزيق النسيج العراقي، وتحويل بلد النهرين العظيمين الى مضخة نفط فحسب، بينما يقاتل العراقيون ظلهم ويدمرون بلدهم تحت رايات الطائفية السوداء. لم يبحث الابراهيمي عن كبش فداء للتذرع بفشل مهمته في العراق. بل وجه علنا وبشجاعة المناضل اصابع الاتهام للمحتل وصفق الباب بوجه حرامي بغداد بول بريمر. وسجل موقفا شجاعا لعل غالبية العراقيين تتذكره وبلادهم ماتزال تعيش عنف الطوائف والعرقيات المتحاصصة. لم يبق من مهمة الابراهيمي المستحيلة في سوريا غير العنوان. وقد يعلنها الرجل صريحة واضحة ويكشف عن المخفي والمستور. عندها لن يخسر الشيخ الا اغلال الحقيقة الحبيسة في اروقة اصحاب القرار الدولي وبعضهم سعيد بدمار سورية كما يسعدون بالدمار المتواصل في العراق وليبيا والقائمة تطول. الابراهيمي لا يخبز خارج التنور، بل ان تنور المحرقة السورية يشتعل وسط رقصات  في عالم بلا رحمة.

 

  • فريق ماسة
  • 2012-11-12
  • 10003
  • من الأرشيف

ماذا بقي من مهمة الابراهيمي.. انه يخبز خارج التنـور ؟؟

هكذا يلخص دبلوماسي عربي، مهمة الاخضر الابراهيمي ، في سوريا. فوزير خارجية الجزائر السابق، يقول انه لا يقبل بالمهمات السهلة. ربما لان التواضع لايسمح للمناضل القديم في صفوف جبهة التحرير الوطني الجزائرية ليصف نفسه " برجل المهام الصعبة "، اللقب الاثير على قلب السياسي الروسي المعتق يفغيني بريماكوف الذي يعتقد الدبلوماسي العربي انه لم ينجح في كل مهامه الصعبة بدءا من الوساطة بين اكراد العراق وحكومة صدام حسين سبعينيات القرن الماضي مرورا بحرب غزو الكويت ثم تحريرها في تسعينيات القرن المنصرم. والحرب على يوغسلافيا السابقة. واخيرا الغزو الاميركي للعراق مطلع الالفية الثالثة. في كل تلك المهمات الصعبة فشل بريماكوف المعروف في العالم العربي على انه مستعرب وفي الغرب على انه مستشرق. ويقول الدبلوماسي العربي " تذكرني تصريحات بريماكوف ومؤلفاته بعد كل مهمة غير موفقة، بما يروى عن اهل حمص الظرفاء حين زارهم يوما مستشرق ليخرج من مدينتهم مستغرب "! ؟رئيس وزراء روسيا ووزير خارجيتها سابقا، وقبلا صاحب المناصب الرفعية على مدى العقود الاربعة الاخيرة من عمر الدولة السوفياتية، تخضرم متاقلما مع مختلف قادة الحزب الشيوعي السوفياتي البائد، خروتشوف، ومن ثم بريجنيف، وبعدهما اندروبوف واخيرا غورباتشوف وصولا الى يلتسين الذي اطلق العنان لانفراط عقد الدولة السوفياتية. في كل تلك الحقب والانقلابات حافظ بريماكوف على لقب " رجل المهمات الصعبة " وتحديدا في الشرق الاوسط وسط انطباع سائد لدى بعض المحللين والخبراء الروس بان لم يحقق اية نجاحات. وان السياسي المعتق يحذر الصحافة ولايبادلها الود رغم انه بدء تسلق المناصب مراسلا لصحيفة " برافدا" السوفياتية في القاهرة وبيروت مطلع ستينيات القرن الماضي، لانه يخشى التفاصيل بفعل ضبابية المواقف وغموض الاراء. وان السياسي المخضرم مغرم حسب هؤلاء بعناوين مثيرة لكتبه مثل " محدود التداول " او " خلف الكواليس " لكن متنها لايشبع فضول الباحثين عما خلف الكواليس.   الاخضر الابراهيمي ، يلحف الدبلوماسي العربي بالقول ، يختلف قطعا عن بريماكوف. فالرجل متمسك بوطنيته الجزائرية وثوابته العربية. ورغم ابتعاده عن المناصب في الوطن الام وعمله منذ سنوات طويلة موظفا امميا ، فانه حافظ على مسافة من التطورات التي عصفت ببلاده ولم يخذل ماضيه النضالي بملبس رمادي. الابراهيمي اعلن بعد ايام على تسلم الملف السوري من كوفي انان ان مهمته في سورية " شبه مستحيلة ". ولانه شديد الحذر فقد اختار ان يكون مقلا. واذا صادف وحاصره الصحفيون فان الابراهيمي اما ان يلجا الى فرنسيته او انكليزيته الطليقتين لانهما اقل حملا للوجوه خلافا للعربية. او يبتسر بالتصريحات عربيا ممتنعا عن الدخول في التفاصيل. سيئو النوايا يفسرون عزوف الابراهيمي عن الصحافة بان الرجل لا يملك خطة واضحة. وانه ورث خطة محروقة الاوراق من كوفي انان الذي بقي شهرا اضافيا في منصب المبعوث الاممي الى سوريا براتب كامل رغم انه لم يمارس مهامه لاسباب يقول اصحاب الالسن الطويلة انها مالية. من يتمنى لمهمة الابراهيمي النجاح ويثق بقدرات الدبلوماسي المحنك، يجد العذر للمبعوث الاممي مشيرا الى ان الرجل الذي ينوء بتسع وسبعين حولا، والطائف في لبنان، لايريد للصحافة ان تفسد مهمته الحساسة في بلد يختنق بدخان البنادق ويرفض الفرقاء المتصارعون على ارضه ومن يمد لهم يد العون من الخارج اطفاء الحريق. لكن المشككين في النجاح يتسائلون كيف سيجد وزير خارجية بلد المليون شهيد سابقا، السبيل الى الحل وسط نكران غالبية فرقاء الحرب السورية لمهمته وتجاهلها والتعامل معها على انها مضيعة للوقت لافائدة ترتجى منها. واتسعت دائرة المشككين بعد اللقاء الثلاثي الذي جمع في القاهرة وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف والمبعوث الاممي وامين عام الجامعة العربية نبيل العربي الذي سارع لابلاغ حشد من الصحفيين انتظروا معرفة نتائج اللقاء بان " الترويكا " لم تتوصل الى شيء محدد. وقطع بذلك طريق الامل، و تبدى على الشيخ الجليل، حينها، الضيق من لزوجة دبلوماسية اثارت لغطا في قاعة المؤتمرات الصحفية بفندق سافيتيل على النيل. المتحمسون يعتقدون ان الابراهيمي يسعى للوصول الى تفاهمات واضحة مع اللاعبين الخارجيين المؤثرين في الشان السوري قبل ان يعرض معالم خطتة. وربما يراهن الدبلوماسي المجرب على موقف نوعي من الطرف الروسي الذي يقول الوزير لافروف بانه يتميز عن اللاعبين الدوليين الاخرين بعلاقات متزامنة مع حكومة الرئيس الاسد ومعارضيها. ولكن يبدو ان نداء رجل المهمة المستحيلة للفرقاء في سوريا، اوقفوا حرب الاخوة قبل ان تشتعل كل سورية وتحرق نيران حربها الجوار. يمثل المنتهى لمهمة مستحيلة لم يتذكرها المؤلفة قلوبهم في الدوحة ولو من باب رفع العتب، وسط تاكيدات بان اعترافا عربيا وشيكا يعلن قوى المعارضة السورية " الممثل الشرعي الوحيد " بفتوى اوربية. عندها لن يبقى من مهمة الابراهيمي غير شبح هاملت المحتقن بالغضب من دسيسة السم في اليراع، حتى فاضت روحه صرخة مدوية في قصر ابيه. الشيخ الابراهيمي كان شديد الصراحة مع محتلي العراق حين وصف علاجا لمحنة وادي الرافدين بعد الغزو الاميركي – البريطاني. ولم يتهيب من تسمية العلة والتاشير على عنوانها والنصح باختيار حكومة تكنوقراط فوق الطوائف والعرقيات. فلم يقبل الاميركان مهندسو تمزيق النسيج العراقي، وتحويل بلد النهرين العظيمين الى مضخة نفط فحسب، بينما يقاتل العراقيون ظلهم ويدمرون بلدهم تحت رايات الطائفية السوداء. لم يبحث الابراهيمي عن كبش فداء للتذرع بفشل مهمته في العراق. بل وجه علنا وبشجاعة المناضل اصابع الاتهام للمحتل وصفق الباب بوجه حرامي بغداد بول بريمر. وسجل موقفا شجاعا لعل غالبية العراقيين تتذكره وبلادهم ماتزال تعيش عنف الطوائف والعرقيات المتحاصصة. لم يبق من مهمة الابراهيمي المستحيلة في سوريا غير العنوان. وقد يعلنها الرجل صريحة واضحة ويكشف عن المخفي والمستور. عندها لن يخسر الشيخ الا اغلال الحقيقة الحبيسة في اروقة اصحاب القرار الدولي وبعضهم سعيد بدمار سورية كما يسعدون بالدمار المتواصل في العراق وليبيا والقائمة تطول. الابراهيمي لا يخبز خارج التنور، بل ان تنور المحرقة السورية يشتعل وسط رقصات  في عالم بلا رحمة.  

المصدر : سلام مسافر


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة