ثلاثة قتلى وجريحان سقطوا أمس في صيدا في المواجهة التي لطالما توعّد بها الشيخ أحمد الأسير. والسبب محاولته «سلمياً» نزع لافتات لـ«حزب إيران». فهل الدماء التي سالت على الإسفلت دفعت ثمن التراخي في ضبط إيقاع التحريض الأسيري، أم أنها بداية الحساب؟

شهدت مدينة صيدا أمس بروفة للحرب الأهلية: تحريض مذهبي وهجوم مسلح على أحياء سكنية وسيارات تجوب الشوارع مطلقة النار، وقناصة توزعوا على المباني مدججين بأنواع الأسلحة المتوسطة، وخطوط تماس ونزوح وقتل أبرياء. وسبب كل هذا: لافتات ورايات لم ترُقْ إمام مسجد بلال بن رباح الشيخ أحمد الأسير. عطلة الأحد الصيداوية الدامية لم تبدأ أمس، بل ظهر الجمعة الفائت في خطبة الأسير التي حملت عنوان «سلامنا وعداوتهم»، أمهل فيها حزب الله 48 ساعة ليزيل اللافتات والرايات التي رفعها عند بعض أطراف صيدا لمناسبة عاشوراء. وذكّر مجدداً بأنه «لا نتحرك ضد الطائفة الشيعية، وإنما هدفنا إسقاط حزب الاغتيال»، مؤكداً أن «رايات حزب إيران» في صيدا «لن ترفع إلا على جثتي».

ومع انقضاء ساعات المهلة، كان الأسير يضع بنك أهداف لمواجهة تجاهل طلبه، «سلمياً» كما العادة. «سلميته» طفحت مساء أول من أمس، عندما أعلن أنصاره أنهم سينزلون إلى الشارع مجدداً لنزع الرايات، والاعتصام المفتوح احتجاجاً على «هيمنة حزب الله الكلية على المدينة». ومن مظاهرها: نصف المجنزرة التي غنمتها المقاومة من الاحتلال الإسرائيلي ونصبتها في مستديرة السرايا، مطالبين بنقلها من المكان. وقد تسارعت الاتصالات من بعض المعنيين ووصلت إلى حد اتصال كل من وزير الداخلية مروان شربل ومحافظ الجنوب نقولا أبو ضاهر وعدد من قادة الأجهزة الأمنية بالأسير في محاولة لتهدئته وثنيه عن قراره التصعيدي. في المقابل، جرت اتصالات بحزب الله تطلب إليه نزع الشعارات قطعاً للطريق أمام حجج الأسير لتوتير الأجواء وافتعال المشكلات، فيما كان رئيس فرع مخابرات الجنوب في الجيش اللبناني العميد علي شحرور قد أوصل إليه عبر النائبة بهية الحريري والقوى الإسلامية الفلسطينية، قرار قائد الجيش التعاطي بحزم مع أي محاولة للإخلال باستقرار المدينة. سريعاً، لبى حزب الله طلب إزالة اللافتات من التقاطعات الرئيسية في صيدا.

أشرقت الشمس على صيدا صباح أمس، بعدما محا الليل وعيد الأسير، الذي قال في جلسة مع الصحافيين في المسجد إنه سيهدئ الأمور ولن يقوم بأي تحرك ما دامت اللافتات قد أزيلت. لكن الغيوم سرعان ما تلبدت، عندما برزت دعوة على صفحته على الفايسبوك «إلى المحبّين والمناصرين والنساء والأطفال»، للتجمع فوراً في المسجد في عبرا، وذيّلت بشعار «تعليق التهدئة». والسبب ورود معلومات عن رفع شبان من حارة صيدا رايات عاشورائية سوداء على أعمدة الإنارة عند مستديرة القنايا الفاصلة بين الحارة والمدينة من جهة، وعبرا ومجدليون من جهة أخرى. لكن السبب الحقيقي الذي انتشر لاحقاً، كان التغطية على هجوم الأسير على دورية لقوى الأمن الداخلي على الكورنيش البحري. وفي التفاصيل أن حاجزاً للقوى الأمنية طلب من سائق سيارة ذات زجاج داكن الركون جانباً لتفحص قانونية أوراقها. وتبين أن السائق الذي لا يحمل رخصتي سوق وزجاج داكن، هو عُمَر (15 عاماً) ابن الشيخ الأسير. وما هي إلا دقائق حتى حضر الوالد ومرافقوه في موكب سيارات وهاجموا عناصر الحاجز الخمسة. وبحسب شهود، هدّد الأسير آمر الحاجز قائلاً: «أنا الدولة. وفي حال أرسلت بطلب ابني إلى المخفر، سأكسره على رؤوسكم»، قبل أن يسحب ابنه وسيارته ويغادر المكان. بدوره، حرر مسؤول الفوج في صيدا تقريراً بالحادثة إلى قيادته في بيروت التي أعلمت به النيابة العسكرية. مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر وضع يده على الملف، موعزاً إلى مخفر صيدا القديمة بالاستماع إلى إفادة الأسير الأب والابن ومرافقيهما، تمهيداً لإجراء المقتضى القانوني بحقهم.

ساد الظن بأن الدعوة الأسيرية ستكون باتجاه مستديرة القنايا باعتبارها «مكان خرق التهدئة من قبل شبان الحارة». هرعت آليات الجيش اللبناني وعناصره منفذين انتشاراً واسعاً على جانبيها، فيما وقف عدد من الشبان ينتظرون الأسير النازل من عبرا المقابلة. ولمنع الاحتكاك الذي حوّل المنطقة إلى خط تماس، نشطت فاعليات الحارة لسحب الشبان وإخلاء المنطقة. لكن المواجهة لم تكن هنا، إذ وردت أخبار عن توجه الأسير وأنصاره بموكب سيارات نحو الحي التحتاني في تعمير عين الحلوة لإزالة لافتات، علماً بأن المنطقة المتداخلة مذهبياً ولبنانياً وفلسطينياً لا تشكل معقلاً لحزب الله، بل للقوى والأحزاب المحلية اللبنانية والصيداوية. أصوات الرصاص الكثيف الذي تردد في الأرجاء لم يمهل الكثيرين للتحضر للمواجهة. مسؤول حزب الله في المنطقة الشيخ زيد ضاهر وصل للتو وحاول إقناع سكان الحي بنزع صورة رفعت قبل وقت طويل للشهيدين الأخوين المجذوب وإلى جانبهما السيد حسن نصر الله. لم يكمل ضاهر محاولاته، حتى وصل موكب من سبع سيارات ذات زجاج داكن، تتقدمها سيارتا الأسير (من نوع x5) وتوجه مباشرة إلى موقع الصورة. نزل عناصر الموكب وأطلقوا النار عشوائياً، فأصيب الفتى علي الشربيني (14 عاماً، مصري) من سكان الحي، فَهمّ ضاهر لانتشاله، لكن رصاصات مرافقي الأسير كانت أسرع، فأصابته في بطنه وكتفه. الذهول والصدمة اللذان خيما خرقهما رد على إطلاق النار من داخل الحي أدى إلى إصابة ثلاثة من مرافقي الأسير وعدد من سيارات الموكب الذي غادر بعدما سحب جرحاه. وفيما توجه الأسير نحو مستديرة السرايا، محاولاً قطعها، نقل المصابون الخمسة إلى المستشفيات، حيث توفي لاحقاً الشربيني واثنان من مرافقي الأسير، هما: علي سمهون ولبنان العزي اللذان نعاهما الأسير على صفحته الإلكترونية، واصفاً إياهما بـ«شهيدي الغدر، قتلهما حسن نصر الله».

المشهد الأسيري الميليشيوي الخاطف انعكس غضباً عارماً بين أهالي الحي، صبّوه على القوى الأمنية التي انتشرت لاحقاً، متهمين إياها بالتقصير والتواطؤ. وحول حادثة التعمير، أصدر الأسير لاحقاً بياناً قال فيه إنه وعدداً من مؤيديه «توجهوا لإزالة اليافطات التي رفعها حزب إيران بشكل استفزازي، حين أقدم عدد من أنصار الحزب وشبيحته على إطلاق السباب ضده، والنار بشكل قاتل على الرؤوس مستهدفينه وسيارته ورفاقه، ما اضطر مرافقوه إلى الرد على مصدر إطلاق النار المنهمر من المباني والشوارع لتأمين انسحاب آمن للشيخ أحمد الذي استهدف بأكثر من رشق وتعرضت سيارته لإطلاق نار، في محاولة واضحة للقتل العمد». وشدد البيان على أن التحرك «كان سلمياً، لكننا تعرضنا لكمين».

التوتر تنقل مع موكب الأسير في أحياء صيدا، مترافقاً مع شائعات تحدثت عن محاولاته لقطع الطرق عند ساحة النجمة والكورنيش البحري والمدخل الشمالي للمدينة. لكن الانتشار العسكري الكثيف والدوريات المتنقلة والحواجز التي استحدثها الجيش في أنحائها، بددت الشائعات. ومساء، سمع إطلاق نار كثيف عند مدخل عبرا، أطلقه أنصار الأسير الذين تجمعوا بسلاحهم الظاهر. وصودف مرور سيارة أرملة النائب الراحل مصطفى سعد، نجلاء، التي وجه لها بعضهم الشتائم وتعرضوا بالضرب لسائقها. وسجل إطلاق نار من سيارة بالقرب من مقر إمام مسجد القدس الشيخ ماهر حمود وفي شارع دلاعة.

وفيما كان الأنصار والمتعاطفون من صيدا ومناطق في الشمال وإقليم الخروب وغيرها يتوافدون إلى مسجد بلال بن رباح، وبعضهم كان يتأبط سلاحه بشكل ظاهر، أفاد شهود بانتشار قناصة على أسطح معظم المباني المحيطة بالمسجد، وانتشار لمسلحين من خارج المنطقة. ولفت إطلاق «نيران خطاط» ليلاً من مبنى مقابل لحارة صيدا. في هذا الوقت، عزز الجيش انتشاره في محيط المسجد من دون أن يقيم نقطة تفتيش، فيما انتشرت دوريات في محيط منزل الفنان فضل شاكر الذي نشط على خط المسجد وخارجه، لشد همم الأنصار، طالباً منهم ألا يغادروا. «ومن لا يملك سلاحاً، بعد نصف ساعة نحضره له».

وبتكليف من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، انتقل الوزير شربل إلى صيدا لترؤس اجتماع طارئ لمجلس الأمن الفرعي في سرايا المدينة. شربل بسّط الأمور كعادته، معتبراً على سبيل المثال أن العزي مهندس وليس مرافقاً للأسير، وأن تنقل نجله من دون رخصة سوق «مش مشكلة»، لكنه نصح الصيداويين بضبط الأمور لكي لا تنفجر مشكلة لبنان من صيدا كما حصل عام 1975. شربل وقادة الأجهزة الأمنية في الجنوب قرروا الطلب إلى مجلس الوزراء استصدار قرار بجعل صيدا منطقة عسكرية، تنصب فيها حواجز التفتيش وتفرض الدوريات الأمنية لإعادة الاستقرار والهدوء وإلقاء القبض على من يحمل سلاحاً، علماً بأن الإجراءات العملية بدأت منذ ليل أمس وستتعزز بعد ظهر اليوم، بالتزامن مع انطلاق موكب تشييع مرافقي الأسير. لكن اللافت أن الصلاة عليهما لن تكون في مسجد بلال، إذ اختار الأسير قلب المدينة، وتحديداً مسجد الشهداء في ساحة الشهداء، لإقامة الصلاة. والمسجد قريب من مقر التنظيم الشعبي الناصري والحزب الديموقراطي الشعبي اللذين يصفهما الأسير بأنهما «شبيحة حزب الله».

وفي ردود الفعل على أحد صيدا، أعلنت الشبكة المدرسية لصيدا والجوار وجمعية تجار صيدا المقربتين من النائبة بهية الحريري، الإضراب العام وإغلاق المدارس اليوم «حداداً على أرواح الضحايا». الحريري رأت أن إشكال التعمير غريب عن المدينة، مشددة على أنها ستبقى الحجر الأساس للسلم الأهلي. «لكن المطلوب إزالة كل العناصر التي تؤدي إلى الفتنة». أما الجماعة الإسلامية، فقد دانت اللجوء إلى السلاح، داعية جميع القوى الى ضبط النفس. ودان رئيس التنظيم الناصري أسامة سعد «الاعتداء على صيدا والقوى الأمنية»، ورأى أن هناك من يصرّ على افتعال المشاكل في صيدا وإغراقها في حمام دم. ووصف الشيخ ماهر حمود أحداث أمس بأنها «حفلة جنون يقودها الأسير الذي تجاوز كل الحدود دون سبب مقنع».

على صعيد آخر، أوعز حزب الله وحركة أمل إلى مناصريهما بالتزام الهدوء، وعدم الانجرار إلى أي إشكال.

  • فريق ماسة
  • 2012-11-11
  • 7541
  • من الأرشيف

الأسير «السلمي» يحوّل صيدا منطقة عسكريّة

ثلاثة قتلى وجريحان سقطوا أمس في صيدا في المواجهة التي لطالما توعّد بها الشيخ أحمد الأسير. والسبب محاولته «سلمياً» نزع لافتات لـ«حزب إيران». فهل الدماء التي سالت على الإسفلت دفعت ثمن التراخي في ضبط إيقاع التحريض الأسيري، أم أنها بداية الحساب؟ شهدت مدينة صيدا أمس بروفة للحرب الأهلية: تحريض مذهبي وهجوم مسلح على أحياء سكنية وسيارات تجوب الشوارع مطلقة النار، وقناصة توزعوا على المباني مدججين بأنواع الأسلحة المتوسطة، وخطوط تماس ونزوح وقتل أبرياء. وسبب كل هذا: لافتات ورايات لم ترُقْ إمام مسجد بلال بن رباح الشيخ أحمد الأسير. عطلة الأحد الصيداوية الدامية لم تبدأ أمس، بل ظهر الجمعة الفائت في خطبة الأسير التي حملت عنوان «سلامنا وعداوتهم»، أمهل فيها حزب الله 48 ساعة ليزيل اللافتات والرايات التي رفعها عند بعض أطراف صيدا لمناسبة عاشوراء. وذكّر مجدداً بأنه «لا نتحرك ضد الطائفة الشيعية، وإنما هدفنا إسقاط حزب الاغتيال»، مؤكداً أن «رايات حزب إيران» في صيدا «لن ترفع إلا على جثتي». ومع انقضاء ساعات المهلة، كان الأسير يضع بنك أهداف لمواجهة تجاهل طلبه، «سلمياً» كما العادة. «سلميته» طفحت مساء أول من أمس، عندما أعلن أنصاره أنهم سينزلون إلى الشارع مجدداً لنزع الرايات، والاعتصام المفتوح احتجاجاً على «هيمنة حزب الله الكلية على المدينة». ومن مظاهرها: نصف المجنزرة التي غنمتها المقاومة من الاحتلال الإسرائيلي ونصبتها في مستديرة السرايا، مطالبين بنقلها من المكان. وقد تسارعت الاتصالات من بعض المعنيين ووصلت إلى حد اتصال كل من وزير الداخلية مروان شربل ومحافظ الجنوب نقولا أبو ضاهر وعدد من قادة الأجهزة الأمنية بالأسير في محاولة لتهدئته وثنيه عن قراره التصعيدي. في المقابل، جرت اتصالات بحزب الله تطلب إليه نزع الشعارات قطعاً للطريق أمام حجج الأسير لتوتير الأجواء وافتعال المشكلات، فيما كان رئيس فرع مخابرات الجنوب في الجيش اللبناني العميد علي شحرور قد أوصل إليه عبر النائبة بهية الحريري والقوى الإسلامية الفلسطينية، قرار قائد الجيش التعاطي بحزم مع أي محاولة للإخلال باستقرار المدينة. سريعاً، لبى حزب الله طلب إزالة اللافتات من التقاطعات الرئيسية في صيدا. أشرقت الشمس على صيدا صباح أمس، بعدما محا الليل وعيد الأسير، الذي قال في جلسة مع الصحافيين في المسجد إنه سيهدئ الأمور ولن يقوم بأي تحرك ما دامت اللافتات قد أزيلت. لكن الغيوم سرعان ما تلبدت، عندما برزت دعوة على صفحته على الفايسبوك «إلى المحبّين والمناصرين والنساء والأطفال»، للتجمع فوراً في المسجد في عبرا، وذيّلت بشعار «تعليق التهدئة». والسبب ورود معلومات عن رفع شبان من حارة صيدا رايات عاشورائية سوداء على أعمدة الإنارة عند مستديرة القنايا الفاصلة بين الحارة والمدينة من جهة، وعبرا ومجدليون من جهة أخرى. لكن السبب الحقيقي الذي انتشر لاحقاً، كان التغطية على هجوم الأسير على دورية لقوى الأمن الداخلي على الكورنيش البحري. وفي التفاصيل أن حاجزاً للقوى الأمنية طلب من سائق سيارة ذات زجاج داكن الركون جانباً لتفحص قانونية أوراقها. وتبين أن السائق الذي لا يحمل رخصتي سوق وزجاج داكن، هو عُمَر (15 عاماً) ابن الشيخ الأسير. وما هي إلا دقائق حتى حضر الوالد ومرافقوه في موكب سيارات وهاجموا عناصر الحاجز الخمسة. وبحسب شهود، هدّد الأسير آمر الحاجز قائلاً: «أنا الدولة. وفي حال أرسلت بطلب ابني إلى المخفر، سأكسره على رؤوسكم»، قبل أن يسحب ابنه وسيارته ويغادر المكان. بدوره، حرر مسؤول الفوج في صيدا تقريراً بالحادثة إلى قيادته في بيروت التي أعلمت به النيابة العسكرية. مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر وضع يده على الملف، موعزاً إلى مخفر صيدا القديمة بالاستماع إلى إفادة الأسير الأب والابن ومرافقيهما، تمهيداً لإجراء المقتضى القانوني بحقهم. ساد الظن بأن الدعوة الأسيرية ستكون باتجاه مستديرة القنايا باعتبارها «مكان خرق التهدئة من قبل شبان الحارة». هرعت آليات الجيش اللبناني وعناصره منفذين انتشاراً واسعاً على جانبيها، فيما وقف عدد من الشبان ينتظرون الأسير النازل من عبرا المقابلة. ولمنع الاحتكاك الذي حوّل المنطقة إلى خط تماس، نشطت فاعليات الحارة لسحب الشبان وإخلاء المنطقة. لكن المواجهة لم تكن هنا، إذ وردت أخبار عن توجه الأسير وأنصاره بموكب سيارات نحو الحي التحتاني في تعمير عين الحلوة لإزالة لافتات، علماً بأن المنطقة المتداخلة مذهبياً ولبنانياً وفلسطينياً لا تشكل معقلاً لحزب الله، بل للقوى والأحزاب المحلية اللبنانية والصيداوية. أصوات الرصاص الكثيف الذي تردد في الأرجاء لم يمهل الكثيرين للتحضر للمواجهة. مسؤول حزب الله في المنطقة الشيخ زيد ضاهر وصل للتو وحاول إقناع سكان الحي بنزع صورة رفعت قبل وقت طويل للشهيدين الأخوين المجذوب وإلى جانبهما السيد حسن نصر الله. لم يكمل ضاهر محاولاته، حتى وصل موكب من سبع سيارات ذات زجاج داكن، تتقدمها سيارتا الأسير (من نوع x5) وتوجه مباشرة إلى موقع الصورة. نزل عناصر الموكب وأطلقوا النار عشوائياً، فأصيب الفتى علي الشربيني (14 عاماً، مصري) من سكان الحي، فَهمّ ضاهر لانتشاله، لكن رصاصات مرافقي الأسير كانت أسرع، فأصابته في بطنه وكتفه. الذهول والصدمة اللذان خيما خرقهما رد على إطلاق النار من داخل الحي أدى إلى إصابة ثلاثة من مرافقي الأسير وعدد من سيارات الموكب الذي غادر بعدما سحب جرحاه. وفيما توجه الأسير نحو مستديرة السرايا، محاولاً قطعها، نقل المصابون الخمسة إلى المستشفيات، حيث توفي لاحقاً الشربيني واثنان من مرافقي الأسير، هما: علي سمهون ولبنان العزي اللذان نعاهما الأسير على صفحته الإلكترونية، واصفاً إياهما بـ«شهيدي الغدر، قتلهما حسن نصر الله». المشهد الأسيري الميليشيوي الخاطف انعكس غضباً عارماً بين أهالي الحي، صبّوه على القوى الأمنية التي انتشرت لاحقاً، متهمين إياها بالتقصير والتواطؤ. وحول حادثة التعمير، أصدر الأسير لاحقاً بياناً قال فيه إنه وعدداً من مؤيديه «توجهوا لإزالة اليافطات التي رفعها حزب إيران بشكل استفزازي، حين أقدم عدد من أنصار الحزب وشبيحته على إطلاق السباب ضده، والنار بشكل قاتل على الرؤوس مستهدفينه وسيارته ورفاقه، ما اضطر مرافقوه إلى الرد على مصدر إطلاق النار المنهمر من المباني والشوارع لتأمين انسحاب آمن للشيخ أحمد الذي استهدف بأكثر من رشق وتعرضت سيارته لإطلاق نار، في محاولة واضحة للقتل العمد». وشدد البيان على أن التحرك «كان سلمياً، لكننا تعرضنا لكمين». التوتر تنقل مع موكب الأسير في أحياء صيدا، مترافقاً مع شائعات تحدثت عن محاولاته لقطع الطرق عند ساحة النجمة والكورنيش البحري والمدخل الشمالي للمدينة. لكن الانتشار العسكري الكثيف والدوريات المتنقلة والحواجز التي استحدثها الجيش في أنحائها، بددت الشائعات. ومساء، سمع إطلاق نار كثيف عند مدخل عبرا، أطلقه أنصار الأسير الذين تجمعوا بسلاحهم الظاهر. وصودف مرور سيارة أرملة النائب الراحل مصطفى سعد، نجلاء، التي وجه لها بعضهم الشتائم وتعرضوا بالضرب لسائقها. وسجل إطلاق نار من سيارة بالقرب من مقر إمام مسجد القدس الشيخ ماهر حمود وفي شارع دلاعة. وفيما كان الأنصار والمتعاطفون من صيدا ومناطق في الشمال وإقليم الخروب وغيرها يتوافدون إلى مسجد بلال بن رباح، وبعضهم كان يتأبط سلاحه بشكل ظاهر، أفاد شهود بانتشار قناصة على أسطح معظم المباني المحيطة بالمسجد، وانتشار لمسلحين من خارج المنطقة. ولفت إطلاق «نيران خطاط» ليلاً من مبنى مقابل لحارة صيدا. في هذا الوقت، عزز الجيش انتشاره في محيط المسجد من دون أن يقيم نقطة تفتيش، فيما انتشرت دوريات في محيط منزل الفنان فضل شاكر الذي نشط على خط المسجد وخارجه، لشد همم الأنصار، طالباً منهم ألا يغادروا. «ومن لا يملك سلاحاً، بعد نصف ساعة نحضره له». وبتكليف من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، انتقل الوزير شربل إلى صيدا لترؤس اجتماع طارئ لمجلس الأمن الفرعي في سرايا المدينة. شربل بسّط الأمور كعادته، معتبراً على سبيل المثال أن العزي مهندس وليس مرافقاً للأسير، وأن تنقل نجله من دون رخصة سوق «مش مشكلة»، لكنه نصح الصيداويين بضبط الأمور لكي لا تنفجر مشكلة لبنان من صيدا كما حصل عام 1975. شربل وقادة الأجهزة الأمنية في الجنوب قرروا الطلب إلى مجلس الوزراء استصدار قرار بجعل صيدا منطقة عسكرية، تنصب فيها حواجز التفتيش وتفرض الدوريات الأمنية لإعادة الاستقرار والهدوء وإلقاء القبض على من يحمل سلاحاً، علماً بأن الإجراءات العملية بدأت منذ ليل أمس وستتعزز بعد ظهر اليوم، بالتزامن مع انطلاق موكب تشييع مرافقي الأسير. لكن اللافت أن الصلاة عليهما لن تكون في مسجد بلال، إذ اختار الأسير قلب المدينة، وتحديداً مسجد الشهداء في ساحة الشهداء، لإقامة الصلاة. والمسجد قريب من مقر التنظيم الشعبي الناصري والحزب الديموقراطي الشعبي اللذين يصفهما الأسير بأنهما «شبيحة حزب الله». وفي ردود الفعل على أحد صيدا، أعلنت الشبكة المدرسية لصيدا والجوار وجمعية تجار صيدا المقربتين من النائبة بهية الحريري، الإضراب العام وإغلاق المدارس اليوم «حداداً على أرواح الضحايا». الحريري رأت أن إشكال التعمير غريب عن المدينة، مشددة على أنها ستبقى الحجر الأساس للسلم الأهلي. «لكن المطلوب إزالة كل العناصر التي تؤدي إلى الفتنة». أما الجماعة الإسلامية، فقد دانت اللجوء إلى السلاح، داعية جميع القوى الى ضبط النفس. ودان رئيس التنظيم الناصري أسامة سعد «الاعتداء على صيدا والقوى الأمنية»، ورأى أن هناك من يصرّ على افتعال المشاكل في صيدا وإغراقها في حمام دم. ووصف الشيخ ماهر حمود أحداث أمس بأنها «حفلة جنون يقودها الأسير الذي تجاوز كل الحدود دون سبب مقنع». على صعيد آخر، أوعز حزب الله وحركة أمل إلى مناصريهما بالتزام الهدوء، وعدم الانجرار إلى أي إشكال.

المصدر : الأخبار


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة